الحب في فلك الجواز والمنع

عبد اللطيف بن سالم
bensalem.abdellatif@yahoo.fr

2016 / 2 / 28

الحبّ في فلك الجواز والمنع
لولا إمكانية اتهامنا بالغباوة والحمق لكنا قد دعونا بهذه المناسبة إلى عيد للعداوة والكره عوضا عن عيد للحب ، لكن كل ممتنع يحلو ويحلو الحديثُ عنه وإلا لما أقمنا عيدا للحب . أليست العداوة هي المستشرية اليوم في العالم كله كاستشراء النار في الهشيم ؟ والحب لا يكون سليما معا في بين الأفراد ما لم يكن كذلك أيضا بين العائلات وبين الجماعات وبين الأمم وهو ما ليس واقعا بالفعل .
الإنسان في ما بين الجنس والحبّ :
الجنس غريزة والحب عاطفة وبينهما علاقة سببية ، تلك طبيعة في الإنسان فطرية وهذه ثقافة مكتسبة ، تلك محكومة بحاجة حيواّنية آلية وهذه محكومة بحاجة إنسانية وبينهما تجاذب وتأثير متبادل كما هي الحال بين الطبيعة والثقافة في حياة الإنسان دائما ، صراع متواصل . الطبيعة حيوانية متوحشة والثقافة تهذيب وتلطيف لها دائما وربما سموّ بها أيضا في مدارج الإنسانية حتى تصير مستصاغة ومحبّبة لكنّ اليوم وقد أكرهنا الطبيعة كثيرا على الاستجابة لحاجاتنا ورغباتنا فخرّبناها ودمّرناها ولوّثناها وعبثنا بها فكأنما هي تريد البوم أن تنتقم لنفسها وتُطيح بنا إذ هي قد عادت أو كادت تعود بنا إلى طبيعتنا الأولى تلك المتوحشة فلم يعد للحب ذلك المعنى العظيم النبيل الذي كان له عندنا منذ أن ضيّعنا في هذه الدنيا مقومات إنسانيتنا وسقطنا في هذه الهامشية التي دفعتنا إليها العولمة بهذه الثقافة الجديدة القائمة على إرادة الهيمنة وبهذه الحروب المتتالية والمتكررة على بلداننا فكأننا اليوم أمام خيارين اثنين كلاهما صعب ، أن نقبل بهذا الوضع الجديد ونعود بأنفسنا من حيث بدأنا ، إلى وحشيتنا الأولى للمقاومة والمواجهة ونغرق بالتالي من جديد في الجهالة الجهلاء أو نستمر في إضاءة المصابيح ونشر الأنوار ما استطعنا إلى ذلك سبيلا في كل جهة على أمل المحافظة على حضارتنا القائمة بمقوماتها الإيجابية الناجحة وبتكريسها لثقافة موحدة تصلح للجميع وتأخذ بأيدينا لمستقبل أفضل .
الملاحظ أن وجود التعبير عن الجنس اليوم في الشوارع ،وفي المتاجر ، وفي المقاهي والنوادي ،وفي الحفلات العامة والخاصة لهو أكثر من وجود الجنس ذاته وهذا دليل على فقدانه في حياتنا الاجتماعية بنسبة كبيرة والإحساس بالحرمان منه رغم توفره هو الذي يتسبب أحيانا في الشذوذ الجنسي وفي الهمجية وفساد الخُلق وقد يتسبب أيضا في تقوية النزعة الإرهابية أو يؤسس لها بطريقة أو بأخرى .
الحب إذن يقوى كلما كان ممتنعا ويضعف كلما كان مباحا وسائغا ولهذا عشنا في الماضى ما نُشير إليه اليوم ب"الزمن الجميل " وزمن الرومنسية الذي شاع فيه التعبير عن الحب بكل الطرق وفي مختلف الفنون الجميلة وبالخصوص منها في الأدب والرسم وفي الغناء والطرب لأنه كان مفقودا بنسبة كبيرة .
لو كان الحب في ذلك الزمن متوفرا بنسبة كافية لما نال محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وأم كلثوم ما نالوه من محبة الناس وإعجابهم في الغناء والطرب ومثلهم أبو القاسم الشابي وجبران وإيليا أبو ماضي في الشعر والأدب وغير هؤلاء من الفنانين على اختلاف ألوانهم .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن