دين ضد الدين وإسلام ضد الإسلام ح1

عباس علي العلي
fail959@hotmail.com

2015 / 11 / 26

دين ضد الدين وإسلام ضد الإسلام
ح1
الدين الذي عرف نفسه أنه مشروع رحمة للعالمين بما يعني أنه يرتكز في حيثيات العلة المؤسسة له على مفهوم محدد وصريح وواضح في أن يجعل من الرحمة بشقيها التسامح والعطاء مرتكز للتكوين ,عليه ووفقا لهذا التصنيف أن يكون في كل ما يتعاطاه من شأن فكري أو ممارسة حسية أو بسط لمبادئ حياتية أن لا يتخلى عن روحية التسامح والعطاء ومعا ,وإلا فقد شرعية وجوده وأصبح مجرد شعار للتغطية على هدف أخر لا علاقة له بمسمى الدين كأن يكون مشروع سلطة أو حتى نظرية سياسية تريد الوصول لهدف منتخب من خلال إستعارة هذا المفهوم الملتصق في ذاكرة الإنسان على أنه علاقة الإنسان بمن هو محيط به أو محاط به ,الصورة والمصدر والتفاصيل لا تهم الإنسان لمجرد أنها تأخذ هذه الحسية العقلية وتؤثر على مشاعره فيتحول إلى كائن مرتبك وتلزمه الحيرة والتردد الذي تسوقه دوما إلى دائرة الخوف والقداسة ثم الطاعة بشكل قد يصل للتطرف فيصبح عبدا للدين ,أو بصيغة أكثر تفريطا فيتحول لملحد بمعنى أنه يعرف ويرفض الإقرار به .
من المؤكد أن أسوأ الخيارات عند الإنسان أن ينصرف كليا وخارج الوعي النقدي ليكون عبدا للدين دون أن يكون عابد للديان أو الرمز الذي يسوقه الدين على أنه الجهة التي تستحق السمع والتقليد , ليس كل الأديان تنادي بعبادة الديان فقد تختار وسائط وأشباه أو من خلال روابط تعبدية تبرر الارتباط بمن هو أعلى أو أجدر , وهذا طبعا ليس من أصل مفهوم الدين الطبيعي القائم على ثلاثية محددة عابد ومعبود ومنهج رابط مباشر ,بعض الفهم الإنساني للدين يحاول أن يوزع هذه الثلاثية بين أطراف أخرى للبحث عن طرق أما أنها أقرب لفهمه الخاص ,أو أنه بها يسهل عليه التعامل مع الدين ومتطلباته خاصة إذا كانت الشرائط أكثر تعقيدا من قوة الوعي والإدراك عنده .
هنا تكون عبادة الدين كونه كيان منفصل عن الديان وسيلة للكثير من الناس أن يكون موافقا للميل الفطري عند البشر المتحسس لوجود علاقة أزلية وسرمدية بينه وبين رب بعيد لكنه قوي وصاحب سطوة وقدرة لا بد أن يسترضيه بصورة ما أو يحاول أن يتستر عنه كي لا يقع تحت جبروت سطوته , هذه الوسيلة تتمثل في تلبس الدين الذي يظنه كما أسلفنا قدرا لا يمكن تفاديه بصورة منفصلة عن الديان ليس لأنه يريد الابتعاد عنه ولكن لأن الموجود الواقعي يكفي كي يطمئن أنه حاز على رضا الرب وتناول من كأسه المراد ,فهو يتعامل مع الدين واقع ضمن حدود الموجود ومطمئن أن هذا الموجود هو عين ما يريد الرب ,وما عليه إلا أن يتحرك في داخل إطاراته بصور أو أخرى بين التشدد أو الترديد والمهم أن لا يخرج من واقعية الدين الذي نشأ عليه .
أي محاولة لتنبيه المتدين الواقعي بأن الواقع الذي يستمد منه أصول الدين قد يكون غير مطابقا لأصل القضية الدينية سيجابه بردة فعل غاضبة من غالب المتدينين سواء أكان الأعتراض مبني على رؤية حقيقية تؤكد تناقض الواقع مع القضية التي أرادها الديان أو قد تكون دعوة ناتجة عن قراءة مختلفة تتبنى منهج أخر يريد الوصول أيضا بهذه الدعوى لهدف ثان , المشكلة ليست في الدعوى فبالإمكان عادة اختبارها علميا ومع أصل القضية من خبير محايد ومتوافق مع رؤية شمولية تتميز بأصالة البحث عندها يمكن التقرير بصورة أقرب من الأصل ,المشكلة في العقل الديني الذي يظن أن واقعية التدين تؤكد صوابيته وقدرته على أن يكون متمثلا لأصل قضية الدين ومطابقا لها مما يعطيه المعصومية عن النقد ويمنحه الحصانة عن المحاسبة والفحص .
أي محاولة فكرية تربط بين الديان والتدين الواقعي يجب أن تأخذ بعدا طبيعيا يفرز بين العقيدة كوظائف عبادية وطقوس وبين جوهر الحركة التي تبرز واقعية الرحمة ,أي أن المتصدي لهذه المحاولة الكونية أن يضع في خانة البحث العلمي عن دلائل الرحمة ومصاديقها في الظاهر المتعبد دون أن يواجه الطقوس الدينية والحركات الحسية التعبدية لأنها نتاج صورة , متى ما كشف عن زيف صورة الرحمة أو أثبتها أصبح بإمكان الفرد العادي من أن يقارن بين مطابقة المفهوم لما يقوم به من طقوس وعبادات حسية لأصل فكرة الرحمة بعدا وقربا وبالتالي هو المسئول عن تقرير التعديل أو التصويب وهو المسئول عن القرار النهائي فيه .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن