طفولتي الروائية

هاله ابوليل
HALAABULAIL@YAHOO.COM

2016 / 5 / 1

هذه طفولتي الروائية
لم يحدث أن أصبح أحدهم شهيرا أو وصل لدرجته من الشهرة بدون البدايات , ودائما البدايات متواضعة كما هو معروف, لذا سنجد من يتنكر لأعماله الأولى أو يتمنى لو إنها غير منشورة أو ربما يتجاهل وجودها ولا يقوم بطباعتها مجددا و وقد لا يأتي على ذكرها في مقابلاته اللاحقة , وكأن تلك الأعمال الأولى التي يتبرأ منها عار شخصي يمسه أو مأزق وجودي يلوث تاريخه الجديد .
هل من الممكن فعليا - أن نجد مؤلفا شهيرا يقول عن عمله الأول
هاكم عملي الأول .إنه طفولتي الأولى ولا أخجل منه , وهذا ما كنته , وهذا ما أصبحت عليه .ولكن ما نجده أن هناك من يتبرأ من تلك البدايات, فيتنكرون لأعمالهم الأولى!!
ومن الذين تنكروا لأعمالهم الأولى " جورج اوريل " عن روايته " إبنة القس" التي صنفت في تلك الأزمان , بأنها رديئة جدا . و جورج أورويل لمن لا يعرفه صحفي بريطاني - اشتهر بمهارته الصحفية في تمسيد شعر قطته للوراء , كرمز لكل من يحصل على شهرته بإثارة المشاكل , وجورج صاحب مزرعة الحيوان الشهيرة - ليس هذا اسمه الحقيقي ,فقد اشتهر باسمه المستعار , حيث أن اسمه الحقيقي "أريك آرثر بلير " ولكن لما تنكر لها
فلذلك قصة حتما غير كلمة جدا - كونها رديئة جدا !

و هناك الشاعر الفرنسي "مالارميه" صاحب قصيدة " رمية نرد الشهيرة و الذي إنتقد كتابيه :
" الكلمات الإنجليزية و "الآلهة القديمة " في رسالة إلى فرلين عام (1885) قائلا : " لقد كتبت في أوقات الضيق أو لشراء زوارق غالية الثمن أعمالا مستنكرة , ومن الأفضل أن الاّ نتحدث عنها.
وهذا يحيلنا لحاجة الكاتب للمال , فيكتب ما لا يرضى عنه لأنه يحتاج للمال , كما فعل الروائي الروسي ديستوفاسكي -الذي اجبر على كتابة عمل روائي كامل في مدة شهر واحد فقط وتسليمه للناشر الذي قام بشراء ديونه. وإن لم ينجح في ذلك، كل عمل نشر سابقاً وكل عمل سيكتب لاحقاً سيكون ملكاً حصرياً للناشر. وقد ارسل ديستوفسكي في وقت لاحق لصديقه فرانجيل , قائلا له : "لقد بعت لشيلوك هذا الزمان رطلا من لحم قلبي "
أما عربيا فلا أحد ينسى رواية "أشواك " الصادرة عن " دار سعد "عام 1947والتي كتبها سيد قطب في بداياته وتبرأ منها بعد تحوّله إلى مصلح اجتماعي وديني فلم يصدر منها سوى طبعة وحيدة لم تتكرر بسبب منع طباعتها من قبل الإخوان المسلمين فيما بعد .
والسؤال الحائر الذي يفرض نفسه " لماذا ينكر الكاتب بداياته ويحاول طمس ماضيه!!
هل يتنكر أحد ما لبدايات عشقه للحرف و مدارج طفولته في عالم الأدب , أعتقد أن ذلك التصرف يندرج تحت باب
ما يسمى الشجاعة الأدبية , والتي قد لا يملكها أديب أو كاتب كصفة ملازمة له , فليست الشجاعة في القول والفعل وساما يعلق على الصدور عند الأدباء ولا نجدها عند غيرهم فإختيارات البطولة تبقى حسب الأهواء وحسب القناعات فربما وجدوا أن تلك الأعمال لاترقى للأدب ولكن هذا لا يمنع كونها طفولته الأولى , فهل ننكر طفولتنا من أجل إستحسان الآخرين , فالشجاعة كصفة منتقاة , متذبذبة ومراوغة وغير صادقة أحيانا , ونقصد بالشجاعة الأدبية - بمعنى أن يصرح الأديب بأعماله قائلا :"
هذه طفولتي الروائية
نعم , إنها طفولة ركيكة وحائرة وساذجة !أعرف ذلك
و لا يهم .
وهذه رواية نضجي
نعم ,إنها رواية خبرتي مع القلم في رحلته و نسغ إحساسي القوي للأشياء.كما عشتها !
وهذه رواية عمري كله ,
هاكم , إنها بين أيديكم .
وهذه رواية موتي .
هل يمكن أن نسمع بذلك !!!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن