دعوة تحذير متواضعة لدعاة التغيير الديموقراطي في الوطن العربي

محمود جلبوط
givara1954@yahoo.de

2005 / 11 / 13

إن ما جرى ويجري من اعتمال في الوسط السياسي بل مجمل الفكر السياسي الجديد في المنطقة العربية بالعموم والقوى السياسية اليسارية الديموقراطية بالخصوص , دفعنا ويدفعنا دائما للاستعانة بالصمت والمراقبة والإنضمام إلى جوقة الموقف السلبي من التفرج , على الرغم من نفاذ صبرنا أحيانا كثيرة من بعض الأراء أو النشاطات التي اقتربت مرارا من اقتراف المحرمات للمقاييس الوطنية كما نراها من وجهة نظرنا.
وما دفعنا للصمت أيضا هو خشيتنا من أن نتهم بتحكم انتمائنا الجغرافي ذو الأصل الفلسطيني في رأينا وموقفنا إن أبدينا رأيا حول تحرك معارض هنا أو تحرك معارض هناك , أو أن نتهم بالماركسية الماضوية أو اليسراوية أو العلمانوية في انحيازنا لمسألة أو رأي أو لموقف سياسي , أو بعقدتنا بمعاداة أمريكا وإسرائيل.
بل خشيتنا بأن نحسب على إحدى أطراف الاستقطاب القوية والاساسية في المنطقة نتيجة الهجمة الأمريكية وعناد أنظمة الاستبداد لأي تغيير جاد أو انفتاح نحو الشعب, فيحسبنا أحدهم بهذا إما مع أمريكا وإما مع الأنظمة الاستبدادية وبالتالي نحصر و يحصر الوطن بين كلابات أمريكا وبين الاستبداد, يذكرني هذا الهرج والاصطفاف بما جرى وساد بيننا في المعتقل أثناء حرب الخليج الثانية إثر غزو النظام العراقي للكويت والتحاق النظام السوري حينها بالحملة العسكرية إلى جانب أمريكا لتحرير الكويت ولنكتفي بالتذكير دون سرد التفاصيل.
ربما لن تأتي مقالتنا على جديد ولكنا ارتأينا الخروج من الموقف السلبي المتجلي بالتفرج والصمت والانتقال إلى الموقف الإيجابي في المشاركة ونرى بهذا ضرورة لكل مواطن أن يشارك في ادلاء رأيه بما يجري والمشاركة في صياغة مستقبل هذه المنطقة لأن ما يخطط ويجري لجلل وعظيم وسيطال الجميع سلبا كان أو ايجابا.

لن نختلف مع أحد من أطراف المعارضات العربية لأنظمة الاستبداد حول الوضع المزري السائد في منطقتنا ولا على توصيفه ولا على ضرورة التغيير فيه للخروج منه, ولن نختلف حول توصيف هذه الأنظمة في الوقت الحاضر ما دامت الصفة الأساسية المتفق عليها لهذه الأنظمة والغالبة عليها هي الاستبداد واستهتارها بمصالح كل الوطن بما يعني من كتلة شعبية وثروات وحدود وكرامة واستقلال ومستقبل, بل نزيد ونقول أن أي تغيير لن يحدث ولن يجري ولن يتجه الاتجاه الصحيح إلا إذا جرى بمنئى عن هذه الأنظمة التي أوغلت في دم الناس وأرواحهم وصحرت البلاد من ثرواتها وأخلاقها ورهنته للعدو وزرعت فيه كل النزعات التفتيتية اجتماعيا ودينيا وطائفيا وأورثت الناس الفساد والأنانية والعزوف عن العمل وعن أي نشاط عام , بحيث يبدو أن أمام أي قوة تغيير حقيقية حريصة على بناء وطن حقيقي مستقل وذو سيادة ويرعى مصالح الأكثرية فيه مهمات صعبة جدا وبذل جهود جبارة لا تتوفر إلا لدعاة زاهدين إلا للوطن.
سنقول بصراحة ودون مواربة إن قوى التغيير الديموقراطي تختلف في نقطتين رئيسيتين: أولا حول أمريكا وما تريد أمريكا والموقف من أمريكا بعد أن قررت فجأة أن تنشر الديموقراطية في بلادنا وفي جميع بلاد العم سام بعد أن بذلت كل جهودها منذ أن ارتأت من نفسها قوة استعمارية في القرن التاسع عشر لإقامة أعتى أنواع الانظمة الاستبداية لحماية مصالحها ودعمت كل الانظمة والحركات العنصرية في طول العالم وعرضه ( ويقولون لماذا نكره أمريكا؟) و على إثر الجرح الذي أصابها في كبريائها خلال ضربة أيلول في عقر دارها من قبل ارهابيين من صنع يديها ورعايتها واستيلادا لإيديولوجيتها المحافظة التي ألبستها مطامعها في السيطرة على العالم ونهب ثرواته وتسييد قيمها الهمبرغارية والكاوبية بقيادة العالم الحر في محاربة الكفر والالحاد والقوى الثورية الساعية للقطع مع سوقها الاحتكارية لبناء الاستقلال الاقتصادي والسياسي بمنئى عن استغلالها ونهبها, وحول دور اسرائيل بكل ما سبق.
وثانيا حول محاولة دمج الوطن ومدلولاته منصهرا بالنظام الاستبدادي الحاكم فيه والتصاقه به بحيث يتم الاستدلال على أحدهما بالآخرولكن ليس بعلاقة تبادلية, فيصبح الخطر المحدق بالنظام هو خطر على الوطن والعكس غير صحيح ولا يستوي, فأحيانا تستوي سياسة النظام بأن يذهب الوطن إلى الجحيم المهم أن تبقى الأنظمة , ويصبح الدفاع عن الوطن دفاع عنها والدفاع عنها دفاع عن الوطن. هكذا تريد الأنظمة أن تخيرنا , ولنا في المشهد العراقي دليلا.
ندعو كل القوى الداعية للتغيير الديموقراطي والخلاص من الاستبداد أن تنأى بنفسها عن أمريكا واسرائيل وعن أجندات تغييرها واختيار اجندات تغيير خاصة بها ومعبرة عن تطلعات الاكثرية من الشعب لأهداف هذا التغيير التي نرى من نافل القول التذكير بها والتذكير بما تريد امريكا واسرائيل, ونرى أيضا مع الذين رأوا ويرون أن لأمريكا أهداف في التغيير في المنطقة متناقضة عن أهداف التغيير التي تريدها الأغلبية من شعوب المنطقة, من خلال ما اقترفته في العراق أو فلسطين أو ما ترعاه الآن من صيغة في لبنان, إن الضرورة التي كانت قائمة لاسقاط الاستبداد في العراق لن يعمينا عن سقوط حجتها في اسلحة الدمار الشامل, أو عن مسؤوليتها لسقوط مئات الآلاف من القتلى من اطفال وشعب العراق , والمقابر الجماعية المكتشفة بالعراق التي تحمل النظام مسؤوليتها عليها الا تعمينا عن المقابر التي تعملها الآن القوات الامريكية بالتعاون مع عميلها المحلي والمحمل بنفس تبريرات وخلفيات النظام المسقط , طبعا وما حدث في أبو غريب , وما يجري من تفتيت طائفي وعرقي ..إن فلما ايطاليا عرض في الفترة الأخيرة بعنوان الفالوجة المجزرة المخفية , والذي هو بالتاكيد شهادة غربية وليست عربية, لتدل على بشاعة ما تحمله لنا اجندات التغيير الامريكية. ماذا سيحمل لنا عقلا بشريا فائق الجريمة يستعمل اسلحة كيماوية فوسفورية قاتلة ضد شعب في بلد جاء اليه غازيا لانه استعمل نظامه المجرم السابق أسلحة أقل شراسة من هذه الاسلحة الفوسفورية البيضاء التي تقضي على جسم الانسان وتبقي على كل ممتلكاته ولباسه. ماذا ننتظر من عقل استعماري مدمر اخترع ويخترع, استعمل ويستعمل كل انواع الاسلحة التي تقتل النفس البشرية وتبقي على الابنية والاملاك كما هي من خلال قنبلة نووية او هيدروجينية او فوسفور ابيض او اسود او ما ندري ماذا ايضا.
إن الإيغال في الدم الفلسطيني من قبل اسرائيل بالمباركة الامريكية وبالسلاح الامريكي نفسه الذي في العراق دلالة اخرى لنا, وليست فلسطينيتنا هي التي تحدد موقفنا هذا بقدر انحيازنا للحق.
لم يهز الغيرة الامريكية ولا الضمير العالمي دم الشعب اللبناني في قبية أو على مساحاته عبر عشرات السنين , ولا دم جورج حاوي و سمير قصير, ولا دم ياسر عرفات ولا تهتم بالمسؤول عن قتله, و دم ضحايا مخيم جنين الذي تشكلت على اثرها لجنة ثم الغيت بسبب رفض اسرائيل لها, ودم القافلة الطويلة من شهداء القادة الفلسطينيين الذين يموتون بتفجيرات أواغتيالات, ودم شهداء مجزرة تدمر أو حماة أو حلب أو جسر الشغور ودم رضا حداد و محمد مهدي و عبد الله الاقرع وعبد الرزاق أبا زيد وأرتالا من آلاف الضحايا الذين قضوا في السجون وتحت التعذيب أو الاعدام في السجون السورية قبل سنوات من الصحوة الامريكية عندما كان النظام السوري منسجما مع اجنداتها في استقرار المنطقة على حساب دماء آلاف الابرياء.
إن دم الحريري رحمه الله , لا نتصور أن اعترافنا بأنه وغيره من أطراف السلطة اللبنانية الحالية الآن ظل متآلفا مع السياسة السورية للبنان لآخر عمره يقلل من فظاعة الجريمة التي اقترفت بحقه, هو هام للأجندة الأمريكية أكثر من كل ما أوردنا من دماء وأرواح وأكثر.
ندعو قوى التغيير الديموقراطية العربية التي تشرئب عيونها الى امريكا لتساعدها لانجاز التغيير ,أن تأخذ بعين الاعتبار ما تخطط أمريكا للمنطقة هنا أو هناك بأولوية منها هنا على قضية هناك ضمن سلسلة متصلة ومترابطة لسياسة اتبعت و تتبع بالتنسيق مع اسرائيل وعلى مدار اربعين سنة الماضية هي هي نفسها هذه الامريكا وهذه الاسرائيل التي سعت الى انشاء هذا الاستبداد ودعمته وتحالفت معه على حواف آبار البترول وأحواضه.

ان سعي السلطات العربية الحثيث, سابقا ولاحقا, على تغييب الشعب وتعبيراته السياسية والأهلية عن الظهور على مسرح الاحداث والتأثير عليها أو السعي في صناعتها لتضعه في لعبة المراهنات والمناورات والتفاوض أمام العامل الخارجي الضاغط للتغيير على أسس أجنداته والذي سيأتي على شاكلته الكولونيالية عبر الخضوع لشروطه, نرى من الأهمية بمكان للقوى الداعية للتغيير الديموقراطي , وعلى الرغم من أهمية الاستفادة من ضغط العامل الخارجي على النظام, وعلى حقها في خوض أي حوار مع أي طرف دولي من منطلق الثقة بالنفس وتأكيد الوجود السياسي وإثبات أن الساحة ليست خواء أو فوضى إن أفل نجم النظام, أن تتبنى برنامجا تغييريا للوطن لا يرتبط بآنية المرحلة في الوصول الى السلطة على أهميته بل باستراتيجية الهدف في بناء وطن حر مستقل يؤمن لفقرائه قبل أغنيائه العيش الكريم, ولأقلياته قبل أكثريته الاطمئنان وممارسة ذاتياتها, على اسس الابتعاد عن العمالة للخارج التي مارستها أنظمتنا الاستبدادية على مدار حكمها , ولا على أساس التنازل والتفريط عن حقوقنا الوطنية و هويتنا و واجباتنا نحو انتمائنا لمحيطنا الاكبر, ولا على اساس تقديم التنازلات للخارج تحت ذريعة المناورة لحين الوصول للهدف, فأي هدف هذا عندما تكون كل قواعد اللعبة بيد الخارج وليس تعبيرا عن القوى الاجتماعية التي ننفذ برنامجها في التغيير عبر اسقاط الاستبداد, ولنا في الجار العراقي واللبناني قدوة.

عندما تتبع أنظمة الاستبداد سياسة غير مسؤولة في معالجة قضايا وشؤون البلاد وغير عابئة بمصالح الفئات الاجتماعية الاكثر تضررا ولا مهتمة بسلامة الوطن, فهذا يستدعي أن يدفع قوى المعارضة أن تنطلق في معارضتها لهذه الانظمة المستبدة بسياسة معارضة لهكذا سياسة باجندة تغيير وطنية شاملة لا أن تطرح نفسها أمام الخارج الغاشم على أنها رهانه الأنفع له والأكثر استعدادا للانخراط في تنفيذ أجنداته في اعادة صياغة المنطقة وما ترتب لها عبر تاهيل الكيان الصهيوني لدور القائد فيها.
لقد خاضت هذه الانظمة الاستبدادية على مدار حكمها كل علاقاتها الاقليمية والمحلية والدولية, وحروبها ومفاوضاتها, وأقامت كل صيغ العلاقات المتبدلة بينها وبين الأطراف الدولية لا على أساس مصلحة البلاد العليا بل على أساس مصالحها الضيقة وبقائها في كرسي الحكم, ولكن على قوى المعارضة الساعية للتغيير الديموقراطي ألا تسوق نفس السياق, عليها اتباع سياسة أخلاقية وطنية شفافة وواضحة , تعبر في كل تحركاتها ومفاوضاتها واتصالاتها الدولية والاقليمية والجبهوية الداخلية على أساس مصالح أكثرية الناس , وعلى أساس أمن وسلامة واستقلال الوطن وتحرير ترابه وحمايته.

عليه ألا يصيبنا أي وهم أو شك أنه لا يرد ضمن أجندات الخارج الامريكي للتغيير في منطقتنا أي نوايا أو أي سعي أو نية لإقامة ديموقراطية حقيقية وتعددية في المنطقة تدخل عبرها الكتلة الشعبية الفاعلة إلى الحياة السياسية ويستطيع الشعب ايصال ممثليه الحقيقيين الى البرلمان ليكونوا عقبة في تمرير مشاريع وأجندات الخارج الأمريكي والاسرائيلي في الهيمنة على المنطقة. وعدم تمرير قرارات في هذه البرلمانات تحمي وتسمح لضمان احتكاراتهم ومصالحهم أو محاولاتهم اتباع المنطقة بثرواتها لهم عبر القوة والسيطرة الاسرائيلية.

إن لم تحرص قوى التغيير الديموقراطية العربية على ترك مسافة بينها وبين الخارج الامريكي الاحتكاري المتربص بمنطقتنا لالتهام آخر قطرة بترول فيها وكل خيراتها وسلب ارادتها, والسعي لجعلها كيانات طائفية واثنية توابع تدور في فلك دولة مركزية عنصرية هي اسرائيل, فستكون قد لعبت دور حصان طروادة لدخوله المتوحش إليها , وستنفض عنها الكتلة الشعبية الأساسية والتي شدها إليها توقها للخلاص من الاستبداد وإجراء تغيير ديموقراطي حقيقي غير شكلي, بعد زوال بريق الشعارات في التغيير القادم.







https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن