زهر اللّوز -8-

نادية خلوف
nadia_khaloof@yahoo.com

2016 / 5 / 13

في اليوم الأخير من الفرح علّقت يافطة تحمل مرادفاً له
فتحت أبواباً على طول الطريق مزيّنة بشرائط الاحتفال
سوف أرمي بالحبّ كلّ الأبواب المفتوحة، أقيم هنا إلى الأبد
الأرض للجميع. الأرض في العالم هي للبشر
بين الأبواب المخصّصة للحبّ أضع حواجز ولا أسلاك شائكة
وفي الحقول الخضراء وضعت صوراً لبشر من الزمن القادم
سوف أقرأ الكتب المقدّسة ، أكتب كتابي بنفسي
وأصبح داعية فرح، أغنّي عليكم السّلام
تحدّثت مع مكرود ،كان رقيقاً في هذه الليلة. أعجبه ما قلت. اقترب من أذني، همس: أخاف عليك يا زوجتي.. يبدو عليك شيئاً من الجنون . كلامك جميل يمكن أن تكتبيه في صحيفة ، أو كتاب، لكن أن تتخيّليه، وتتمسّكي به فهو ضرب من الوهم.
أراك تتذمّرين أحياناً من كونك امرأة، بينما يجب أن تفخرين بذلك. كوني كما أنت . جميعنا بشر، وليست همومي بأقلّ من همومك. أمسكُ جهاز التّحكم بالتّلفاز كي أرى الأخبار، ولا أراها. يتحدث مقدّم النشرة بينما أكون نائماً ، وعندما أصحو أجد أنّ البثّ يعاد. إنّني أشبهك، فأنت تحدّثين شجرة اللّوز ، وأنا أحدّث التّلفاز .
أنا وأنت نبحث عن العدل. عن فرصة عمل تناسبنا، عن الحدّ الأدنى من العيش، وكلانا سوف يكون مجنوناً إن لم نتماسك أمام الاختبار . الظّلم لا يفرّق بين رجل وامرأة.
-أنا مسرورة بحديثك يا زوجي . كنت أعتقد أنّك توقّفت عن الكلام. سوف يستمرّ حبّك في قلبي، لكنّ الوقت يسرّقني ، والتهيؤ يسحبني من عالمي. يبدو أنّك ترى الحياة لا كما يراها النّاس. ماذا لو أسميتك مسعود ؟
-أنت أيضاً رقيقة، وجميلة، ومعطاءة ، أحبّ أن أسميك باسمك الحقيقي. نحن من يغيّر معنى الأسماء.
هيا إلى النوم. علينا أن نعمل روتين حياة ، ولا نجوب أطراف الليل، الليل للعاشقين،
والمتعبين. ونحن الآن تجاوزنا تلك المراحل. وصلنا إلى النّضج.
أسعدني اهتمام مسعود لأمري . أخشى أن أعيد له اسمه فيتوّقف عن الكلام، كما أخشى أن تكون المرّة الأخيرة التي يحدّثني بها. لو حدّثني كلّ يوم لما كنت بحاجة إلى الجلوس ساعات طوال في عزلة عن العالم. نمت ساعة ثم استيقظت على شخيره. سمعت نداء، تبعته. رأيت خاسر يجلس في الحديقة ومعه رجلان وسيدّة واحدة.
عرّفني عليهم. قدّم لي المرأة : أمّ الرّيم النّاشطة في حقوق المرأة . أبو إياد الناشط في حقوق الوطن، وأبو النّور الناشط في أمور الله.
بدأت أمّ الرّيم بالحدّيث. كان الحديث مملاً. قلت لها: لا أفهم ماذا تعني حقوق المرأة. هل تعني أنّه ليس للرجل حقوق؟
تحدّث أبو إياد عن الوطن الذي ربّانا، وأكلنا من خيره، وكبرنا على حبّه . علينا الآن أن نردّ الأمانة، وندافع عنه حتى الموت.
سألته: ماذا قصدت بالوطن. هل هو الأرض أم الدّولة، أم ماذا؟
لماذا يطلب منّا الوطن أن نموت؟

كل الدنيا فيها أرض وسماء. إن ضاق علينا الوطن يمكننا تبديله.
تحدّث أبو النّور باسماً ومطرقاً بنظره إلى الأرض ،
قال: يمكننا تبديل المكان كما قلت، لكن هل يمكننا تبديل الله؟ هو الأن يرانا، ويسمعنا. الله أعطانا الحق بالحياة ، والإيمان هو أن نقوم بالفرائض، ونلبي رغبات ولي الأمر.
لم أقل شيئاً. الأمور جدّية لا مزح فيها. ماذا لو طار رأسي؟
بعد أن انصرفوا أتى خاسر مبتهجاً:
أردت أن أملأ حياتك بالبهجة. أحضرت لك كلّ أطياف المجتمع السّياسي.
لم أتمالك نفسي ، قذفت خاسر بصحن كان في يدي :
هل أنت جاسوس يا خاسر؟
كيف تجلب إلى بيتي هؤلاء البشر؟
لولا احترامي لنفسي لطردّتك وطردتهم.
-هم مجرّد أشباح من الزّمن الماضي.، قتلهم ولي الأمر. كل شخص منهم قتل بسبب بتهمة.
اشتركوا في الحصول على مبالغ ماليّة قسّموها بينهم، وكما تعلمين أنّ لولي الأمر خمس الأموال. وعندما تجاهلوا حقّه قتلوا شنقاً حتى الموت، أتى بدلاً منهم ثلاثة أعطوا نصف كسبهم لولي الأمر، ولما تمكّنوا منه قتلوه لأنّه ظالم أعدم رفاقهم " الشّهداء" ووضعوا صور الثلاثة الذين قدموا لزيارتك على باب المجلس .
-أظهرتَ لي أسوأ ما فيكَ. هذا أوّل يوم أشعر أنّني لا أعرفك. ما هذا الهراء الذي فعلته؟
-هي سّياسة. عليك أن تتعلّمي كيف يفكر البشر. هؤلاء سياسيون لا علاقة لهم بالصّفات التي يتحدّثون باسمها. السّياسي يبحث عن السّلطة والمال فقط.
-اذهب يا خاسر. اتركني مع نفسي. تسبّبت لي بالغضب.
لا يتركونني حتى في الحلم.
أهرب من كلماتهم الجوفاء، يأتي بهم خاسر إلى عندّي ، ويعكّرون صفو ليلتي.
شجرة اللوز تهتزّ . تحنو عليّ ، أحضنها .
كم هو دافئ قلب الأشجار!
عندما تتحوّل شجرة اللّوز التي تقع قرب الباب الكبير في حديقتي إلى غابة، سوف أبني علّية بين أغصانها، وأفتح طرقاً، وأنشئ محميّة طيور .
أحس أنّها تشعر بي.
تسألني:
عندما تغادرين هذا المكان. هل سوف تأخذيني معك؟
ولماذا أغادر؟
سوف أبقى هنا قربك، أنت جزء من عالمي الجميل.
كأنّ الشّجرة تقرأ ذهني.
بعد لقاء اليوم . نداء لم يتكوّن بعد يدعوني للرّحيل .
أشعر به يكبر.
لا. هنا حياتي، وذكرياتي. لن أرحل. عد إلى مكانك أيّها النّداء .
لا شيء يستحقّ .
توقّفْ عن الإلحاح . ما تطلبه ثقيل على نفسي.
لكنّها الحياة تدعوك.
لو حان وقت الرّحيل . ماذا سيكون مصير شجرة اللّوز التي تقع قرب الباب في حديقتي الخلفيّة؟



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن