إيجابية و سلبية النقلات النوعية في تاريخنا

أحمد العروبي
the.bavarians.leader@gmail.com

2016 / 3 / 9

حينما أتعامل مع التاريخ في أي مكان أواجه خلاف علي حقبة تاريخية ما يتم فيها تفضيل إستمرار حاكم علي أخر أو طريقة حكم علي أخري أو غيره مما سيترتب عليه تغير مجري التاريخ من وجهة نظر المختلفين , و لحل هذة المشكلة أقوم بالنظر لتاريخ هذا المكان من خلال تاريخ أماكن أخري توفر فيها حكام و طرق حكم تشبه الموجوده في المكان المستهدف بالإختلافات في حقبه التاريخية .

مصر نموذجا هنا خاصة في العصر الحديث و المعاصر حيث يظهر الخلاف بين الملكية و 23 يوليو و قبلها بين الملكية و الوصاية الشعبية أو ما بين الإحتلال الإنجليزي و الدكتاتورية العسكرية الوطنية و غيره من الخلافات و لحلها نلجئ للتاريخ في أماكن أخري , لكن أولا قبل البحث في التاريخ علينا أن نعرف أنه لا يوجد نقلة نوعية تحدث في التاريخ دون وجود محفزات لانهائية لها تجعل منها قابلة للحدوث في أي وقت و لذلك كان هناك الثورات و الإنقلابات و الإحتلال و كنا هناك كل ما كان يجب أن يحدث طالما توفرت له المحفزات ليحدث و هذا طبيعي لان التاريخ لا تديره قوي ميتافيزيقية بل تديره قوانين الصراع و متي ضعف أحد المتصارعين سيطر الاخر و ليس شرطا أن يكون الصراع ثنائي بل قد يكون أكثر من ذلك و متي توفرت له المحفزات المناسبة كضعف الاخر أو تراكم الأخطاء في نظامه و هذا ليس في التاريخ البشري فقط بل في تاريخ المادة و الاحياء من قبلنا أيضا .

فقط ما يمكنا فعله هو تقيم النقلة النوعية بالسؤ أو الإيجاب وفقا للمقدمات الكبري التي لدينا فمن لديه مقدمة كبري تقول بالتقدم فلن يواجه مشكلة في تقيم حدث مثل وصول دكتاتور رهيب كبيتر الاكبر لاعلي السلطة الروسية لان وصوله ساهم بشدة في تقدم روسيا , لكن لو لديه مقدمة كبري تقول بالإنسانية فلن تعجبه ممارسات بيتر الاكبر و سيعتبرها تحول للاسؤ في روسيا لان الانسان بالنسبة له هو الاهم و الحرية النسبية للإنسان الروسي قبل وصول بيتر كانت بوضوح أكبر , مثال أخر هو الفتح العربي لمصر و رغم إنه فتح كاليوناني و الفارسي و الروماني إلا إني أقف ضده بسبب مقدمة التقدم لان هذا الإحتلال رغم وجود محفزات كثيرة جعلته يحدث كما من سبقوه إلا إنه كان المساهم الاكبر في تخلف مصر طوال مئات السنين بعد أن كانت علي الاقل متقدمة مقارنة ببقية أقرانها .

في مصر هناك مشكلة الإحتلال الإنجليزي هل هو إيجابي أم سلبي وفقا لعصره (عصر الدولة القومية الحديثة) و هنا إيجابيته ستكون في دعمه للقومية و سلبيته ستكون في عدم دعمها و ليس حتي عدائها بل مجرد عدم دعمها و هذا يختلف عن الإحتلال في العالم القديم حيث كان التقدم في هذا العصر يحدث تحت سيطرة الدولة الإمبراطورية العملاقة التي تحمي نفسها بحجمها و لتقيم الإحتلال بالإيجابي و السلبي يكون بحساب تقدم المنطقة المحتلة قبل و بعد الإحتلال , ما سنلاحظه هو دعم الإحتلال الإنجليزي لاكثر الجماعات رجعيه في مصر و عدائا للقومية و هي جماعة الإخوان المسلمين و هذا لا يعني أن الإنجليز لديهم مشروع إستراتيجي مع الإسلاميين و لذلك يدعموهم بل يعني إنهم محتلين برغماتيين رأو في الإسلاميين قوة يجب إستمالتها بالمال و هذا يمكن ملاحظته في الإحتلال الإنجليزي في كل مكان في العالم مقارنة مثلا بالإحتلال الفرنسي الاقل برغماتية و الاكثر تفضيلا و إهتماما بالثقافة , من النماذج علي هذا دعمهم للإمبراطور في الصين ضد الثورة المسيحية الصينية هناك و التي حتما كانت في صالح بريطانيا و أوروبا ثقافيا لكنها بالحسابات المادية البحته ليست في صالح التجارة و الإنتاج البريطاني كذلك دعمهم للخلافة الإسلامية في نيجيريا و غيره و غيره مما يوضح لنا أن هناك نمطا برغماتيا في تعامل الإحتلال الإنجليزي مع أي أرض يحتلها و هذا يجعله سلبي وفقا لعصره (عصر الدولة القومية الحديثه) .

في مصر أيضا يوجد مشكلة الإنقلابات العسكرية هل هي إيجابية أم سلبية , ما سنراه في مصر طوال التاريخ من نقلات نوعية داخليه يكون علي شكل إنتفاضة ثم إنقلاب عسكري أو إنقلاب عسكري دون إنتفاضة هذا حصل في العصر الحديث بداية من إنقلاب محمد علي علي الوصاية الشعبية مرورا بمحاولة عرابي الإنقلاب ثم إنقلاب 23 يوليو ثم إنقلاب 25 يناير بعد إنتفاضة ثم إنقلاب 3 يوليو بعد إنتفاضة أيضا و الغريب وجود نفس الشئ حتي في تاريخنا القديم حيث كان الجيش ينقلب علي السلطات الشرعية في مصر القديمة حتي لو لم يكن لقادة الإنقلاب نسب من العائلة الحاكمة المقدسة و هذا يتضح في إنقلاب العسكريين علي إخناتون و إنقلاب أحمس قبله علي السلطات الشرعيه للفراعنه المتمصرين ذوي الاصل الهكسوسي , وجود نمط الإنقلابات في تاريخ مصر لا يجب أن يتم تقيمه بالسؤ أو الإيجاب لانه نمط داخلي في التاريخ المصري و هذا يجعله جزء من الهوية التاريخية لمصر و لذلك يبجب التعامل معه بحيادية أو لا مانع حتي بالإفتخار به و لكن ممنوع التحقير منه فالاوروبين مثلا يفتخرون بتاريخهم الثوري رغم إنه علي عدة مستويات لم تكن الثورات شئ إيجابي للغاية و إن كانت ضرورية تماما كالإنقلابات في مصر , و لذلك سيتم تقيم الإنقلابات في مصر كإيجابية أم سلبية وفقا للمقدمات الكبري لمن يقيم كما أسلفت و بالنسبة لي التقدم هو المقدمة الكبري و مجرد حدوث تضاعف في الإنتاج الصناعي مثلا و زيادة في الإنتاج الثقافي فهذا يعني أنه إنقلاب إيجابي و غير ذلك يعني أنه سلبي تماما كما نتعامل مع الثورات في الخارج .

يوجد لدينا كذلك مشكلة الدكتاتورية العسكرية هل هي إيجابية أم سلبية , و ما سنراه في الخارج هو وجود دكتاتوريات عسكرية إيجابية كالكورية الجنوبية و النازية الالمانية و النابلوينية الفرنسية و الدكتاتورية العسكرية اليابانية و الدكتاتورية الاتاتوركية العسكرية و غيرها من الدكتاتوريات العسكرية الناجحة وفقا لمقدمة التقدم و هذة دكتاتوريات عسكرية كلها ورثت دول تعاني مشاكل في التقدم و هذا كان من المحفزات لحدوثها و كلها أيضا كانت في العصر الحديث و المعاصر و ليس في التاريخ القديم الذي لا يمكن الإختلاف فيه علي قيمة الحكم العسكري خاصة في مصر القديمة.

مشكلة الدكتاتورية العسكرية تترافق دائما مع المشكلة الملكية في العصر الحديث و التاريخ المعاصر و هذا يجعلنا نبحث في الملكية أيضا مثل البقية هل هي سلبية أم إيجابية ؟ فهي أيضا من وجهة نظري تكون إيجابية نتيجة تحقيق التقدم و لذلك سأري ملك كبيتر الاكبر في روسيا أو ملك كتشارلز الثاني عشر في السويد ملوك إيجابيين لانهم يحققون التقدم , لكن ما الذي يمكن ملاحظته هنا ؟؟ في هاذين النموذجين تحديدا ؟ نجد أن كلاهما عبقري إستراتيجي عسكري قام بعسكرة أمته لاجل الحصول علي موانئ و أراضي أكثر تخدم تقدم الامة , أي إن الجوهر المميز للملوك المحققين لمقدمة التقدم هو عبقريتهم العسكرية و هو ما يجعل تقيمي يبتعد عن النسب و يتهم أكثر بالعقلية فلو كان هناك عسكريين ممتازين لديهم فكر سياسي مميز يساهم في التقدم فعليهم الحكم بغض النظر عن نسبهم و بالمناسبة هذا حصل في اليابان حيث كان الإمبراطور مقدس لاشك لكنه ترك معظم صلاحياته للدكتاتورية العسكرية اليابانية التي جعلت من اليابان أمه في قمة العظمة طوال عقدين في الجزء الشرقي من العالم .

أخيرا الجينات الإستمرارية للملكية كشئ إيجابي يجب الحفاظ عليه بالتالي رفض أي إنقلاب عليها للحفاظ علي التقدم البطئ لكن المستمر , في رأيي هذا لم يحدث وفقا للتاريخ في خارج مصر أيضا فالملكية في إيران مثلا رغم إنها لها شرعيه ما عند الناس إلا إنها لم تقدر علي الإستمرار في سياستها العلمانية التقدمية رغم دعم الغرب و الإقليم لها بعد ظهور السادات فيه و حلفه مع دول الخليج العربية , نتج لنا في النهايه نظام نتيجة ثورة كان أبطا في التقدم لكنه يتميز بثبات شديد و هو ما جعله في وجهة نظري علي المدي الطويل نموذج أفضل من نموذج الشاه العلماني كونه مستمر في التقدم لكنه راسخ سياسيا كالجبال و الملاحظ أنه ثابت أكثر من الملكية , نفس الشئ في نموذج الصين حيث كان الإمبراطور لعبة بريطانيا ثم اليابان فيما بعد و نظامه الهش لم يحتمل أي خروج بسيط عليه و في النهايه أنتج لنا زعيم كماو وهو قومي و ممتاز عسكريا و ذو ثقافة و ذكاء متفوقيين بدأ في عملية تحديث غاية في الشدة لنقل الصين من العصور الوسطي للتاريخ المعاصر و كذلك في الثورة الفرنسية علي الملكية الفرنسية و الإنقلاب الاتاتوركي علي السلطنة العثمانية و غيرها من الامثلة التي تدعمها أمثلة فشلت فيها الملكيات في نقل بلادها خطوه للامام بل كانت سوق مفتوحة للإمبرياليين كالملكية الهندية و هو ما يؤكد ما قلته أن المهم عقلية الملك نفسها و ليس كونه ملك و الان نؤكد أن الإستمرارية الملكية ليست حقيقة بل الحقيقة هي إستمرارية الملك العسكري التقدمي القوي و ليس حتي الملك العسكري الرجعي أو حتي الرئيس العسكري الرجعي كأوليفر كرمويل فما بالنا بالملك الضعيف عسكريا و سياسيا .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن