الغياب المتبادل بين الفن والجماهير (3) الوعي

طارق المهدوي
tarek.elmahdawy@gmail.com

2016 / 2 / 5

الغياب المتبادل بين الفن والجماهير (3) الوعي
طارق المهدوي
كما سبق أن ذكرنا بالحلقتين الأولى والثانية فإن الفن يحلق عالياً عبر أربعة امتدادات إنسانية متداخلة فيما بينها أفقياً ورأسياً هي الإبداع والتطبيق وقد سبق تناولهما مع الوعي والتذوق وذلك على النحو التالي:-
ثالثاً: الوعي
ــــــــــــــــــ ويسمى أيضاً بالنقد الفني وأحياناً النقد الأدبي عند تناوله لمجموعة الفنون التعبيرية وهو مجرد وسيط افتراضي بين الفنان مبدع الفنون الجميلة وجماهير المتلقين حيث يتولى النقد استقبال العمل الفني ومعاملته بشكل احترافي يفترض فيه الحياد العلمي، وتبدأ وظيفة الناقد بتعريف العمل الفني عبر فحصه بحثاً عن مقادير توافر الشروط والقواعد الأكاديمية المجهزة سلفاً ومدى اكتمالها فيه، مع تبويبه لتصنيفه من حيث انتمائه إلى أية مدرسة فنية تقليدية أو حديثة أو تجريبية وتحديد مدى انطباق قوالب تلك المدرسة عليه، ثم يقوم الناقد بشرح العمل الفني وتوضيح مختلف أبعاده الشكلية والموضوعية والبنائية والوظيفية عبر تأويله ومقارنته بأعمال أخرى قديمة أو حديثة تشبهه، مع استحضار مفرداته الخافية وفك شفراته الغامضة وإعادة تركيبها وتبسيطها على نحو سهل ومفهوم للجماهير، ورغم أن النقد الفني "الحقيقي" يثير بعض المشكلات مثل سعيه لتنميط الأعمال الفنية المنطلقة بطبيعتها عبر حشرها قسراً داخل قوالبه المدرسية الجامدة بطبيعتها مما يفسد إبداعها الأصلي، ومثل وضعه لشروحات وتفسيرات استعراضية من قاموسه الخاص قد تؤدي على عكس المقصود إلى صعوبة الفهم بدلاً من سهولته مما يزيد العمل الفني غموضاً وبالتالي يعرقل تذوقه جماهيرياً، لاسيما وأن الأعمال الفنية الجميلة التي يعتبرها النقد مستوفاة لقواعده الجمالية المعيارية ليست بالضرورة هي الأجمل بالنسبة للفنانين المبدعين أو جماهير المتلقين، إلا أن النقد الفني "الزائف" يثير الكثير من المشكلات عندما يمتدح بعض الأعمال الفنية ويهاجم بعضها الآخر بدافع من المصالح النفعية الانتهازية لشخص الناقد، سواء كانت ارتزاقية مباشرة لدى "المبدع" نفسه أو كانت مهنية غير مباشرة لدى المؤسسة الثقافية أو الصحفية التي تمنحه راتبه، وسواء كانت سياسية باضطراره إلى تنفيذ تعليمات الأجهزة الأمنية الساعية لإعلاء شأن توابعها وتحقير شأن خصومها من الفنانين عبر الأوامر الرسمية، وهذا ما سوف نناقشه في الحلقات التالية!!.
طارق المهدوي



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن