شفرة الله التي لم يفطر الناس عليها .

منال شوقي
manal_200009@hotmail.com

2016 / 1 / 10

بادئ ذي بدء يقول الله عن القرأن : وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين أي أن الرسالة بلغة قومك يا محمد فلا يكون لهم عليك حجة و بالتالي فأي محاولة لتحريف الكلم عن معناه العربي الدارج و المألوف عند السواد الأعظم من متحدثي تلك اللغة يضرب في مقتل تلك الأية و غيرها مما يحتج به الله علي الكافرين فيقطع عليهم الطريق إن هم إدعوا عدم الفهم له فيقول في سورة يوسف : الر تلك أيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرأنا عربيا لعلكم تعقلون .
إذن القرأن عربي إختار الله له أن يكون بتلك اللغة كي يفهمه العرب و عليه فلن يكون من المنطقي أن يكون لكل كلمة معني ضمني أو غريب أو شاذ استخدامه و إلا لأصبحنا أمام شفرة و ليس لغة يعتبرها المسلمون بلا استثناء معجزة محمد النبي الأمي الذي جاء بما لم يستطع معاصروه و لا غيرهم الأتيان بمثله رغم إمتلاكهم نفس اللسان العربي .
و عندما يتحدث الله عن الشجرة و البئر و الكلب فهو يعلم مسبقا الصور الذهنية التي ستتمثل للمتلقي و ليس من المنطق أن تكون ماهية تلك الأشياء في ذهن المتلقي مختلفة عما يعنيه المتحدث و أن يعلم المتحدث عن هذا الإختلاف الذي يؤدي لا محاولة لسؤ الفهم ثم يُصِر علي إعتماده كوسيلة للإتصال
و الكاتب العادي الذي يعرف أبسط قواعد الكتابة لن يتوجه بالحديث للقراء عن عرش لن يستطيع واحد منهم أن يتصور ماهيته , فما فائدة أن يذكره لهم و هو يعلم مسبقا أن كل محاولات فهمهم ستبوء بالفشل !
ودعني أضرب لك مثلا بالمولود أعمي و كما هو معلوم لن يستطيع هذا الشخص مهما بذل من مجهود أن يتخيل اللون الأصفر مثلا , كيف يكون و ما هو الشعور الذي ينتاب من يراه و الفرق بينه و بين اللون الأخضر .... إلخ
أيكون إذن من الحكمة أن أصف لهذا الأعمي بيتا فأقول ضمن ما أقول أن الجدران مطلية باللون الأصفر ؟
بالطبع هذا سخف و لن يفيد و سوء تقدير مني بل و امتهان له إذ يجب أن أكيف رسالتي و وصفي بما يتلائم مع حالته و ليس بإعطاءه معلومات هو لن يستخدمها في بناء الصورة الذهنية للوصف الذي أعطيه إياه و حتي إن فعل فإن تلك الصورة الذهنية ستكون مغلوطة و أبعد ما تكون عن الحقيقة و بالتالي فلم أفعل أنا سوي أن ضللته عامدة أو عن جهل !
فأي ضلال أراد الله أن يوقع الناس فيه أو عن أي جهل بطبيعة عقولهم القاصرة عن فهم شفراته تحدث لنا ؟!!!
.
هل كان الله يعلم الصورة البشرية الخالصة التي ستتمثل لنا في أذهاننا عنه و نقلها لنا عامدا مُحقرا من ألوهيته و منخفضا بها إلي حد أن يعقد مقارنات بين مشاعرنا و مشاعره , ردود أفعالنا و ردود أفعاله , تصرفاتنا و تصرفاته , هيئتنا و هيئته ! أم تُراه عمد إلي اللغة المُشفرة و التي تحتاج دائما لمترجمين و مفسرين و كل من أراد أن يدلي بدلوه من وجهة نظر شخصية مستخدما في ذلك خياله الخاص مما ينفي بالقطع كون ( القرأن ) معجزة محمد المزعومة نزل بلسان عربي مبين يفهمه القاصي و الداني فانتفت بالتالي حجة الله علينا حينما قال ( لعلهم يعقلون ) و كيف نعقل مفردات هي في أذهاننا و معارفنا اللغوية تختلف عن الحقيقة التي يقصدها هو ؟!
إن من أول مبادئ علم الإتصالات أن يعتمد المتحدث لغة يعلم أن المتلقي يفهمها و من المضحك أن تستخدم أجهزة المخابرات الشفرة للتواصل السري مع الجواسيس منعا لكشفهم فيكون الله هو مؤسس أول و أقوي جهاز مخابرات علي وجه الأرض إذ أن لغته المشفرة لم يتم حل طلاسمها إلي الأن !
و إلا فمن هم الثمانية الذين يحملون عرشه ؟ و كيف يحملونه ؟ و إن لم يكونوا حملونه هل يقع ؟
كيف لا يحده مكان و يحد المكان حاملي عرشه ؟ ثم هل كان هؤلاء الثمانية يحملون عرشه دائما ؟ كيف و هو الأول الذي ليس قبله شيئ ؟ فبقليل من التفكير و الاستنتاج العقلي لم يكن العرش محمولا ذات يوم , بل لم يكن يوجد عرش من الأساس !
فهل صنع العرش خصيصا ليباهي به أمامنا من باب الشيئ لزوم الشيئ ؟
عبيد و رعية و ملك إذن لابد من وجود عرش ؟
هل يخاطبنا الله بلغة نفهمها حقا ؟
ليس أسخف مما يرد به خرفان الله بأن عقولنا قاصرة عن الفهم و الاستيعاب , فنعود للدوران في الحلقة المفرغة إياها , و يعود السؤال ليطرح نفسه من جديد : ما فائدة أو قيمة رسالة لا يستطيع المتلقي فك طلاسمها ؟
كيف يحتج الله بإستخدامه لغة مُشفرة تختلف في معانيها عن تلك التي يعرفها المتحدثين بها ؟
حتي أنت نفسك أيها المُصدق الأعمي لن تقع في خطأ كهذا , أنت لن تجيب علي من يسألك في الهاتف عن مكانك فتجيبه ( أنا في زجاجة الشامبو ) علي اعتبار انك تطلق علي غرفة مكتبك ( زجاجة الشامبو ) فإن هو سألك : و ما هي زجاجة الشامبو لأنه لا يعرف منها إلا واحدة فأجبته أنت بألا يسأل عن أشياء أن تبدو له تسوءه فأي نوع من الإتصال اللغوي تتخيل أن يتم بينك و بينه ؟
إن الرسالة المنقولة تكون كاملة و عبقرية لا تشوبها شائبة عندما تأخذ في الإعتبار المستوي العقلي و المعرفي للمُخاطب و لذا فإن معلمي الأطفال الناجحين يمتلكون موهبة إيصال المعلومة بأبسط الكلمات و أيسر الطرق , أغابت تلك البديهة عن الله ؟
.
و لننظر علي سبيل المثال للفعل جاء في قوله : و جاء ربك و الملك صفا صفا , إن الفعل ( جاء ) له دلالة عقلية تخبرنا عن أن فاعل الفعل لم يكن موجودا في الحيز الزماني أو المكاني أو كليهما قبل حدوث فعل المجئ لأنه إن كان كذلك فلا معني أبدا لحدوث الفعل من الأساس ؟
فالأية من سورة الفجر و تلك التي قبلها و بعدا تصف أحداث يوم القيامة : كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) تصف مشهدا من يوم القيامة حيث تجري أحداث ما , كأن تُدك الأرض دكا و هو ما يكن موجودا في اللحظة التي سبقت الحدث و كذا تصف المجئ بجهنم و هو ما لم يكن موجودا أيضا في ذات المكان قبل يوم القيامة فالوقائع تجري كالتالي : الأرض تُدك و هذا حدث يتحقق في الزمان و جهنم يُجاء بها و هذا حدث يتحقق في المكان و كلاهما لم يكن موجودا قبل وقوع الأحداث و إلا فإن الأرض مدكوكة بالفعل الأن و نحن نري جهنم بأعيننا و بديهي أنك لن تطلب ممن يجلس معك في حجرة المكتب أن يجئ إلي حجرة المكتب فمن جاء إلي حجرة المكتب لم يكن موجودا بها قبلا , هكذا يقول العقل و يقول الإستدلال المنطقي و تقول اللغة و لكن شفرة الله تأبي إلا أن تعارض كل منطق إذ برغم كل هذا مازال الله موجودا في كل زمان و مكان و لا يحده زمان و لا مكان علي الرغم من أنه يجئ إلي حيث لم يكن - منطقيا و عقليا - موجودا و إلا لماذا يجئ من الأساس إلي حيث هو موجود بالفعل ؟
ثم ماذا عن مشاعر الله في القرأن ؟
الله الذي يحب و يكره و يفرح و يغضب و يرضي و يسخط و يؤيد و يعادي ؟
كيف لعظيم ليس في عظمته شيئ أن ينحدر بنفسه لمعاداة ما صنعت يده و ما لم يكن شبئا مذكورا لولا خلق الله له ؟ ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون
فهل سمعنا عن قائد عسكري عظيم يعادي نملة ؟ هل سمعنا عن ملك ذو سلطان و جاه يعادي ذبابة أزعجته فضلا عن أن الإله أعظم من القائد العسكري و الملك و أكثر حكمة و هيبة و رغم أن لا القائد العكسري و لا الملك يدعي أحدهما بأنه خالق النملة و الذبابة فشأن الإنسان عند الإله الخالق أحقر من شأن البعوضة و الذبابة عند القائد و الملك و مع ذلك يتخذه الله عدوا و يطلب من المؤمنين أن ينتصروا له من ذلك العدو الذي جعله الله بنفسه ندا له بمجرد إتخاذه عدوا !
ثم إن الله قد يأتي بقوم أخرين يحبهم و يحبونه و الحب الذي نعرفه هو من المشاعر البشرية التي يتحكم فيها الهوي و العاطفة و بالتالي أتسائل هنا عن عواطف الله و التي نستطيع التحكم فيها بأفعالنا فيكفي أن نطيعه ليفرح و يحب و يشعر بالرضا و أن نثير غيظه و نعصيه ليغضب و فيهدد و يرعد و يغتاظ فيمكر و الله خير الماكرين , فإن كانت كل تلك الصفات البشرية و المهينة لعظمة الإله و التي تحط من قدره لها معاني و مقاصد أخري غير التي نعرف و التي نستخدم فالقرأن ليس بلسان عربي مبين بل بشفرة كُتِبت بحروف عربية و المعني في بطن الله قياسا علي المعني في بطن الشاعر
فهل يوجد ما هو أسخف من ذلك إحتقارا لأبسط قواعد المنطق اللغوي ؟!
فعن أي إعجاز يتحدث المتحدثون و أي قرأن عربي أراد مؤلفه أن نعقل !!!
إن تلك اللغة المشوهة في القرأن و التي يلزمنا تخلي كامل عن عقولنا حين محاولة إستيعابها كونها تخالف نفسها بنفسها لن يعتبرها عاقل كلاما جديرا بنقاش فضلا عن كونها رسالة إلهية و لن يصف القرأن بالكلام المبين إلا من إفترض من البداية أنه مكتوب بشفرة لا يفك طلاسمها إلا المهتدون الذين أمنوا بالغيب فنحوا العقل و المنطق جانبا في أثناء تعاملهم مع لغة القرأن و معانيه المُشفرة



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن