صلوات في معبد الضمير .. هُنّ! 2 نادية محمود تخترق السقف الزجاجي

نادية فارس

2005 / 12 / 11

لطالما تساءلت ُ مع نفسي : كيف َ سأكتب ُ عن نادية محمود لو أنني قرّرت ُ الكتابة َ عنها ؟
البعض ُ اتهمني بأنني نادية محمود متسترة ً خلف َ اسم ٍ مستعار ! طرح ٌ ساذج ٌ لأن نادية محمود ليست مضطرة ً الى التخفي بعد كل ِّ ماأنجزته ُ في دفاعها عن المرأة .. ونشاطاتها السياسية .. وحضورها المشهود في المجتمع الدولي ! كما أنها لو اختارت التخفي لسبب ٍ أو آخر , فلا أعتقد أنها ستتخفى تحت إسم نادية!!.. ومرة ً أخرى فإن تخمين البعض يثبت ُ سطحية وسذاجة في التفكير تضعنا أمام حقيقة مؤلمة ألا وهي انتشار الصوت الغبي وضجيجه في أوساط الأنترنت!
كلمة ُ .. اتهمني .. بحد ّ ذاتها تستدعي التوقف ! هل يمكن اعتبار لصق ِ الناديتين .. نادية محمود ونادية فارس .. ببعضهما واختزال ِ صوتين مدافعين عن المرأة .. اتهاماً ؟
نعم ! حين تقف نادية محمود بشجاعة ووضوح لتعري كل الممارسات التي تقوّض ُ حقوق َ المرأة ِ العراقية .. فإن اللوبيات السياسية من فئة الانتهازيين والمنتفعين وتجار الدين والسياسة سيبذلون جهودا ً جبارة لتدمير ِ هذه المرأة وتشويه ِ آرائها وتسفيه مبادئها.
نعم ! حين تحاور نادية محمود أمام المجتمع الدولي حاملة ً معها سيف َ التحليل المنطقي والجدلية ِ.. تكشف ُ هزال الطرح المعارض لها وتقوض ُ ممالك الأبوية والذكورية المتسترة خلف حماية الدين والأحزاب السياسية.
وحين تقف ُ نادية فارس .. هي الأخرى ..لتعلن َ موقفاً مشابها ً من قضايا المرأة والعراق .. فأن تسقيط اسمها يشكل ُ نصرا ً للأنتهازيين وقطاع الطرق وتجار الحرب !
البعض ُ اقترح َ أن أشتم َ نادية محمود.. وأبريء ذمتي .. كي أنقذ َ نفسي من تهمة الصاقي بها!وكأنني أنا الأخرى محبوبة ٌ لدى أوساط من شتموها ! علما ً إن ّ عملية اختزال الناديتين بأمرأة ٍ واحدة مثير ٌ للسخرية ! فشر ّ ُ البلية ِ مايُضحك ُ ! !
ها أنا أكتب ُ للمرة ِ الأولى عن نادية محمود .. كما أراها أنا .. لاكما يريدني الاخرون أن أكتب عنها .. سواء كانوا من الأصدقاء ِ أم من المتهمِين .. أو المفترين .. أو المتاجرين !
أكتب ُ عن نادية محمود الناشطة العراقية .. التي وقفت كنخلة ٍ وسط نساء العالم .. نادية التي احترمها المجتمع الدولي ونساؤه وهاجمها فطاحل السياسة العراقيون .. فمأساتنا نحن العراقيات أن ّ مصائبنا لاتأتي من الغرباء للأسف !
نادية محمود .. حاملة ُ شهادة البكاوريوس في العلوم السياسية .. المثقفة .. الواعية لقضايا التمييز الجندري .. المدافعة عن المرأة ..الناشطة .. المنطلقة الى العالم المتحضر بحثا ً عن حلمها الجميل بتحقيق مساواة المرأة العراقية .
هي.. فراشة ٌ عراقية ٌ رقيقة .. وصفعة ٌ قوية ٌ للتخلّف ِ والعقول المريضة .. وموقف ُ حق ٍّ عجز َ الكثيرون عن امتلاكه !
رغم أنني لاأتفق مع نادية محمود بشأن موقفها الحزبي ..الذي وضعها في بؤرة الصراع بين الأحزاب السياسية.. وأضاف الى ثقل معركتها من أجل المرأة .. ..إلا أنها تبقى ألقا ً وشمسا ً واعدة في الحركة النسوية العراقية! فنساء ُ العراق ممنوعات ٌ ضمنيا من ممارسة العمل النسوي المستقل ..مما يشكل ُ عقبة كبرى تمنع ُ الحركة النسوية العراقية من التطور وتضيف سقفا ً زجاجيا ً يوقف النساء عند حدّ ٍ مرسوم لهن مسبقا ً.

نادية محمود اختارت الدراسة َ في قسم العلوم السياسية من كلية القانون و السياسة عام 1985.مما أثار َ غضب أسرتها لأنها لم تختر قسم القانون، حيث كان بالأمكان أن تتخرج َ كمحامية.. والدتها على الأخص كانت تؤكد أن نادية تمتلك ( لسان محامي)! أمّا اولئك الاداريون في كلية القانون فقد استغربوا اختيارها لكليّة ِ العلوم السياسية رغم حصولها على معدلات عالية كانت تؤهلنها لاختيار ِ علوم ٍ أخرى كتخصص ٍ جامعي .
ألمسألة ببساطة هي أن نادية درست و تعلمت و انخرطت في العمل السياسي، و فهمت السياسة من وجهة نظر المعارضة .. وليس الأنصياع والتبعية .. في سن ٍّ مبكرة. أرادت فرصةً لدراسة نظريات السياسة من وجهة نظر ( الحكومة) والدولة .. كيف تزاول سياستها؟ و على أية أسس و مباديء تتم ُّ إدارة ُ الدولة ؟ .. ولكنها أُحبطت باختيارها لدراسة العلوم السياسية في بلد قامت سياسته على أساس الحزب الواحد والديكتاتور الواحد حيث تقول نادية:

وعلى أية ِ حال، وإن كنت ُ تعلّمت ُ شيئا ً ليس بالكثير من خلال دراستي، إلا أني أستطيع ُ القول إنها كانت مضيعة حقيقية للوقت. فدراسة العلوم السياسية في بلد ديكتاتوري، يمكن ان تعلمك أي ّ َ شيء ماعدا العلوم السياسية!

ألمحيط الأجتماعي الذي نشأت فيه نادية .. ليس مختلفا ً عن المحيط الأجتماعي العراقي بشكل عام .. لكنها كفتاة ذكية وممتلكة لقدرات الدفاع , كما شخصّت ذلك فيها أمها , استوعبت مظاهر ضعفها وضعف موقع والدتها التي عاشت الشكل التقليدي للعلاقات الأسرية العراقية. كما أنها لاحظت أن أدوارها ضمن الأسرة خاضعة لاختلاف الجندر بين ذكور الأسرة وأناثها .
كان لذلك المحيط وللفهم المبكر تأثيراتهما على تكوين وتشكيل نادية محمود ورفضها لكل مظاهر وممارسات عدم العدالة . ابتدأت رحلتها مع الأنتماء السياسي والدفاع عن المرأة منذ ُ الأيام الأولى لشعورها بالضغط عليها باعتبارها فتاة داخل الاسرة .. فعدم التمتع بالحرية التي يتمتع بها شقيقها الأكبر سنا منها.. وحتى الأصغر سنا..أنذرها بالتفكير في حجم الخسارات التي تتعرض لها بسبب كونها أنثى! الأولاد ُ الذكورلا يحتاجون أذنا ً للخروج من المنزل، لزيارة صديق، للعودة متأخرين عن البيت،أحرار في ارتداء ما يريدون. لايقومون بأي ّ عمل منزلي، رغم تعليمات والدهم بأنّ العمل منزلي عملٌ مشترك، حيث كان يجبرهم في أيام الجمعة على ترتيب ِ غرفهم أو مزاولة بعض الاعمال المنزلية البسيطة التي كانوا يتأففون منها.. ويتم إعفاؤهم منها في معظم الأحيان لأن عملهم في البيت عمل ٌ اختياري وطوعي.. تحميهم ذكورتهم لغرض التملص منه ! بالنسبة لها كفتاة .. فأن العمل المنزلي كان واجبا ً اجباريا ً وحالة ً لاجدال فيها! تعود من المدرسة، فتجد ُ بانتظارها أكواما ً من الاواني بحاجة للغسيل، وحينما تكون منهمكة ً في العمل المنزلي , يمارس ُ أخوتها الذكور رياضتهم المفضلة كرة القدم في الشارع تحت مباركة الجميع.
كانت تلك هي المشاعر الأولى التي أثارت في نفسها الشعور بدونية مكانتها قياسا الى مكانة اشقاءها !فدخلت معركتها الأولى للدفاع عن نفسها داخل أبسط خلية في المجتمع .. أسرتها! فهل سيمر ّ هذا بسلام ؟ قطعا ً لا ! كان عليها أن تواجه الأتهامات للمرة الأولى في حياتها نتيجة لاختيارها الدفاع عن كينونتها كأنسان ِ مساو ٍ للآخرين ! تقول نادية محمود في استعادة لبدايات الصراع الجندري مع أشقاءها:
(وما أغاظني فعلا ً أن ّ محاولاتي للفت أنظار اشقاءي الى شعوري بأنهم كانوا ينالون ما لا أستطيع نيله كانت تؤول بطريقة ٍ ليست وديّة أو متفهمة من خلال تساؤلاتهم :( لمادا تشعرين بالغيرة ؟).

كانت تراقب بعين ٍ لمّاحة ٍ وذكية علاقة أبيها وأمها.. لاحظت أن والدتها لاتمتلك الحق ّ باتخاذ القرار حتى فيما يتعلق بشؤون صغيرة ليست مصيرية بالنسبةلأسرتها..فهي لا تستطيع التنقل مثلا بدون نيل موافقة زوجها.. فإن قررت مع بعض الجارات مثلا الذهاب الى ( الزيارة) للنجف و كربلاء، فأنها تُخبر ُ زوجها عند عودته ِ من عمله ِ , فرحة ً بأمرِ الأتفاق . . و بكلمة (لا، ما تروحين) التي ينطقها الزوج يُلغي كلّ اتفاقها مع جاراتها أو قريباتها، و يقضي بذلك على فرحها. كان هذا التعامل الباترياركي المتسلط واحدا ً من الأمور التي لا تنساها نادية.. التي كانت تقضي ساعات من النقاش مع والدها، في محاولة منها لأفهامه أنه لا يحق له أن يلغي اتفاقها، و هل يقبل أن يلغي له أحدٌ اتفاقه مع اصدقاءه؟
دفاع ُ نادية عن حقِّ أمها في أن يكون لها جزء من حرية اتخاذ القرار لم يكن منفصلا ً عن عواطفها والالام النفسية المرافقة لذلك الشعور بالقهر .. فقد كانت تناقش أبيها باكية وكأنها تعرف ُ مسبقا ً أن مصيرها كأنثى سوف لن يكون بأحسن من مصير أمها. . حينها , كانت أمها قابعة منزوية هناك في زاوية من البيت، تشعر بالاطمئنان، لأن أحدى بناتها، كانت تقف ُ الى جانبها مدافعة عنها ومساندة لها..!أما بالنسبة ِ لنادية..فقد كانت تشعر ُ بحاجة أمها لدفاع ابنتها عنها مما ولّد َ في نفس الأبنة شعوراً بمسؤوليتها عن تصحيح هذا الخطأ. كان ذلك هو الحافز الأول للدفاع عن بقية النساء و للدخول الى عالم السياسة.. تقول نادية:
( الشعور بغياب العدالة ! هنالك ظلم ضدنا، لأننا ولدنا نساء. و حقوقنا أقل لأننا نساء. علما أني واثقة كل ّ الثقة بأنهم ليسوا أفضل َ مني، و ليسوا أعقل مني، و لا أكثر نجاحا في المدرسة مني، و لا أكثر فائدة مني في العناية بالمنزل، و مع هذا فأنهم يتمتعون بحقوقهم أكثر مني! هذا ليس عدلا. )

لاحقا .. عرفت نادية أن الظلم لم يكن في المنزل فقط، بل في المنزل الأكبر الذي نعيش فيه: ألاوهو المجتمع. كانت بداية مراهقتها في فترة الهجوم على الحزب الشيوعي العراقي، وكانت آنذاك صديقةً للحزب، و كانت تعي ممارسات البعثيين للطغيان السياسي في استغلال ٍ مريع لسيطرتهم على مراكز القوة...و الشعور ُ بغياب العدالة صار أكثر وضوحا ً.. فقدكانت تتساءل:
( من يتصورون أنفسهم ؟ وكيف يمنحون أنفسهم الحق ّ في فرض ِ لمن يجب أن ننتمي سياسيا، أو أن نعطي تعهدات بعدم الأنتماء إلا لحزبهم، أوإجبار الطلبة على الأنتماء جميعا ً لحزب البعث !! لقد رفضت سياسة التبعيث الأجباري.. الأمر ببساطة أنهم لم يتمكنوا من إجباري على القيام بعمل لا أريد القيام به. كنت صديقة للحزب الشيوعي آنذاك، و كنت أتوقع أنني كنت سأنتظم ُ في صفوف الحزب، كعضوة فيه. وكان البعثيون يريدون تغيير مساري الى الدخول في صفوفهم. لقد كنت ارى كم كان المجتمع ينظر لهم بعين الخوف و الرعب.)
و حين بدأت سياسة التبعيث.. تمادى البعثيون الى حد لا يمكن قبوله. فتركت نادية دراستها لمدة خمس سنوات.. كان ذلك من عام 1979 الى عام 1984.. و هنالك بدأت المرحلة الاولى في نضالها السياسي، و انضمت الى صفوف الحزب الشيوعي. عملت بأوضاع العمل السري، تنقلت ُ في عدة مدن، لتنفيذ ِما يطلبه الحزب منها . كانت تلك هي بدايات نادية محمود مع العمل السياسي الحزبي المنظم .
في السنوات التي انتمت فيها نادية محمود للحزب الشيوعي .. كان الحزب يتعرض الى حرب ٍ شعواء مما وجه اهتمام الحزب الى محاولة لمّ شمل أعضائه وعضواته الذين انتشروا في أصقاع الأرض .. وندب شهدائه وشهيداته والمسجونين والمعدومين .. مما حوّل موضوع المرأة الى موضوع ثانوي وأصاب نادية محمود وبعض الشيوعيات بالأحباط.. فكما ذكرت في بحث ٍ مسبق إن عدم استقلالية الحركة النسوية عن الأحزاب السياسية أضرّ بالحركة النسوية وجعلها عرضة للصراعات بين الأحزاب في بلد يعاني من غياب الديموقراطية.
ومرة ً أخرى تنتفض ُ نادية محمود لقضيتها كأمرأة ترفض تهميشها .. فهي التي اختارت أن تكون المرأة قضية تستحق الدفاع عنها تحت ظل ّ كل المتغيرات السياسية .. وهي نفسها ثارت لأنها شعرت بتغلب الحزبية على المرأة كأولوية.. حيث قالت في سبب ِ انفصالها عن الحزب الشيوعي العراقي :
(في تلك المرحلة من العمل بصفوف الحزب الشيوعي العراقي، لم يكن هنالك اي ذكرٍ لقضية المرأة، المرأة يجري تذكرها في الثامن من اذار، حيث يجري تقديم الهدايا الرمزية لها! عدا هذا الأحتفال، لا أتذكر أن هناك أي ّ عمل جرى بذله على قضية المرأة. و بالنسبة لي في تلك السنوات الخمس الأولى التي تركت فيها دراستي، و تركت بيت اسرتي، و ذهبت للعمل في التنظيمات الخيطية للحزب، و قمت بالكثير من الأعمال، قمت بها كوني امرأة، لكون النظرة الي اقل اثارة للشبهات مما لو قام بها رفيق- رجل. اي استطيع القول، انه جرى استخدامنا كنساء، للعمل الحزبي، و لم يكن العمل الحزبي، مخصصاً للدفاع عنا كنساء. لم يكن هنالك ذكر لقضية المرأة. كانت هنالك ديكتاتورية، والأيام المعدودة لسقوط النظام، التي نكررها على أنفسنا في نهايات شهر اذار من كل عام.)

نادية محمود لم تعد تلك الفتاة الصغيرة المتمردة على القوالب التقليدية والأدوار المرسومة للمرأة.. بل أصبحت سياسية وعاشت الصراع السياسي .. وتشكلت رؤيتها السياسية من خلال نضالها في صفوف الحزب الشيوعي ودراستها الأكاديمية ..كان الحزب مدرستها التدريبية الأولى التي وضعتها في بؤرة الصراع ضد عدم العدالة والمساواة .. وكانت الجامعة هي المحرك لها للتحليل السياسي العميق الذي قد يكون بديلا ً بما يتناسب ورؤيتها السياسية لقضية الجندر والتمييز الجندري.. كما أن نضالها السري في مواجهة من الديكتاتورية السياسية أكسبها شجاعة مضاعفة على اتخاذ قرارها المستقل.. أتوقف عند قولها في إبراز عوامل مساهمتها في تأسيس حلمها البديل:

( تلك الفترة انتهت في اواخر الثمانينات. لتبدأ مرحلة اخرى، مرحلة الشيوعية العمالية.. و كان ذلك بعد حرب الخليج. فتحت الملفات كلها، سقوط الاتحاد السوفيتي. النظام العالمي الجديد. حرب الخليج. انتفاضة اذار، الحركة المجالسية في كردستان العراق. الشيوعية و حاجتها للتحزب في العراق.. الطبقة العاملة، قتل النساء، جرائم القتل على اساس الشرف التي بدأت موجتها في الشهرين الاولين بعد خروج كردستان من سيطرة الحكومة المركزية، على ايدي الحزبين الديمقراطي الكردستاني و الاتحاد الوطني، بحجة أن تلك النساءكُن ّ عميلات للنظام البعثي- مرة أخرى القتل لم يشمل الرجال العملاء- " العملاء" كانوا في السلطة الجديدة ينعمون بالأمن. تأسيس منظمة المرأة المستقلة في كردستان. انخراطي لاحقا بها. فاصبحت قضية المرأة، من قضايا الصدارة. رأيت في تلك الزيارات التي اتي فيها الى كردستان العراق، أنّ هنالك نسوة يجمعن التواقيع، يحتفلن بالثامن من اذار، يتحدثن عن قتل النساء. يصدرن جريدة نسوية. يعقدن ندوات تلفزيونية، يطالبن بتغيير قانون الاحوال الشخصية. يتحدثن علانية عن تعدد الزوجات، و نقد الشريعة، و قانون الاحوال الشخصية، كان ذلك في عام 1993. كان كل ذلك مبعث انبهار. لم يحدث أن ناقشنا في السابق الحركة المطلبية للنساء، ماذا تريد النساء، كنا نقرر مقولة واحدة، لم تفحص، لم تناقش و لم تقلب على اي وجه، تحرر المرأة مرتبط بتحرر المجتمع، لا يمكن الحديث عن تحرر المرأة و الرجل مضطهد، او المجتمع غير متحرر. الا أني في كردستان، في تلك الحركة الشيوعية العمالية، كانو يتحدثون عن الحركة المطلبية اليومية، و كيفية انتزاع الاصلاحيات يوما بعد يوم من البرجوازية، و كيف يتوجب فرض التراجعات عليه، و كيف ان حركة تحرر المرأة، هي حركة عمل وتنظيم و صراع يومي،وليست مسألة مركونة على الرف، متى تحرر المجتمع، نعطي صوتا للنساء، هي، تحررن الان يانسائنا، فقد حررنا المجتمع!

قبل أن أنضم، او أسهم في تأسيس الحزب الشيوعي العمالي العراقي، كنت ارى، أن النساء استخدمن لأجل الوطن و للدفاع عن الوطن مرة، او الدفاع عن تحرر المجتمع من الديكتاتورية، او النساء موجودات لتحرير غيرهن، للوقوف جنبا الى جنب مع أخوانهن أو رفاقهن من الرجال لتحرير المجتمع، حين دخلنا في صفوف الحزب الشيوعي العمالي العراقي، كانت قضية المرأة تحتل مكانا مختلفا، المرأة ليست موجودة للدفاع عن تحرر المجتمع، و إن كانت تقوم بهذا كأمر بديهي أيضا كونهن نصف المجتمع، الا أن اضطهاد النساء هو لوحده قضية قائمة بحد ذاتها، بحاجة الى العمل عليها. بحاجة لتنظيمها من اجل النساءأنفسهن، من أجل كرامتهن، حقوقهن المصادرة فقط لكونهن نساء. اضطهادهن المزدوج، منزلة المواطنة من الدرجة الثانية التي وضعها المجتمع فيها. كل تلك القضايا كانت بحاجة الى عمل يومي لغرض تنظيمها ودراستها . فتشكل الحزب الشيوعي العمالي العراقي، و أقر برنامجه، الذي خصص فقرة خاصة للدفاع عن حقوق المرأة، و خصص فقرة خاصة عن الحقوق و الحريات الجنسية، ضاربا بكل سخافات الدفاع عن الشرف، التي تدفع النساء ثمنا حياتهن لها، بينما الرجل لا يدفع حياته هو او دمه هو دفاعا عن شرفه، انه يذبح النساء قرابين ليتمتع هو بالسمعة الحسنة. هذه النظرة الأنسانية للمرأة التي كنت اشعر بها في بدايات حياتي، مسألة المساواة، عدم عدالة التمييز ضد ّ النساء، وجدت أن لها موقعا ومكانة وهي احد ميادين الصراع السياسي اليومي في المجتمع، و ليست قضية مركونة على الرف. من هنا يجب ان اقول أن رفاقنا في الحزب الشيوعي العمالي العراقي يقومون بدور رائع في ثقوية نساءنا، في دعمهن في أن يعبرن و أن يعملن على تقوية الحركة النسوية ليس في العراق و كردستان فحسب، بل في كل مكان يتواجدن فيه يحصل ظلم فيه للنساء. )

فهل يعني هذا أن الحزب الشيوعي العمالي هو حزب نساء؟
هل سيخيب ظنها هذا الحزب أيضا ً؟
هل ستتعرض نادية محمود لعقوبات تفرضها الأحزاب الأخرى ومتاجري الدين ؟
تساؤلات مشروعة ليست فقط من أجل نادية محمود .. بل من أجل الكثير من نساء العراق الناشطات اللواتي اضطررن للعمل السياسي ضمن الأحزاب لأقرار حقهن بالمشاركة الفاعلة .. فكل شهيداتنا هن شهيدات لأحزابهن ..أرقام ٌ ليس فيها رقم ٌ واحد لشهيدة من أجل حركة نسوية مستقلة! وفي الحقيقة , فإن شهيداتنا وناشطاتنا لم يستطعن اختراق السقف الزجاجي المفروض عليهن من قبل رجال الأحزاب.

نادية تقول في هذا الصدد:
(كما تعرفين لم يكن لدينا في العراق اية منظمات نسوية، في جيلي على الاقل، كان هنالك الاتحاد العام لنساء العراق، الدي كان ممثلا للنظام بوجه النساء في العراق. حتى وان كنت امرأة تبحث عن احقاق حقوقها، لم يكن هنالك فرصة غير الانخراط في العمل السياسي، الذي كان سريا، و بالتاكيد صعبا، قاسيا، و محفوفا بالمخاطر. بتجربتي الشخصية كما وضحت، لم يكن الحزب الشيوعي العراق هو مكاني للدفاع عن حقوق المرأة او التحدث عن مطالبها، انا لا اقول ان الحزب الشيوعي ضد حقوق المرأة، بل لا يشكل النضال من اجل تلك الحقوق مشغلة له. انها قضية متروكة لاشعار اخر. في الحزب الشيوعي العمالي العراقي امر مختلف. مسألة النضال من اجل حقوق النساء، تنظيم النساء، العمل معهن على تأسيس منظماتهن، اصدار صحيفتهن، تشكل مشغلة للحزب، و هذا ليس من باب كسب النساء للحزب، بل العكس، من اجل جعل الحزب، متموقع في قلب الحركات المطلبية للمجتمع، النساء لا تعمل للحزب، الحزب يعمل للنساء، يدافع عن حقوقهن، و يسعى لانهاء اشكال العنف الموجه ضدهن.

و لانني شخصيا، رغم مشاعري بالاضطهاد كوني فتاة، او امرأة، لم يكن هنالك اطار للدخول فيه. فدخلت السياسة. ثم من السياسة ركزت على حقل خاص ايضا هو حقل الدفاع عن حقوق المرأة. انضممت في كردستان العراق الى منظمة النساء المستقلة، اصدرت صحيفة باللغة العربية اسمها المساواة. ثم انتقلت الى تركيا، و ادمت أصدار النشرة. ثم توقفت، حتى انتقالي الى لندن، هناك اسست مركز الشرق الاوسط لحقوق النساء، كان دلك في تموز عام 1999. ثم اصدرت مجلة النساء باللغتين العربية و الانكليزية في عام 2000 كاول مشروع من مشاريع هدا المركز. اسهمت بتاسيس منظمة حرية المرأة في العراق في حزيران 2003، و اعمل كممثلة للمنظمة في الخارج. حضرت العديد من المؤتمرات في انحاء العالم للتعريف بوضع النساء في العراق، و لجلب الدعم و التاييد لقضايا المرأة في العراق، اخرها هو العمل ضد الدستور الاسلامي في العراق، من اجل اقرار قانون مساواة في العراق. عقدنا ندوات حضرت فيها نساء من الشرق الاوسط، من مصر، و الجزائر و المغرب، اقمنا فعاليات مشتركة مع منظمات عالمية مثل منظمة العفو الدولية. اكتب المقالات في جرائدنا الصادرة بالعربية و الانكليزية عن منظمة حرية المرأة في العراق. في مركزنا الان في لندن نظمنا ستة ايام لتدريب النساء و الرجال في ميدان الدفاع عن حقوق المرأة، و العمل متراكم أعلى من الرأس.)

ملاحظة: نادية محمود عبرت عن آرائها بوضوح وصراحة ..ليس من أجل تمجيد حزب دون آخر , بل من أجل سرد سيرتها.. وبالنسبة لي شخصيا ً, فأنا حيادية لأنني لم أنتم ِ الى حزب ٍ سياسي ولم أعان ِ من عدم توازن القوى الجندري ضمن تشكيلات الأحزاب.. للأمانة التاريخية يتحتم ُ علي ّ نقل أقوالها كما جاءت .. شكرا



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن