الانسحاب الروسي من سوريا

سامي الاخرس
samyakras_64@hotmail.com

2016 / 3 / 19

الانسحاب الروسي من سوريا
متابعة الحالة السورية بعد التدخل الروسي تحتاج لقراءة عميقة في جذور ومحركات الأزمة التي بدأت تتقنع بقناع حراكات الربيع العربي الذي هب على المنطقة بفصل غير ذي ربيع من تونس أواخر عام 2010 عندما أقدم الشاب محمد البوعزيزي على التعبير عن احتجاجه على مصادرة عربته التي كانت مصدر الرزق له في ظروف ملبدة بطابع الاستبداد الحاكم الذي كان يعم المنطقة ولا زال حيث لم يتغير ملامحه أو نهجه رغم كل ما حدث ويحدث حاليًا في المنطقة العربية، بل أيقنت الشعوب التي زلزلت أركانها المجتمعية، ومعالم دولها أن العودة للماضي المستبد خير من فوضى الحاضر، وهوما وصل إليه الشعب السوري أيضًا من قناعات بعدما تشكلت مسميات تدعي الثورة والثورية ما بين أيديولوجية علمانية تحاول طرح نفسها بديل ديمقراطي، وأيديولوجية دينية تتنوع في تقديم فقهها الديني، ورؤيتها الدينية، وما بين هذه وتلك تحولت سوريا لأشلاء مبعثرة، أشبه بدويلات في داخل دولة ممزقة، مما أثر على التشكيلات التحالفية الإقليمية في المنطقة، والتي من خلالها استدركت روسيا أن ظهرها أصبح للحائط في المنطقة بعدما فقدت العراق ومن ثم ليبيا، وأوشكت على فقدان سوريا ومن ثم إيران، بما أن الإسقاط اتخذ الشكل العمدي وإعادة تدوير ومحورت تشكيل هوية المنطقة برمتها، مما دفعها لتحريك صمتها، فتحرك الصوت والأسطول الروسي إلى سوريا لحسم الصراه الدولي هناك، ومن ثم حسم الصراع الإقليمي وسط تنديد هزيل وخجول من الحلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يوحي بأن المأزق السوري خرج عن حدود السناريوهات المرسومة وفق تكتيكات فكفكة المنطقة.
بدأت الطائرات الروسية ترافقها العقلية السياسية الروسية في التحرك باتجاهين بالسماء وبالأرض بغية الحسم مع بعض الجماعات المسلحة دون إقصاء الخيارات الدبلوماسية والسياسية، بل أكدت على أن ضرباتها وتدخلها العسكري هو دافع وقوة لفتح قنوات دبلوماسية وسياسية للأزمة السورية، وهو ما تحقق فعلًا وبدء بعض فصائل المعارضة السورية الجنوح إلى السلم، وكذلك إدراك القوى المتطرفة والدول الداعمة لها أن روسيا لن تخرج مهزومة من سوريا، كما تصور وصور البعض المعركة بأنها افغانستان أخرى، وأن الدب الروسي لن ينسحب تاركًا سوريا بدون حلول جوهرية وثابتة، وهي نفس القناعات والسياسات الروسية التي استطاعت من خلال هذا التدخل العودة من الباب الواسع للمنطقة أولًا، وللساحة الدولية ثانيًا، خاصة بعد أزمة القرم وأوكرانيا ونجاح روسيا في تحجيم الاستفراد الأمريكي في هذه المنطقة، وكذلك نجاحها في تقليم أظافر الاستفراد الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، وفرض سطوتها وكلمتها.
أشهر ما بين الإصرار الروسي والأزمات التي تتابعت من التدخل في سوريا، خاصة بعد أزمتها مع تركيا وإسقاط طائرة سوخوي على الحدود التركية استطاعت من خلالها روسيا أن تعيد ملامح صياغة الاستراتيجيات السياسية، والخطط التكتيكية وأن تعيد الأمل من جديد لمقارعة مخططات الولايات المتحدة واستفرادها ومحاولتها في فرض هيمنة كلية على المنطقة، حتى إعلان الرئيس الروسي أخيرًا بدء سحب القوات الرئيسية الروسية من سوريا، هذا القرار الذي جاء بشكل مفاجئ سياسيًا يؤكد أن روسيا نجحت في تعزيز حضورها ومكانتها في سوريا بل وفي المنطقة بنسبة كبيرة جدً، وفرض هويتها وإرادتها السياسية وهو ما ترجم على الأرض من انتصارات عسكرية استطاعت من خلالها أن تدحر وتفرض على بعض القوى المسلحة أن تترك المناطق التي كانت تسيطر عليها وتنحصر في مناطق معينة وإلتزامها بالهدنة المعلنة، تراجع سقف خطابها ومطالبها السابقة، ولهجة ولغة الدول التي كانت تدعم المعارضة السورية، وتغيير في المشهد الأوروبي الذي كان لا يعرف سوى اسقاط النظام السوري وبشار الأسد، بل بدأ يطرح مفاهيم جديدة منها أن الحل الأساسي في سوريا سياسي وبمشاركة النظام السوري، وهو ما يعتبر تحول في الفهم الغربي لمنظور الأزمة السورية.
عليه فإن القراءات والمؤشرات تؤكد أن الدب الروسي استطاع أن يحقق أهدافه في سوريا وأن يفرض وجوده وسطوته السياسية والعسكرية، ويشارك في صياغة مستقبل سوريا والمنطقة، وصياغة مخرجات الأزمة.
خلاصة الأمر لا قول يمكن قوله إلا أن التدخل الروسي العسكري مهد الميدان للقوة السياسية برسم صياغات مستقبل وملامح الحل في سوريا بل وفي المنطقة، وتحجيم مشروع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الذي كان مرشح للامتداد إلى أبعد من سوريا.
د. سامي الأخرس



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن