البورجوازية الوضيعة هي الموات

فؤاد النمري
fuadnimri01@yahoo.com

2015 / 12 / 20

البورجوازية الوضيعة هي الموات

لم يشر أي من آباء علم الإقتصاد السياسي إلى أن للبورجوازية الوضيعة (Petty Bourgeoisie) دوراً في صناعة التاريخ لكننا مع ذلك نرى اليوم البورجوازية الوضيعة في مختلف أصقاع الأرض تمارس السلطة المطلقة، كما نرى متثاقفي البورجوازية الوضيعة، وهم الأكثر وضاعة، يعبرون عن سرورهم البالغ بالنظام العالمي القائم اليوم وعلينا ألا نتوقع غير هذا والحكمة تقول .. مادح نفسه كذاب .
آباء علم الاقتصاد السياسي تعاملوا مع الحقائق وما كان لهم أن يتنبأوا بانحراف عربة التطور لتعيش البشربة أكذوبة كبرى هي النظام العالمي القائم اليوم . وليس أدل على ذلك دلالة قاطعة من أسعار الصرف في سوق العملات فالدولار الأميركي اليوم يساوي 0.92 يورو أو 0.66 باوند أو 66 روبية أو 122 ين أو 1.5 دولار نيوزيلاندي، وهذه هي المعادلات التي تحكم العلاقات بين اقتصاديات مختلف البلدان والتبادلات التجارية بينها، وهي معادلات مصطنعة وكاذبة . فالدولار الأميركي اليوم لا يساوي أكثر من 5 سنتات من دولار 1970 ، فلماذا دولار نيوزيلاندة مثلاً لا يساوي بالتبعية أكثر من ثلاث سنتات ؟
انهار النظام الرأسمالي في أميركا مع بداية سبعينيات القرن الماضي فأخذ الدولار يعاني في أسواق الصرف مما رتب على الولايات المتحدة أن تخرج من معاهدة بريتون وودز، وتكشف الدولار من الغطاء الذهبي في العام 71 ، الأمر الذي استدعاها لأن تعلن تخفيض سعر صرف الدولار في العام 72 ، لكن سعره استمر في الهبوط فكان أن إضطرت الإدارة الأميركية لأن تعلن تخفيضه مرتين في العام 1973 ؛ ولما لم يجدِ كل ذلك وقد غدا دلالة قاطعة على انهيار النظام الرأسمالي في الحصن الأخير من حصون الرأسمالية بعد أن كان قد استنفذ كل قواه في الدفاع عن النظام الرأسمالي في وجه الشيوعية العاصفة، دعت إدارة نكسون المتداعية لأول مؤتمر قمة للدول الرأسمالية الخمسة الأغنياء (G 5) حيث أعلنت هذه الدول كفالتها للدولار مهما كانت ملاءة أميركا الاقتصادية . لكن ذلك لم بحصن الدولار ففي حين كان سعر أونصة الذهب 35 دولاراً في العام 1970 قفز إلى 1672 دولار في العام 2013 أي ما يعادل 47.8 ضعفاً وهو ما يعني أن دولار العام 2013 لم يعد يساوي أكثر من 2.1 سنتات فقط من دولار العام 1970؛ فلماذا يهبط دولار نيوزيلاندة بالتبعية ليساوي أقل من 1.5 سنت !؟ الولايات المتحدة تخلت مكرهة عن النظام الرأسمالي القائم على إنتاج البضائع فهبطت قيمة عملتها، الدولار، وخسرت 95% من قيمتها، لكن لماذا يهبط دولار نيوزيلندة بنفس النسبة ؟ نظام الإنتاج في نيوزيلاندة ليس رأسماليا يل زراعياً بامتياز ولم تبدل نيوزيلاندة نظامها للإنتاج كما فعلت الولايات المتحدة وتحولت من إنتاج البضائع، أي الإنتاج الرأسمالي، إلى إنتاج الخدمات وهو الإنتاج اللارأسمالي، وبذلك خسرت عملتها، الدولار، 95% من قيمتها، فلماذا يخسر الدولار النيوزيلاندي 95% من قيمته بالتبعية ؟
وطالما أن الذهب هو الدالة الوحيدة على قيمة النقود فإن غرام الذهب كان يساوي 1.25 دولاراً في العام 1970 وهو في العام 2013 يساوي 60 دولاراً . فبرميل النفط على سبيل المثال، وهو ما يوصف بالذهب الأسود، كان يُباع في العام 1970 ب 18 دولاراً، أي ب 14.4 غرام من الذهب ؛ وبيع في العام 2013 ب 100 دولار أو ما يساوي 1.7 غراماً من الذهب ؛ وهو ما يعني أن منتجي النفط عليهم أن يبيعوا 8.5 برميلاً في العام 2013 ليحصّلوا هلى القيمة الحقيقية لبرميل واحد في عام 1970 ومع ذلك كان العالم يصرخ عالياً غضباً من ارتفاع أسعار النفط مع أنه لا يساوي أكثر من 1/8 برميل
هكذا هو حال الذهب الأسود فما عساه يكون حال السلع الأخرى غير الذهبية !؟ ـ لا بدّ أن يكون حالها أسوأ من حال الذهب الأسود .
الدالة الوحيدة التي يمكن استدلالها من مثل هذا العرض الموجز هي أن خللاً ما يعتور النظام القائم اليوم في العالم، وإلا لما كان هناك أي مبرر لانخفاض القيمة الرأسمالية لسائر المنتوجات بنسبة تصل إلى 90% . هذا يتعدى حدود العقل بل هو ضرب من الجنون خاصة ونحن نعلم أن القيمة الرأسمالية للأشياء وسائر المنتوجات هي التي تعيّن العلاقات بين الأفراد والجماعات، وأن مختلف الأنظمة الاجتماعية تقوم على أساس القيمة الرأسمالية للإنتاج .
بناءً عليه لا يمكن النظر إلى النظام القائم اليوم في العالم حيث يجري تداول المنتوجات بغير قيمتها الحقيقية، كيلا نقول بعشر قيمتها، غير أنه كذبة كبرى ستتكشف خلال وقت قريب عن مأساة ستعاني من أهوالها البشرية جمعاء بعد أن تصحو لتجد أن طبقة البورجوازية الوضيعة لم تتحلل وتنهار إلا بعد أن انتهت من تدمير كل ثروات الأرض تقريباً .
والسؤال الأحجية الذي يحتمه هذا الاستشراف هو .. كيف تستطيع فلول البروليتاريا في العالم حينذاك أن تبني الاشتراكية فوق كل هذه الأنقاض كيما تنقذ البشرية من الهلاك التام !؟



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن