وخير جليس في الزمان كتاب.

جعفر المهاجر
jaafar_almuhajer1944@yahoo.com

2016 / 1 / 7

وخير جليس في الزمان كتاب.
جعفر المهاجر.
تعتبر المكتبة في كل العصور حقلا واسعا لكل صنوف المعرفة وينبوعا ثرا يرفد النفوس بالغذاء الفكري، وينير الطريق لكل إنسان يسعى لاكتشاف نفسه، ومعرفة العالم المحيط به .
والكتاب رغم التقدم التكنولوجي الهائل يبقى واحة الحياة الظليلة الذي يضفي على النفس الإنسانية الهدوء ويشعرها بأهميتها في الحياة. لأنه الشعاع الذي ينفذ إلى أعماق العقول فينيرها ويمدها بالغذاء الفكري اللازم . وآنتشاره عامل رئيسي في تقدم الشعوب وتطورها واحتلال مكانها تحت الشمس . وهو الصديق الذي يعطي ولا يأخذ ولا يخون ولا يداهن.وقد اتخذه المفكرون والعلماء صديقا دائما لهم لايفارقهم كظلهم بل اعتبروه إكسير الحياة الرئيسي الذي لاغنى عنه في رقي البشرية. فمدهم بالعلم والمعرفة وآحترموه وآعترفوا بفضله، وامتزجت تجاربهم بصفحاته وأقاموا من خلال هذا الإمتزاج الثقافي الحضاري صرح العلوم الإنسانية ورفدوا الحياة بمختلف صنوف المعرفة. وحسبنا فخرا وشرفا نحن المسلمين أن تكون أول سورة نزلت في حق نبينا الأكرم ص وهي تحث على القراءة وطلب العلم:
بسم الله الرحمن الرحيم:
(إقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . إقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم. علم الإنسان مالم يعلم. ) سورة العلق. (وقل رب زدني علما )14- طه
(وما يستوي الأعمى والبصير .ولا الظلمات ولا النور )19-20 فاطر.
وغيرها من الآيات الكريمة التي تحث على العلم والتعلم اللذان مفتاحهما الكتاب . فالقراءة المجدية تمنح الإنسان العلم عن طريق قدراته العقلية التي يمتلكها. وقد قال رسولنا الكريم ص
(أطلب العلم من المهد ألى اللحد ).
وقال الإمام علي ع:
(كل وعاء يضيق بما فيه ألا وعاء العلم فأنه يتسع ).
والعلم بمختلف أنواعه وصنوفه تضمه بطون الكتب التي دونها العلماء الذين خدموا المسيرة البشرية و(القراءة مفتاح العالم) كما عبر عنها أحد المفكرين وكلما قرأ الإنسان كتابا جديدا إكتشف آفاقا جديدة لم يكن يعرفها قبل قراءته ذلك الكتاب.
وإذا كانت القراءة مقتصرة فقط على نيل الشهادة المدرسية والحصول على وظيفة لسد رمق الإنسان واعتبارها الغاية والوسيلة لكل متعلم وبعدها يتوقف كل شيء عليها فإنها تعتبر قراءة ناقصة مبتورة لاتطور صاحبها ولا ترقى به إلى حيث آفاق الحياة الواسعة حيث تطوى تلك المعلومات وتغطيها صفحة النسيان.
وحين يجد من يبحث عن كتاب مفيد هذا الكم الهائل من (الكتب) الملونة بمختلف الألوان الصارخة التي تجذب العين قبل العقل، وتدغدغ المشاعر قبل العقول في بعض المكتبات العربية التي تبحث عن الربح التجاري يصاب بالدوار والغثيان ويرثي لكل من يتهافت عليها لأنها تبعد الإنسان عن الطريق الذي اختاره الخالق له بأن يقدم شيئا ولو بسيطا في حقل المعرفة الإنسانية نتيجة تعلمه فالكتب التجارية التي تثير الغرائز وتبعد الإنسان عن الخط المرسوم له من قبل خالقه وتجعل منه مخلوقا جاهلا بأمور كثيرة في هذه الحياة متأخرا عن الركب الحضاري. فيموت من يموت ولا يدري كيف جاء ورحل، ويعيش من يعيش وتمر عليه الأعوام مر السحاب وهو يظن إنه لم يولد بعد. وإذا شعر هذا الإنسان صاحب الملكات العقلية الراقية والطاقات العلمية والروحية المتفوقة على كافة المخلوقات بعدم استطاعته على تقديم عمل نافع لمجتمعه بعد حصوله على شهادة دراسية معينة فليتعلم من تجارب الحياة ، ومن الآخرين الذين سبقوه في ميادين العلم والمعرفة وقدموا له زادا ثقافيا وعلميا ثرا وغنيا على طبق من ذهب عن طريق الكتاب الجاد النافع الذي قدموه له حتى لا يبقى إنسانا ضائعا يبحث عن إشباع غرائزه وحاجاته المادية فقط ويهمل الجوانب الروحية والأخلاقية والمعرفية التي خلق الله النفس الإنسانية من أجلها لكي يتميز بها في رحلة عمره القصيرة قياسا للزمن.
يقول المفكر الفرنسي (فولتير ) سألني أحدهم من سيقود الجنس البشري ؟ فأجبته : ( الذين يعرفون كيف يقرأون . ) وقد عبر أحد المفكرين عن أهمية الكتاب بقوله (الكتاب هو الكنز الثمين الذي يضم خبرة العديد من الأجيال السابقة إلى الأجيال اللاحقة وبدونه لايمكن أن يخلق المجتمع الجديد . ) وقال أحدهم بيتا في حق الكتاب قائلا :
تأبطت الكتاب وغبت فيه – فما أحلى الرحيل مع الكتاب وقال الشاعر أحمد شوقي :
أنا من بدل بالكتب الصحابا – لم أجد لي وفيا إلا الكتابا.
ولايمكن أن تنهض الأجيال في الأوطان وتقودها نحو مرافئ العلم والتطور بدون القراءة الجادة المثمرة والشعوب لاتتقدم إلا بكتابها المبدعين الذين يكتبون وكثرة المطالعين الذين يقرأون.
وقال عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين:
(مكتبة متجولة ٌ خيرٌ من جامعة مغلقة ).
ويقول الكاتب والأديب المعروف عباس محمود العقاد الذي لم يتخرج من جامعة في حياته :
(لست أهوى القراءة لأكتب ولا لأزداد عمرا في تقدير الحساب . إنما أهوى القراءة لأن لي في هذه الدنيا حياة واحدة . وحياة واحدة لاتكفيني ولا تحرك كل مافي ضميري من بواعث الحركة والقراءة وحدها هي التي تعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة ، لأنها تزيد هذه الحياة عمقا).
وإذا تطرقنا إلى تأريخ المكتبات التي لها ارتباط وثيق بعملية القراءة نجدها ليست وليدة العصر الحديث. فمن خلال الآثار والأبحاث والدراسات كانت المكتبات في بدايتها عبارة عن معابد وقصور تضم بين أروقتها وممراتها الكثير من المخطوطات والكتب القديمة ومن أشهر المكتبات القديمة مكتبات بلاد الرافدين المسماة (نيبور) و(نينوى ) ومكتبات مصر القديمة مثل مكتبات فراعنة مصر في (طيبة ) و (ممفيس ) وكذلك مكتبات سوريا القديمة مثل (ماري ) و (أوغاريت ) والتي يرجع تأريخها ألى ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد. وقد تطورت منذ القرن التاسع عشر وانتقلت إلى أماكن خاصة أطلق عليها إسم المكتبات.
وكانت (دار الحكمة) في بغداد عاصمة العلم والعلماء من أكبر المكتبات في الوطن العربي وقد تعرضت للغزو التتري عام 656ه - 1258م وتم إتلاف حوالي 80% من أنفس الكتب وأندرها التي أبدعها العقل الإنساني في مختلف شؤون العلم والمعرفة حيث طفح دجلة بالدماء والكتب في آن واحد وكانت تلك الهجمة التترية نكسة حضارية كبرى ومروعة لحقت بالعاصمة بغداد وحضارتها، وإرثها الثقافي في ذلك العام إضافة إلى مقتل الكثير من الناس بما فيهم العلماء والأدباء والمفكرون. وكان للجاحظ وابن العميد وأبن هاني الأندلسي والصاحب بن عباد مكتبات خاصة ينقلونها معهم حيث يذهبون وقد بلغت كتب الصاحب بن عباد حمل أربعين جملا ينقلها معه كلما انتقل . وكانت مكتبة (دار الحكمة ) في الشام تحتوي على آلاف الكتب القيمة أيضا حيث تعرضت للغزو الصليبي عام 553ه ودمرت وأحرقت وكذلك كانت هناك مكتبات في قرطبة في الأندلس، والقيروان في تونس وكانت مكتبة الإسكندرية في مصر تزخر بالنفائس والمخطوطات والمصورات والمجلدات وكتب في مختلف العلوم الإنسانية في كافة اللغات الحية مايبهر العقول وقد سرق وأتلف الكثير منها لضعف اهتمام الحكومات المتعاقبة بها ونقل الكثير منها خارج الوطن العربي.
قد أصبح علم المكتبات علما قائما بذاته وهو جزء من العلوم الإنسانية. والمكتبة كلما كانت مفتوحة للجماهير الشعبية كلما كان تأثيرها أقوى لنشر العلم والمعرفة في حياة الفرد والمجتمع . ويبقى الكتاب الوسيلة الأساسية في نشر الثقافة رغم ظهور الوسائل الحديثة التي أخذت تزاحمه في نقل المعرفة الإنسانية. وتقول المنظمات الدولية إن عدد الذين يعانون من الأمية يبلغ 757 مليون شخص حول العالم (فوق 15 عاما)، بينهم 115 مليونا في مرحلة الشباب، و59 في المئة من هؤلاء إناث.
وفي العالم العربي تقدر المنظمات الدولية إن 90 مليون نسمة يعانون من الأمية أي واحد من كل خمسة بالغين يعاني من الأمية، وتقدر نسبة الأمية بـ (19 % ) أما الذين لايقرأون في هذا الوطن المنكوب ورد في تقرير التنمية الثقافية الذي تصدره (مؤسسة الفكر العربي) أن العربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنوياً بينما يقرأ الأوروبي بمعدّل 200 ساعة سنوياً. تتفاوت الأرقام بين دراسة وأخرى بالنسبة لمعدّل قراءة الأوروبي ولكنها تجمع على معدّل قراءة العربي. لتقريب الصورة أكثر من ذهن القارئ، وتتحدث بعض الدراسات عن إن كل 20 عربياً يقرأون كتاباً واحداً في السنة في الوقت الذي يقرأ فيه البريطاني 7 كتب والأميركي 11 كتاباً .ولا نبالغ أو نجافي الحقيقة إذا أيدنا من يقول:
(إن أمة إقرأ تحولت إلى أمة إذبح ) والآتي أعظم.
جعفر المهاجر.
7/1/2016م



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن