تعقيب على مقال الأستاذ منير العبيدي-الديمقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي -

جاسم الحلوائي
jasemalhalwai2@hotmail.com

2005 / 11 / 23

قرأت مقال " الديمقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي " للأستاذ منير العبيدي في موقع "الحوار المتمدن". إنه مقال جيد، ومعالجة جدية ومسؤولة ومتميزة، وفيها الجديد لأكبر قضية تواجه وطننا والعالم العربي ألا وهو النظام السياسي الذي ننشده ونسعى ونناضل من أجله لحاضرنا ومستقبلنا ــ النظام الديمقراطي المؤسساتي. وبالإرتباط بمستجدات عالمنا المعاصر. وفضلا عن سلامة الأسلوب ووضوح الرؤى فهو يمتاز بالعمق.
لدي بعض التعقيبات وكذلك بعض الملاحظات، وهي حتى إن صحت، لا تقلل من صحة التقييم المذكور في أعلاه.
بإعتقادي بأن الأحزاب الشيوعية لم تكن تفهم من الديمقراطية سوي إنها جسر للعبور الى الثورة الأشتراكية، وذلك وفقا للنظرية اللينينية التي تدعو الى تطوير الثورة الديمقراطية الى ثورة إشتراكية دون توقف. وقد عالج لينين هذه القضية بشكل واف في كتابه المشهور" خطتان للإشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية" الصادر في عام 1905". وقد إستند لينين في ذلك على نظرية ماركس وإنجلس حول الثورة المستمرة والقائلة: " فبينما يريد البرجوازيون الصغار الديمقراطيون إنهاء الثورة بأسرع ما يمكن ... تتلخص مصالحنا ومهامنا في جعل الثورة مستمرة ... طالما لم تظفر البروليتاريا بسلطة الدولة ...ألخ[1] وقد طبق لينين ذلك في روسيا على أسطع وجه، كما هو معروف.
ولم يتخلف الحزب الشيوعي العراقي عن تبني الثورة المستمرة، ويمكن تلمس ذلك في أدبياته ووثائقه في مختلف مراحل تطوره . وبرز ذلك بشكل جلي وصريح في مسودة تقييم سياسة الحزب ومسودة برنامجه في النصف الثاني من الستينيات، واللتين أقرتا في المؤتمر الثاني للحزب عام 1970. وبدأ التخلي عن هذه النظرية منذ بداية التسعينيات في مسودة برنامج الحزب الشيوعي العراقي الجديد الذي أقره المؤتمر الخامس،" مؤتمر التجديد" عام 1993، حيث تخلى عن ذلك. وظل يزيل آثارها. وتغير موقفه نوعيا بتبنيه التداول السلمي للسلطة، الذي هو نفي قاطع للثورة المستمرة ولديكتاتورية البروليتاريا. أما الكفاح من اجل المزيد من العدالة الأجتماعية فسيمر عبر ترسيخ النظام الديمقراطي المؤسساتي، كما أشار الكاتب الى ذلك في نهايات مقاله. فالبشرية لم تبدع نظاما غيره يضمن تنظيم الصراعات الإجتماعية والحيلولة دون تحولها الى صراعات عنيفة وتوفير إمكانية تطوير العدالة الإجتماعية في المجتمع.
فالموقف القديم للحزب الشيوعي العراقي وكذلك للحركة الشيوعية العالمية وطليعتها الحزب الشيوعي في الإتحاد السوفيتي ، كان منسجما مع أيديولوجيتهم الخاطئة، ولم يشوبها عدم مصداقية ( كما ذكر الكاتب) في الموقف من النظام الديمقراطي. وهو موقف علني ومثبت وثائقيا، وأكثر من ذلك فإنهم لم يجدوا تناقضا في مطالبتهم بالديمقراطية في ظل الأنظمة الدكتاتورية والفاشية وهدفهم البعيد، ديكتاتورية البروليتاريا. فعندهم الأخيرة أكثر ديمقراطية الف مرة من أي ديمقراطية برجوازية!! وكراس لينين " الثورة الإشتراكية والمرتد كاوتسكي" الصادر بعد ثورة أكتوبر 1917، مليء بالسخرية من الديمقراطية البرجوازية في مساجلات لينين مع المناضلة الفذة روزا لكسمبرغ في الكراس المذكور . وقد صدق تنبؤ روزا بزوال اللجان الثورية وبقاء صناديق الإنتخابات. وسخرية لينين بالإنتخابات واردة كذلك في كتابه "خطتان للإشتراكية الديمقراطية ..." المشاراليه في أعلاه، حيث يقول:
ـ يجتمع ممثلو رأس المال كل اربع أو خمس سنوات لكي ينتخبوا من بينهم ذلك الذي يقوم بنهب واضطهاد الشعب.
وإشارة الكاتب صحيحة بأن بعض االأحزاب البرجوازية الصغيرة وجدت في ذلك تبريرا أيديولوجيا لديكتاتوريتها. والأحزاب الماركسية في البلدان العربية جزء لا يتجزأ من تلك الأيديولوجية ومسؤوليتها مشتركة. وأي محاولة لتجزئة المسؤولية تؤدي الى إرتباكات، كقول الكاتب مثلا: "تبرير وجود أنظمة قمعية تحت واجهة معاداة الإمبريالية وبدفع من الاتحاد السوفيتي" هنا بدفع من الإتحاد السوفيتي، وفي مكان آخر سنرى بأن ذلك بدفع من الأحزاب الماركسية عندما يقول: "علما بان قوى اليسار الماركسي العربي قدمت لهذه السلطات خدمات لا تقدر بثمن وساعدتها على ترسيخ أنظمة حكمها الناشئة والهشة ، وزكتها أمام القوى الاشتراكية العالمية والمنظومة الاشتراكية ... " سوف لن أتوقف عند هذه القضية الهامة كثيرا لأنني تناولتها بقدر ما يتعلق الأمر بالحزب الشيوعي العراقي في الحلقة الخامسة من مسلسل "الدراسة ألحزبية في الخارج" والتي ستنشر يوم السبت المصادف 26 من الشهر الجاري. ومما جاء في إستنتاجاتها ما يلي:
ــ علما بأني على قناعة تامة، بأن أصوب سياسة للحزب الشيوعي العراقي لم يكن بمقدورها التأثير على مجرى تطور الوضع السياسي في العراق بإتجاه منع أو عرقلة تركز وتمركز الدكتاتورية الصدامية، ولكن كان يمكن أن يكون الحزب في وضع أفضل نسبيا لمقاومة النظام، وهذا بحد ذاته أمر لا يستهان به مأخوذا بعواقبه المستقبلية.
ــ وتشير تجربتنا في العراق و التجربة العالمية، الى عدم وجود طريق مضمون للتطور الإجتماعي، سوى طريق النظام الديمقراطي المؤسساتي، بما يعنيه من مجتمع مدني ومجلس نواب ودستور دائم، والفصل بين السلطات، وإقرار حق تقرير المصير للقوميات، وفصل الدين عن الدولة، وضمان حقوق الإنسان ... ولكن لم يكن هذا هو مستوى وعينا ولا مستوى وعي اليسار العالمي الذي كنا جزء منه آنئذ.
أما بخصوص الموضوع الثاني " العولمة" انا مع الرأي القائل بأن إهتمام أمريكا بنشر الديمقراطية والإصلاحات في الشرق الأوسط ، وليس في أمريكا اللاتينية، جاء بعد 11 ايلول 2001. مع تغيير هام في الستراتيجية . وقد تناولت ذلك في مقال في نيسان من هذا العام تحت عنوان " وقفة تأمل " ومما جاء فيه:
ــ فالحديث يجري عن سياسة، وليست افكار تطرح للمناقشة في هذا المعهد أو تلك الندوة، أخذت تتبلور بعد 11 ايلول 2001 ومعالمها اصبحت واضحة في "مبادرة الشرق الأوسط الكبير" في بداية العام الماضي. فالكلام يدور عن مرحلة جديدة بسياسة جديدة.
وجاء في نفس المقال أيضا:
ــ هل جاءت أمريكا لأجل سواد عيون العراقيين أو لتعلقها بمثل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، التي ناضل من اجلها الشعب العراقي لعقود طويلة من السنين، وضحى من أجلها تضحيات كبيرة؟ كلا، إنها جاءت من أجل مصلحتها القومية الحيوية. فقد تحول الشرق الأوسط الى بؤرة للإرهاب الدولي، الذي يهدد مصالح أمريكا بالصميم، بما في ذلك مصالحها النفطية. والسبيل الوحيد للقضاء على هذه البؤرة، هو دعم الإصلاحات و الحث عليها ونشر مثل وقيم الديمقراطية ومكافحة الفقر والأمية. ولكن هل سيرافق ذلك فضائح مثل فضيحة سجن ابو غريب المدانة؟ أجل و ...الخ
ختم الكاتب مقاله بما يلي :
ــ إن الرد الوحيد على التطرف الديني والمذهبي هو تعميق الديمقراطية وتوسيعها لتشمل كل القوى التي ترغب بالانخراط بها دون إقصاء والشرط الوحيد هو توفير آلية تمنع القوى غير المؤمنة بالديمقراطية من الغاء الديمقراطية بعد وصولها الى السلطة .
مهما تكن الآليات فإن قوى الإسلام السياسي ستحاول إفراغ الديمقراطية من محتواها بألف حيلة وحيلة، حالما تتوفر إمكانية ذلك. ففي إيران تجد تداول سلمي للسلطة و إنتخابات والكثير من مظاهر الديمقراطية ولكن " كل عن المعنى الصحيح محرف". فالنظام من حيت الجوهر شمولي، والرأي الأول والأخير لمرشد الجمهورية في أية قضية حيوية وهامة. وهذا أفضل نموذج لدى الكثير من قوى الإسلام السياسي في العراق. إن الضمان الحقيقي " لمنع القوى غير المؤمنة بالديمقراطية من إلغاء الديمقراطية " هو مبدأ فصل الدين عن الدولة.
وإن "وصول القوى الاسلامية الى الحكم في تركيا دون المساس بثوابت وأسس الدولة ومبدأ التداولية وإحترام الحقوق ..."( كما جاء في المقال) حصيلة الأخذ بمبدأ فصل الدين عن الدولة. فتركيا دولة علمانية. إن عدم إمكانية إقرار المبدأ المذكور في الوقت الحاضر والقبول بأقل منه لا يعني التخلي عنه بل ينبغي السعي من أجل توفير الإمكانيات لتحقيقه في المستقبل وبالطرق الدستورية ففي ذلك ليس ضمان الديمقراطية فحسب ، بل وتوفير إمكانية تطويرها.

________________________________________
[1] ـ ماركس إنجلز، بصدد " الثورة الإشتراكية" دار التقدم موسكو 1983 ص86



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن