سامي العامري ، في بعضِ شذراته الساحرة الممتعة(4) ..... هاتف بشبوش

سامي العامري

2016 / 1 / 23

الشاعر والناقد هاتف بشبوش ـ الدانمارك
ــــــــــــــــــ
سامي العامري ، في بعضِ شذراته الساحرة الممتعة(4) ......

كتبتُ الكثير عن سامي ومازال في وريقاتيَ الأكثر إدخرته لقادمات الأيام ، أنه الشاعر الذي أستنأنس وأنا أقرأ له ، لاأعرف مالذي يشدني اليه ، هل هو السحر في فن الكتابة ، هل هو المعنى ، أم التشكيلة الرائعة لسطوره ، أم البنية ، أم الموسيقى التي تنداح أثناء قراءة نصوصه ، أم الحب الذي ينبعث وكأنه السيل الجارف الذي لانستطيع مقاومته ، أم الهدفية الصافية لدى شخصه وشعره على السواء ، إنه يختلف عن الشعراء الآخرين الذين لانعرف ماهي وجهتهم ، هل هم علمانيون ، هل هم متدينون ، الكثير من الشعراء يسوقون أنفسهم على أنهم علمانيون أو يساريون ، لكنني لم أجد مايشير الى ذلك في تصرفاتهم وأشعارهم. إنهم أصحاب أقنعة متنوعة لاتستطيع أن تؤسس لشعر هدفي خالص كما أيام زمان والشعراء الرموز الذين بقوا في الذاكرة أمثال مظفر النواب ، وسعدي يوسف ، وأدونيس الذي أعلنها قبل أيام أمام الملأ وقال ( إني لستُ متديناً ) . الشاعر سامي أراه محبا شديدا ، يتفحص أسرار المحبوب ، يتداعى مرة أو مراراً وسط اللهيب القاتل من شدة الحب ، إنها الحياة حينما تلعبُ بنا على الحبلين ، وما حيلةٌ للقلب الشاعر سوى أن يقوم بالتفريغ للشحنة القاسية التي تصدأُ في الشريان الأبهر ، والاّ فإنها سوف تكون قاتلة لامحال ، لنقف عند هذه مع الشاعر :
لم يعرف سرَّ قلبها
ومع ذلك ابتسمتْ له
ولم تبسمْ لذلك
العارفِ بما وراء أسرارِها
قال وهو يعود
ضارباً كفاً بكفٍّ :
بسمةٌ ضِيزى !
ـــــــــــــــــــــ
في يوم من أيام السماوة والصبا النزق ، كان لي صديق مدرساً ، أجبره القلبُ الرهيف على أن يهوى واحدة من حسناوات السماوة ، وفي يوم كان صديقي هذا قد تبع هذه الحسناء , في شارعٍ من أحياء الغربي في السماوة ، وعلى طول الطريق بينما هو سائرُّ خلفها ، هي تلتفت إليهِ وتبتسم , فقال صديقي لنفسه إنها تحبني حقاً . مرة أو مرتين وأكثر على هذه الحالة وهي تلتفت وتبتسم ، تلتفت وتبتسم ، وفي النهاية وصلت للبيت ونظرت اليه النظرة الأخيرة وأطبقت الباب بشدة ودخلت بيتها . فذهب صديقي المدرس هذا الى صديقٍ آخرٍ شقيٍ معروفٍ في الفكاهة ِ والنكتة السريعة ، وقص له ماجرى عن الحسناء ، وهو يقول له لقد إلتفتت لي أكثر من مرة ، بينما أنا كنت سائراً خلفها ، فهل هذا يعني أنها تحبني فعلاً ، فقال له صديقه الشقي ساخراً : هذه كانت تلتفت في كل مرةٍ ياصديقي ، ليس حباً بك ، بل كانت تريد أن تعرفَ هل ذهب هذا الحمار إبن الحمار أم هل مازال خلفها . فعاد صديقي المدرس ، ضاربا كفاً بكف من البسمةِ الضيزى . لكنّ هذه البسمة الضيزى أيها القارئ ، أثمرت في يومها الحقيقي وصارت بسمة واحدة بين زوجين حبيبين ، حتى هذه اللحظات التي أدوّنها وحياة صديقي المدرس مع المعلّمة الرائعة التي كان يلهث وراءها حباً ولوعةً ، يعيش معها في حياةٍ أشبه بالرومانس رغم قتامة العراق وقساوته .
في أغلب الأحيان المحب يجد نفسه في غربة الروح ، أو في منتصف صحرائها ، نتيجة عدم الوصال ، والفرقة القسرية التي تفرضها الظروف البيئيةِ أو تفاصيل تأتي على حين غرة ، فلا عزاء للمحب سوى النوح مع النفس الصادية ، لنر ماذا قال الشاعر بصدد ذلك :
مقفرٌ طريقُ قلبي
فلا بلبلٌ أجادلهُ
ولا زهرة أتبادل معها
وجهات الشم !
ــــــــــــــــــــــ
لأذهب بعيدا كي أعطي الثيمة معنى آخر.. في فيلم بديع للمثل الرائع توم هانكس الذي مثل رائعة الروائي الأمريكي (دان براون ) وهي شفرة دافنشي وملائكة وشياطين . في الفيلم يظهر توم هانكس مع أبيه الكبير في السن والوحيد جالسين على المسطبة في حديقة عامة ، الأب يسأل الإبن : لماذا هذا العصفور واقف هناك على السلك ، يقول الإبن هو ربما متعب ، ثم يسأل الأب لماذا طار إذن ؟ كي يأخذ حريته ، يقول الإبن ربما هو إستراح فطار ، وأسئلة اخرى من هذا النوع لم تتجاوز بضعة اسئلة ، بعدها لم يطق الإبن صبراً على الأب وقال له أما تسكت وتغلق فمك من هذه الأسئلة التي لامعنى لها . يتألم الأب كثيرا على إنزعاج إبنه وعدم تحمله لأبيه في هذا العمر , يعودان الى البيت ، وفي البيت يعرض الأب فيلما قديما كان قد سجله لابنه حينما كان طفلا بعمر الثالثة أو الرابعة . في الفيلم الإبن يسأل أبيه أكثر من مائة سؤال والأب يجيبه دون كلل أو ملل وبدون أيما انزعاج ، فينظر الأبن الى أبيه الباكي الذي طفق يقول لابنه : هكذا كنت معك ، والآن بعد إن جفّت سماء قلبي مما حولي ورمتني الحياة وحيدا منعزلاً تتعامل معي هكذا . ثم يفتح الأب نافذة البيت وينظر الى الشارع فيرى الحسناوات ، فيبلعُ حسرة كبيرة تجبره أن يغلق النافذة مرة أخرى . ورغم كل ذلك الشاعر لايستسلم ، نراه متحدياً قوياً تصميمياً كما في أدناه :
حتى هذه الأحجارُ
كالأعنابِ أعصرُها لتسقيني
ــــــــــــــــــــــــــ
ماهذا التلاعب الرهيب في رسم الصور غير المعقولة في رسم التحدي , الغيرُ معقولةِ الغوص في المتضادات , كيف لنا أن نطحنُ الحصى بأضراسنا بأعتبارها تيناً لينا يثير شهيتنا بأسوده وأحمره , كيف لنا أن نصيّر ثدياً رخامياً باعتباره نهداً كعوباً طرياً بلحمه المعافى ونستطيع أن نمتص رحيقنا منه حد الشبع الشبقي , ما هذا الفرق بين القساوة المطلقة ( الأحجار) والحب أو الترافة المطلقة( الأعناب) , وكيف لك ان تجعل الحجر مطواعا لينا , بل يسقيك من ماء كرومه عصيراً عنبيا صافيا , او لربما نبيذا أسكتلندياً أو تشيلياً , أرى الشاعر سامي هنا نبي الكلمة ، أو على خطى النبي الذي طاوع الله له الحديد . هذه هي عصارة القلب الشفاف التي يسكبها هنا الشاعر سامي كي نستأنس بها، قبل أن نعصر كرومه , فنجدها ألذ مما نشتهي ونذوق .
مع هذا الأصرار والتحدي يستمر الشاعر في تحمله كذات إنسانية ، وعلى طول عمرها القادم من الأزل وهي تتحمل شتى أنواع العذابات ، وسط هذا العالم وهذه الحياة التي لاتثمر ولاتنتج غير الموت ، ولذلك نرى في الأنطولوجيات الأدبية يقولون على الإنسان بالمعذب ، وفي الأنطولوجيات الدينية يُطلق عليه بالمبتلى . لنكن شاهدين على مايقوله المبدع سامي:
بمناسبة يوم الأرض
يقول العلم : ( لو استطعنا ضغط الكرة الأرضية إلى أقصاها
لاستطاعَ أيُّ فردٍ حملها على ظهره .
فكم من الكُرات الأرضية
حملتُ على ظهري في حياتي الماضية ؟
وأُولى الكُرات هَمُّ الوطن
ثم هَمُّ الحُبّ .
وأسألُ ثانيةً :
كم من الكُراتِ حملتُ
وكم من الحيتان والتماسيح
سَبَحتْ على ظهري
وكم من الغابات والحقول أينعتْ ثم ذبلتْ
وكم من الحروب جرتْ
وكم من الزلازل والبراكين حصلتْ
وكم من الحضارات نشأتْ ثم تلاشتْ
وكم من البشر ولِدوا وأحبوا
وتزوجوا وأنجبوا وافترقوا ثم ماتوا
وكم من الحيوانات والطيور والحشرات
فعلتْ الأمرَ نفسَهُ ؟
كلُّ ذلك قد تَمَّ، قد تَمَّ ....
على ظهري
ـــــــــــــــ
يعني أنا وسامي والشاعر والأديب والمبدعون الآخرون حمالو أوجه ، يفسرنا الطرف الآخر بمايريده لنفسه ، وأحيانا يلقي علينا اللوم لكوننا نكتب بمالايليق والذوق العام ، فيتوجب علينا أن نتحمل كل الرشقات التي تأتي صوبنا . الوطن بكل مايحتويه من طغاة وجلاوزة ، يتحتم فيه على كل شاعر أن يحمل همومه وينشد التغيير . كما وأن الإنسان بشكل عام له من القابلية على تحمل المآسي بشكلٍ عجيب ، يقابلُ الموت بشتى صنوفه ، الموت الذي يأتي عن طريق الحروب ، أو الأوبئة ، المجاعة ، الزلازل ،أو عن طريق أخيه الإنسان نفسه حينما يتخلى عن الضمير الإنساني ، وبالنتيجة مهما فعل الإنسان من تزاوج وتناسل ، في النهاية فأن مارد الموت يقضي عليه . كل هذه تحصل على ظهر الإنسان . لكن هناك حالة فلسفية عميقة وحزينة يتأملها رائد الحزن والتراجيديا أبو العلاء المعري ، حيث يقول : هناك من يحملنا على ظهره حينما نقف على طريق الصراط المستقيم ، النساء الملائكيات في يوم القيامة يَحمِلننا على ظهورهن ، كي نعبر هذا الطريق الذي ما أن سقطنا منه تلقفنا النار الأكول ، هذا ماقاله ساخرا ابو العلاء ، في اللزوميات ، فهل ياترى نحن من الناجين لأننا فوق ظهورهن ، دون أن يمسنا شئ من الشبق ونحن متلاصقون جسدا بجسد أثناء حملهن لنا ، وماهو الحكمُ علينا ونحن في نهاية مطافنا مع الصرط المستقيم نتيجة هذا الشبق الحاصل لامحال ، هذه هي جدلية ابي العلاء في اللزوميات .
بالنتيجةِ نحن زائلون ، لكن سامي الشاعر يريد أن يقول أنّ سراج الشعر يظل عاليا مرفرفا لاينطفئ أبدا ، لنر ماذا يقول بشأن ذلك :
لستُ بحاجة إلى رؤية العالم
لأعرفَ أنني زائل
ولكنني بحاجة إلى رؤيتك
لأعرف أنني باق !
*-*
فتحتُ نافذتين
واحدةً تطل عليك لتلتهم نسائمك
وأخرى تعيدها إليك ملونةً بأشواقي !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلا الفلقتين أعلاه تؤديان الى نفس المصب ، في المعنى على وجه التقريب ، حيث إنّ كل شطر يتعلّق بالثاني , ولايمكن لنا ن نجتزىء جزءاً ونترك الآخر , الشطران مترابطان معا لايمكن لهما الأنفكاك عن بعض , كل يتنفس من الآخر , كل تجري في عروقه دماء الآخر , كما الجنس البشري , الذكر والأنثى , الشاعر وملهمته , الفارس والعظيمة التي تقف وراءه , حينما يكون المرء في منتصف هذا العالم وحيدا في عزفه ومامن أنفاس تحيّي وتصفق له , أو على ألأقل يدُّ ناعمة تسقطُ فوق جبينه إذا ماأصابته الحمى من ضوضاء هذا العالم الملئ بالإفرازات التي لاتعجبنا في الأحايين الكثيرة . المرء وحده عقيم , ومعه ( الجنس اللطيف) هو العالم بأجمعه , هو التناسل اللامحدود , هو الإخصاب , وهي ربة الشفاء العامرية , هي جيني زوجة ماركس العظيم في رحلته الى الفردوس , هي كليوباترة في رحلتها مع أنطونيوس الى عالم الخلاص والأبدية , هي كل مايتعلق بالرؤيا الناصعة التي تجعلني أحس بكل كياني أنني هاتف بشبوش ولازلت على قيد الحياة ، رغماً عن كل ما يكون من شأنه أن يرمي بي الى عالم الزوال . نصّان رائعان كالتوأم السيامي , توأمان في الشكل وفي النغمة الموسيقية والإيقاع اللذين صنعهما رأس الشاعر الكبير سامي . ثم يستمر الشاعر في رسم هذه الجدلية وكيفية رؤيتنا للآخرين كي تشعرنا بأننا باقين ، وخصوصا تطرأ هذه الحالة حينما يحتضر الإنسان وهو يرى عوّدهُ يملؤون البيت، وهنا يدخل الشاعر في صلب ماهية البحث عن الإنسان ، ومكنوناته ، كما في الثيمة أدناه التي يناغي بها أسلوب الفلاسفة :
أن لا يفهمني الناسُ
خيرٌ من أن يُسيئوا فهمي !
ـــــــــــــــــــــــــ
ليس المهم أنك كذبتَ علي ولكن الأهم أنني ماعدتُ أصدقك ، كما وأنّ الفيلسوف الصيني العظيم كونفوسيوش قال (لا يهمني قط أنّ الناس لا يعرفونني؛ ولكنني أعمل على أن أكون خليقاً بأنْ يعرفني الناس) .
الشاعر سامي مؤمن حقيقي بالديمومة والإستمرار والديالكتيك ، ولكنه هنا يريد الإستمرار معها ، مع الإخصاب اللامنتهي ، (عشتار وتموز ) ، وإيزيس وأوزيريوس ، لنقرأ أدناه ماذا يتحفنا بخصوص ذلك :
أيتها المسافرةُ
أرأيتِ قطاراً طويلاً لا يتوقَّف ؟
تلك هي أمنياتُ حياتي.
قطارٌ ممتليءٌ ولكنْ لا أحدَ ينزلُ منه فأعانقه
وأحملُ عنه حقائبهُ
أما وقد نزلتِ أنتِ وحدَك
فكم تمنيتُ لو أنك بقيتِ مسافرةً
وتلك أمنيةٌ تُضاف !
ــــــــــــــــــــــ
نعم هناك من لايتوقف عن الحركة وهو الشاعر الذي له من الكلمات البندولية الصارخة , هناك الديالكتيك في كل حلقةٍ من حلقات القصائد الخالدة , هناك حبها الذي سار في قلب إمرئ القيس وجميل بثينة وبقي سائرا في الأمصار حتى اليوم , هناك السحب التي فوقنا وكثيرا مانراها ونحن محلقون في الطائرات , السحب التي هي عبارة عن القطارات البخارية أيام زمان ( الريل وحمد ) , هناك سامي العامري وأنا وهو وهي الذين لايمكن لنا أن ننسى ماينزفه الأبطال دفاعا عن الأوطان والحرية حتى يدوّنوا عبر التأريخ قطاراتهم الصاعدة صوب الأبدية والخلود .
الشاعر في نفس الوقت يؤمن بحركة الحياة وطبيعتها التي تبدأ من الطفولة حتى الشيخوخة التي لامفر منها ، إنها ألأمر الذي لايستثني أحدا ، كلنا نشيخ ، نتغضن ، نحدودب ، نفقد طاقاتنا التي كانت أيام صبانا وتلك الحيوية الفياضة ، التي تتحول الى الخمول والكسل القسري الذي وصفه لنا الرائع سامي في السطور أدناه :
كالشيخ
لم يعد يعينني
أيَ من أطراف جسدي
لا الشمس
ولا القمر!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
شعرية هائلة , أستطيع أن أذهب بعيداً هنا وأتكلم عن وطننا أو أرضنا المسلوبة ، الوطن أو ألأرض ، مهما أشرقت شموسهما أو بزغت أقمارهما ، فأنهما قد شاخا ، فلتنفصل إذن بقية الأطراف تنفيذا لمشروع الإدارة الأمريكية الجديد .
لكننا هنا وفي هذه الأبيات الوجدانية بصدد الشاعر ، اي شاعر نتمنى له أن لايحصل له مثلما حصل للشاعر إبن زيدون صاحب القصيدة الشهيرة عن ولادة بنت المستكفي ( أضحى التنائي بديلا من تدانينا.... ....وناب عن طيب لقيانا تجافينا ) ، حينما شاخ ويسألونه عن أعظم اشعاره التي كتبها في شبابه يقول لهم : من قال هذا الشعر الجميل ، أي أنه قد فقد الذاكرة نتيجة الكِبر والشيخوخة . أمنياتي لشاعرنا الجميل أن يظل في الذاكرة المتقدة مهما طال الزمن . نريده أن يبقى مناصرا للكثيرات على غرار ولادة ، أو تلك الأميرات من عامة الناس اللواتي وقعن في الأسر نتيجة الطغيان الديني أو البدوي أو الطغيان العائلي ، لنقرأ ماذا قاله الشاعر في نصرته لأحداهنّ من بنات الموصل ، الأميرة التي أذاقت الأمرّين من ظلم داعش وهي تكتب له قصتها من داخل الموصل ومن بين رعب الدواعش:
أميرة العرب
ـــــــــــــــــــــــ
الأميرةُ واحدة من نساء العراق
فخارُ الفخارْ
والأميرة شاعرة من نسيمٍ ونارْ
تشرِّفُ داعشَ دوماً بمحْتِدها
وتشرِّفُ ربَّهمُ الهمجيَّ المشعوذَ والمستعارْ
كم الطرقاتُ استضاءت بها كالجمانْ
واليومَ قد صيّروها تسيرُعلى الدربِ
تحت السواطيرِ ثكلى بزيٍّ كخيط دخانْ
وهذا الدخان وظلمته في ضمائرهم
وعقولهم المتفسخة
غير أنَّ الجمانة لا بد أنْ سوف تعميهمُ ببريق سناها قريباً
فليس لهم من أمانْ
ــــــــــــــــــــــ
لا أدري من أي الكهوف أتوا همُ أبداً ولا أي الجحورْ
كلا ولا حتى التتار تخيلوا أنْ مَن سيأتي بعدهم
سيكون سيدهم وأستاذاً لهم في كل موبقة وكل رذيلة
ومدى فجورٍ أو شرورْ
أحرى بشمسي والكواكب أن تغورْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد أن كبلتمُ بالخوف وجدان الأميرهْ
يا وحوشاً مستطيرهْ
سأنادي :
في فضاء رفَّ بوحاً وابتساما
أنا أسقي روحها الهَيمى يماما
ــــــــــــــــــــــــــــــ
تعساً لداعشْ
لن تقتلوها يا جفاةُ ويا حفاةُ فإنها
هي شِعرُها
وبشِعرها يتألّقُ الدم مثلَ كلِّ النجمِ
برَّاقاً وراعشْ
ولقلبها الزهريّ غاباتُ الربيع وما يسافرُ في رباها
من عرائشْ
ـــــــــــــــــــ
مثلما قتلوا الفنانة الباكستانية (غزالة جاويد) ومثلما شوهوا وجه الجميلة الأفغانية (ملاله) ومثلما قتلوا الصحفية الكندية الإيرانية ، وأمثالهن الكثيرات على أعتاب هذا الدرب العسير ، ممن أغلقت أفواههن أوعلّقت أعناقهن على أعواد المشانق ، منذ ذلك الزمن الذي قتلت فيه هيباتشيا على يد الأبرشية ، نزولا الى روزا لوكسمبرغ ، والى يومنا هذا تتعرض النساء للأضطهاد والقهر، ولكن الكلمة لايمكن أن تحبس في دارها أو في سجنها ، لابد أن تصرخ وتخرج من الثقوب كي تصل الى ماتريده ، مثلما خرجت هذه الصرخة الشاعرية من فم ( أميرة العرب) والتي نقلها لنا سامي العامري ، أما هؤلاء المجرمون فهم قادمون من نفس الكهوف التي حكمت في تلك العهود المظلمة بإسم الدين , ولم يتغير شيئأ ، كلما انتعش الدين كلما إزداد الجهل ( نيتشه ) , الدين يجعلهم أن ينسوا و يكرهوا حتى أبناءهم ، مثلما كره أبو علي الوردي أبنه الكاتب والباحث الإجتماعي الكبير علي الوردي ، ولم يصفح عنه حتى قارب الموت ، فما هو هذا الشئ الذي يجعل الفرقة بين الدم الواحد ، إنه التطرف الديني الذي جعل من أميرة الشعراء هذه ترتعد من هول جرائمهم في الموصل . ولم يهدأ بال الشاعر سامي أبدا من جرّاء ذلك ، حتى راح ينشدنا بسقوط مدننا بأيدي المتخلفين وكيف دمروا حضارات المدن وآثارها الضاربة عميقا في التأريخ كما في أدناه :
عن موت التأريخ في مدن بلادي
ــــــــــــــــــــــــ
حين تكفُّ الحياةُ عن كونها حياةً ،
حين تكفُّ الوردة الحمراء عن كونها كُمّاً من أكمام نديةٍ يزهو بها ثوب الشمس ،
حين تغدو السواقي والجداول سياطاً تُلهِبُ ظهرَ الأرض المخضوضرَ المُعشب ،
حين تملأ الرياحُ بطنها بغبار الصحراء ثم تعود لتتقيأه على وجوه القتلة ويرشُّوه هُمْ على ربوع الوطن سُموماً ونفايات أفكار ،
حين تتشبَّثُ الأجنَّةُ بالأرحام كتشبُّث النحل بخلاياه خوفاً من أن يستقبلها نورٌ رصاصيٌّ من سماءِ وطنٍ كوطني ،
حين تصبح حتى الشمعة سكيناً وضياؤها شفرةً حادة ،
حين يستغلُّ جُرَذٌ نومَ الكواسر فيتهادى متبختراً في الظلمة ،
حين تُحلِّقُ دموعُ اليتامى والثكالى إلى ما وراء الكون كرسالةٍ تُحرج خالقَ الكون وتُعجِزُ الملائكة عن تقديم أي عزاءٍ شافٍ ،
فكم أتمنى حينذاك لو أني كنتُ واحداً من أولئك الضحايا ،
ليس طمعاً بالشهادة ، كلا
وإنما فقط للتخلص من خجلٍ عميقٍ يلاحقني متمثلاً بانتمائي لأعرق حضارة قد احتلَّها ومزّقَ أوصالَها جمعُ حثالات وفي عدة ساعات !.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرئيس الروسي بوتين قال ( لو أنّ تنظيماَ لم يمضِ عليه سوى سنتين ( يقصد داعش ) يهزم حضارات العالم التي مضى عليها آلاف السنين ، الأفضل لنا أن نبقى في بيوتنا ونخدم النساء ) .
مات المرتل ومات المغني ، بقي الخطيب الكذاب والمسجّع ، مات الجندي على أطراف أنهرنا التي جفت بفعل الأوغاد وبقي الجلاد ، مات الجندي بركلة مجرمٍ حقير قرب القصور العفنة ، بينما الجرذان هي من أوثقت الأسود في زمنٍ أرعنٍ ، وبقي الشاعر يتمنى الموت خلاصا كي لايرى فداحة ما وصلنا اليه ، وما آلت اليه مصائرنا التي لم تعد تفتخر بهذه الأمة التي يتوجب عليها أن تدفن عارها ، وبمَ تفتخر الأمم والشعوب ، غير أنها عزيزة كريمة مستقلة عن براثن الأجنبي ، وها هم ساسة اليوم يغرقوننا بالوحول والدماء على طريقة ماقاله ميكافيللي ، حقا أننا نخجل أن ننتمي الى هذا العصر المخزي ، ندفن رؤوسنا كي نتخلّص من خجلٍ عميقٍ يلاحقننا متمثلاً بانتمائنا لأعرق حضارة قد احتلَّها ومزّقَ أوصالَها جمعُ حثالات وفي عدة ساعات . فياسيوف خذينا ، لنقولها على طريقة ماقالوه عن الحسين الثائر الذي مات في عدة ساعات أيضا ، وعندها خجل التأريخ من فداحة الموقف . ولذلك الشاعر سامي يحب أن يبقى هو هو ، لايمكنه أن ينشطر ، لكثرة مافي هذا الكون من أهوال تجبرنا على التغيير أو نضطر لنسلخ جلودنا مثل الأفاعي ، ولذلك الشاعر سامي راح يضع الذات الإنسانية أمام محكمة العقل لتنال جزاءها...... لنتمعن ماذا يقول أدناه :
إنكَ لن تصبحَ شخصَينِ
إذا واجهتَ المرآةْ
لكنكَ قد تصبحُ مليوناً
حين تعوفُ الكونَ
وتأتي لتحَدِّقَ في الذاتْ !
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
لم أجد كثيرا الفعل المضارع ( تعوف) متداولا وبشكل جميل مثل هذا الذي أقرأه هنا ، المتداول هو ( تعف ، تترك ، تمتنع ، تدع ) ، أنه قليل الإستعمال عدا ماقرأته بشكل آخر وبمعنى آخر لعنترة العبسي ( وأعفُّ عند المغنمِ) ، عنترة المحارب العنيد والشجاع قد ترك وامتنع عن الغنائم ولم يفكر في ذاته ، إنه إبن العشيرة والمجتمع ، وهنا سامي الشاعر الجميل لم يفكر يوما تفكيرا نرجسيا وينغلق مع الذات ، التي قد تؤدي به الى التشظي في أكثر من وجه ، أنه لم يرتجِ غير ان يكون سامي العامري الأديب والإنسان أو (وسام) ذلك المولود الحقيقي ، الذي مهما فارق وجوه أصدقائه الكثيرين يبقى هو هو محبا صادقا ناكرا لذاته في سبيل الآخرين (هلالة بالسماعالي وسامي... ومحبتة تظل على صدري وسامي... وجوه شكثر فارگنة وسامي وبقت ذكراه دوم تعيش بيه .... هذا ماغناه المحبوب قحطان العطار) . سامي الشاعر الشفاف جُبِلَ على أن يبقى عذبا فضفاضا ، فلنرّ تغريدته بخصوص ذلك :
من سيئاتي أني قلتُ لنفسي مرة :
القمرُ وردةٌ
رحيقُها الشعاع ...
فسمعتني النحلاتُ والفراشاتُ
فما عادت تطيرُ إلاّ في الليل !
.........
بحلولكِ
حلَّ الخريفُ أيضاً !
لا تتعجَّلي ....
حلَّ الخريفُ
فاستقبَلَتْهُ جميعُ أحزاني !
..........
مثلما النحلة حين تلسعُ المعتدي فتؤذيه ثم تموت
هكذا أنا مع شِعري ،
أبقى ألسعُ به شرورَ العالم
وما أجملَني بعد ذلك
إذ أموت !
................
لتنهضْ من سريرك أيها الورد
فالفراشاتُ مازالت تنتظرك في الطابور
حاملةً صحونها !
ــــــــــــــــــــ
الشاعر سامي أجده هنا قد تحول الى منحىً آخر في الشعر ، المنحى العذب ، حيث جعل من الشعر محاكاة دقيقة للطبيعة ، وأسفارا الى جنة المعرفة الخيالية في تصرف الكائنات الرقيقة ، وطقوسها الخاصة وأعراسها كما يحصل مع ذكور النحل وسباقهم الرهيب في سبيل تلقيح ملكة النحل ، ومن يربح السباق فهو السبّاق في أن ينال منها وطراً جنسيا ، ذلك الوطر الأول والنهائي والذي يؤدي الى موته بعد النكاح والتلقيح ( وهذا مايفسر لنا تلك المقولة الغريبة العجيبة ... ومن الحب ماقتل ) . آآآآآه الشاعر سامي كم هو جميلُّ هنا , هو لم يستنسخ الفراشات ولا النحل ولا القمر ولا الليل ، بل هو جازمُّ بأن روحه ومزاجه هما اللذان قد تحكما في تلك اللحظة بالذات والتي وصفتْ لنا كل هذه الكونيات الطبيعية ، فشعّ نوره من الباطن ، وأهتزت الذات ، وأثمرت دواخله ، والاّ ، لما إستطعنا أن نقرأ كل هذا الذي يستحق العناء واحترام الذات الشعرية البوّاحة بالجميل الرقراق . ولم لا ، فهو شاعر الشوارع ، بل هو ملكها ، إستنادا الى ماكتبه يوما الناقد الدكتور عدنان الظاهر عن سامي وقال ( حينما أرى سامي ، فهو أما يقرأ في مقهى أو يمشي في شارع ) ، لنستكشف في السطور التالية عن حقيقة سامي :
أكتبُ
والليل يكتبُ .
الفارق أنَّ قلمَهُ البرقُ ودفتره سماءٌ بلا غلافٍ
أمّا قلمي فعمودُ ضياءٍ مطفأ
ودفتري شوارعُ
وغلافُه خُطى المشردين !
ــــــــــــــ
الشاعر الذي لايكتب عن المشرّدين ، لايمكن له أن يرسم الخطى الصحيحة لأهداف الشعر ، لايمكن له ان يحس بما عاناه الشاعر الفرنسي أراغون ، لايمكن له أن يشعر بدوار الثمالة التي كان يجعل منها رداءً ليلياً المتسكع الأمريكي الشاعر ( أدغار الن بو) ، الذي كان يكتب مسايرا الليل السكران والذي كان يرعد ويرعد في كل برقةٍ ، حتى تجعل منه عمودا من الضياء ، لكنه ذلك المطفأ حزنا وألما وتشردا , يكتب بيده المعطوبة ، التي لاتستطيع حمل الكأس ، لاتستطيع سوى أن ترص الكلمات ، سوى أن تحمل الغلاف الدفتري كي يحفظ فيه كل ما يعتصر من القلب المشرّد في الشوارع والمدن الكريهة التي ماعادت تأوي شاعراً نيزكاً خاطفا كما حياته الخاطفة التي سرقها الموت على أعتاب باب الحانة الليلية . ثم يستمر الشاعر سامي في مملكته الضائعة بين الشوارع ، بين الحب الذي يعيش في الخذلان القسري ، أي حبٍ سواء إنْ كان موجهاً لحسناء هزّت قلوبنا في يوم ما ، أم حب الوطن الذي بكينا عليه دما ودموعا ، لنحدق ملياً ماقاله الشاعر حول ذلك :
على أيِّ لحنٍ
تودّعُ أشياؤنا أرضَها النَيِّرهْ ؟
وكيف تُصلّي
ووجهُكَ ولّيتَهُ صوبَ دجلةَ
هل تصطفي قِبلةً سائرهْ ؟!
أَعنّي
فاني وأَيمِ الشوارعِ في بوحها والمعابرْ
وأيمِ العذاباتِ
لاقطةً حَبَّها حيث جاع المسافرْ .
ــــــــــــــ
على سبيل المثال ، هناك الكثير من الفتيات الجميلات اللواتي من المفترض أن يكوننّ على قدر كافٍ من نيل الأماني ، ولكننا للأسف نراهن على طريق الحظ العاثر والسيء ، والسبب في ذلك هو أنّ القدر يجعل منهنّ باحثات عن الحب الحقيقي ، في الأماكن الخاطئة والرجال الخطأ ، يديرنّ الرقاب صوب معابد الصلاة التي تبنى على الأنقاض والمزابل ، بالضبط ما يحصل لدى شجرة اللوتس الطاهرة التي تنبت في الوحول ، وإذا أردت ان تأكل ثمرها فلابد أن تكون هناك ضريبة الإتساخ ، فكيف لسامي العامري الشاعر العذب ، الشاعر الذي ودّع ماء دجلة وكأنه الماء القراح ، ودعه بكل اللحون المؤلمة ، ومهما دار وجهته ، يمينا او شمالا ، شرقا او غربا ، يشتغل المدار الأوتوماتيكي الذي يعود بالرقبة الى أن تصلّي وفق قبلتها الأساسية التي ودعها هناك في ماء دجلة ولا زالت تسير مع السرمدية الحزينة التي لايمكن الخلاص منها ، إنها مثل أضلعنا التي تحمي قلوبنا من الصدمات والكدمات والحظوظ العاثرة ، فلابد لنا أيها القارئ أنْ ندفع ضريبة الذكرى التي تجرجرنا أنى كنا ، تسحلنا سحلاً فوق الإسفلت حتى تنسلخ جلودنا ، وعندها نستفيق على مراراتنا التي تقتلنا في اليوم الف مرة ومرة .
الشاعر مهما جار دهره عليه ، ومهما ضاقت العبارة والأفق الفسيح ، لابد له أن يلجأ الى الحب ولا غير الحب ، هو الذي يجعل قلب الشاعر مستكينا من ملمات الأمور ، الحبُ لا الكره والمناكفة من سمات الشاعر الحقيقي ، وها هو سامي يؤكد لنا مانقوله في شذرته الرائعة الناضحة بالحب :
يطلُّ الصباح فارساً أشقر
على صهوة حصانٍ أشهبَ
وهو الذي سأرسله لك وسيطاً بيننا
كي يُشعلَ حبُّك كالكبريت أحراشَ قلبي العتيقة كلَّها
وعندها فقط سأعرف السلام !
ــــــــــــــــــــــ
حين لذ الأنسُ شيئا أو كما ...هجمَ الصبحُ هجومَ الحرسِ
غارتِ الشهبُ بنا أو ربما ....أثرتْ فينا عيونُ النرجسِ
هذا ماقاله في مضي التأريخ السحيق صاحب موشح الوصل ( لسان الدين الخطيب ) .... النار والحريق في قلب العاشق جليّة في هذه الأبيات الرونق ، والقلق الدوار الذي يجعل المحب وكأنه في إرجوحة الحياة التي تصعد به وتنزل ، إعتمادا على حسراته وآهاته التي ستخمد حتما في الوصال , سترى السلام والراحة ، مثلما استكانت القلوب حينما أثرت فيها نرجس العيون . حتما سيبقى الصهيل رمزا نستعين به أينما حلت بنا الضاقة ، إنه العنفوان والحركة , إنه الإرادة اللامنتهية ، إنه سباق الزمن ، إنها الحياة التي لابد لها أن تتلطف علينا بلذائذ الأنس بين الآونة والأخرى ، وهذا هو دوام الحال من محال الشاعر سامي ، الذي يصر على الحب الذي يتخيلهُ لغزاً محيرا ، إنه زفيره ، وجناحاه ، وسراجه المستنير ، كما في هذه الأبيات الآتية :
قالت الشهقةُ : أنتَ الزيزفونْ
وانبرتْ فاختةٌ قائلةً،
أنتَ جناحايَ ومنقاري،
فصاحت غادةٌ : أنتَ ضيائي ونداءاتُ الجفونْ
وتدنّتْ لغتي هاتفةً : أنتَ حروفُ الجرِّ والناصبُ والجازمُ
والضمةُ والكسرةُ بل أنتَ السكونْ
قيلَ ما قيلَ
ولكنْ أيها الحُبُّ ستبقى لغزَنا الخالدَ فينا
وتعالى الحب عما يصفونْ !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحب له صفة المطاطية المثلى ، تسحبه , تعانقه , تناصبهُ الحب والوئام , تجاريه , تساكنه , تصرخ فيه , أو تكون في عالم السكون حيث الضمة الساخنة من تلك الغادة التي تصادفها ذات مكان (في الحيّ إستوقـَفتني غادةُّ/ قالتْ: تفضّل يافتى/هذي جنانُ الليلِ والسمّارْ/ قلتُ لها : أنا لـَستُ معنــياً بليلِ الترفِ/ أنا جنديُّ حقيرُّ , قادمُّ ، من جبهةِ الفاوِ تواً ).
ثم ينطلق الشاعر من حبها الخالص النقي ، الى حب الوطن الذي بات لعنةً بل أكثر من ذلك ، من جراء النظام الرجولي والساسة الذين أغرقونا بالدماء منذ فجر التأريخ ، وحتى اليوم ، لنقرأ أدناه :
وطني ليس أكثر من عقوبةٍ
ألعنَ من تفاحة حواء
رغم أني أشك بحكاية حواء
فاغلب الظن أن آدم هو الذي أغوى حواء
فالامر كان وما زال بيد الرجل
ومن هنا الحروب
ومن هنا الكوارث !
ــــــــــــــــــــــــــ
هناك أوجه متعددة للعقوبات ، كما في كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور ، حيث يروى عن الملك الذي دخلت بعوضة في انفه وتغلغلت الى رأسه وبدأ في الحك, فطلب من خادمه أن يدعك له رأسه ففعل ، ثم أستفحل الحك فطلب من الخادم أن يصفعه على رأسه ففعل ، ثم استفحل ، فطلب منه الضرب بالنعال ففعل ، ثم القبضة , ثم الركل ، وآخرها قال له خذ سيفا واشطر رأسي ، ففعل حتى ظهرت الحشرة بحجم عصفور . هذه القصة الأسطورية تضرب للموعظة فقط ، إذن لنقيم اللعنة على رجال ساستنا ، فهم من يديم الحروب والكوارث ، هم من يشيّدون السجون ، هم من يقتلون الحرية ، هم من يجعلون الإنسان عبدا لعبوديته ، وكيف لا ، ونحنُ نجد الشاعر سامي يؤكد لنا ذلك في شذرتهِ الأخيرة الرائعة من قراءتنا هذه ، والتي تنتمي الى دروس الفلسفة أكثر من كونها شعراً وأدباً :
مِن الحرية أنْ تجعلَ السجّانَ
يشعر بأنه سجين
ومِن العبودية أن تخرج من السجن
حاملاً قضبانَهُ .
ـــــــــــــــــــــــــ
هناك من العبيد كانوا يعملون ضد ما أراده إبراهام لنكولن في تحريرهم من العبودية . جاكوب الأسوَد تم خضوعه للعبودية منذ طفولته حيث بيع الى تاجر هولندي ودرسَ اللاهوت إجبارا وأصدر كتابا يدافع فيه عن العبودية ، فعاد الى بلده أشد غربة. محمد كرا وصل الى قمة مناصب حاشية السلطان في دارفور , فقام يخصي نفسه ليدفع عنه تهمة خيانة سيده السلطان تيراب ، فأي عجبٍ هذا ، وأي ظلم نعيش في هذا الزمن المخادع .
أخيرا أقول أن الشاعر سامي مضى شوطا كبيراً على اعتباره شاعراً فحلاً ، شاعراً لايمكن تجاوزه اليومَ وغدا وما بعدِ غد ، إنه الشاعر الذي لاينضب في المدادِ والتخيّل .

هـــاتف بشبــوش/عراق/دنمارك



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن