طريق اليسار - العدد 80

تجمع اليسار الماركسي في سورية
sarrah256@gmail.com

2016 / 2 / 3


طريق اليســـــار
جريدة سياسية يصدرها تجمع اليسار الماركسي في سورية / تيم /
* العدد 80 ـ كانون ثاني / يناير 2016 - mhd.s2012@gmail.com E-M: *


* الافتتاحية *
خمس أعوام على "الربيع العربي"

عند تحقيب السياسة العربية الحديثة يمكن الحديث عن ثلاث حقب فقط:1- مابعد
انهيار الدولة العثمانية عام1918،2- مابعد 23يوليو1952، 3-مابعد سقوط
بغداد بيد الاحتلال الأميركي عام2003.ضمن الحقبة الأولى يأتي قيام دولة
اسرائيل في1948،وكذلك ضمن الثانية تقع هزيمة1967 وحروب1973والحرب
العراقية الايرانية وحرب1982وحرب1991.في يوم9نيسان2003انتهى النظام
الاقليمي العربي الذي بدأ جنينه مع نهاية الحرب العالمية الثانية وكانت
الناصرية ذروة قوته حتى صباح يوم5حزيران1967.
لايمكن القول بأن مايسمى ب"الربيع العربي"،الذي بدأ بتونس ومصر بالشهرين
الأولين من عام2011ثم امتد لليمن وليبيا وسوريا خلال شهري شباط/فبراير
وآذار/مارس2011 ،هو بداية حقبة جديدة بل هو ترجمة في دواخل بلدان عربية
جمهورية لانهيار النظام الاقليمي العربي مع سقوط بلاد الرافدين بيد
الغازي الأميركي قبل ثمانية أعوام،تماماً كماكان انهيار النفوذ الدولي
والاقليمي لموسكو السوفياتية عام1989مقدمة لانهيار البناء الداخلي
للاتحاد السوفياتي في الأسبوع الأخير من عام1991.أظهر سقوط بغداد
عام2003بأن هناك انتقالاً للقوة إلى خارج العرب،الذين أصبحوا في حالة
فراغ للقوة،نحو الجوار الاقليمي في ايران وتركية،بالتزامن مع عودة
الاحتلال الغربي لأرض عربية من جديد.كان ملفتاً للنظر أن يحصل الانفجار
الداخلي العربي في البلدان الخمسة المذكورة ضمن إطار الأنظمة الجمهورية
وأن لايشمل ذلك أنظمة ملكية،وكذلك أن لايستطيع الداخل التحكم بالمسار
المحلي بعد ذلك الانفجار بل الخارج الدولي- الاقليمي،ماعدا الاستثناء
التونسي.
انتصر النظام القديم في تونس ومصر إثر هزيمة الاسلاميين ببحر
عام2013.تصوملت ليبيا مابعد القذافي.عاد علي عبدالله صالح بالتحالف مع
أعدائه القدامى،أي الحوثيين،لكي يسيطر على صنعاء في أيلول/سبتمبر2014.في
سوريا فشلت المعارضة في تكرار تجارب تونس ومصر أوفي تحقيق انتقال متفق
عليه مع النظام كماجرى في صنعاء نوفمبر2011-فبراير2012وكذلك رغم محاولة
بعض المعارضة السورية في تكرار السيناريو الليبي للناتو ضد القذافي.
كانت قوة الانفجار الداخلي أقل في البلدان ذات التركيبة
الموحدة(تونس)أوشبه الموحدة(مصر)من النواحي القومية والدينية،فيمافي بلد
مثل ليبيا حيث لاتوجد سوى أقلية صغيرة من الخوارج ومثلها من البربر فيما
الغالبية عربية وعلى المذهب السني المالكي كانت الصراعات متراصفة جهوياً
بين شرق وغرب وفق التقسيم القديم بين برقة وطرابلس الغرب وقبائلياً حيث
حددت القبيلة الكثير من اتجاهات السياسة الليبية مابعد القذافي.في اليمن
تداخلت العوامل الطائفية بين زيدية وشافعية مع العوامل الجهوية:المشكلة
الجنوبية.في سوريا كان الحراك المعارض أساساً في الريف السني فيما
بالمجمل وقف سنة دمشق وحلب مع النظام وكذلك مجمل الأقليات الدينية
والمذهبية فيماكان الأكراد(7-9%)حالة خاصة لماتحركوا حراكهم الخاص
واستطاعوا استثمار الأزمة السورية،مثلما استثمروا الأزمة العراقية قبيل
ومابعد9نيسان2003،من أجل محاولة فرض أجنداتهم الخاصة.في تونس ومصر كان
العامل الأيديولوجي :بين اسلاميين وغيرهم من يساريين وعلمانيين وحداثييين
أوأنصار النظام القديم، بارزاً في تلوين المشهد السياسي،أما في البلدان
الأخرى فقد كان هذا العامل الأيديولوجي متراكباً مع عوامل أخرى عند
الاسلاميين وعند خصومهم.
هنا،يلفت النظر ركوب منظمات،مثل (القاعدة)و(داعش)،وقدرتهما على استثمار
الأزمات السورية واليمنية والليبية.بالمقابل كان ملفتاً للنظر انفلات
العنف والقدرة على اظهاره في مجتمع مثل المجتمع السوري،فاق ماأظهره
الجزائري في مرحلة مابعد انقلاب1992والعراقي مابعد9نيسان2003،ثم ماظهر
باليمن بمرحلة مابعد20سبتمبر2014،لتتبعهما ليبيا،فيماكانت مصر،رغم
سيناء،أقل عنفاً وأكثر تماسكاً رغم الصدام القوي بين الاسلاميين وخصومهم
في مرحلة مابعد3يوليو2013،بينماكانت تونس،رغم بعض العنف السلفي،الأكثر
استقراراً.في هذا الصدد،كانت تونس الوحيدة في تأمين التسوية المحلية حتى
بين الاسلاميين من (حركة النهضة)وبين أنصار النظام القديم في (حركة نداء
تونس).في البلدان العربية الأربعة الأخرى كانت جسور التسوية المحلية
مكسورة.في القاهرة لاتظهر ملامحها،فيمافي دمشق وطرابلس الغرب وصنعاء يحمل
ويجلب العامل الدولي التسوية بحكم عدم قدرة (المحلي)على التلاقي
الذاتي.يلفت النظر بهذه البلدان الأربع تقطع الجسور المحلية وعدم القدرة
على انتاج تسوية داخلية الصنع أوايجاد حل وسط في أزمات من الاستعصاء
الداخلي لايستطيع فيه طرفا الأزمة التلاقي بعد أن عجز كل منهما عن التغلب
على الآخر.
مثل عراق مابعد9نيسان2003لمالم يستطع العراقيون الاتفاق على "عراق
جديد"لتصبح طهران هي اللاعب الأقوى في بغداد نتيجة لذلك،فإن روسيا في
دمشق ستكون كذلك وخاصة بعد تحجيمها منذ تدخلها العسكري
بيوم30أيلول2015للنفوذين الايراني والتركي في سوريا.لن يكون الأمر في
اليمن بعيداً عن هذا لصالح أن تكون الرياض الرقم واحد في صنعاء،ولافي
ليبيا حيث تتزاحم روما مع باريس واقليمياً القاهرة مع الجزائر على النفوذ
حيث تدعم الأخيرة للمفارقة،وهي الخارجة من صدام دموي مع الاسلاميين
المحليين،الاسلاميين في طرابلس الغرب ضد الشرق المدعوم من القاهرة.
بالمجمل،لم يكن"الربيع العربي"ربيعاً بل خريفاً طوى مشهداً داخلياً بدأ
جنينه مع نهاية الحرب العالمية الثانية في عام1945ثم بدأ بالولادة في
مرحلة مابعد23يوليو1952قبل أن تموت حقبته يوم9نيسان2003.على الأرجح هو
عملية مؤلمة لإسدال الستار على حقبة وعملية أكثر ايلاماً لبدء حقبة جديدة
ليست واضحة المعالم بعد ولكن بالتأكيد هي ضمن الخرائط القائمة.

------------------------------------------------------------------------------------------------------


ملف :الماركسية والدين-2




الماركسية والدين
الخميس 1 يناير 1998 - الناشر مجلة الشرارة
“الدين أفيون الشعوب” هذه العبارة الشهيرة لماركس كثيرًا ما يتم تشويهها من جانب خصوم الماركسية من المتدينين وغير المتدينين معًا. والنتيجة تكون عادة تبسيط واختزال ذلك النقد العميق للدين الذي طرحه ماركس وإنجلز. ولعل المدخل المناسب لتجنب هذا التبسيط الخل هو أن نتذكر أن سهام النقد الماركسي للدين كانت في الواقع موجهة لا للدين ذاته فحسب، وإنما أيضًا لموقف فلاسفة ومفكري التنوير البرجوازيين من الدين.
شن فلاسفة التنوير في القرن الثامن عشر، في فرنسا على وجه الخصوص، حربًا لا هوادة فيها ضد الدين (المسيحي على وجه الخصوص)، إذ رأوا فيه عقبة تحول دون التقدم الإنساني نحو آفاق الحرية والعقل. ويمكن تلخيص هذا النقد التنويري للدين في جانبين مختلفين، وإن كانا متكاملين: الجانب الأول هو النقد الفكري أو المعرفي الذي تم توجيهه إلى الدين نفسه، والجانب الثاني هو النقد الأخلاقي والسياسي الموجه للكنيسة الكاثوليكية.
رأى رجال التنوير أن أصول الدين تكمن في خوف الإنسان البدائي من الطبيعة التي وقف أمامها عاجزًا بسبب جهله بقوانينها. إن هذا الجهل دفع المجتمعات البدائية لعدم تمييز نفسها عن مظاهر الطبيعة المختلفة، حيث أضفوا على هذه المظاهر الصفات الحيوية للإنسان، واعتقدوا أن كل شيء في الطبيعة له “روح” تنطوي على أفكار ورغبات تشبه أفكار الإنسان ورغباته. ولما كان هذا الإنسان يفتقد للقدرة الموضوعية على السيطرة على الطبيعة من خلال العلم والتقدم التقني، فقد راح يستعيض عن ذلك بسيطرة وهمية على الطبيعة يتيحها كل من السحر والدين. فبواسطة السحر سعي الإنسان للسيطرة على “أرواح” الظواهر الطبيعية أما بدفعها لتقليده (كأن يقذف بالماء من فمه استدعاءً للمطر) أو لنقل قواها إليه (كأن يرتدي قناع النمر لكي تنتقل إليه قوته). وفي مرحلة تالية فإن الدين، بتصوره لوجود خالق قادر على كل شيء وتسع رحمته كل شيء قام بتمييزه الإنسان وخلقه على صورته، قد منح الإنسان شعورًا وهميًا بالأمان إزاء قسوة الطبيعة.
ولكن إذا كان الدين، مثله مثل السحر، قد نشأ بسبب الجهل، فإنه بدوره، كما أكد التنويريون، يغذي الجهل ويعمل على تكريسه. فالدين ينطوي على أساطير وخرافات غيبية كثيرة لا يمكن للعقل قبولها، وهو يطالب المؤمنين به بالتسليم الذي لا يرقى إليه شك بعقائد لا يوجد دليل على صحتها، وهو ما يؤدي إلى الشلل الفكري وغياب الحس النقدي لدى الإنسان.
لقد أخذ رجال التنوير على عاتقهم أن ينشروا على أوسع نطاق “الثورة العلمية” التي ظهرت خلال القرن السابع عشر، بحيث يخرجوا بها من دائرة خاصة المتخصصين والمثقفين إلى دائرة عامة القراء والمواطنين. وقد لاحظوا بالطبع أن الدين يناصب العلم الحديث العداء، ليس فقط على مستوى هذه الحقيقة العلمية أو تلك، وإنما أيضًا على صعيد منهج الوصول إلى الحقائق. ففي حين أن العلم يحاول الوصول إلى الحقائق عن طريق الملاحظة وإعمال العقل على أساس هذه الملاحظة، فإن الدين يعتبر أن الطريق إلى هذه الحقائق يكمن في الرجوع إلى النصوص المقدسة. ومن ثم اعتبر رجال التنوير أن نقد الدين جزء لا يتجزأ من مسعاهم لنشر الثقافة العلمية وترويجها.
يتمثل إذن الجانب المعرفي من نقد التنويريين للدين فيما يلي: الدين يقوم على الجهل ويغذي بدوره الجهل، إنه يحول دون التفكير العقلاني الحر ويعادي العلم والمنهج العلمي في التفكير. أما الجانب الآخر من النقد التنويري للدين فتمثل في النقد الأخلاقي / السياسي الذي ركز على دور الكنيسة الكاثوليكية في المجتمع الأوروبي.
رأى التنويريون في الكنيسة مؤسسة رجعية متحالفة مع الملكيات المستبدة ومؤيدة باستماتة للنظام الإقطاعي المتداعي. وهي مؤسسة تستخدم الدين في توطيد سلطة رجال اللاهوت في المجتمع، وتقوم بإرهاب العلماء والمفكرين الأحرار، وتناصب حرية الفكر العداء. كما أنها تقيد رعاياها بأغلال الفكر الغيبي الخرافي وتمنحهم أملاً زائفًا في النعيم في الحياة الأخرى يلهيهم عن تغيير ظروف حياتهم في هذه الحياة.
وبالطبع وجد التنويريون علاقة وثيقة بين هذين الجانبين من نقدهم للدين. فإذا كانت العقيدة الدينية تدعي تقديم إجابة يقينية ثابتة للأسئلة الجوهرية المتعلقة بحياة الإنسان ومصيره، فإنها بذلك تدفع أنظار المؤمنين دائمًا للوراء وتحول بينهم وبين السعي لاكتشاف حقائق جديدة واكتساب معارف جديدة، أو التطلع لحياة أفضل. ومن هنا فإن الدين يعمل على تعزيز الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية القائمة، فلا غرابة إذن في الدور الرجعي الذي تلعبه الكنيسة – تجسيد العقيدة الدينية – في دعم استقرار المجتمع الإقطاعي. لقد رأى التنويريون في الدين مؤامرة من جانب الملوك والكهنة والارستقراطيين للإبقاء على أغلال المجتمع، واعتبروا أن محاربة “الظلامية الدينية” هي الشرط الأساسي لتحرير الإنسان وتحقيق التقدم.
نظر ماركس وإنجلز لفلاسفة التنوير الفرنسيين على أنهم أحد الروافد الأساسية لفكرهما، وتعاطفا مع جوانب عديدة من النقد التنويري للدين. إلا أن النقد الماركسي للدين يختلف كثيرًا عن النقد التنويري الذي لخصنا أبرز معالمه. ويمكن القول بأن نقد الماركسية للدين يتسم بأنه أكثر عمقًا وجذرية وفي الوقت ذاته أكثر تفهمًا وتسامحًا من النقد التنويري للدين، كما سنرى.
إن الإنسان المتدين يعتبر التمسك بالدين (دينه هو لا الديانات الأخرى بالطبع) طريق الخلاص الإنساني. أما التنويري المعادي للدين، فإنه على النقيض يعتبر أن محاربة تأثير المؤسسات الدينية الأفكار الظلامية الدينية هو طريق التحرر الإنساني. والماركسية ترفض كلا الموقفين إذ ترى فيهما معًا عجزًا عن فهم العلاقة بين الدين والمجتمع. فالدين ليس قوة تاريخية مستقلة في حد ذاته، وإنما هو نتاج للمجتمع ولا يمكن التعامل معه بمعزل عن بقية جوانب الواقع المادي والاجتماعي.
تتفق الماركسية مع التنويريين في أن البذور الأولى للعقيدة الدينية ترتد إلى خوف الإنسان من الطبيعة وجهله بها. إلا أن الدين كظاهرة ناضجة ومكتملة يجد جذوره لا في عجز الإنسان إزاء قوى الطبيعة وإنما في افتقاده السيطرة على قوى المجتمع بفعل ظهور الاستغلال وانقسام المجتمع إلى طبقات. الدين إذن نتاج اجتماعي. وتحديدًا لأن الإنسان لم يستطع تجاوز القيود التي يفرضها المجتمع الطبقي على وجوده وحياته، فإنه مغترب اجتماعيًا ووجوديًا. أما الدين فإنه تعبير عن هذا الاغتراب حيث يطرح الفكرة الزائفة القائلة بأن مصير الإنسان يكمن خارج نطاق سيطرته، بين يدي الله الجبار ذي القوة المطلقة.
ومادام الدين انعكاسًا للاغتراب الإنساني ونتاجًا للمجتمع الطبقي، فإنه يميل أيضًا لتكريس هذا الاغتراب وتبرير هذا المجتمع الطبقي. هكذا فإن الدور الرئيسي للدين عادة ما يكون هو إضفاء الشرعية على العلاقات الاجتماعية القهرية القائمة في المجتمع والحفاظ على المؤسسات التي تجسد هذه العلاقات. إلا أن الأمر أعقد كثيرًا من اختزال الدين في مؤامرة لأولى الأمر تهدف إلى الحفاظ على الوضع القائم. ففي مجتمع يستحوذ فيه الدين على تأييد جماهير المضطهدين، يمكن لحركات التمردية أو حتى الثورية أن تتخذ صبغة دينية عن طريق تطويع الأيديولوجيا الدينية السائدة ذاتها بما يتلائم مع مصالح الجماهير.
الدين كأيديولوجيا إذن قوة فاعلة، لكنه قوة فاعلة داخل المجتمع، داخل الصراع الطبقي، وليس في الفراغ. وإذا كان دوره الأساسي هو تدعيم واستمرار الأوضاع القائمة فإنه قد يتحول في أحوال بعينها إلى قوة ثورية في المجتمع. وفي كل الأحوال، ينبغي أن نفهم الدور الذي يلعبه الدين في المجتمع بشكل ملموس وفقًا لكل حالة على حدة. فالمسيحية كما لاحظ ماركس وإنجلز كانت في الأصل حركة للمضطهدين ظهرت في أوساط العبيد والفقراء المحرومين من أية حقوق في الإمبراطورية الرومانية. وإذا كانت قد تحولت إلى قلعة الإقطاع في أوربا القرون الوسطى، فإن ذلك لم يمنع حركات التمرد الفلاحية من اتخاذ صبغة دينية. وينطبق الأمر ذاته على الإسلام أيضًا وكذلك على مختلف الأديان.
نستطيع الآن أن نتفهم ما قصده ماركس بتعبير “الدين أفيون الشعوب”. إن هذه العبارة تفهم عادة بمعنى أن الدين مخدر يسمح للناس بتحمل بؤسهم عن طريق الغرق في أحلام تحرمهم من القدرة على التمرد. وهذا كما رأينا هو المفهوم الذي تبناه فلاسفة التنوير، وهو بالطبع جزء (ولكن جزء فقط) مما عناه ماركس. إن الجملة السابقة مباشرة على تعبير ماركس الشهير تقول: “البؤس الديني هو في الوقت ذاته تعبير عن البؤس الحقيقي واحتجاج على البؤس الحقيقي”. إن أحلام الأفيون إذن قد تخدر الناس بما يحول دون الفعل والحركة، كما أنها قد تثير الخيال وتدفع نحو الاحتجاج والصراع. إلا أن الأفيون في الحالتين لا يؤدي إلى إدراك سليم للواقع. وقد صاغ ماركس تعبير “الدين أفيون الشعوب” في معرض تحليله للحركة الفلاحية الثورية المعادية للإقطاع في القرن السابع عشر والتي اتخذت شكل الهرطقة الدينية. وتحديدًا لأن الشيوعية لم تكن ممكنة موضوعيًا في ذلك الوقت، ولأن الصراع من أجلها بالتالي لم يكن ممكنًا أن يكون بشيرًا للمستقبل، فإن النزوع نحوها اتخذ ذلك الشكل الخيالي الديني.
الموقف الماركسي من الدين أكثر تفهمًا وتسامحًا إزاء الدين من الموقف التنويري من جانبين إذن: إنه أولاً لا يعتبر معركته الرئيسية مع “الظلامية الدينية” وإنما مع العلاقات الاجتماعية الاستغلالية والقهرية التي هي أساس هذه الظلامية. وهو ثانيًا يفهم أن الدور المعقد للأيديولوجيا في المجتمع قد يجعل الدين أحيانًا قوة تمردية، بل وثورية، في أوضاع محددة. إلا أنه في هذا المفهوم تكمن تحديدًا جذرية الموقف الماركسي من الدين، ذلك الموقف الذي يضع الدين داخل سياق الأوضاع الاجتماعية التي تفرزه وتعمل على استمراره، الموقف الذي يزيل عن الدين قداسته ويبين أن الإنسان هو الذي خلق الله وليس العكس.
كما أن الموقف الماركسي من الدين أكثر جذرية من موقف التنويريين من جانب آخر. فعلى الرغم من حدة عدائهم للدين أفكارًا ومؤسسات كما رأينا، فإن أغلب مفكري التنوير لم يكونوا ملحدين، بل إلهين أي مؤمنين بالله ولكن ناكرين للوحي والأديان. والسبب الرئيسي في إيمان أغلبهم بالله يعود إلى المنطلق الفلسفي الذي انطلقوا منه، وهو المادية الميكانيكية التي كان لنيوتن الفضل الأول في إرساء دعائمها.
ليس هذا بالطبع المجال لمناقشة مستفيضة حول الفارق بين كل من المادية الميكانيكية والمادية الجدلية في فهم الكون وتطوره، ولكن نقول باختصار شديد أن الاكتشافات العلمية العظيمة في القرن السابع عشر، والتي توجتها نظرية الجاذبية الأرضية لنيوتن، قد أفرزت تصورًا ماديًا للكون حل محل التصور الديني السابق، لكنه لم يرفض فكرة “الله” وإن كان قد قدم مفهومًا جديدًا له أقل تواضعًا من المفهوم الديني التقليدي. لقد ذهب نيوتن في تصوره عن الكون إلى وجود ما أسماه بالمكان المطلق (الوعاء الشامل الكلي الذي يحتوي على جميع الأجسام في الكون)، والزمان المطلق (الوعاء الشامل الكلي الذي يحتوي على جميع الأحداث في الكون). ورأى نيوتن أن المادة تتكون من ذرات مفردة، هي الوحدات البسيطة التي لا تتجزأ إلى ما هو أبسط منها. وكل ذرة من هذه الذرات توجد في نقطة معينة من نقاط المكان المطلق، كما تحدث في لحظة من لحظات الزمان المطلق.
ورغم أن نيوتن رأى أن العالم المادي في حركة دائمة تخضع لقوانين صارمة، فإن فهمه لهذه الحركة اقتصر على ما يطرأ على الذرات المفردة من تبديل في مواقعها داخل المكان المطلق، أما الذرات ذاتها فإنها لا تخضع لأي نوع من التحول الداخلي أو التغير العضوي. كانت مادية نيوتن “ميكانيكية” لأن الحركة الوحيدة التي تصورتها للذرات المادية هي حركة آلية محضة تخضع لقانون الجاذبية، كما كانت هذه المادية “ساكنة” لأنها رفضت إمكان حدوث أي تطور داخلي على الذرات المفردة ذاتها.
قدم نيوتن إذن فهمًا علميًا ماديًا لحركة الكون، إلا أن الطابع “الساكن” لماديته اضطره لقبول فكرة الله كمحرك أول لهذا الكون الذي تتسم مكوناته الأساسية بالسكوت والثبات. هكذا آمن نيوتن ومعه أغلب فلاسفة التنوير بإله مختلف عن إله الأديان. إن الله هنا لا يشبه الملك المستبد الذي يحكم الكون بكل تفاصيله كما فعل سليمان في مملكته، ولكنه أقرب إلى الملك الدستوري حيث أنه خلق العالم ثم لم يتدخل بعد ذلك في عمل قوانين الطبيعة.
أما المادية الجدلية، فقد رفضت هذا المفهوم السكوني عن العالم واستبدلته بفهم تطوري للكون ومكوناته استبق كثيرًا من التطورات العلمية اللاحقة في القرن العشرين. وعلى أساس هذا التصور الديناميكي عن المادة، استطاعت الماركسية أن تنظر للكون بأسرة كوحدة واحدة دائمة الحركة والتطور. يقول إنجلز في هذا المجال “في مفهومنا التطوري عن الكون، لا يوجد مجال إطلاقًا لخالق أو لحاكم، والحديث عن “كائن أعلى” منفصل عن العالم القائم بأسره يفترض تناقضًا لفظيًا”. (حول الدين، ص 295 – النسخة الإنجليزية).
هكذا قدمت الماركسية ليس فقط رؤية اجتماعية ناضجة لنشأة الدين وتطوره وعلاقته بالصراع الطبقي، وإنما أيضًا رؤية مادية ديناميكية للكون تستغني عن فكرة الله وتمثل أساسًا فلسفيًا راسخًا للعلم الحديث.
يبقى أن نختتم هذا المقال بتناول ما ينبغي أن يكون عليه مسلك الماركسيين إزاء الدين والمؤمنين به. يتعين هنا أن نفرق بين الحزب الماركسي، حزب البروليتاريا الثورية، والدولة البروليتارية من الدين في أعقاب ثورة ظافرة يتلخص في الفصل الكامل بين الدين والسياسة، وهو ما يعني إتاحة الحرية المطلقة للاعتقاد الديني، أي حرية اعتناق هذا الدين أو ذاك، أو رفض الديانات جميعًا. الدولة البروليتارية إذن محايدة إزاء الدين.
ولكن هذا الموقف لا يمتد للحزب الثوري. وفي حين أن لينين أكد أن على الدولة أن تتيح حرية دينية مطلقة (وكان هذا بالفعل هو موقف الدولة العمالية في السنوات القليلة التي تلت ثورة أكتوبر)، فإنه رأى أن على الحزب الثوري – قبل الثورة وبعدها – أن يخوض نضالاً أيديولوجيًا مبدئيًا ضد الدين. يقول لينين: “إن حزب البروليتاريا يطالب بأن تعلن الدولة أن الدين مسألة شخصية، لكنه لا يعتبر للحظة أن مسألة النضال ضد أفيون الشعوب – النضال ضد الخرافات الدينية، إلخ – مسألة شخصية. لقد شوه الانتهازيون هذه المسألة بحيث يبدو أن الحزب الاشتراكي الديمقراطي يعتبر الدين مسألة شخصية”.
ولكن كما عارض لينين الانتهازيين الذين يريدون أن يتوقف الحزب الثوري عن النضال الأيديولوجي ضد الدين، فقد عارض أيضًا الموقف اليساري الطفولي الفوضوي الذي يطالب بإعلان الحرب على الدين كهدف سياسي للحزب البروليتاري. إن صراع الماركسيين مع الدين هو صراع أيديولوجي ينبغي أن يكون خاضعًا للمتطلبات الملموسة للصراع الطبقي. وعلى سبيل المثال، فإذا أقامت مجموعة من العمال المتأثرين بالدين نقابة مسيحية أو إسلامية وأضربوا عن العمل تحت راية هذه النقابة، فعلى الماركسيين أن يعتبروا نجاح الإضراب أهم من القيام بدعاية إلحادية بين العمال المضربين. ذلك أن تفتيت صفوف العمال على أساس الاعتقاد الديني لن يخدم سوى مصالح رأس المال.
إن إخضاع النضال ضد الدين لمتطلبات الصراع الطبقي يعني أيضًا قبول عضوية العمال المؤمنين بالحزب ماداموا يقبلون برنامجه السياسي، وترك هؤلاء الأعضاء يواجهون التناقض بين قناعاتهم الدينية وموقفهم السياسي بالشكل الذي ينسجم مع تطورهم الفكري وتعلمهم من مدرسة الصراع الطبقي. إلا أن ذلك لا يعني أبدًا تخلي الحزب عن صراعه الأيديولوجي المبدئي مع الدين.
إن الماركسي، كما قال لينين، “يجب أن يكون ماديًا، أي عدوًا للدين. ولكنه يجب أن يكون ماديًا جدليًا، أي أن يحارب ضد الدين لا في المجرد، لا بواسطة الدعاية المجردة، المحض نظرية، وإنما بشكل ملموس، وعلى أساس الصراع الطبقي الدائر بالفعل – وهو صراع يعلم الجماهير أفضل من أي شيء آخر”.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------


الماركسية والدين






مايكل لوفي
ترجمة : بشير السباعي
http://www.lamalef.net/ak/02/marx.htm.
ٌإن من شأن قراءة متأنية لمجمل فقرة ماركس التي يظهر فيها تعبير " الدين أفيون الشعوب " أن تبين أن كاتبها أكثر إدراكا لدرجات الألوان مما هو شائع عنه .فهو يأخذ في اعتباره الطابع المزدوج للدين : "إن الهم الديني هو في الوقت نفسه تعبير عن هم واقعي واحتجاج علي هم واقعي . إن الدين هو آهة الخليقة المضطهدة ، هو قلب عالم لا قلب له ، مثلما هو روح وضع بلا روح . إنه أفيون الشعب " .
ينظر معظم مؤيدي الماركسية وخصومها إلى عبارة" الدين أفيون الشعوب " الشهيرة علي إنها خلاصة المفهوم الماركسي عن الظاهرة الدينية . علي أننا يجب أن نتذكر بادئ ذي بدء أن هذا التعبير ليس ماركسيا بشكل خاص ، فالعبارة نفسها يمكننا العثور عليها ، في سياقات مختلفة ، في كتابات كانط وهيردر وفيورباخ وبرونو باور وهاينريش هاينه......
وإذا ما قرأنا مجمل البحث الذي ترد فيه هذه الفقرة - والذي يحمل عنوان " نحو نقد لفلسفة الحق الهيجلية " والمكتوب في عام 1844 - فسوف يتكشف لنا بوضوح أن رأى ماركس يدين للهيجلية الجديدة اليسارية ، التي اعتبرت الدين اغترابا للجوهر الإنساني ، بأكثر مما يدين لفلسفة التنوير التي ترجع إلي القرن الثامن عشر والتي أدانت الدين بوصفه مؤامرة إكليركية لا أكثر ولا اقل .
والواقع أن ماركس عندما كتب الفقرة الأنفة كان لا يزال تلميذا لفيورباخ، هيج يليا جديدا . ومن ثم فإن تحليله للدين كان " قبل ماركسي " لا يتميز بأية إحالة طبقية علي انه مع ذلك جدليا لأنه قد استوعب الطابع المتناقض للظاهرة الدينية : فهي في بعض الأحيان تمثل إضفاء للشرعية علي المجتمع القائم وهي في بعض الأحيان تمثل احتجاجا عليه . ولم تبدأ الدراسة الماركسية المحددة للدين بوصفه علاقة اجتماعية وتاريخية إلا فيما بعد - خاصة مع مخطوط " الأيديولوجية الألمانية ( 1846) .
وقد تضمنت تلك الدراسة تحليلا للدين بوصفه أحد الأشكال الكثيرة للإيديولوجية ، الإنتاج الروحي لشعب ما ،إنتاج الأفكار والتمثيلات والوعي - والتي تعتبر كلها بالضرورة مشروطة بالإنتاج المادي والعلاقات الاجتماعية المتناسبة معه ، علي أن ماركس ، منذ تلك اللحظة فصاعدا ، لم يول اهتماما كبيرا للدين بصفته هذه ، أي بصفته كونا ثقافيا /أيديولوجيا نوعيا للمعني .
..... وانجلز أبدي فرديريك اهتماما بالظاهرة الدينية وبدورها التاريخي يفوق اهتمام ماركس بهما بكثير . وتتمثل مساهمة انجلز الرئيسية التي قدمها إلى الدراسة الماركسية للأديان في تحليله لعلاقة التمثيلات الدينية بالصراع الطبقي .
وفيما وراء المناظرة الفلسفية ( المادية ضد المثالية ) حاول فهم وتفسير التجليات الاجتماعية الملموسة للأديان . فالمسيحية لم تبدو في نظره ( مثلما كانت تبدو في نظر فيورباخ ) بوصفها
"جوهرا " منفصلا عن الزمن ، بل هي تبدو بوصفها شكلا ثقافيا يتعرض لتحولات في العصور التاريخية المختلفة : فهي تبدو في البداية بوصفها ديانة للعبيد ، ثم بوصفها أيديولوجية ملائمة للهيراركية الإقطاعية واخيرا بوصفها أيديولوجية تتميز بالتكيف مع المجتمع البورجوازي .
وهي تظهر من ثم بوصفها فضاء رمزيا تتنازع عليه قوي اجتماعية متناحرة :
اللاهوت الإقطاعي والبروتستانتية والبورجوازية والهرطقات الشعبية . وفي بعض الأحيان كان تحليله يزل في اتجاه تفسير نفعي ، ذرائعي ، بشكل ضيق للحركات الدينية : ".... وان كل طبقة من الطبقات المختلفة تستخدم الدين الملائم لها ... ولا أهمية تذكر لما إذا كان هؤلاء السادة يؤمنون بالأديان التي يتبناها كل منهم أم لا " ويبدو أن انجلز لا يري في صور الإيمان المختلفة غير" الستار الديني" للمصالح الطبقية .
لكن انجلز بفضل منهجه الذي يؤكد علي الصراع الطبقي ن قد أدرك - خلافا لفلاسفة التنوير - أن النزاع بين المادية والدين لا يتطابق دائما مع الصراع بين الثورة والرجعية . فنحن نجد ، علي سبيل المثال ، في إنجلترا في القرن الثامن عشر ، أن المادية ممثلة في شخص هوبز قد دافعت عن الملكية المطلقة في حين أن الشيع البروتستانتية قد استخدمت الدين كراية لها في النضال الثوري ضد آل ستيوارت .
وبالشكل نفسه ،بدلا من اعتبار الكنيسة كلا متجانسا من الناحية الاجتماعية نقدم تحليلا رائعا يبين كيف أن الكنيسة قد انقسمت في بعض المنعطفات التاريخية بحسب تركيبها الطبقي . وهكذا فخلال زمن الإصلاح ،كان علي أحد الجانبين كبار رجال الدين ، القمة الإقطاعية للهيراركية، وكان علي الجانب الآخر صغار رجال الدين ، الذين جاء من بين صفوفهم إيديولوجيو الإصلاح وإيديولوجيو الحركة الفلاحية الثورية ز ومع كون انجلز ماديا " ملحدا " وعدوا لدودا للدين ، فانه قد أدرك ، شأنه في ذلك شأن ماركس الشاب ، الطابع المزدوج للظاهرة الدينية : دورها في إضفاء الشرعية علي النظام القائم ، ولكن أيضا ، تبعا للظروف الاجتماعية ، دورها الإنتقادي والاحتجاجي ، بل والثوري .
وعلاوة علي ذلك فإن معظم الدراسات الملموسة التي كتبها قد ركزت علي هذا الجانب الثاني : حيث تركزت ، بالدرجة الأولي ، علي المسيحية البدائية،
ديانة الفقراء والمنبوذين والمهانين والمضطهدين والمقهورين .
فقد جاء المسيحيون الأوائل من ادني مستويات المجتمع : العبيد ، الأحرار الذين حرموا من حقوقهم ، وصغار الفلاحين الذين نزحوا تحت نير الديون
بل إن إنجلز قد مضي إلى حد رسم تواز مثير بين هذه المسيحية البدائية والاشتراكية الحديثة : ( أ ) إن الحركتين الكبيرتين ليستا من عمل زعماء وأنبياء- مع أن الأنبياء ليسوا بالمرة قليلين في أي منهما -بل هما حركتان جماهيريتان .
( ب )إن كليهما حركات مضطهدين ، يعانون من القهر والمنتمون إليهما يتعرضون للتشريد والملاحقة من جانب السلطات الحاكمة .
( ج ) أن كليهما يدعوان إلى تحرر وشيك من العبودية والبؤس . وسعيا إلى زخرفة مقارنته ، نجد أن إنجلز يتجه ، بشكل مثير إلى حد ما ، إلي الاستشهاد بقول مأثور للمؤرخ الفرنسي رينان : " إذا أردتم تكوين فكرة عما كانت عليه حال الجماعات المسيحية الأولي ، انظروا إلي شعبة محلية لرابطة العمال الأممية " ويري انجلز أن الفارق بين الحركتين يتمثل في أن المسيحيين الأوائل قد نقلوا الخلاص إلي الآخرة بينما تتصوره الاشتراكية في هذا العالم الدنيوي . ولكن هل يعتبر هذا الفارق واضحا بالدرجة التي يبدو بها للوهلة الأولي ؟
يبدو أنه قد اصبح مطموسا في دراسة إنجلز للحركة المسيحية الكبرى الثانية - " حرب الفلاحين في ألمانيا " - فتوماس مونزر، لاهوتي وقائد الفلاحين الثوريين والعوام الهراطقة في القرن السادس عشر كان يريد تجسيدا فوريا علي الأرض لمملكة الرب ، مملكة الأنبياء الألفية السعيدة . ويري انجلز أن مملكة الرب كانت بالنسبة لمونزر مجتمعا لا يعرف الفوارق الطبقية ولا الملكية الخاصة ولا سلطة دولة مستقلة عن أفراد ذلك المجتمع وغريبة عنه .
علي أن انجلز كان ما يزال ميالا إلى اختزال الدين إلي مستوي حيلة : فقد تحدث عن " صيغ " مونزر " الكلامية " المسيحية وعن " ستاره " الإنجيلي ويبدو انه قد غاب عن باله البعد الديني المحدد للنزعة الألفية المونزرية ، قوتها الروحية والأدبية ،وعمقها الصوفي المعيش معايشة صادقة . وأيا كان الأمر ، فإن انجلز ، بتحليله الظاهرة الدينية من منظور الصراع الطبقي ، قد ابرز القوة الاحتجاجية للدين وشق الطريق لنهج جديد - متميز عن كل من الفلسفة التنويرية التي ترجع إلي القرن الثامن عشر والهيجلية الجديدة الألمانية - لتناول العلاقة بين الدين والمجتمع .
ومعظم الدراسات الماركسية في القرن العشرين عن الدين تقتصر إما علي تفسير أو تطوير للأفكار التي عرضها ماركس وانجلز أو علي تطبيقها علي واقع محدد .
كاوتسكي ولينين ولوكسمبورج
تلك هي الحالة مثلا مع دراسات كارل كاو تسكي التاريخية عن المسيحية البدائية ، والهرطقات التي عرفتها العصور الوسطي ، وعن توماس مور وتوماس مونزر . وبينما يقدم لنا كاوتسكي نظرات ثاقبة وتفصيلات مهمة عن الأسس الاجتماعية والاقتصادية لهذه الحركات وعن طموحاتها المشاعية ،
فإنه عادة ما يختزل معتقداتها الدينية إلي مستوي مجرد " قشرة " أو"حلة " " تخفي " محتواها الاجتماعي . وفي كتابه عن الإصلاح الألماني ، لا يبدد أي وقت في تناول البعد الديني للنزاع بين الكاثوليك واللوثريين والقائلين بتجديد العماد :
واحتقارا منه ل " المشاجرات اللاهوتية " بين هذه الحركة الدينية ، يري أن
المهمة الوحيدة للمؤرخ هي " إرجاع نزاعات تلك الأزمنة إلى تناقضات المصالح المادية " . وكان كثيرون من الماركسيين في الحركة العمالية الأوربية معادين بشكل جذري للدين لكنهم كانوا يرون أن المعركة الإلحادية ضد الأيديولوجية الدينية يجب أن تخضع للضرورات الملموسة للنظام الطبقي ، الذي يتطلب الوحدة بين العمال الذين يؤمنون بالرب وأولئك الذين لا يؤمنون به .
ولينين نفسه - الذي غالبا ما شجب الدين باعتباره " ضبابا صوفيا "- يؤكد في مقالة الذي يحمل عنوان " الاشتراكية والدين " ( 1905 ) علي أن الإلحاد لا يجب أن يكون جزء من برنامج الحزب لأن " الوحدة " في النضال الثوري الذي تخوضه الطبقة المقهورة من اجل خلق فردوس علي الأرض أهم بالنسبة لنا بكثير من وحدة الرأي البروليتاري حول الموقف من فكرة الفردوس في السماء .
وقد تقاسمت روزا لوكسمبورج هذا الرأي ، لكنها طورت نهجا مختلفا واكثر مرونة فعلي الرغم من أنها كانت هي نفسها ملحدة ، فقد هاجمت في كتاباتها السياسة الرجعية للكنيسة - باسم تراثها - بأكثر مما هاجمت الدين . وفي بحث كتب في عام 1905 ، ( الكنيسة والاشتراكية ) قالت أن الاشتراكيين الجدد اكثر إخلاصا للمبادئ الأصلية للمسيحية من رجال الدين المحافظين المعاصرين .
وبما أن الاشتراكيين يناضلون من اجل نظام اجتماعي يتميز بالمساواة والحرية والإخاء ، فإن القساوسة ، إذا كانوا يريدون مخلصين أن يطبقوا في حياة البشرية المبدأ المسيحي الذي يدعو إلي أن يحب المرء جاره حبه لنفسه ، يجب أن يرحبوا بالحركة الاشتراكية .
فعندما يؤيد رجال الدين الأغنياء ، الذين يستغلون ويضطهدون الفقراء ، فانهم يكونون في تناقض سافر مع التعاليم المسيحية : إنهم يخدمون العجل الذهبي لا المسيح . وكان رسل المسيحية الأوائل مشاعيين متحمسين وقد حجب آباء الكنيسة ( مثل بازيل الأكبر ويوحنا كريسوستوم ) الظلم الاجتماعي وهذه القضية تتولاها اليوم الحركة الاشتراكية التي تحمل إلي الفقراء إنجيل الإخاء والمساواة ، وتدعو الشعب إلي إنشاء مملكة الحرية وحب الجار علي الأرض . وبدلا من خوض معركة فلسفية باسم المادية ، تحاول روزا لوكسمبورج استنقاذ البعد الاجتماعي للتراث المسيحي لحساب الحركة العمالية . وكان الماركسيون النمساويون ، اوتو باور وماكس أدلر ، الخ ، اقل عداوة للدين بكثير من زملائهم الألمان والروس . ويبدو انهم قد اعتبروا الماركسية متمشية مع شكل ما للدين ، لكن ذلك يشير أساسا إلي الدين بوصفه " عقيدة فلسفية " ( ذات إلهام قانطي جديد ) وليس إلي تقاليد دينية تاريخية ملموسة . الأممية الشيوعية لم يول اهتمام كبير للدين في الأممية الشيوعية . وقد انضم عدد هام من المسيحيين إلي الحركة ، وخلال العشرينات ، نجد أن قسا بروتستانتيا سويسرا سابقا ، هو جول أمبير - دروز ، قد اصبح واحدا من قادة الكومنترن ( الأممية الشيوعية ) الرئيسيين . وكانت الفكرة السائدة بين الماركسيين آنذاك هي أن المسيحي الذي صار اشتراكيا أو شيوعيا إنما يعتبر بالضرورة متخليا عن معتقداته الدينية "اللاعلمية " و "المثالية " السابقة .
وعمل برتولد بريشت المسرحي الجميل الذي يحمل عنوان " جان الجزارات " ( 1932 )هو مثال جيد لهذا النوع من التناول التبسيطي لتحول المسيحيين إلي النضال من اجل التحرر البروليتاري . ويصف بريشت بشكل بالغ الذكاء العملية التي تكتشف عبرها جان ، وهي قائدة لجيش الخلاص ، حقيقة الاستغلال والظلم الاجتماعي وتموت متنكرة لمعتقداتها السابقة . إلا أنه لابد من أن توجد بالنسبة له قطيعة مطلقة وكاملة بين إيمانها المسيحي السابق وإيمانها الجديد بالنضال الثوري .
وقبيل موتها مباشرة تقول جان للشعب : " إن جاءكم أحدا يوم ما ليقول أن هناك ربا ، وإن كانت لا تدركه الأبصار ، يمكنكم انتظار عونه ، ارجموه بحجر علي رأسه دون رحمه إلي أن يموت " .
وفي هذا النوع من المنظورات " المادية " الفجة - وغير المتسامحة بالمرة - ضاعت بصيرة روزا لوكسمبورج النافذة ، التي رأت أن بوسع المرء النضال من اجل القيم الحقيقية للمسيحية الأصلية .
والواقع أنه قد ظهرت في فرنسا ( 1936 - 1938 ) ، بعد سنوات قليلة من كتابة بريشت لهذه المسرحية ، حركة للمسحيين الثوريين تجمع عدة آلاف من المناضلين الذين ساندوا الحركة العمالية بنشاط ، خاصة جناحها الأكثر جذرية ( جناح الاشتراكيين اليساريين الذين تزعمهم مارس بيفير ) . وكان شعارهم الرئيسي " نحن اشتراكيون لأننا مسيحيون " .
جرامشي
من بين زعماء ومفكري الحركة الشيوعية ، من الأرجح أن جرامشي هو الوحيد الذي أبدى الاهتمام الأكبر بالمسائل الدينية .
كما أنه أحد الماركسيين الأوائل الذين حاولوا فهم الدور المعاصر للكنيسة الكاثوليكية وثقل الثقافة الدينية بين الجماهير الشعبية وملاحظاته عن الدين التي سجلها في " دفاتر السجن " ذات طابع متناثر ومبعثر وتلميحي ، لكنها في الوقت نفسه جد نافذة .
والواقع أن نقده الحاد الساخر لأشكال الدين المحافظة - خاصة النوع اليسوعي من الكاثوليكية ، الذي كان يمقته من صميم فؤاده - لم يحل بينه وبين أن يدرك أيضا البعد الطوباوي للأفكار الدينية " .... أن الدين هو اضخم " ميتافيزيقيا " عرفها التاريخ حتى الآن ، لأنه اضخم محاولة للتوفيق ، في شكل ميثولوجي ، بين التناقضات الفعلية للحياة التاريخية . فالواقع أنه يؤكد أن البشرية لها " طبيعة " واحدة ، أن الإنسان ... بقدر ما أنه قد خلقه الرب ، ابن الرب ، هو من ثم أخو للبشر الآخرين ومثلهم ... ، لكنه يؤكد أيضا أ، ذلك كله لا ينتمي إلي هذا العالم ، بل إلي عالم آخر (اليوتوبيا ) . وهكذا فإن أفكار المساواة والإخاء ، والحرية تنبجس بين البشر ... وهكذا فإن هذه المطالب قد طرحت دائما في كل تحرك جذري للجماهير ، علي نحو آخر ، بأشكال خاصة وبايديوجيات خاصة " كما أكد علي التمايزات الداخلية للكنيسة وفقا للتوجهات الإيديولوجية - تيارات ليبرالية ويسوعية وأصولية داخل الثقافة الكاثوليكية - ووفقا للطبقات الاجتماعية المختلفة :
" إن كل دين ... هو في الواقع عديد من الأديان المختلفة والمتناقضة غالبا :
فهناك كاثوليكية للفلاحين وكاثوليكية للبرجوازية الصغيرة وعمال المدن وكاثوليكية للمرأة وكاثوليكية للمثقفين .... " وتتصل معظم ملاحظاته بتاريخ ودور الكنيسة الكاثوليكية الحالي في إيطاليا : تعبيرها الاجتماعي والسياسي من خلال جماعة العمل الكاثوليكي وحزب الشعب ، وعلاقتها بالدولة وبالطبقات التابعة ، الخ . وقد اهتم علي نحو خاص بأسلوب تجنيد المثقفين التقليديين واستخدامهم كأدوات للهيمنة من جانب الكنيسة : " مع أنها قد نظمت آلية مثيرة للاختيار
" الديمقراطي " لمثقفيها ، فإنهم قد اختيروا كأفراد فرادى وليس كتعبير تمثيلي عن الجماعات الشعبية " .
بلوخ
إن تحليلات جرامشي ثرية ومحركة للتأمل ، لكنها ، في التحليل الأخير ، لا تجدد في منهج تناول الدين . وأرنست بلوخ هو الكاتب الماركسي الأول الذي غير الإطار النظري جذريا
دون أن يتخلي عن المنظور الماركسي والثوري .
وبأسلوب مماثل لأسلوب أنجلز ، ميز بين تيارين متعارضين من الناحية الاجتماعية : من جهة ، دين الكنائس الرسمية الثيوقراطي ، أفيون الشعب ، جهاز تضليلي يخدم الأقوياء ، ومن الجهة الأخرى ، الدين السري ، الهدام والخارج الذي عرفه الألبيجينسيون ( شعبة دينية ظهرت في فرنسا بين عامي 1029- 1250 ، وترضت للقمع بتهمة الهرطقة - المترجم ) والهوسيون ( اتباع يان هوس ( 1369- 1415 ) المصلح الديني في بوهيميا ، والذي احرق بتهمة الهرطقة - المترجم ) ويواقيم الفلوري وتوماس مونزر
وفرانتس فون بادر ، وفيلهيلم فايتلينج وليو تولستوي .
علي أن بلوخ ، خلافا لإنجلز ، رفض اعتبار الدين مجرد " ستار " لمصالح طبقية - وقد انتقد هذا المفهوم بشكل صريح ، وإن كان قد رده إلي كاوتسكي وحده ... فالدين في أشكاله الاحتجاجية والمتمردة هو أحد أهم أشكال الوعي الطوباوي ، أحد اغني التعبيرات عن مبدأ الأمل .
واللاهوت اليهودي - المسيحي عن الموت والخلود - الكون الديني الأثير لدى بلوخ - أنما يرمز ، من خلال قدرته علي التوقع الإبداعي ، إلي الفضاء الخيالي لما لم يأتي بعد .
واستنادا إلي هذه التصورات ، يطور بلوخ تفسيرا غير أرثوذكسي وخارجا علي الأعراف التقليدية للكتاب المقدس - بعهديه القديم والجديد - مقدما إنجيل الفقراء ، الذي يدين الفراعنة ويدعو الجميع إلي الاختيار بين قيصر والمسيح . والواقع أن بلوخ وهو ملحد ديني - إنه يري أن الملحد هو وحده الذي يمكنه أن يصبح مسيحيا صالحا وأن المسيحي الصالح وحده هو الذي يمكنه أن يصبح ملحدا - ولاهوتي للثورة ، لم يقدم مجرد قراءة ماركسية للنزعة الألفية (مقتفيا اثر أنجلز في ذلك ) بل قدم أيضا - وهذا هو الجديد ، تفسيرا ألفيا للماركسية ، حيث يجرى اعتبار النضال الاشتراكي من أجل مملكة الحرية وريثا مباشرا لهرطقات الماضي الأخروية والجماعية .
وبطبيعة الحال فإن بلوخ ، شأنه في ذلك شأن ماركس الشاب الذي كتب فقرة 1844 الشهيرة ، وقد ميز الطابع المزدوج للظاهرة الدينية ، جانبها القهري وكذلك قدرتها علي التمرد .
ويتطلب الجانب الأول استخدام ما يسميه ب " تيار الماركسية البارد " : التحليل المادي الذي لا يكل للأيديولوجيات والأوثان والوثنيات .
علي أن الجانب الثاني يتطلب " تيار الماركسية الدافق " الذي بسعي إلي استنقاذ الفائض الثقافي الطوباوي في الدين ، قوته الانتقادية والتوقعية . وبعيدا عن أي " حوار " كان بلوخ يحلم باتحاد حقيقي بين المسيحية والثورة مثلما حدث في حرب الفلاحين في القرن السادس عشر . وإلي حد ما ، كان بعض أعضاء مدرسة فرانكفورت يتقاسمون أراء بلوخ . فقد رأى ماكس هوركهايمر أن " الدين هو سجل رغبات وأشواق واحتجاجات اجيال لا حصر لها " وفي كتابه " عقيدة المسيح ( 1930 ) ، استخدم أيريك فروم الماركسية والتحليل النفسي لتوضيح جوهر المسيحية البدائية الخلاصي والشعبي والمساواتي والمعادي للتسلط ، وقد حاول فالتر بنيامين أن يؤلف ، في تركيب فريد وأصيل ، بين اللاهوت والماركسية ، بين الخلاصية اليهودية والمادية التاريخية .
جولدمان
ويعتبر عمل لو سيان جولدمان محاولة رائدة أخرى لتجديد التناول الماركسي للدين ومع أن مصادر إلهام جولدمان تختلف اختلافا بينا عن مصادر الهام بلوخ ، إلا أنه قد اهتم هو إيضاح برد الاعتبار إلى القيمة الأخلاقية والإنسانية للتراث الديني .
وقد طور في كتابه " الرب المحتجب " ( 1955 ) تحليلا سوسيولوجيا جد مرهف ومبتكر للهرطقة اليانسنية ( بما في ذلك مسرح راسين وفلسفة باسكال ) بوصفها فلسفة مأساوية ، تعبر عن الوضع الخاص لشريحة اجتماعية ( نبلاء الرداء ) في فرنسا في القرن السابع عشر ز
علي أن الجزء الأكثر إثارة للدهشة والأكثر أصالة في هذا العمل هو المحاولة الرامية إلي المقارنة بين الإيمان الديني والأيمان الماركسي - دون دمجهما : فكلاهما يرفضان النزعة الفردية الخالصة ( العقلانية أو التجريبية ) وكلاهما يؤمنان بقيم فوق فردية - الرب بالنسبة للدين والجماعة الإنسانية بالنسبة للاشتراكية .
ويوجد تناظر مماثل بين الرهان الباسكالي علي وجود الرب والرهان الماركسي علي تحرر الإنسانية : إن كليهما يفترضان المجازفة ، وخطر الفشل وأمل النجاح .
وكليهما ينطويان علي إيمان أساسي معين لا يمكن إثباته علي مستوي الأحكام الواقعية وحده . وبطبيعة الحال ف ن ما يفصل بينهما هو الطابع فوق الطبيعي أو فوق التاريخي للتسامي الديني ودون أن يهدف بآية حال " إضفاء طابع مسيحي علي الماركسية " ادخل جولدمان أسلوبا جديدا للنظر إلي العلاقة الصراعية بين الأيمان الديني والإلحاد الماركسي .
لقد رأي ماركس وانجلز أن الدور الانتقادي الذي لعبة الدين هو شيء ينتمي إلى الماضي ، لم تعد له أية أهمية في عصر الصراع الطبقي الحديث .
وقد تأكد هذا التوقع من الناحية التاريخية إلى هذا الحد أو ذاك علي مدار قرن - فيما عدا استثناءات هامة قليلة ( خاصة في فرنسا ) : حركة الاشتراكيين المسيحيين في الثلاثينيات ، حركة القساوسة العمال في الأربعينيات ، يسار النقابات المسيحية الاتحاد الفرنسي للعمال المسيحيين في الخمسينيات ، الخ . آلا أنه لفهم ما كان يحدث خلال السنوات الثلاثين الماضية في أمريكا اللاتينية - وفي الفلبين أيضا وبدرجة اقل في قارات أخري - فإننا بحاجة إلي أن ندمج في تحليلنا رؤى بلوخ ( وجولمان ) الثاقبة حول الطاقة الطوباوية للتراث اليهودي - المسيحي
مجلة القاهرة
العدد 134
في يناير 1994


---------------------------------------------


أكثر من أفيون: الموقف الماركسي من الظاهرة الدينية



بقلم: غياث نعيسة
أمام الصعود الكبير للتيار الاسلامي في العالم العربي لا ينبغي اهمال حقيقة هذه الظاهرة الدينية المجردة التي تمزج بين طابع مزدوج؛ طابع قمعي وفي نفس الوقت كمون تمردي.

ميدل ايست أونلاين



"الدين هو صرخة الكائن المضطهد وقلب عالم بلا قلب وروح ظروف بلا روح...."
كارل ماركس

يعود، منذ وهلة، في أوساط اليسار الراديكالي عموما والماركسي خصوصا وعلى الصعيد العالمي اهتمام وحوار حول دور الدين، أو العامل الديني، في الصراعات الاجتماعية الداخلية أو على صعيد الصراعات الدولية والإقليمية، وتحديد الموقف منه.
لقد أدخلت الإدارة الأميركية العالم منذ بدايات القرن الحادي والعشرين في عصر أطلقت عليه مصطلح "الحرب على الإرهاب" وهو ما عني بشكل شبه حصري حرب على كل القوى والدول المعادية للمشاريع الامبريالية بدءا من أفغانستان إلى العراق ولبنان وفلسطين وغيرها من البلدان. ولم يكن غريبا أن تترافق هذه الحرب الامبريالية المتوحشة والفعلية مع حرب نفسية وإيديولوجية جعلت من "الإسلام" – كدين شعبي وليس كدين رسمي لأنظمة موالية أو عميلة للامبريالية- عدو يجب تطويعه وإدانته وخلق شعور بالعار أو بالخوف لمجرد الانتماء له.
وما حصل من تأثيرات لهذه السياسة الامبريالية العنيفة لم يكن إلا تحصيل حاصل: حروب مدمرة، وكره للإسلام في الدول الغربية ليس له مثيل في القرن العشرين، وإعلان مواقف حكومية لمنع النقاب في فرنسا وغيرها أو ما سمي قبل عامين بمنع المظاهر الدينية في المدارس بشكل خاص والتي لم تكن تعني إلا مظاهر الانتماء الإسلامي التقليدي في اللبس.
لقد ارتبك بعض اليسار الماركسي نفسه في تقدير الموقف من "الوعي الديني" باعتباره يمكن أن يشكل عند "المؤمنين" نوعا من أنواع الهوية المركبة لكل مواطن. فقد وقف قسم من اليسار النضالي –كالعصبة الشيوعية الثورية في فرنسا- مع القانون المحرم للمظاهر الدينية الذي أصدرته حكومة يمينية. كما تعالت أصوات أخرى تعلن مدى تخلف "الإسلام" في تعامله مع المرأة، وصدحت أصوات أخرى تعلن الميل العضوي للإسلام كدين يقوم على الإكراه والعنف وبالتالي على الإرهاب وساهمت في إشاعة ظاهرة معاداة الإسلام في الغرب أو الاسلاموفوبيا... وأخيرا أثار قرار الحزب الجديد المعادي للرأسمالية في فرنسا في ترشيح إحدى عضواته "مسلمة" وتغطي شعرها في الانتخابات الإقليمية القادمة في آذار/مارس إلى ضجة كبيرة داخل الحزب وخارجه وحركة احتجاج لقطاع من أوساطه.
هذه المواقف الملتبسة والمرتبكة لليسار الأوربي تجد شبيها لها في بلداننا، فيصدح البعض بالقول بتماثل "القوى الإسلامية" مع الفاشية ويضع مواجهتها على قائمة أوليات برامجه . ويتخذ مواقف تقوم على إدانة رجعية "القوى" الإسلامية بغض النظر عن موقفها المعادي للامبريالية.
يضاف إلى هذا اليسار العقائدي والمناهض للوعي "الديني" باعتباره "رجعيا بالمطلق" بعض الكتاب الناقدين والمعادين للدين الإسلامي أو القوى الإسلامية باسم ضرورة الانتقال إلى "الحداثة" و"التنوير" في بلادنا.

الماركسية والدين

في الواقع، أن الفهم الماركسي لدور الدين - في كتابات ماركس وانجلز- كما الوعي الديني نفسه في مجتمع محدد يتسمان كلاهما بطابع مزدوج .
فإذا كان شائعا أن تعريف ماركس للدين بأنه "أفيون الشعوب" وهو تعريف يتشبث به بعض "الماركسيين" والمعادين للماركسية بنفس الوقت. لكن موقف ماركس وانجلز من الدين لا يمكن اختزاله في هذه الجملة المبتسرة من سياقها وحدها، ولا في التفسير الشائع لها.
مثلما لم يحظ الوعي الديني ودوره في الصراعات الاجتماعية بدراسات ماركسية جدية أو جديدة، بل اجتر عدد من الماركسيين مواقفهم السياسية من الدين من التفسير (أو بالأحرى سوء التفسير) الشائع لبعض نصوص ماركس أو انجلز. وخصوصا في كتابه" نقد فلسفة الحق لهيغل" حيث اعتبر ماركس أن نقد الدين في ألمانيا قد أنجز " وان على نقد الدين أن يتحول إلى نقد السياسة، ونقد الجنة أن يتحول إلى نقد الأرض " .
تنحصر معظم كتابات ماركس حول الدين في مرحلة شبابه، ولاسيما مقاله حول" نقاشات حول حرية الصحافة والنشر.." وكتابه "مساهمة في نقد فلسفة الحق لهيغل" وخاصة المدخل المنفصل عنها، و"اطروحات حول فيورباخ" . كما نجد في أعماله الأخرى وخاصة رأس المال ملاحظات وتعليقات وهوامش حول الدين.
في حين أن انجلز كتب عدد من الأعمال الفكرية الأساسية حول الدين مثل "رسائل من ويبرتال" و"حرب الفلاحين في ألمانيا" و"برونو باور والمسيحية الأولى" و" كتاب الوحي" وفي نهاية حياته كتابه "حول تاريخ المسيحية الأولى" . إضافة إلى عدد من المراسلات والقصائد. هذا دون أن ننسى عملين مشتركين بين ماركس وانجلز هما "العائلة المقدسة" و"الايديولوجيا الألمانية".

وماركسية اليوم؟

ربما، يمكن القول أن عدد من الكتابات الماركسية الحديثة حول الحركات الدينية الحديثة وخصوصا الإسلامية، على قلتها، تشكل مساهمة جادة في الإجابة على تحديات الوقائع الجديدة وتطوير هذا الجانب الفكري والعملي للماركسية في تعاملها مع الدين والوعي الديني .. خصوصا في منطقنا.
لقد كان لمقال المفكر الماركسي جيلبير الأشقر المعنون "11 أطروحة حول الانبعاث الراهن للسلفية الإسلامية" المنشور عام 1981 أهمية في قراءة الوقائع الجديدة لنهوض الحركات السياسية الإسلامية- التي وصفها كلها بالسلفية- في منطقتنا ومحاولة تقديم تحليل ماركسي لهذه الظاهرة والموقف منها، وإن اتسم مقاله بالارتكاز على فكرة أساسية لا لبس فيها هي أن القوى "السلفية" في إيديولوجيتها وفي برنامجها رجعيان في جوهرهما . واعتبر أن كل أمثلته تقدم الدليل على أن كل هذه الحركات السلفية هي "قوة إعانة للبرجوازية الرجعية". وعانت هذه المقالة من علة الموقف "الماركسي" التقليدي والأوربي-المركزي باستناده على علمانية راديكالية ومعاداة للدين بشكل عام. وقد طور جيلبير أشقر اطروحاته هذه وخلصها نسبيا من علتها المذكورة في مقاله " الماركسية والدين، البارحة واليوم"، الصادر عام 2004.
لكن الدراسة الماركسية المتميزة حول الموضوع كانت لكريس هرمان المفكر الماركسي البريطاني الذي توفي نهاية العام الماضي في القاهرة، والمعنونة "النبي والبروليتاريا" الصادرة عام 1994. إذ انه لا يقوم فقط على عرض تاريخي للموقف الماركسي من الدين، بل انه يحلل الوقائع الملموسة في عدد من البلدان "الإسلامية" والحركات الدينية السياسية والإيديولوجية فيها ويرصد تناقضاتها على ضوء الصراعات الاجتماعية من وجهة نظر ماركسية ليستخلص إلى "أن الاشتراكيين قد اخطئوا في النظر إلى الحركات الإسلامية على أنها اتوماتيكيا رجعية وفاشية أو أنها اتوماتيكيا معادية للامبريالية وتقدمية". إن الحركة الإسلامية الراديكالية، بمشروعها في إعادة تشكيل المجتمع على النموذج الذي أقامه محمد في القرن السابع في الجزيرة العربية، في الواقع هي "طوبى" نابعة من قطاع بائس من الطبقة الوسطى الجديدة . وكما في أي "طوبى برجوازية صغيرة"، فان مؤيديها في الممارسة يواجهون الاختيار بين محاولات بطولية عبثية لفرضها في مواجهة أولئك الذين يديرون المجتمع الحالي، أو المساومة معهم، بتوفير طابع إيديولوجي زائف لاستمرار القمع والاستغلال. وهذا هو حتما ما يؤدي إلى الانشقاقات بين الجناح الراديكالي الإرهابي من الحركة الإسلامية من جانب، والجناح الإصلاحي من الجانب الآخر. وهذا هو أيضا ما يدفع بعض الراديكاليين إلى التحول عن استخدام السلاح في محاولة إلى تأسيس مجتمع بدون "طغاة" إلى استخدامه لفرض أشكال السلوك "الإسلامي على الأفراد". ويتوصل هرمان إلى الاستنتاج العملي التالي "سوف نجد أنفسنا في بعض القضايا في نفس الجانب مع الإسلاميين ضد الدولة والامبريالية .كان ذلك مثلا في عدد من البلاد أثناء حرب الخليج الثانية. ويجب أن يكون صحيحا في بلاد مثل فرنسا وبريطانيا في مواجهة التمييز العنصري. وعندما يكون الإسلاميون في المعارضة، فان شعارنا يجب أن يكون "مع الإسلاميين أحيانا/ ودائما ضد الدولة" ولكن حتى في ذلك الوقت تستمر معارضتنا للإسلاميين حول قضايا أساسية. فنحن مع الحق في نقد الدين كما أننا مع الحق في ممارسته.... والاه من ذلك، نحن ضد أي إجراء يضع قطاعا من الدولة، والمستغلين في مواجهة قطاع آخر على أساس أصولهم الدينية أو العرقية . ويعني ذلك أننا كما ندافع عن الإسلاميين ضد الدولة، فإننا سوف ندافع ضد اضطهاد بعض الإسلاميين للنساء و ...عندما نجد أنفسنا في نفس الجانب مع الإسلاميين، فان جزء من مهمتنا هو الجدال الشديد معهم وتحدبهم ليس فقط في موقف منظماتهم من المرأة والأقليات ولكن أيضا المسألة الجوهرية ما إذا كان المطلوب التصدق من الأغنياء أو الإطاحة بالعلاقات الطبقية القائمة".
شكلت مقالة هرمان منعطفا هاما ورؤية جديدة- وان لم تجب على كل التحديات التي طرحتها ظاهرة النهوض الإسلامي - في طريقة تحليل وتعامل اليسار الماركسي مع ظاهرة اجتماعية وسياسية جديدة هي نمو الحركات الإسلامية وتزايد نفوذها الجماهيري بشكليها الإصلاحي أو المتشدد في معظم البلدان الإسلامية. وان شكلت، في الوقت نفسه، صدمة واعتراض لدى بعض الماركسيين الحاملين للتفسير الشائع والقديم بان الماركسية تعني حتما عداء للدين والمتدينين فحسب.

"يسار" ديني !

وهنا تندرج مقالة الفيلسوف الماركسي ميشيل لووي – فرنسي من اصل أرجنتيني- عام 2005 بعنوان "أفيون الشعوب؟ الماركسية النقدية والدين"، لتشكل، في سياق اهتمامه المعروف بلاهوت التحرر في أميركا اللاتينية، خطوة هامة في إجلاء التطور التاريخي للموقف الماركسي من التدين والدين وفتح أفاق فكرية جديدة له، وقد تميزت مقالته بطابع انطولوجي ممتع بفضل تأثره العميق بالهيغلية، وركزت بنتائجها على ظاهرة لاهوت التحرر في أميركا اللاتينية، متجاهلة ظاهرة هامة جدا في الصراعات الاجتماعية والدولية هي الظاهرة " الإسلامية".
وينطلق لووي من قناعة بان كلا من أتباع ومعادي الماركسية يتفقان على نقطة واحدة أساسية هي "أن الجملة الشهيرة لماركس: الدين أفيون الشعوب، إنما تمثل زبدة الفهم الماركسي للظاهرة الدينية، بينما الحقيقة هي أن هذه الصيغة لم تكن حصرا أو خصوصية للماركسية".
ويسرد لووي ويؤكد باستشهادات كيف أن هذه الجملة، أو ما يشابهها، نجدها في كتابات لمفكرين آخرين غير ماركس مثل "كانت وهيدر وفيورباخ وبرونو باور وآخرين كثيرين".
ويدعو لووي من اجل فهم أفضل للظاهرة الدينية إلى الاستعانة بحدس ارنست بلوخ، لأن "ارنست بلوخ يرى كما ماركس عام 1844 أن للظاهرة الدينية طابع مزدوج، طابع قمعي وفي نفس الوقت كمون تمردي". حيث أن بلوخ يرى في الصيغ التمردية والاحتجاجية للدين "احد أهم الأشكال للوعي الطوباوي، واحد أغنى التعبيرات عن مبدأ الأمل واحد المتخيلات القوية (لما لم يقم بعد)". بالرغم من أن ماركس وانجلز اعتقدا بان الدور التمردي للدين قد أصبح ظاهرة من الماضي، ولم يعد له أهمية في عصر صراع الطبقات الحديث. وفي حين تبين أن توقعهما "كان صائبا لمدة قرن" إلا من "بعض الاستثناءات الهامة وخصوصا في فرنسا، التي شهدت الاشتراكيين المسيحيين في سنوات الثلاثينات والرهبان العمال في الأربعينات ويسار النقابات المسيحية في الخمسينات..الخ".
ومع أن الطابع الاحتجاجي للدين قد برز مرة أخرى منذ أواخر القرن العشرين، إلا أن الاستنتاج العملي الوحيد لمقالة لووي اقتصر على دعوته إلى انه " من اجل فهم ما يجري منذ ثلاثين عاما في أميركا اللاتينية – لاهوت التحرر ومسيحيين من اجل الاشتراكية- يجب أن نأخذ بعين الاعتبار حدس بلوخ حول الكمون الطوباوي لبعض التقاليد الدينية". يقر لووي بشكل "خجول" بوجود "يسار" مسيحي، وإن لم يتطرق في مقالته للظاهرة الإسلامية فلأن ميشيل لووي، باعتقادنا، لا يرى مثيلا له فيها.

أكثر من أفيون

بعد كشف الطابع المزدوج للظاهرة الدينية، والتقاط الطابع الاحتجاجي لبعض تجلياتها في شروط تاريخية محددة، تأتي مقالة المفكر الماركسي البريطاني جون مولينو بعنوان "أكثر من أفيون: الماركسية والدين" المنشورة عام 2008، كاستكمال وتعميق لدراسة كريس هرمان المذكورة أعلاه.
ينطلق مولينو من مقولة أساسية لفهم "الظاهرة"الإسلامية، تنسف الادعاءات الإيديولوجية السائدة المعادية للإسلام والمسلمين، حيث يوضح بأن ما يجعل الإسلام اليوم في قلب الأحداث العالمية ليس طبيعته الاستبدادية الخاصة به وحده أو طبيعة لاهوته أو عقائده بخلاف أي دين آخر، بل أن ما يضعه في هذا الموقع اليوم هو " أولا، أن غالبية السكان التي تقطن فوق اكبر احتياطي البترول والغاز الطبيعي في العالم هي مسلمة. وثانيا، أن مقاومة هذه الشعوب للامبريالية،منذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، اكتست صبغة إسلامية".
حيث انه لو كانت شعوب الشرق الأوسط بوذية لكنا وجدنا أنفسنا في مواجهة ظاهرة"البوذوفوبيا" (أي كره البوذية). ومؤكدا على أن الاسلاموفوبيا كمكون إيديولوجي للطبقة السائدة في الغرب إنما "تطورت على الصعيد الداخلي والعالمي باعتبارها مجرد غطاء إيديولوجي أساسي لتبرير الحروب الامبريالية".
ويعيد مولينو قراءة الماركسية للدين ودوره، انطلاقا من أن الوعي الديني كأي وعي آخر له أساسه المادي فليس وعي البشر هو من يحدد وجودهم، بل على العكس، فان وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم (ماركس، مدخل لمساهمة نقد الاقتصاد السياسي).
ويصر مولينو على التأكيد على الطابع المزدوج للموقف الماركسي من الدين، إذ انه "من جهة، هو موقف مادي حازم، يرفض الإيمان الديني بكل أشكاله، لأن الأفكار الدينية مثلها مثل كل الأفكار هي منتجات اجتماعية وتاريخية، أي أنتجها البشر" ولكن على الماركسية "من جهة أخرى، أن تقدم تفسيرا ماديا للدين. فلا يكفي القول بأن الدين عموما أو دين محدد بشكل خاص هو مجرد أوهام تستولي على عقول الملايين من البشر، لأنه "في هذه الحالة يخطئ الموقف الماركسي في مساواته بين عقائد دينية في دول امبريالية وبين عقائد دينية لشعوب مضطهدة".
فالموقف الماركسي بحاجة إلى "تحليل الجذور الاجتماعية للدين بشكل عام ولعقائد دينية محددة... للتوصل إلى فهم الاحتياجات الإنسانية الحقيقية وللشروط الاجتماعية والنفسية والتاريخية التي تتطابق هذه العقائد معها".
ويعيد مولينو الاعتبار لنص لماركس يعتبره هام جدا و"مقلوب" للعالم كاف، ولم يحظ،برأيه، باهتمام أو انتشار جديرين به وهو مقتطف من "المدخل إلى نقد الاقتصاد السياسي لماركس"، وعلينا أن نقر سلفا انه نص مكثف جدا وصعب وليس سهلا ترجمته بأمانة إلى العربية.إذ يقول ماركس إن " الدين هو بالفعل وعي ذاتي واعتبار ذاتي لإنسان لم يستعيد بعد اعتباره لذاته أو قد فقده من جديد. لكن الإنسان ليس كائنا مجردا يحيا خارج العالم. الإنسان هو عالم الإنسان –أي- الدولة والمجتمع . وهذه الدولة وهذا المجتمع ينتجان الدين الذي هو وعي "مقلوب" للعالم. لأنهما-يقصد الدولة والمجتمع- مقلوبان. الدين هو نظرية عامة عن العالم، وهو موسوعته وملخصه، انه منطقه في صورته الشعبية، وهو النقطة الروحية المضيئة له وهو حماسه وعقابه الأخلاقي وملحقه الشعائري ومبدأه العام في عزاء النفس وتبريرها. إن الدين هو التحقق المذهل هو وهم الإنساني من اللحظة التي لم يعد فيها الجوهر الإنساني يتطلب واقعا حقيقيا. لذلك فان الصراع ضد الدين هو، بشكل غير مباشر، صراع ضد عالم نكهته الروحية هي الدين".
ليس مهمة الماركسية النقاش المجرد للأفكار عموما أو الأفكار الدينية بشكل اخص إلا بالدرجة التي تعبر فيها الأخيرة عن مصالح اجتماعية فعلية. فالقراءة التاريخية للتيارات الدينية أينما كانت تظهر أنها كانت تعبيرا في كل مجتمع عن مصالح اجتماعية محددة فيه، ومن هنا أهمية ما طرحه انجلز في "الاشتراكية الطوباوية والعلمية" (مدخل الطبعة الانجليزية لعام 1892): "خلف كل دعوة دينية كان يوجد، وفي كل مرة، مصالح مادية ملموسة".

محاور الموقف الماركسي

يؤكد الاشتراكيون الماركسيون- في إطار عرضنا السابق وما اختتمه مولينو- أنهم، بخلاف ما هو شائع، يعارضون فكرة منع الدين . وهذا موقف سبق أن أعلن عنه الدين، عام 1874. وهم ليسوا فقط ضد فكرة منع الدين، بل أن الماركسيين يعتبرون أن الدين يجب أن يكون شأنا شخصيا في ما يخص علاقته مع الدولة . وأن تصان الحرية الدينية كاملة في ظل الرأسمالية الآن والاشتراكية في المستقبل. وهو موقف يتوافق مع ما عبر عنه لينين عام 1905 في "الاشتراكية والدين" حيث شدد لينين على انه " لا يجب أن يكون للدين علاقة بالدولة، ولا يجب أن يكون للهيئات الدينية صلة بالسلطة الحكومية. ومن حق كل فرد أن يكون حرا في ممارسة الدين الذي يرغب به، أو أن لا يرغب بأي دين كائنا ما كان، أي أن يكون ملحدا، وهو حال كل اشتراكي كقاعدة عامة".
إن الوسيلة الوحيدة التي يعتقد الماركسيون بزوال الدين من خلالها هي اندثاره التدريجي كنتيجة لزوال أسبابه الاجتماعية كالاستلاب والاستغلال والاضطهاد..الخ . وليس أبدا من خلال استخدام وسائل المنع أو القمع.
ينطلق الماركسيون في تحديد موقفهم من الحركاتأنصارها،ذات الطابع الديني، وهي عديدة ومتنوعة، من تحليلهم لدورها السياسي والاجتماعي الذي يستند على القوى والمصالح الاجتماعية التي تعبر عنها. وليس من ماهية معتقدات قادة هذه الحركات أو أنصارها، ولا من تحليل الماركسيون لعقائد ولاهوت الدين المعني.
ولهذا فا ن الاشتراكيين الماركسيين يرفضون فكرة المفاضلة بين هذا الدين أو ذاك بحجة أن معتقدات هذا الدين أو ذاك تجعل منه دينا أكثر تقدمية أو رجعية من الآخر. ما هو حاسم بالنسبة لهم ليس المعتقد الديني نفسه بل قاعدته الاجتماعية في ظرف اجتماعي محدد.
من يقوم بالثورات والتغيير هم العمال والجماهير بما فيهم المتدينين، وفي البلدان التي تطغى فيها المشاعر الدينية فان الحزب العمالي الاشتراكي يعلم أن الغالبية العظمى من العمال والجماهير لن تتحرر من أوهامها الدينية بفضل السجالات الفكرية أو الكتب والكراسات، بل هي ستتحرر من أوهامها من خلال المشاركة في النضالات والتغيير ومن ثم من خلال بناء الاشتراكية.
في هكذا شروط، أي في بلدان تطغى فيها المشاعر الديني حقا، أن واجب الحزب العمالي الاشتراكي أن يعمل من اجل أن لا يؤدي التمييز بين العمال المتدينين واللامتدينين إلى عرقلة وحدة نضال الطبقة العاملة والجماهير.
وفي حال أصبح الحزب العمالي الاشتراكي حزبا جماهيريا حقا، يعمل في أوساط الطبقة العاملة والجماهير الشعبية في أماكن عملها وسكنها، فانه سيجد حتما في صفوفه شريحة من العمال التي بقيت متدينة أو شبه متدينة . إن الحزب، هؤلاء العمال في صفوفه بسبب أوهامهم الدينية سيكون موقفا عصبويا ومثاليا. لأن الحزب، في هذه الحالة، يتعامل مع الوعي (وهنا نقصد الوعي الديني) باعتباره أعلى أهمية من الممارسة، فهو إذن موقف مثالي ولا مادي.
في الوقت ذاته، لا يعني هذا، بل ولا يجب، أن يتحول الحزب العمالي الجماهيري إلى حزب ديني، أو حزب تقوم سياساته أو إستراتيجيته أو تكتيكاته على التأثر بالاعتبارات الدينية. فالنضال العمالي والجماهيري الشعبي لهكذا حزب توجهه نظرية تعبر عن المصالح والمفاهيم المشتركة لنضال الطبقة العاملة: هي الماركسية، من وجهة نظرنا. لكن على الحزب العمالي أن ينمي تثقيف وتعليم أعضائه المتدينين والتأثير فيهم، وليس العكس.
مع انهيار الاتحاد السوفياتي سابقا ودول أوربا الشرقية تفكك وانهار اليسار الراديكالي عموما والماركسي خصوصا على الصعيد العالمي، بيد أن نهوضا ملحوظا له بدأ منذ عام 1995، مما يستدعى طرح إستراتيجية جديدة لإعادة بنائه في بلادنا بالارتباط مع ضرورة بناء أحزاب يسارية واسعة، وهذا يتطلب منا قراءة جديدة لسياسات التحالفات تعترف أولا بتعددية وتنوع أطياف اليسار. وهذا ما يستحق دراسة خاصة له انطلاقا من واقع بلادنا.

غياث نعيسة
كاتب سوري مقيم في فرنسا
صدر المقال عام ٢٠١٠

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفلسفة الماركسية (نظرية الالحاد)ح1



الرفيق ميران طارق

(الدين هو حسرة المضطهدين ) ماركس

البؤس الديني هو أحد تعابير البؤس الحقيقي , وهو أحد أشكال الأحتجاج ضد البؤس الحقيقي.

الدين هو آهة الخليقة المضطهدة .

هو التعبير النفسي لعالم بلا قلب , إنه كروح لشيء لا روح له.

إنه أفيون الشعوب ) كارل ماركس – نقد فلسفة الحق الهيكلية - 1

أود في البدءالأشارة الى جملة ( الدين أفيون الشعوب ) التي ذكرها كارل ماركس في – نقد فلسفة الحق الهيكلية - والتي طبل لها أعداء الماركسية وعملاء الأستعمار حتى عادت وكأنها حجة الحجج والدليل الذي لا لبس فيه بأن الماركسية هي نظرية هدفها القضاء على الدين , وماركس هو معاوية إبن أبي سفيان العصر الجديد .. .. وقد كانت الحرب الأيديولوجية بين الغرب الرأسمالي و الشرق الأشتراكي دفع بأعداء الأشتراكية من عملاء التبعية الغربية الى التشهير بألحادية الشيوعيين من خلال جملة واحدة من الأطروحة دون نشر الأطروحة أو مضمون الأفكار التي تناولها الفيلسوف الألماني ومؤسس النظرية الماركسية . ودون الأشارة الى طبيعة الدولة الكنسية في ذلك الزمن وطبيعتها الأستبدادية الحامية للطبقة الرأسمالية ودون الأشارة الى الموضوعة العامة الفلسفية التي واجه بها الفيلسوف الألماني فويرباخ ..

بل كانوا كمن يقول ( لا تقربوا الصلاة ) دون تكملة شطرها الآخر ( وأنتم سكارى ).

الدين من وجهة نظر ماركس يخدم الناس , بأعتباره مفسرا للعالم الدنيوي ومنتجا ظاهريا للعدالة الأجتماعية وعمليا في قمع الروح الثورية والسياسية لخوض الصراع من أجل هذه العدالة . ويجبرهم على عدم الأستجابة لتغيير ماهو قائم وترك عملية التغيير الى القدرات السماوية ويجبر البشر على الأستسلام للنظم والقوانين التي يصنعها مايسمون أنفسهم بأوصياء الله على الأرض من ملوك وحكام وطبقات المجتمع الأستغلالية .. والدين يخدم

الدولة القائمة أيضا , بأحتفاظها بالنظام الأجتماعي – الأقتصادي الخاطيء والذي يجعل من العمال المضطهدين و بمساعدة الأوهام الدينية أيضا الى أن لا يكون هناك تغيير ولا طموح الى التغيير في العالم .

وجملة الدين أفيون الشعوب هي إمتداد لهذا الموقف , بأستخدام الدين لتخفيف الآلام وتهدئة الشعوب وكبح ثوراتها ومطالبها في التغيير .*

أي إن ماركس تناول المسألة الدينية والأوهام الدينية بأعتباها الوسيلة المعتمدة من سلطات الطبقات الحاكمة لديمومة سيطرتها السياسية وتسخير الكنيسة كمرشد فكري وأيديولوجي لديمومة الأستغلال الطبقي ووضع الشعوب بموضع المتلقي الخاضع وليس باعتبارها المحرك الأساسي للتغيير وأن التغيير الدنيوي وتغيير النظام السياسي يعتمد على توجيه عملية الصراع الطبقي وقيادته من قبل الطبقات المضطهدة (بفتح الهاء ) .

لقد واجه ماركس الدين بأعتباره ميثاق الدولة , أي إنه حارب العلاقة السياسية بين الدين والدولة وفي مكان آخر يكتب ماركس :

التحرر السياسي لليهودي والمسيحي والإنسان المتدين بوجه عام هو تحرر الدولة من اليهودية والمسيحية ومن الدين كدولة بوجه عام . تتحرر الدولة في شكلها، الذي يتضمن جوهرها الخاص كدولة، من الدين بتحررها من دين الدولة، هذا يعني بعدم إقرار الدولة كدولة بدين، بل بإِقرارها بكونها دولة.

ليس التحرر السياسي من الدين هو التحرر من الدين المطبق والخالي من التناقضات، لأن التحرر السياسي ليس الأسلوب المطبق والخالي من التناقضات للتحرر البشري. ) 2

فالدين من وجهة نظر ماركس هو الفكر الخالي من التناقظات وهو الدين المطبق على أرض الواقع , والتناقض يكمن في مفهوم التحرر السياسي المليء بالتناقضات وهو ليس مطبقا على أرض الواقع بل بالأوهام . وهنا نشير الى الموقف الواضح لكارل ماركس من الدين كدولة وليس منه كأيمان ومعتقد يربط الأنسان المجرد بمعتقده و الدين كحرية خاصة ليست موضوعة ضمن التوجه الماركسي لمواجهته ومحاربته كما يدعي أعدائها من مؤدلجي الطبقات الحاكمة والأستعمار الذي يمثل الأستغلال الطبقي على المستوى العالمي .. ولا نستغرب شن الحملة ضد الشيوعيين والماركسية عندما يكون هؤلاء في الموقع المعادي لهم ولكن يتم تغافله وتنتهي هذه الحملة

عندما يقف الشيوعيين كحليف ستراتيجي للأستعمار
نظرية الالحاد تكملة ج 1
أن المفاهيم المادية في الفلسفة الماركسية هي ليست من صناعة ماركس وحده , وإنما سبقه المئات من الفلاسفة الماديين من الأغريق والعرب والغرب .. و لم توجه لهؤلاء تهمة الألحاد ومحاربتهم , فهل كانت دولهم التي عاشوا فيها أقل حرصا على ديانتهم منا نحن العراقيين ؟ الجواب ببساطة إن الفلسفة المادية , و الماركسية أيضا كفلسفة علمية تستند الى المفهوم العلمي للتطور الأقتصادي والمفهوم العلمي للتاريخ لم تنتشر بكونها معادية

للدين ولم يكن الدين هدفا لا للماركسية ولا للشيوعيين في جميع أرجاء العالم ( قد تكون بعض الطروحات بالضد من دولة الدين , دولة الكنيسة ) ولكن الماركسية نشأت بأعتبارها السلاح المعرفي ضد الأستغلال الرأسمالي الذي يتخذ من الدين ملاذاته الفكرية وإستخدامه (كأفيون ) لكبح جماح التصاعد العام للصراع الطبقي والوطني , حيث كشفت الماركسية الطبيعة العلمية الديناميكية في التطور الرأسمالي وكذلك طبيعتها الأستغلالية والعدوانية تجاه شعوبها وشعوب العالم ووضعت الأساسات الفلسفية والعلمية لأنهاءه وبناء مجتمع خالي من الأضطهاد ( وإن كانت قد فشلت التجارب الأشتراكية في الشرق الأوروبي فقد كان ذلك لا بسبب الخلل في النظرية بل الخلل في مطبقيها والساسة الذين تحولوا من المطالبة بتحسين وضع الطبقة العاملة الى بيروقراطيين وتجار وديكتاتوريين . وبدلا من ديكتاتورية العمال والفلاحين أصبحت هناك ديكتاتورية من دون عمال وفلاحين ).

ومحور النظرية الأساسي هو الصراع الطبقي بأعتباره المحرك الأساسي لعملية التطور الأجتماعي وإنعكاس سياسي للتناقض بين قوى الأنتاج الأجتماعية المتطورة بتطور وسائل الأنتاج مع علاقات الأنتاج القديمة التي كانت العائق والمعرقل لنموها وتطورها الطبيعي..

فالصراع الطبقي وفق المفهوم الماركسي هو صراع بين القوى المضطهدة (بفتح الهاء- وهي القوى العاملة من عمال وفلاحين وكسبة) وبين القوى المضطهدة (بكسر الهاء – وهم أرباب العمل والملوك والرؤساء الديكتاتوريين وغيرهم ) ويأخذ هذا الصراع منحى عالميا فيكون صراعا بين الشعوب الطامحة للتحرر من جهة والأمبريالية وصنائعها من الرؤساء والملوك من جهة أخرى .. وعلى هذا الأساس يمكننا القول إن الحزب الشيوعي العراقي لم يعد حزبا ماركسيا لأنه تخلى عن موقفه الطبقي والوطني وتحالفه مع الأحتلال وتخليه عن تبني مطالب الكادحين من أبناء وطننا .

فلا غرابة بمرافقة الأحتلال الأمريكي للعراق بحملات إعلامية دينية وصلت الى إعتبار جورج بوش مرسل من الله لتنفيذمهمة سماوية على أرض الرافدين (منبع الديانات الأولى) وكذلك إرهابا دمويا يصطبغ بألوان دينية وتكفيرية ويمثل دور المقاومة لتخريبها من الداخل وليعطي المصداقية ( للنوايا الدينية الطيبة لمجرمي الحرب والأحتلال ) .

وإن الأمبريالية العالمية كممثلة لمصالح الأحتكار العالمي والرأسمال العالمي سعت جاهدة الى إيصال القوى الدينية الى الحكم التابع لسياستها الأستعمارية وتقسيم البلد والمحاصصات حسب التقسيمات المجتمعية الطائفية وإثارة النعرات ومن ثم الأقتتال بين ميليشياتهم .. وجعلت اللغة الدينية هي اللغة السائدة على العمل السياسي .. وبعد إن فشلت في مشروعها هذا بدأت بمحاولات إيصال عملائها العلمانيين وبدل الأسلاميون جلبابهم وتبنوا

المشاريع العلمانية حسب متطلبات سيدهم المحتل وأستبدلوا خطابهم الطائفي بخطاب الوطنية والقانون .

ومعروف إن الماركسية تعتبر الدولة أداة لحماية مصالح الطبقات السائدة , وفي العراق المحتل مثلا فالدولة الصنيعة هي أداة لحماية الأستعمار ومصالحه التكتيكية والأستراتيجية . وموقف ماركس من الدولة هو الموقف من هذه الطبقات والتي تسخرها كأداة من أدوات البناء الفوقي للنظام الأجتماعي – الأقتصادي الرأسمالي وتنتهي بنهايته عبر مرحلة إنتقالية هي الأشتراكية حيث تكون الدولة بيد الطبقة الجديدة المنتصرة وهي طبقة العمال والفلاحين والتي تضع الشروط الضرورية لبناء الشيوعية التي بها تنتفي الحاجة الى الدولة كأداة للقمع والسيطرة وإستبدالها بالتسيير والتنظيم الذاتي للشعوب لحياتها الأقتصادية والأجتماعية . وبقت الشيوعية حتى يومنا هذا مجرد نظرية وتصورات فكرية من الصعب التكهن بصورتها التطبيقية على أرض الواقع .

إن الماركسية كانت قد وقفت بالضد من الكتاب الألحاديين الذين كانوا يدعون صراحة الى التخلي عن الدين تحت واجهة ضرورة التحرر السياسي للدولة . بل الى التحرر السياسي من الدولة نفسها. ولا يمنح الحق للموقف من التحرر السياسي بطلب الناس للتخلي عن الدين .

يكتب ماركس :

( فإننا نرى خطأ باور في أنه انتقد "الدولة المسيحية" وحدها وليس الدولة بوجه عام، وأنه لم يتناول بالبحث العلاقة بين التحرر السياسي والتَحرر الإنساني ويضع بذلك شروطا لا يمكن تفسيرها إلا بخلط غير نقدي بين التحرر السياسي والتحرر الإنساني العام. حين يسأل باور اليهود: هل لديكم الحق وأنتم في موقفكم أن تطلبوا التحرر السياسي ؟ فإِننا نطرح السؤال المعاكس: هل لموقف التحرر السياسي الحق في أن يطلب من اليهود التخلي عن اليهودية ومن الناس التخلي عن الدين بوجه عام ؟ 3

وهنا يدعوا الى إنهاء الدين كدولة :

(يتحرر الإنسان سياسيا من الدين بإِقصائه من الحق العام إلى الحق الخاص. أي إنه لا يعود الدين روح الدولة )4

ويقول أيضا :

(إن انشطار الإنسان إلى إنسان عام(مواطن) وآخر خاص( مسيحي أو يهودي ) ونقل الدين من الدولة إلى المجتمع ، ليسا مرحلة وإنما هما اكتمال التحرر السياسي الذي لا يلغي التدين الحقيقي للإنسان كما لا يسعى لإلغائه.)5

أما المفاهيم المادية في الفلسفة الماركسية هي ليست صناعة ماركس , وإنما سبقه المئات من الفلاسفة الماديين من الأغريق والعرب والغرب .. و لم توجه لهم تهمة الألحاد ومحاربتهم , هل كانت دولهم التي عاشوا فيها أقل حرصا على ديانتهم منا نحن العراقيين ؟

الجواب ببساطة إن الفلسفة المادية , و الماركسية أيضا كفلسفة علمية تستند الى المفهوم العلمي للتطور الأقتصادي والمفهوم العلمي للتاريخ لم تنتشر بكونها معادية للدين ( قد تكون بعض الطروحات بالضد من دولة الدين , الكنسية ) ولكنها ضد الأستغلال الرأسمالي

وكشفت الطبيعة العلمية الديناميكية في التطور الرأسمالي ووضعت الأساسات الفلسفية لأنهاءه وبناء مجتمع خالي من الأضطهاد ( وقد فشلت التجارب الأشتراكية لا بسبب الخلل في النظرية بل الخلل في مطبقيها والساسة الذين تحولوا من المطالبة بتحسين وضع الطبقة العاملة الى بيروقراطيين وتجار وديكتاتوريين وبدلا من ديكتاتورية العمال والفلاحين أصبحت ديكتاتورية من دون عمال وفلاحين ) ومحور النظرية الأساسي هو الصراع الطبقي.





.




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


-------------------------------------------------------------------------------------------------------
حتى نلتقي .....
فضاءات5
* الشيخ *





لا تقتليني ..
ازرعيني ماشئت
قمحاً وربيع
حباً وعنقاء وياسمين
**
ازرعيني ما شئت
قمحاً لعصافير بلادي
وربيعاً في الصحراء
حباً للأطفال في أعياد ميلادهم
ووروداً للعشاق
بحراً للمنبوذين
وعنقاء في وجه العاصفة
ووطناً للمقهورين

























تجمع اليسار الماركسي " تيم "

تجمع لأحزاب وتنظيمات ماركسية . صدرت وثيقته الـتأسيسية في 20 نيسان2007.
يضم (تيم) في عضويته:
1- حزب العمل الشيوعي في سوريا .
2- الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي .
3- الحزب اليساري الكردي في سوريا .
4- هيئة الشيوعيين السوريين .
الموقع الفرعي لتجمع اليسار في الحوار المتمدن:
htt://www.ahewar.org/m.asp?i=1715





للاطلاع على صفحة الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي على الفيسبوك على الرابط التالي:
https://www.facebook.com/pages/الحزب-الشيوعي-السوري-المكتب-السياسي/1509678585952833



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن