الإجرام المتنقل ما بين بيروت وباريس ..وجهة نظر

رفيق عبد الكريم الخطابي
malakti.ml@gmail.com

2015 / 11 / 20

1 ـ درس بليغ :

الألم الذي يشعر به ، معظم الناس وأحرارهم بالخصوص ، عقب تفجيرات باريس الإرهابية الرهيبة ترك الكثير من الناس العاديين دون قدرة على الكلام. في تجمع حاشد للضحايا ، أجرت صحيفة " لو بوتي جورنال أو الصحيفة الصغيرة: Journal Le Petit" الحديث التالي مع طفل صغير (حوالي الرابعة أو الخامسة من عمره بتقديرنا ) ووالده ، لمعرفة وجهة نظرهما حول الفاجعة ، سنقوم بالترجمة الحرفية لهذا الحوار المعبر جدا انطلاقا من الفيديو المنشور والذي حقق رقم مشاهدة قياسي بعد يوم أو يومين على الحادث الإجرامي الذي هز وسط باريس في 13 نونبر 2015:
ـ سأل الصحفي الطفل : "هل تعرف لماذا فعل هؤلاء الأشخاص هذا الأمر ؟ "
ـ الطفل : " نعم أعرف ، لأنهم أشرار كثيرا لأنهم أشرار جدا ، الأشرار ليسوا طيبين وليسوا ظرفاء كثيرا ، الأشرار ( بعد لحظة صمت قصيرة أضاف الطفل الصغير) يجب علينا الحذر و الانتباه جيدا الآن ، يجب أن نغير منزلنا الآن ."
ـ رد الأب : " لا يوجد داعي للقلق ، إنها فرنسا .. فرنسا بيتنا/منزلنا ."
ـ الطفل :" ولكنهم أشرار يا أبي " .
ـ أجاب الأب : " هناك أشرار في كل مكان ".
ـ الطفل :" إن لديهم مسدسات ..يمكن أن يصوبوها نحونا ، يمكن يطلقوا علينا النار.. إنهم أشرار جدا يا أبي "
ـ الأب : " لا يهم ، هم لديهم المسدسات ، ولكن نحن لدينا الأزهار " .
ـ الطفل :" لكن الورود لا تفعل شيئا ..إنها ل ، إنها ل ، إنها ل .. "
ـ الأب : " أنظر حولنا كل الناس يحملون وردة في ايديهم ، إنها لمواجهة المسدسات " .
ـ التفت الطفل حوله وعلق : " هل الورود ستحمينا ؟!..
ـ أجاب الأب : نعم
ـ الطفل :" والشموع أيضا ؟ "
ـ الأب : الشموع لكي لا ننسى الأشخاص الذين رحلوا ( يعني قتلوا ) .
ـ الطفل :" نحمل الأزهار والشموع كي نحمي أنفسنا "...
ـ الصحفي : " هل أنت بخير الآن صغيري ؟"
ـ الطفل :" نعم ..أنا على ما يرام "
الفيديو على الرابط التالي وقد حقق نسبة مشاهدة على الفيس بوك فاقت مليوني مشاهد في ظرف قياسي : http://www.journaldequebec.com/2015/11/16/video-les-attentats-de-paris-vu-par-un-enfant-et-son-pere
الحوار بين الأب وابنه يدل ويشير إلى وجود خيط رهيف ، وخليط ، ما بين الخوف والأمل ، هو ذات الخيط الفاصل بين الإنسان كإنسان متحضر وبين الإنسان المتوحش ، هو ذات الخيط الذي يجب قطعه للانتقال من واقع نظام رأسمالي مفلس ينتج ويعيد إنتاج التوحش وواقع بديل ينتج الحياة وحاجاتها وقيم الإنسان وطموحاته التي ناضل الإنسان في سبيلها منذ خروجه من مملكة الحيوان ، وهو خليط يختلف عن الخلط الإيديولوجي التضليلي السائد الذي نجده في معظم القراءات حتى السياسية منها ، كما سنشير لاحقا .
أعتقد صادقا أن هذا الحوار القصير بين ذاك الطفل وأبيه يشكل أعمق تناول للأحداث الإرهابية التي هزت باريس وتهز كل أرجاء العالم . الأعمال الإرهابية الموجهة أصلا ضد العمال والفلاحين وكل فئات الشعوب التي تعيش القهر والحرمان وأبنائهم . نعم هناك من ينسى حتى في فرنسا الأنوار أن أطفال سوريا واليمن والعراق وليبيا و كردستان والمغرب ومالي ونيجيريا وتشاد والصومال والبحرين وباكستان وضاحية لبنان الجنوبية ، فيتنام ، كوريا وأكرايينا وغيرهم كثير ، هم أطفال كذلك ، هم بشر كذلك ، هم عشاق حياة في آخر المطاف .
بداية أسجل الملاحظة البسيطة التالية : الذين نفذوا الهجمات والذين سينفذون غيرها ، أستطيع الجزم و بنسبة كبيرة أنهم لم يسبق لهم أن تحاوروا مع آبائهم ، إن وجد لهم آباء ، بتلك الطريقة الحضارية في الحوار المتسمة باحترام وجهات النظر الأخرى وبنفس الهدوء والانفتاح حتى لو كانت صادرة عن طفل صغير جدا ، وأن هؤلاء المجرمون القتلة لم يسبق لهم ان أبدوا برأيهم أو طرحوا أسئلة حول الأوامر التي تصدر لهم منذ صغرهم حتى تفجير أجسادهم أكانت تلك الأوامر صادرة عن أب أو أم أو رسول أو إلاه أو قائد عميل . أعتقد فعليا أن المنفذين المباشرين وهم شباب في مقتبل العمر هم ضحايا بدوهم لنظام إمبريالي مجرم ولأنظمة تبعية لا تقل إجراما دفعت بآبائهم أو بأجدادهم إلى الضفة الأخرى من المتوسط بحثا عن لقمة رغيف قبل أن يكونوا ضحايا لجماعات ضلامية إجرامية هي أدوات بدورها في يد الإمبريالية .

2 ـ للذاكرة :

لم يكد يهدأ الضجيج المفتعل حول الأحداث الإرهابية التي مست " شارلي إيبدو " ، ولم تكد تجف دموع التماسيح التي سكبت على الضحايا ولم نكد ننسى الوجوه البئيسة التي حجت إلى باريس حاملة لافتة مكتوب عليها " أنا شارلي " وسط تظاهرة جمعت أبرز وجوه الإرهاب في العالم من صهاينة وإمبرياليين وشوفينيين متأمزغين قتلة ( قتلة الشهيدين الساسيوي والحسناوي ) وليبراليين مكرسين ومدافعين عن الاستغلال الرأسمالي ( والارهاب والقتل الإمبريالي المصاحب له ) ومتأسلمين كذلك ، وكلهم أجمعوا على أخذ الصور وطبعها بابتسامة عريضة لتتكلف التلفزات وصفحات التواصل الاجتماعي بالباقي ، حتى أتت مناسبة أخرى أو عملية إرهابية أخرى في قلب فرنسا لتشتغل الماكينة الانتهازية من جديد ، وتتشمر الأيدي مجددا رافعة الأقلام الجافة والأعلام الذابلة للتعبير عن فكر العقم . وليبدأ من جديد ضجيج الإعلام المأجور بتكرار الخبر ذاته وبالصيغة ذاتها بما يلقن له من طرف صناع الخبر دوليا .
خبري ( من الخبر) هو هذا الفكر مفتقد للتحليل وكسول جدا فيما يتعلق بالبحث في أصل الظواهر ، سطحي هو هذا الفكر السائد كما الخبر لا يرى سوى قشرة الصورة وإطارها ، عاجز عن الغوص في المسكوت عنه وعما تخفيه الصورة عاجز عن الاستقراء عاجز عن قراءة ما تخفيه الكلمات وما يخفيه الخطاب البرجوازي السائد عاجز عن التحليل ، لذا نرى التكرار يعم الصورة والخبر و المقال ولربما حتى شكل الانفعال.
ليس جديدا أن توظف الإمبريالية جماعات من المرتزقة والمافيات الدموية كي تحارب بها وتقوم بواسطتها بأشد الأعمال الإجرامية فظاعة وقذارة والأمثلة كثيرة أبرزها الكونترا ، فقد سبق أن قامت الإمبريالية بصرف تسعة مليارات دولار لتمويل أنشطة منظمات إرهابية في عهد ريغان عبر وسائط منظمات المجتمع المدني والهيئات الأهلية لنشر الديمقراطية وحقوق الإنسان وتحت عنوان المساعدات الإنسانية بعيدا عن العمل العسكري المباشر ، باعترافات موثقة من جون نيغروبونتي الذي عمل سفيرا للولايات المتحدة في هندوراس في الفترة من 1981 إلى 1985 وهو الذي لعب دورا رئيسيا في دعم وتوجيه مرتزقة الكونترا أو فصائل الموت لإسقاط النظام في نيكاراغوا التي كانت متمركزة في الهوندوراس ، والتي راح ضحية عملياتها في نيكاراغوا 50 ألف مدني ( وهو أمر شبيه بتجميع وتدريب وتمويل فرق الموت الداعشية في تركيا والأردن وغيرهما ) خلال نفس الفترة كان نيغروبونتي يقوم بدور أساسي في إنشاء فرق الموت داخل الجيش الهندوراسي للقيام باغتيالات في صفوف المعارضين للنظام الذي تدعمه واشنطن والذين قتل منهم المئات ( أنظر ، http://www.globalresearch.ca/articles/VAN111A.html)
وليس جديدا على الإمبريالية ان تقوم بشكل مباشر بأشد انواع الإجرام خسة وفظاعة عبر تدخلاتها المتكررة والمستمرة وفي مختلف بقاع الكرة الأرضية ( البلقان ، أكرانيا ، تجويع الشعب اليوناني ، العراق ، ليبيا ، سوريا ، أفغانستان ، باكستان ، حرب الإبادة ضد الشعب الكردي من طرف النظام المتأسلم في تركيا ، مالي ، نيجيريا ، الصومال وغير ذلك كثير كثير من الفضاعات الإمبريالية ) ولا ولن ننسى بالطبع الإجرام والإرهاب الصهيوني في فلسطيننا المحتلة ولو كره المستسلمون.
وليس جديدا أن تقوم الأذرع العسكرية للإمبريالية ( داعش النصرة القاعدة جيش الفتح الجيش الحر..) بعمليات إرهابية غاية في الفضاعة : تصفية أكثر من 140 شخص في بيشاور في باكستان السنة الفارطة بينهم أكثر من 130 طفل قتيل ، أيضا عملية الاحتجاز داخل إحدى الجامعات الكينية والتي راح ضحيتها حوالي 140 طالب وطالبة تفجير مسجد وحسينية في السعودية ، وغير ذلك الكثير الكثير أيضا .
الجديد هو هذه الأوجه الكالحة التي لا ترى الحياة ولا الحق في الحياة ، ولا الطفولة طفولة إلا إن كانت مرتبطة بالجغرافيا الفرنسية او الأمريكية أو الألمانية والإنجليزية ، حتى عندما تحطمت الطائرة الروسية بسيناء والتي قتل فيها تقريبا ضعف العدد الذي قتل في باريس لم تحظ بهذا الزخم الإعلامي المنافق ولا حجم التعاطف ونوعيته ، بل استغلها البعض الانتهازي المنافق والظلامي " كيفما كان عنوانه" لتصفية حساباته الضيقة مع النظام المصري فيما راح الجزء الآخر يدافع عن ذلك النظام ولا حديث عن القاتل ولا عن المقتول . تزامن الحادث الإرهابي الشنيع في باريس مع حادث مماثل في الضاحية الجنوبية من لبنان وقتل أطفال كذلك وضحايا ابرياء كذلك ولم يكن لا حجم التناول ولا التعاطف ولا التعاطي مع الحدث كما يتم مع أحداث باريس . فهل الدم المسكوب في باريس يختلف عن الدم المسكوب في ضاحية بيروت ، أو في العراق الآن وسوريا وليبيا ؟ هل أصبح الحق في الحياة يحدد بالمواقع الجغرافية على هذه الأرض ولم يعد مرتبطا بالإنسان عموما كنوع ؟ وفي هذا السياق وفيه فقط يمكن أن نفهم كلمات جون كيري الدقيقة جدا عندما وصف الحدث الباريزي ب :"الاعتداء على الإنسانية وعلى الناس المحبين للحرية " .
إن البحث إن أراد لنفسه أن يكون بحثا جديا عن الأسباب الفعلية للقتل اليومي المرتبط بالحروب المتنقلة التي تشنها الإمبريالية والمآسي التي تعيشها شعوبنا كل شعوبنا من باريس إلى مالي ومن نيجيريا إلى سوريا والعراق وليبيا وأوكرايينا ومن لندن إلى الرباط والرياض والشعب الأمريكي في مقدمة شعوبنا ، أن نبحث في خطوط النفط والغاز أولا وعن تدفقات الرساميل في ارتباط بتطور صناعة الأسلحة وهو ما نعكف عليه حاليا ، أما البحث عن تفسير لهذه المآسي في نصوص التراث أو كتب الأديان أو الانتماءات العرقية أو حتى تفسيرها بإحصائيات الفقر والبطالة فهو تفسير قاصر وأحادي الجانب في أحسن الأحوال وهو تفسير مقلوب في حقيقته وديماغوجي تضليلي في جوهره ، يجعل الاسباب المساعدة في نمو الظاهرة الإرهابية أسبابا محددة لها. سنتوقف عند إحدى الأمثلة بموقع الحوار المتمدن وهو مثال يمكن تمديده على عشرات المقالات التي يتناول فيها اصحابها الأحداث بنفس المنطق ، كتب الزميل مجدي جورج في مقاله بالعدد 4725 من الحوار المتمدن ما يلي :" في الوقت الذي بدا فيه الارهاب الداعشي يتراجع في كوباني بالأمس وفي الرقة السورية اليوم وفي ما حول الموصل وكركوك بالعراق وبعد الضربة المصرية لداعش ليبيا اول امس وجدنا السيد أوباما يهل علينا بطلعته البهية ملقيا طوق التجاه للدواعش وغطاء اخر لتطرفهم ومضيفا سببا اخرا لتطرفهم والقول بان سبب تطرفهم هو الفقر والعوز والحاجه وعدم الحصول علي فرص عمل مناسبة بالاضافة للديكتاتورية .
والسيد أوباما هنا لم يختلف عن الإسلاميين الذين صدعوا رؤوسنا بالقول بان سبب تطرف الشباب المسلم هو الصراع العربي الاسرائيلي وانه بمجرد ان يتم الوصول لحلول هذا الصراع فان التطرف سينتهي وبعدها قالوا ان سبب التطرف هو الاحتلال الامريكي لأفغانستان وبعدها قالوا ان سبب التطرف هو الاحتلال الامريكي للعراق .
وقد قلنا لهم ان أسباب التطرف كامنة وموجودة في كتب التراث التي بين أيديكم وفي التعاليم التي تتلقونها وفي الثقافة او بمعني ادق في اللاثقافة التي تتثقفون بها ، التطرف نابع منكم وليس له مسببات خارجية .." لقد أخدنا هذا المقطع الطويل بكامله فقط كي نشير إلى وحدة الفكر الناقد مع المنقود ، السيد مجدي جورج يتناول الإرهاب من نفس زاوية النظر التي تناول بها أوباما وكل المتأسلمين الذين ينتقدهم ، ما دامت كل هذه القراءات تفصل الظاهرة عن أسسها المادية الفعلية والمنهج ذاك هو منهج مثالي مئة بالمئة يحصرها تناولا وحلولا في البنية الفوقية بل الأدهى أن تناول أوباما فيه نفحة مادية أي ينطلق على الأقل من الواقع المادي أو المعاش وإن كانت تلك العودة للواقع المعاش ذات دواعي تبريرية استدعاها الموقف السياسي فقط وليس التناول العلمي للظاهرة . الأخطر من كل هذا هو أن عشرات المواقف والمقالات التي تسطر بالحوار المتمدن وغيره من المواقع الإعلامية تعيد إنتاج نفس الخطاب الفاشي بفرنسا لما يعرف " باليمين المتطرف أو الجبهة الوطنية " ومع ذلك يتوهمون او يحاولون إيهام القراء أنهم يحاربون الفاشية المتأسلمة متمثلة في داعش وغيرها !!
فقد كتبت مارين لوبين قبل ظهور نتائج التحقيقي على حائطها الفسبوكي:" الإرهاب الإسلامي : غضب بارد يملأ قلوبنا "
بعد أحداث شارلي إيبدو ظهرت نفس السيدة مع مناصريها في مدينة بوكير وأعادوا التذكير بأن فرنسا ليست إلا للفرنسيين ، ورفعوا لافثة كتب عليها " أنا شارلي ..تحية لضحايا الأرهاب الإسلامي " . وهو منطق ، المتضرر الأول منه هم عمالنا المهاجرون وباقي الجاليات في أوربا ، وهو منطق مخزي وانتهازي عندما يقوم في تناوله لأحداث مرتبطة بأفراد منحدرين من الجاليات العربية او الاسلامية تعمم ممارساتهم على كل أتباع الدين أو العرق ويغيب هذا المنطق التعميمي عندما يتعلق بعمليات لمتصهين أو غيره حيث لا يتم اتهام اليهودية أو المسيحية أو البوذية .إننا نعيد التذكير بأن شن الحرب ضد الله هو خدمة لرجل الدين للفقيه أولا وللعصابات الظلامية أكانت متأسلمة أو متصهينة ..
كل ردود الفعل ، وكل التعليقات والكتابات الغزيرة والتي سنح لي الوقت بالاطلاع عليها ، تتجنب تناول جذور الظاهرة وتحليلها ، مع العلم أن لا علاج لأي مشكل أكان في الطب أو في الفيزياء أو الرياضيات أو السوسيولوجيا في السياسة او غيرها يتطلب التشريح أولا ، يتطلب الفهم العميق للمشكلة ولأسبابها قبل الحديث عن الحلول من قبيل غلق المساجد أو بنائها او تغيير الأئمة ورجال الدين .
المشكل الرئيسي أننا نعيش في ظل نظام إنتاج فقد كل أسباب وجوده ، الرأسمالية في مرحلتها الإمبريالية لا تنتج سوى التدمير والدمار لكل قوى الإنتاج ، نحن نعيش ضمن نظام فقد كل أسباب البقاء ولم يتبق في جعبته ما يضيفه للتطور الإنساني من وجهة نظر تاريخية ، نعيش في ظل نظام يحتضر ، وإن لم يسعى حفاروا قبره لدفن هذه الجثة الرأسمالية العفنة فإنها ستستمر في نشر فيروساتها وتقيحاتها على كامل الكرة الأرضية فتصيب حتى الفكر الإنساني. الإمبريالية تقتات حاليا وبصورة أساسية على تصدير الرساميل لإخضاع الشعوب وتصنيع الأسلحة بعدما تمت هيكلة هذا القطاع الصناعي مع بداية التسعينيات ليتوجه بدوره نحو الربحية كباقي الفروع الأخرى ، تلك الأسلحة التي تنتج بكميات ضخمة تتطلب الاستخدام حتما وإلا ظلت عرضة للتلف في مخازن الدول الامبريالية ، استخدام الأسلحة يعني استثارة وشن الحروب والتدمير . إننا نعيش في ظل نظام قانونه الاقتصادي الأساسي وكما عبر عن ذلك الرفيق ستالين ،انطلاقا من أفكار لينين: " الخطوط الرئيسية ومقتضيات القانون الاقتصادي الأساسي للرأسمالية الحديثة يمكن صياغتها تقريبا على النحو التالي : ضمان أقصى قدر من الربح الرأسمالي عبر الاستغلال ، الخراب وإفقار الغالبية العظمى من السكان في بلد معين ، عبر الاستعباد والنهب المنظم لشعوب البلدان الأخرى ، [...] وأخيرا عبر الحروب وكذلك عبر عسكرة الاقتصاد الوطني المستخدم لضمان أعلى الأرباح " ( ستالين : المشاكل الاقتصادية للاشتراكية في الاتحاد السوفياتي).
هذا النوع من المجتمعات التي تستأثر فيها بضعة عائلات لا تتجاوز نسبتها عدد أصابع اليد على كل خيرات كوكبنا وإنتاج البشر ، في حين تعيش الأغلبية الساحقة من البشر تحت عتبة الفقر والأمية والأمراض بل يموت الناس جوعا وعطشا ، هذا الاستقطاب الحاد ، إظافة للمهدئات أو النماذج التي تقدمها الأنظمة كلها لسبل النجاح من قبيل الاتجار بالمخدرات ولعب كرة القدم والقمار أو بيع اللحم البشري الحي في مواخير البرجوازية وفنادقها ، كل هذه الأمور وغيرها سنعالجها في القادم من الأيام ، إظافة إلى انسداد الآفاق أمام تطور الأفراد والمجموعات وضعف البديل الثوري الماركسي اللينيني أو انحسار تأثيره وهو الوحيد القادر على تبيان درب النجاة بالنسبة للبشرية ، هذه الأسباب وغيرها هي التي تسمح بتمدد كل الطروحات الانغلاقية والهوياتية الشوفينية على مستوى الأفراد كطوق نجاة وهمي وكذا تطور التيارات الظلامية عالميا على مستوى المجموعات .
إن تفسخ نمط الإنتاج الرأسمالي في مرحلته الإمبريالية الراهنة هو أحد مفاتيح التعاطي الجدي مع الأحداث التي تعرفها مجتمعاتنا وهو مفتاح فهم كل أنواع الإجرام الممارس ضد شعوبنا وليست عمليات باريس والضاحية مؤخرا سوى الوجه البادي منه . إن التقتيل والإجرام والإرهاب يمارس بشكل لحظي من طرف الإمبريالية وعملائها من أنظمة التبعية الديكتاتورية الرجعية وكيانها الصهيوني ضد شعوبنا . ولنقرب الصورة نكتفي بإعطاء بضعة أمثلة فقط ومن المغرب تحديدا وكمثال فقط :
ـ في 8 أبريل 2015 تم الإعلان عن منحة بقيمة مليون دولار من طرف المكتب الشريف للفوسفاط بالمغرب لفائدة مؤسسة كلينتون للحضور في اجتماع بمدينة مراكش بين أصحاب القرار في أفريقيا والشرق الأوسط "لاتخاذ الإجراءات " لحل المشاكل " الاجتماعية والاقتصادية " في المنطقة !!!!!؟؟؟
ـ 900 مليون سنتيم تعطى لمارادونا كي يلعب ربع ساعة بمدينة العيون .
ـ شاكيرا وغيرها من ميكروفونات الفن البرجوازي الرجعي تعطى الملايين ضمن أحد مهرجانات الغناء ، مقابل بضعة دقائق من الصراخ وهز الأرداف ، ما دام أغلب الحاضرين لا يفهمون حتى لغة ذلك الغناء .
في الوقت الذي يجلد فيه المعطلون ومنهم دكاترة يوميا في شوارع الرباط ، ويعطى طفل بعد تعرضه لحادثة مدرسية 3000 سنتيم ( أقل من 3 دولار) كتعويض عن الحادثة ، وتلذ نساؤنا أمام المستشفيات و يقتات البشر منا من حاويات القمامة ويموت الشباب وسط أمواج المتوسط بحثا عن غسل للصحون في الضفة الأخرى منه ، وفتياتنا يهاجرن بالآلاف ليبعن أجسادهن في الخليج ..أليس هذا إرهابا منظما من طرف دولة إرهابية . وغير هذا الكثير الكثير من البشاعة والإجرام ، أقلها الحكم بأزيد من قرن على إحدى عشر طالبا و مناضلا فقط لأنهم دافعوا عن حرمة حرمهم الجامعي ودافعوا في الوقت نفسه عن حق أبنائنا في التعليم .
ختاما إن العمليات الإرهابية في كل بقاع المعمور ومهما كانت بشاعة إجرامها ليست سوى إنعكاس لواقع وحشي بشع ناتج عن أزمة إمبريالية خانقة عجزت كل الحلول الترقيعية المعتادة من طرف الإمبرياليين عن الخروج منها .
شخصيا و على عكس المتضامنين الإنتهازيين لا أتضامن مع فرنسا بوجه عام وبشكل ضبابي ، إننا نعلن تضامننا مع فرنسا العمال ، فرنسا المزارعين الفقراء فرنسا الأحياء الشعبية ضدا على فرنسا هولاند ، فرنسا ساركوزي ولوبان ، نتضامن مع فرنسا الكمونة مع فرنسا الثورة وعصر وفكر الأنوار ، ضد فرنسا الإجرام في حق الشعب الجزائري والمغربي وغيرهما وضد جرائمها في مالي وتشاد وليبيا وسوريا والكوت ديفوار وغيرها .
ملاحظة ضمن السياق :
عندما يتعلق الأمر بمجزرة من مجازر الكيان الصهيوني أو بعملية من عمليات إرهابه في حق شعبنا الفلسطيني والشعب اللبناني وغيرهما ، نسمع دائما نفس العبارة الدبلوماسية الحقيرة والمنافقة و التي تدعو إلى إدانة العنف من كل الأطراف أو ضرورة ضبط النفس والابتعاد عن العنف ، في مساواة تامة بين الجلاد والضحية بين الإرهابي والمرهوب ، هذه العبارة المكرورة لا نجد لها أثرا في كل ردود الفعل التي سنتناولها لاحقا ، غابت عن كل المتضامنين الإنتهازيين تلك العبارات التي يفضلونها دون غيرها . غابت عن المتضامنين الإنتهازيين ومنهم متأسلمون إمكانيات التبرير للعملية الإرهابية لأن أسيادهم أدانوها ، كان بإمكانهم دعوت فرنسا الإمبريالية إلى وقف تقطيع لحم شعبنا في ليبيا والعراق وسوريا ومالي وتشاد وساحل العاج وبالأمس في المغرب والجزائر وغيرهما . نعم نحن ندين العملية الإجرامية البشعة في حق ابناء شعبنا الفرنسي بباريس كما في الضاحية الجنوبية من لبنان وفي ذات الوقت نشير إلى اسبابه الفعلية وليس الوهمية ، ندين وندعو ونناضل من اجل بناء مجتمع لا يعتبر إنتاج الأسلحة فيه أساس إقتصاده ، أن لا يكون الربح الهدف الأساسي من العمل والإنتاج عوض إشباع حاجات البشر المادية والمعنوية ، ندين محاولات الإمبريالية لحل أزمتها المستعصية والدائمة بدم وعرق العمال وإبادة شعوب بكاملها ( حرب الإبادة التي تمارس ضد الأكراد في تركيا وضد الإيزيديين والتركمان وكل الشعب العراقي ..) ، ندين إجرام الإمبريالية في تجيير واحتضان وتشجيع جرائم عملائها من أنظمة التبعية وكلب حراستها الكيان الصهيوني ولا نتكلم في تضامننا كما في كل ممارساتنا للصراع الطبقي المحتدم بأكثر من لغة أو لسانين ولا نكيل بمكيالين.
يتبع
رفيق عبد الكريم الخطابي : البيضاء في 15 نونبر 2015



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن