المرأة العربية بين الواقع والطموح

سارة طالب السهيل
sarahalsouhail9@gmail.com

2015 / 12 / 17

المرأة العربية بين الواقع والطموح
سارة طالب السهيل

ان اوضاع المرأة العربية شهدت تحسنا في السنوات العشر الاخيرة في بعض المجالات وتراجعت في البعض الاخر.
التحسن ظهرت نتائجه فيما يتصل بنسب التعليم المرتفعة قياسا علي عقود سابقة، وفيما يتصل بالرعاية الصحية التي تتلقاها المرأة لتوافر برامج الصحة العامة والصحة الإنجابية مما قلل عدد وفيات الأمهات ، الى جانب بروز المرأة في بعض مواقع قيادية عبر المهن المختلفة .
وهناك سيدات عربيات حققن نجاحات كبري في ادارة المشروعات الاقتصادية وعمليات التنمية في بلادهن، وما عكسته مجلة "فوربس- الشرق الأوسط" ، من قائمة تضم أقوى 50 سيدة عربية .
ولكن تظل المرأة العربية تعاني من التمييز في الأجور مقارنة بالرجال في مجال الأعمال الحكومية والخاصة، وأيضا في تولي المناصب القيادية، بجانب ظهور ازمة المرأة المعيلة في الدول العربية التي تعاني ظروف اقتصادية صعبة ، او تعاني حروبا وصراعات داخلية مثل العراق وسوريا وفلسطين .
كما لاتزال المرأة العربية اكثر الفئات تعرضا للعنف من أبيها وزوجها وأبنها كل حسب ظروفه الاجتماعية، بجانب تعرض الكثير منهن للعنف في الطرقات العامة وفي بعض أماكن العمل‏.‏
وبينما لاتزال نسب الأمية مرتفعة في أوساط النساء العربيات ويواجهن الاستغلال الجسدي ، فإن ‏ المجتمع العربي يتجاهل ازمة مخيفة تهدد امن واستقرار المرأة العربية وحقوقها بسبب ظاهرة تعدد الزوجات التي مازالت واحدة من مظاهر التمييز بين الجنسين في العالم العربي‏‏ خاصة وان هذه الظاهرة ارتبطت بمبررات شرعية الا انها في حقيقة الامر باتت ترتبط بقيم اجتماعية مثل القضاء على الملل الزوجي او لأسباب تتعلق بالمال و السلطة

المرأة والتسلح بالثقافة والمعرفة:

ان المرأة العربية و الشرق أوسطية تحتاج إلى الإلمام بالكثير من القضايا و التسلح بالمعرفة و الإطلاع على اشكال العلوم والمعارف دون الاقتصار علي نوع معرفي محدد، فيجب فتح الباب امام المرأة للتسلح بعلوم العصر التكنولوجية، وان تكرس الدول العربية جهودها في تطوير منظومة التعليم التي لاتميز بين الفتاة والولد، علي ان تكون مخرجات التعليم العصري للفتاة العربية مناسبا لاحتياجات سوق العمل، خاصة واننا نعيش في منطقة صراعات سياسية وحروب، وكثيرا ما تفقد المرأة أبوها او زوجها فتصبح هي العائل الوحيد للأسرة ولذلك لابد من ان تسلح المرأة بالعلم الذي يؤهلها لسوق العمل .
وفي تصوري ايضا ان المرأة بحاجة لأن تتسلح بمنظومة الثقافة القانونية التي توفر لها حصانة امنية واجتماعية عند اية محاولة لهضم حقوقها بجانب بالطبع تنمية وعيها بثقافتها الاسلامية والعربية كركيزة في بناء الشخصية ذات الاصول والمحافظة علي مبادئها. وتتعدد اشكال الوعي الثقافي العربي من ثقافة مكتوبة كالتراث او الابداع المعاصر او ثقافة سمعية كالموسيقي والغناء وغيرها من ادوات الثقافة .
لكن يظل تطور المرأة العربية وتسلحها بالعلم والثقافة والاخلاق ايضا مرهون بالمخططات والسياسات التي تضعها الدول العربية للنهوض بالمرأة وتمكينها في سوق العمل بجانب دور مؤسسات المجتمع المدني في تمكين المرأة وتوعيتها وتثقيفها .



ان تحقيق العدل بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات هي اهم قضية تشغل فكري واسعي في كل كتاباتي لتحقيقها، لكن العدل لا يعني دائما المساواة لأن في بعض المساواة ظلم و المقصود انه الواجبات تقسم حسب الاحتياجات وحسب القدرة على التنفيذ سواء من الناحية الجسدية أو المادية أو النفسية الا ان العدل بين الرجل والمرأة في الشرق الأوسط جزء كبير منه مفقود وان بدا ظاهريا انه في تحسن الا انه ليس تحسن بالمستوى المطلوب فالمطالبات بحقوق المراة اصبحت شعارات تشبه القوانين الغير منفذه فالتمييز المجتمعي آفة خطيرة وتولد مآسي يصعب علاجها، المرأة العربية للأسف تعاني من التمييز في الحقوق مع الرجل الذي يسيطر علي اتخاذ القرار في شؤون تجمعهما و تخصهما معا فكيف يصح هذا يا للعجب فالحياة المشتركة تعني قرارات مشتركة و نقاش و حوار و اتفاق، اما ان يسيطر طرف من الاطراف على مركز القوى و القرار اجحاف للطرف الثاني و قد قام المدافعون عن الحقوق بالتصدي لهذا الامر الا ان التصدي بالقانون غيركاف لمحاربة هذه الظاهرة .
فلا تزال المرأة تعاني من هدر حقوقها في الميراث الشرعي في بعض البلدان، وتواجه تحدي الطلاق والضرب وغيرها. كما لا تزال المرأة في مجتمعاتنا تعاني من مشكلة الزواج المبكر المعروف اصطلاحا بزواج القاصرات وغيرها .
ان قضية العنف شائكة وتحتاج الي تضافر جهود المؤسسات الحكومية الاجتماعية والتعليمية والثقافية والاعلامية مع نظيراتها المدنية لنشر الوعي بأخطارها ونشر ثقافة محاربتها عبر كل وسيلة ثقافية او اعلامية .

و هناك تواصل بين المؤسسات والمنظمات المدنية و تعاون كبير بين المنظمات والجمعيات الاهلية العربية المعنية بحقوق المرأة ونظيراتها في الغرب، ويأخذ هذا التعاون أشكال مختلفة من اقامة ندوات مشتركة ومؤتمرات وتواصل بالحوار ودراسات متخصصة بشأن قضايا المرأة وتمكينها. وتلعب منظمة المرأة العربية دورا مهما في التواصل مع مثيلاتها في اوروبا والغرب عموما في وضع برامج لتميكن المرأة وتطوير اوضاعها . كما يفيد التواصل بين الجانبين في التعرف علي احدث اساليب تنمية المرأة وتحقيق مفهوم المواطنة، وسبل اندماج المرأة في عمليات التنمية السياسية والاجتماعيةوالاقتصادية.

كما أن هناك تتمييز واضح ضد المرأة في الحياة السياسة العربية تعكسه قلة عدد النواب النساء البرلمانيات مقارنة بالغرب، وان كان ذلك مرتبط بالثقافة الاجتماعية التي لم تنضج بعد حتي تصوت للمرأة في الانتخابات النيابية وغيرها المرأة أحيانا لا تثق ببنات جنسها فما بالك بالرجل كما أن المنافسة والغيرة تلعب دورها
فالمجتمعات العربية تحول دون وصول المرأة لمؤسسات صنع القرار، وهو ما يفسر تدني مشاركة المرأة في العمل السياسي، فالمرأة علي سبيل المثال جاهدت من ان اجل تولي منصب القاضي وقد نالت ذلك بنسب لا تذكر وهو ما يعني ان المجتمع يحرمها من حقها في العمل بمجال السلطة القضائية ، ناهيك عن العمل في السلطة التشريعية عبر البرلمان .
ولاشك ان ثقافة المجتمع الذكوري لا تقبل تعاطي المرأة مع السياسية .كما أن وسائل الإعلام التقليدية لاتدعم قضية وجود المرأة فى البرلمان ومشاركتها فى الحياة السياسية .
ورغم كل هذه المعوقات امام التمثيل السياسي للمرأة في البرلمانات العربية، فان طفرة قد تحققت فى الامارات تفتح باب الامل في باقي الدول العربية، حيث استطاعت المرأة الاماراتية المشاركة في البرلمان عبر الانتخابات بنسبة تمثيل 22,3%.
وتظل ازمة المرأة في اختيارها للبرلمان موجودة في كل مكان في العالم، وليس عالمنا العربي فقط، والدليل علي ذلك ما ورد في التقريرعام 2015 عن أحوال النساء في العالم والصادر مؤخرا عن إدارة الأمم المتحدة للشؤون الإقتصادية والاجتماعية، من ان المرأة لا تمثل سوى 22 في المائة من البرلمانيين و18في المائة من الوزراء المعينين.
و الأسوء من هذا كله موضوع الكون الذي يفضح المجتمع و رفضه لتمثيل المرأة
وبعد وصولها قبة البرلمان هل فعليا لها دور أو كلمة مسموعه أم تكون كمزهرية الورود زينة القاعة

الايمان بأهمية عمل المرأة تعد قضية كبري تحتاج جهد مخلص من باحثين متخصصن في الثقافة والاجتماع والإعلام والتعليم والشئون الدينية ، بحيث يعملون دراسات ناجحة لكيفية تغييرالثقافة السائدة والمناهضة لعمل المرأة، علي ان يقوم الاعلام بكل ادواته في تكريس اهمية عمل المرأة مستخدما ادوات الاقناع العقلي والاستمالة العاطفية .
فالمجتمعات العربية بحاجة ماسة للتحرر من تقاليد وموروثات ثقافية قلصت من مكانة المرأة وعملها الحيوي في بناء المجتمع، ويأتي دور التشريعات القانونية وضرورة تغيرها بحيث تتيح للمرأة حرية العمل والتنقل، وتوفير حصة لها في البرلمان .
ويبقي فتح الباب للمرأة في العمل السياسي العام بابا مهما لتأصيل وجودها في الشارع العربي وتفعيل جهودها في الاطار السياسي ولعل نجاحها في هذا المضمارقد يوفر لها ارضية خصبة في تغيير التشريعات القانونية التي تحد من قدرات المرأة في سوق العمل .
ولعل توقيع معظم الدول العربية علي اتفاقية " سيداو " يجب معه تفعيل عدم جواز التمييز المبني على أساس الجنس، ومن ثم فان الدول العربية مطالبة بموائمة تشريعاتها الوطنية القانونية بما يتفق مع مبدأ المساوراة بين الرجل والمرأة .
و برأيي أن أهم خطوة للمرأة تبدأ في بيتها فقبل أن تنطلق للمجتمع يجب أن تعدل حال بيتها و تصلحه

و رغم كل هذه الصعاب الا انه في بعض المدن في العالم العربي تنظر للمرأة كنعمة من السماء فهي رمزالحنان والطمأنينة وتطورت النظرة بالنجاحات التي حققتها المرأة في التعليم والمناصب التي تولتها، لكن غالبية المجتمع العربي لايزال يحتفظ في وجدانه وعقله كميراث جاهلي بقافة ذكورية ترسخ أفضلية الرجال على النساء، مما جعل المجتمعات العربية في ورطة خاصة عند تعلم الفتاة وادراكها لقيمة عقلها وعلمها ومن ثم ترفض الخنوع والخضوع وتدخل في صراع مع الثقافة الذكورية التي تنظر للمرأة نظر دونية ترفضها كل فناة او امرأة مثقفة، بل تدفعها هذه الثقافة للتمرد ويتجه سلوكها للعدوان في محاولة اثبات قدراتها العقلية والعلمية التي وهبها الله لها واكتسبتها بالجهد والعمل.
واذا كان هذا حال المرأة المثقفة فما بالنا بالمرأة التي نالت قسطا قليلا من التعليم او شبه الامية فهي تعاني الامرين في الالفية الثالثة، بل ان المكتسبات التي حققتها المرأة العربية قبل مائة عام قد تراجعت في بعض البلدان
أن المرأة يجب أن تنجح وهي بالصورة التي خلقها الله عليها و لا داعي بأن تتشبه بالرجال حتى تظهر أو تنجح أو تتفوق عليهم بل أن المعادلة الصعبة هي أن تبقى أنثى بروحها و شكلها وحنانها و أن تتفوق و تنجح دون التنكر لجنسها و خلق الله لها.

بالعودة الى تقرير مؤسسة طومسون رويترز
لاستطلاعات الرأي عام 2013 حول وضعية المرأة العربية، استند هذا التقريرعلي مسح شامل لأوضاع المرأة العربية في 22 دولة عربية، شارك فيه 336 خبيرا، وجاءت النتائج مذهلة وهي ان ثورات الربيع العربي فتحت الباب لانتشار الخطاب الذي يكرس لصورة نمطية للمرأة بأن تختفي من المشهد وتقعد في البيت !
والمفاجأة في هذا التقرير ان مصر التي قادت ثورة تحرير المرأة العربية احتلت المركزالاول في تدني اوضاع المرأة بها، تليها العراق في المرتبة ثم السعودية. بينما كانت اوضاع المرأة الافضل حالا في جزر القمر ثم عمان فالكويت فالأردن فقطر.
فالمرأة العربية كما اوضح هذا التقريرالمخيف يكشف عورات المجتمع في مصر والعراق وسورية وفلسطين وتونس بوصفها اكثر البلدان التي تواجه فيه المرأة ازمة العنف، وماتعنيه هذه الازمة من حقيقة ان المرأة العربية لم تعد آمنة على نفسها ومالها ومستقبلها ودراستها .
مازال أمام المرآة في الشرق الأوسط الكثير من الحروب تخوضها لتصل لنصف طموحاتها و أزعم أن من لا ينصف في بيته لبس مؤكدا أنه سيستطيع أخذ حقوقه خارج البيت إلا لو كان من النخبة المناضله
فلنبدأ من الأسرة..



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن