هل يساعد الانقلاب على ديلما روسيف البرازيل في الخروج من أزمتها؟

مرتضى العبيدي
mortadha_labidi73@yahoo.fr

2016 / 5 / 23

انتهى التصويت في مجلس الشيوخ البرازيلي إلى إقالة الرئيسة ديلما روسيف مؤقتا لمدّة 180 يوما ليُفسح المجال إلى محاكمتها بتُهم تتعلق بالتصرف في ميزانية الدولة دون العودة إلى البرلمان. وقد جاءت هذه الخطوة الأخيرة بعدما كان البرلمان قد صادق بأغلبية الثلثين على إحالة الملف على أنظار مجلس الشيوخ الذي يخوّل له الدستور تنحية الرئيسة مؤقتا بالأغلبية البسيطة فقط.

"الانقلاب البرلماني" ضدّ ديلما روسيف

وقد صاحبت العملية حملة من التشويه والإثارة شنتها وسائل الإعلام بمختلف أصنافها والتي تملكها قطاعات من البورجوازية المتعفّة التي جيّشت الرأي العام لا ضدّ ديلما روسيف وحدها بل وكذلك ضدّ الرئيس الساق لولا دا سيلفا زعيم حزب العمل البرازيلي وضدّ كلّ أطياف اليسار السياسي والاجتماعي الذي يقف وراءها في هذه المعركة. وتعمّدت وسائل الإعلام أساليب المغالطة بتلفيق تهم الفساد والتستّر عليه ضدّ الرئيسة ديلما. ولم يذكر قرار الإقالة المؤقتة أيّ من هذه التهم، بل إن المسألة الوحيدة التي تؤاخذ ديلما روسيف من أجلها هي قيامها بتحويل أقساط من الميزانية من باب إلى باب لسدّ بعض العجز في هذا الباب أو ذاك دون الرجوع إلى البرلمان، وهو إجراء دأب عليه جميع رؤساء البرازيل السابقين دون أن يُساءل أحد منهم على ذلك. ثمّ أن هذا التصرّف في أبواب الميزانية حصل في المدّة الرئاسية الأولى لديلما روسيف وليس في رئاستها الحالية، بينما لا يتضمّن الدستور البرازيلي أي فصل يمكن بمقتضاه محاسبة رئيس للجمهورية عن أخطاء قد يكون ارتكبها في غير مدّة رئاسته السارية.

الهجوم الامبريالي المضادّ على بلدان القارّة

ولا يخفى على أحد أن أجندة المعارضة اليمينية في البرازيل ليست بمعزل عمّا يُحاك في جميع أقطار أمريكا اللاتينية التي تقودها أحزاب وحكومات يسارية، بدعم وتشجيع من الامبريالية الأمريكية وأجهزة مخابراتها وعملائها في هذه البلدان. فالولايات المتحدة التي طالما اعتبرت أمريكا اللاتينية كحديقة خلفية وكامتداد طبيعي لها، لم تقبل بالتحولات السياسية التي شهدتها شبه القارة الأمريكية منذ فوز هوغو شافيز بالانتخابات الرئاسية في فنزويلا يوم 6 جانفي 1998 والانتصارات التي حققتها القوى اليسارية في عديد بلدان القارّة منذ ذلك التاريخ. لذلك رأيناها ترتّب الانقلابات (فينزويلا 2002) وفرض العزلة والحصار الاقتصادي على الأنظمة الجديدة لضمان استمرار هيمنتها المطلقة على المنطقة. وهي اليوم تحصد بعض الانتصارات من أجل قلب الموازين لصالحها، من ذلك خسارة قوى اليسار للانتخابات الرئاسية في الأرجنتين، والتشريعية في فنزويلا، والاستفتاء في بوليفيا والمآل المؤقت للمعركة الحالية في البرازيل.
إن الامبريالية الأمريكية، بعد الخسائر المتتالية التي منيت بها في عديد بلدان القارة منذ مفتتح الألفية الجديدة (فينزويلا، البرازيل، الأرجنتين، الإكوادور، بوليفيا، الأوراغواي، الباراغواي، نيكاراغوا الخ...) أعادت تنظيم قواها بما يسمح لها من الانتقال من حالة الدفاع التي فرضتها عليها نضالات الشعوب وقواها الثورية والتقدمية إلى حالة الهجوم مجدّدا، وهي وإن لم تعد تلجأ إلى نفس الأساليب القديمة التي تعتمد على التدخل المباشر وحبك الانقلابات العسكرية كما حصل في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي في كل من شيلي والأرجنتين والبرازيل والإكوادور وبيرو وأورغواي التي انتهت في جميعها إلى تنصيب ديكتاتوريات عسكرية فاشية وعميلة، فإنها استغلّت حداثة القوى اليسارية بتدبير شؤون الحكم وتسيير دواليب الدولة والأخطاء التي يمكن أن ترتكبها لتأليب الرأي العام ضدّها وعزلها واستبدالها بأساليب أكثر نعومة وأكثر خبث. وهو ما يطرح اليوم على قوى اليسار استخلاص الدروس من مجمل التجارب الراهنة والسابقة لتصحيح المسار وسدّ الباب أمام عودة القوى اليمينية والانتهازية.

من هو ميشال تامر الذي يخلف ديلما روسيف؟

وبموجب قرار التنحية، يتولى رئاسة البرازيل مؤقتا، كما ينص على ذلك الدستور، نائب الرئيس وهو المدعو "ميشال تامر" برازيلي من أصل لبناني، يبلغ من العمر 75 سنة وهو رئيس "حزب الحركة الديمقراطية البرازيلية" الليبرالي الذي كان حليف ائتلاف اليسار في الحكم. وقد دأب هذا الحزب منذ سنة 1994 على التموقع دائما في صفّ الحزب أو الائتلاف الأغلبي لضمان مواقع داخل جهاز الدولة. وهو ما حصل مع ائتلاف اليسار المكوّن أساسا من حزب العمل والحزب الشيوعي في البرازيل والذي لم يحصل في الانتخابات التشريعية الأخيرة على أغلبية مريحة تمكنه من الحكم بمفرده. فما كان من ميشال ثامر إلا عرض خدماته والالتجاق بـالائتلاف اليساري مقابل الحصول على موقع نائب الرئيس وبعض الحقائب الوزارية.
وميشال تامر هو نكرة لدى عامّة الشعب، بل هو مجرّد نتاج للنظام السياسي البرازيلي الأعرج، إذ لم يحصل في يوم من الأيام على أكثر من 3% من نوايا التصويت في عمليات سبر الآراء الخاصة بالانتخابات الرئاسية. إلا أنه مناور كبير وعارف بخفايا البرلمان وبجميع أنواع الدسائس التي تحاك داخله وفي عالم السياسة البرازيلية عموما، وقد سبق له أن حصل على رئاسة البرلمان باستعمال نفس أساليب الابتزاز. وكان بمساندته لديلما روسيف يراهن على الوصول إلى سدّة الرئاسة إذ هو اشترط عليها بالخصوص حصوله شخصيا على منصب نائب الرئيس، وكان في عجلة من أمره للإطاحة بها. لذلك بادر بمهاجمتها في رسالة مفتوحة وجهها إليها منذ شهر ديسمبر الماضي قبل أن ينقطع كليا على ممارسة مهامّه كنائب للرئيس وينعزل في قصره ببرازيليا صحبة زوجته الثالثة البالغة من العمر 32 سنة فقط والتي كانت ملكة جمال للبرازيل في وقت سابق.
وما أن سنحت له الفرصة حتى انقلب على حلفائه من اليسار ليمدّ يد العون للمعارضة اليمينية في مسعاها لإسقاط ديلما روسيف بمنحها أصوات نوابه داخل غرفتي السلطة التشريعية. وقد تقبلت أحزاب اليمين هديته بكل سرور لا حبّا فيه أو اقتناعا بقدراته، بل لمجرّد إزاحة الخصم العنيد ديلما روسيف، خاصّة وهم يعلمون أنّ ميشال تامر لن يقدر على ردّ أي من طلباتهم وهو الذي يواجه تهم فساد ثقيلة لا ترقى إليها التهمة التي تواجهها ديلما، وكذلك الشأن بالنسبة لأبرز كوادر حزبه الذين صدرت ضدّ بعضهم أحكام ثقيلة بالسجن بتهم تتعلق بالفساد والرشوة، وآخرهم رئيس البرلمان ذاته "ادواردو كونها" الذي عزلته المحكمة العليا منذ أيام لكي يتمّ التحقيق معه في ملفات فساد كبيرة. وقد أبرزت عمليات سبر الآراء أن 60% من الشعب البرازيلي لا يقبلون برئاسته ولو بصفة مؤقتة، خاصة عندما يفكرون أنّه بإمكانه المكوث في الرئاسة إلى نهاية المدة الرئاسية الحالية التي تتواصل حتى سنة 2018 في صورة إدانة ديلما روسيف وإقالتها بشكل نهائي بعد انقضاء مدة التنحية المؤقتة.

رئاسة مؤقتة محفوفة بالمخاطر

لكن وصوله إلى منصب الرئاسة في هذا الظرف بالذات هو عبارة على هدية مسمومة أهدته إياها المعارضة اليمينية، وهي العارفة بواقع البلاد والصعوبات لا الظرفية فحسب، بل الهيكلية أيضا التي تعيشها البرازيل. فجميع المؤشرات الاقتصادية سلبية: فالتراجع الاقتصادي قدّر بـ3,8%ـ (سلبي) سنة 2015، كما أن البطالة بلغت حدود 10,2% خلال الثلاثي الأول للعام الحالي، بينما وصلت نسبة التضخّم إلى 9 %. وزاد الأمر تعقيدا انتشار الأوبئة التي يسبّبها فيروس الزيكا وفيروس الأنفلونزا الجديدة القاتلة وهو ما يثير سخط الفئات الشعبية المتضرّرة الأولى منها والتي لم تعد تثق بأيّ من السياسيين وبعالم السياسة الموبوء بالرشوة والفساد. وكل هذه الأوضاع تفرض على الرئيس المؤقت اتخاذ الإجراءات اللاشعبية التي تفرضها البورجوازية المحلية من جهة والمؤسسات المالية الدولية من جهة أخرى. لذلك سارع بتشكيل حكومة من الأحزاب اليمينية، ولم يكن له حتى إمكانية اختيار وزرائه على أساس الكفاءة بل تمّ ذلك على أساس الترضيات والمحاصصة، وهي أولى الصعوبات التي واجهته. كما أنّه قدّم وعودا لرجال الأعمال بعدم المساس بالنظام الضريبي الخاص بهم، وهو ما سيؤدّي به حتما إلى مزيد إثقال كاهل العمّال والأجراء الذين بشرهم بانتهاج سياسة التقشف النيوليبيرالية التي لم تترك سوى المآسي حيثما طبّقت، وبضرورة الاستعداد لمزيد من التضحيات.
وهكذا فإنّ جميع المؤشرات تدلّ على أنّ "الانقلاب البرلماني" الحاصل ضد الرئيسة المنتخبة ديلما روسيف لن يضع البرازيل على سكّة النجاة ممّا هي فيه من أزمة متعدّدة الأبعاد، بل هو مجرّد مسكّن يُرمى به في وجه الفئات الشعبية التي ضاقت ذرعا بالسياسات المتّبعة إزاءها والتي عرفت تراجعا كبيرا مقارنة بما شهدته أوضاعها من تحسّن خلال السنوات الأولى من حكم حزب العمل بقيادة لولا دا سيلفا.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن