في الصومال الكيل بمكيالين!

خالد حسن يوسف
forsomalia04@gmail.com

2015 / 11 / 20


في 17 نوفمبر 2015 توفي الإعلامي الصومالي أحمد حسن عوكي في مدينة جيجيكا الصومالية الخاضعة لدولة الإثيوبية, حيت كان الراحل في ظل اطار برنامج إعلامي كان يعمل عليه في الإقليم الصومالي.

وقد أظهر خبر وفاة الراحل عوكي تعاطف كبير والترحم عليه في الإعلام الصومالي ومواقع التواصل الاجتماعي, وذلك نابع من تقليد إسلامي يتعاطف عادتا مع المسلم عند وفاته, ناهيك عن الإعجاب بمسيرته الإعلامية الطويلة لاسيما منذ إنضمامه إلى إذاعة مقديشو في عام 1972 كما جاء في الكتابات التي تناولت وفاته.

وجاءت بدايات عمل الإعلامي الراحل عوكي في الصومال مع وزارة الإعلام والثقافة والتراث في ظل حكم ما عرف بالمجلس الأعلى للثورة والذي وصل إلى الحكم عبر إنقلاب 21 أكتوبر 1969 والذي ظلت سلطته تحكم الصومال وصولا إلى يناير 1991.وخلال تلك الفترة مر الصومال بحكم نظام سياسي شمولي تسبب في كم كبير من المأسي والتجاوزات التي تعرض لها المجتمع الصومالي ودولته.

وقد شاركت منظومة سياسية,إدارية,عسكرية,مثقفة وإعلامية في رسوخ ذلك النظام الشمولي وتسخير كل المقدرات الوطنية لصالح استمراره وسيطرته على الدولة والمجتمع الصومالي, وقد كان الإعلامي عوكي من ضمن تلك المنظومة ولعب دور كبير في اطار القطاع الإعلامي لترسيخ دور النظام الحاكم.

وعند النظر لمسيرة الإعلامي الراحل نرى أن دوره لم يكن بالعابر والهامشي في اطار إعلام جمهورية الصومال الديمقراطية من إذاعة وتلفزيون, بل أن أدائه كان كبير رغم أنه موقعه الإعلامي كان مذيعاً مقدما للمادة الإعلامية التي تحدد له لقراءتها ورغم ذلك كان ذلك معداً لتقارير والمواد الإعلامية التي كان يقدمها للمجتمع الصومالي, وبتالي فإنه لم يكن كمجرد ملقن أخبار وتقارير إعلامية, بل كصانع لها, وبطبيعة الحال فذلك لا يعفي مذيعي البرامج من مسؤولية البرامج التي كانوا يقدمونها للأمة الصومالية.

خلال عمل الإعلامي عوكي الرسمي تمت جملة من تجاوزات على الديمقراطية,حقوق الإنسان,المواطنة,و استبداد سياسي,فساد إداري ومالي,حروب أهلية وغير ذلك من تجاوزات وسلبيات تعرض لها المجتمع الصومالي, والسؤال هو أين كان المذكور من كل هذه القضايا؟ هل كان معها؟ أم كان مبررا لتجاهلها؟

واقع الإعلامي عوكي أكد أنه لم يعترض على عدم ديمقراطية النظام السياسي في الصومال وجملة التجاوزات المشار إليها والتي تمت في ظل عمله وأتخذ فيها موقف أن يكون مع السلطة الحاكمة خلال مسيرته الإعلامية الرسمية الطويلة.وقد يقول شخص ما أن موقع عمله كان يفرض عليه تلك المواقف, هي وجهة نظر.

إلى أن دوره لم يكن محصورا في دائرة النظام, بل كان موظفا رسمياً في دولة وبحكم ذلك كان مفترضا ممارسته دور الأداة الإعلامية المعبرة عن قضايا كل السكان الذين كان يفترض أن يعبر عن قضاياهم الوطنية بمعزل عن مواقف وسياسات النظام الحاكم, خاصة وأن الإرادة والموارد كلاهما من حق المجتمع الصومالي الذي تم سلبه قراره وخياراته!

فأين كان موقف وموقع المذكور؟ بطبيعة الحال كان بوقا ًمعبر عن سياسات النظام الحاكم خلال مسيرته الإعلامية الطويلة, وفي اتجاه آخر عبر الإعلامي عوكي عن قضية قومية ألتف الصوماليين حولها وهي تحرير الأراضي الصومالية والتي سيطرت عليها كل من إثيوبيا,فرنسا وكينيا, فالدولة الصومالية التي أنتهت إلى التمزق هي ما تبقى من الوطن الصومالي والذي تم تقاسمه من قبل الاحتلال الأوروبي والأفريقي المجاور, وهذا الموقف ما كان يقدمه الإعلامي عوكي وفي هذا الاطار لا يمكني التغاظي عن موقفه تجاه وحدة الأراضي الصومالية وبما في ذلك وحدة جمهورية الصومال الديمقراطية.

وفي ظل هذا المسار شارك الإعلامي عوكي في جملة من القضايا الصومالية منها كتابة اللغة الصومالية,الحملة اللغوية لتعليم أهالي الأرياف,جهود مكافحة التصحر,ناهيك عن أنه كان يمثل قيمة ثقافية على صعيد عمله الإعلامي الطويل وهو ما أدى إلى إعجاب أجيال من الصوماليين لأدائه المستمر وقدراته الثقافية ولاسيما فيما له صلته بالتراث الصومالي وبما فيها روح الفكاهة المستحبة لصوماليين والتي كان يجيدها بقدر عالي, وفي هذا السياق يستدعي استحضاره لقراءة خبر عن رئيس نقابات الصومال ورسمى محمد علي(Indhool) الكفيف لإحدى المواقع وجاء عنوان الخبر باللغة الصومالية (Warsame indhoola oo soo dhegadhegeeye....) ويقابله ورسمى الكفيف المستمع, وكان المغزى من الاشارة أن المسؤول المذكور مستمع لا يرى بحكم أنه كفيف النظر.وأنتهى الأمر إلى توبيخه وتحذيره لمراعاة طبيعة عمله الرسمي.

وفي نهاية المطاف أنتهى المذكور كمتحدث رسمي لرئيس الجمهورية محمد سياد بري, والذي أقنعه بهذا التكريم هذا إن لم يفرض عليه ذلك, ويأتي هنا سؤال ما الذي وضع الإعلامي أحمد حسن عوكي في خدمة ما عرف بالمجلس الأعلى للثورة و الحزب الاشتراكي الثوري الصومالي وحكم الفرد ممثلا بالرئيس محمد سياد بري؟!

شخصيا أدرك مواقف عوكي والنظام الصومالي و مسيرتهم التاريخية الطويلة والتي لا أتفق مع ما هو سلبي منها, وفي هذا الصدد أطرح على المجتمع الصومالي المغيب والمغلوب على أمره.. سؤال كيف تظهر إعجابك بمن تسببوا في معاناتك طيلة عقدين من الزمن؟!

والمفارقة العجيبة أن الكثيريين من الصوماليين يتعاطفون مع من كانوا وراء تدمير مجتمعهم, وبغض النظر عن مواقف هؤلاء, علينا التسأول عن ما هو مقاييس الصوماليين لتقييم من عملوا ولا زالوا يعملون في ظل الشأن العام؟

سؤالي لماذا إنقسامكم على من تسببوا في عذابتكم؟ من محمد سياد بري,محمد علي سماتر, حسين كلميه أفرح,أحمد سايمان عبدالله,عمر عرتا غالب,محمد إبراهيم ليقيلقتو,عبدالله يوسف أحمد,أحمد محمد محمود(سيلانيو),محمد فارح حسن(عيديد), كقادة سياسيين وعسكريين وغيرهم من رموز في شتى الأصعدة العامة.

وانطلاقا من عامل التقييم والذي أتركه للقارئ بعد تجاوز وجهة نظري الموضوعية, أطرح بدوري تسأول ما هي المقاييس ايجاباً وسلباً لتقييم من العاملين في الحقل العام؟ وفي ظل وجود تزكية واستنكار متابين تجاه مواقف معنيين, فهناك أيضا قائمة من المثقفين ومنهم اللواء محمد إبراهيم ليقليقتو(Liiqliiqato),العميد الشاعر محمد نور شاريعو(Shariico),الشاعر محمد عبدالله سانجوب(Sangub),الإعلامي أحمد حسن عوكي(Cookee), وغيرهم محل جدل غير مجدي تجاه مواقفهم العامة, وانطلاقا من هذا الاختلاف المنطلق من الأهواء عادتاً, فإن واقع التاريخي الصومالي قد أكد أن كل هؤلاء المختلفين عنهم قد وقفوا مواقف ايجابية وسلبية تجاه المواقف الصومالية.

ولكن ما لا يستوعبه الكثيريين هو أن ممارسة الدور الايجابي يمثل واجب عام وفردي, بينما ممارسة السلبيات والتجاوزات تشكل إدانة تاريخية لمرتكبيها و ليس من حق أي أحد كان تمريرها على المجتمع الصومالي المتعدد الأهواء, ونظرا لذلك فعلى الصوماليين أن يتخذوا مواقف واضحة تجاه كل من ساهموا في تدمير وطنهم وبمعزل عن الأهواء والتي تنتهي عادتا إلى إدانتهم بفعل إنقسامتهم السياسية والاجتماعية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن