الكندي: لا اكراه في الدين - والقتل والسلب والسبي

سامي الذيب
sami.aldeeb@yahoo.fr

2015 / 11 / 6

ارجو القارئ الرجوع للمقال الأول للتعريف بالكندي وبالكتاب الذي انقل عنه
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=491022
وهناك ست حلقات حول كتاب الكندي يمكن مشاهدتها من هذا الرابط الموحد
http://www.blog.sami-aldeeb.com/?p=59195
انشر هنا ما كتبه الكندي حول آية "لا اكراه في الدين"
ويبدأ بذكر دعوى محاوره المسلم إلى دخول الإسلام فيبين له تناقض القرآن ومحمد في موضوع الحرية الدينية: من جهة يقول لا اكراه في الدين، ومن جهة اخرى يدعو إلى القتل والسلب والسبي.
.
الكندي: "لا اكراه في الدين" والقتل والسلب والسبي
----------------
ثم قلتَ: "أدعوك إلى سبيل الله الذي هو غزو المخالفين، والكفرة المنافقين، وقتال المشركين ضرباً بالسيف وسلباً وسبياً، حتى يدخلوا في دين الله، ويشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. أو يؤدوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون".
.
فهل أردت أن تدعوني إلى فعل الشيطان، المنزوعة منه الرحمة، الذي إنما أفرغ حسده لآدم وذريته في شرذمة منهم، جعلهم سلاحاً له وأولياء ينقادون لإرادته في القتل والسلب والسبي؟
.
فكيف أجمع بين قولَيْك وبين تباعدهما: "ولْتكنْ منك أمَّةٌ يدْعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون" (آل عمران 104) ثم تكتب: "ليس عليك هُداهم، ولكن الله يَهْدي من يشاء" (بقرة 272) ثم تزيد في هذا شيئاً: "ولو شاء ربك لآمَن مَن في الأرض كلهم جميعاً. أفأنت تُكْرِهُ الناسَ حتى يكونوا مؤمنين، وما كان لنفسٍ أن تؤمن إلا بإذن اللـه" (يونس 99 - 100).
.
أفلا ترى كيف يناقضك هذا القول، ثم تكتب: "قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضلَّ فإنما يضلّ عليها، وما أنا عليكم بوكيل. واتَّبِعْ ما يُوحَى إليك، واصبرْ حتى يحكم اللـه وهو خير الحاكمين " (يونس 108 - 109). ثم تكتب أيضاً في موضع آخر: "ولو شاء ربُّك لجعل الناس أمَّة واحدة، ولا يزالون مختلفين ، إلا مَنْ رحم ربك ولذلك خلقهم" (هود 118، 119). ثم تكتب تأكيداً لهذا القول عن صاحبك أنَّه "بعث بالرحمة للناس كافة" فأي رحمة مع القتل والسبي والسلب؟ أسألك أن تخبرني عن سبل الشيطان، هل هي إلاَّ القتل والسفك والسلب والسبي والسرقة؟
.
فحاشا لله أن يكون هذا سبيله، أو يكون أحد أوليائه قد اقترف شيئاً من هذه المآثم، لأن الله لا يحب عمل المفسدين. وكيف أقول في تناقض هذا الأمر إذ تكتب "لا إكراه في الدين" (البقرة 256) وتزعم أن الله قال: "وقُلْ للذين أُوتوا الكتاب والأميين: أَأَسلَمتم؟ فإن أسلموا فقد اهتدوا، وإن تولوا فإنما عليك البلاغ واللـه بصير بالعباد" (آل عمران 20) وأنت الذي تقول: "ولو شاء اللـه ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات، ولكن اختلفوا. فمنهم من آمن ومنهم من كفر، ولو شاء الله ما اقتتلوا، ولكن الله يفعل ما يريد" (بقرة 254) وأنت تقول "قل يا أيها الكافرون.. لكم دينكم ولي ديني" (الكافرون 1، 6) وتقول "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاَّ بالتي هي أحسن" (عنكبوت 46). ثم أنت تحثّ على قتل الناس ضرباً بالسيف وسلباً وسبياً، حتى يدخلوا في دين الله كَرْهاً وقهراً.
.
فهل آخذ بقولك الأول أم الثاني، فندخل على قولك إنه ناسخ ومنسوخ ؟ لأنك لا تدري أيهما الناسخ ولا أيهما المنسوخ. فلعلَّ الناسخ هو الذي عندك المنسوخ، لا تقدر أن تقيم فيه برهاناً صحيحاً عند من يطالبك بالبرهان الصحيح.
.
فقد خلصنا منك الآن على انك خالفت نفسك، وأبطلت قولك ودحضت حجتك ونقضت شرطك، في انك ادعيت أن صاحبك بعث بالرحمة والرأفة إلى الناس كافة، وأنَّ لا إكراه في الدين، وفي قولك أن تضرب الناس بسيفك وتسلبهم وتسبيهم، حتى يدخلوا في دينك كرهاً، ويقولوا بقولك قسراً، ويشهدوا بشهادتك قهراً.
.
فهل بلغك، يرحمك الله، أو قرأت في شيء من الكتب المنزلة أو غيرها، أن أحداً من الدعاة استجلب الناس إلى مقالته، ودعاهم إلى الإقرار بما جاء به قهراً، وكرهاً، أو ضرباً بالسيف، وتهديداً بالسلب والسبي، غير صاحبك؟
.
فقد عرفت قصة موسى وما أتى به من الآيات المعجبة، وقرأت أقاصيص الأنبياء بعده وما فعلوا. وكان ذلك محققاً وشاهداً لما جاءوا به، أنه من عند الله. وقد هذرت المجوس الأنجاس في ما ادعت وزعمت عن زاردشت، أنه حيث صار إلى جبل سيلان نزل عليه الوحي هناك، فحينئذ دعا كشتاسف الملك، ودعاهم. فأجابوه وأذعنوا له، حيث أراهم بسحره ومخاريقه وتمويهاته، ما هو عندهم آية تمتنع في الطباع. مثل الفَرَس الذي أحياه بعد موته، ومثل ذلك الهذيان أتى به من باب الزمزمة، الذي زعم أنه يشتمل على كل لسان، وجمع فيه كلام أكمل لغة نطق بها الآدميون، وكتبه في أثنى عشر ألف جلد من جلود الجواميس، وسماه زندوستا أي "كتاب الدين". فهم إذا سئلوا عن تفسيره أنكروا معرفته وأقروا بجهله. وكذلك فعل البد بالهند حيث أراهم، زعموا عنقاءَ مغرب وفي بطنها جارية، وهي تهتف بهم وتخبرهم، أن البد صنم، محق في كل ما دعاهم إليه، وخبرهم به. فهذه بعض أخبار المستحسنين وخدعهم.
.
فهل تجد أحداً من الدُّعاة الذين دعوا إلى حقٍ أو باطلٍ، إلاَّ وقد جاء بحجَّة أو دليل صحيح. وفي ميزان المحنة، يتبيّن عند العيان صحَّته من خُبثه. وكذلك فعل كل ذي دعوة بأهل دعوته غير صاحبك. فإنَّا لم نره دعا الناس إلاَّ بالسيف والسلب والسبي والإخراج من الديار، ولم نسمع برجل غيره جاء فقال: من لم يقرّ بنبوَّتي، وأني رسول رب العالمين، ضربته بالسيف، وسلبت بيته، وسبيت ذريته، من غير حجة ولا برهان. فأمَّا المسيح، سيد البشر ومحيي العالم، فيتعالى ذكره ويجل قدره، أن تُذكر دعوته في مثل هذا الموضع. فكيف تدعوني إلى ما دعوتني إليه، وأنا أتلو كلام سيدي يسوع المسيح ليلي ونهاري، وهو شعاري ودثاري، وأسمعه يقول: "تفضلوا على الناس جميعاً وكونوا رحماء، كي تشبهوا أباكم الذي في السماء، فإنه يشرق شمسه على الأبرار والفجّار، ويمطر على الأخيار والأشرار" (قارن متى 5: 43 – 48). فكيف يظن بمثلي، والمسيح يخاطبني بمثل هذه المخاطبة.
.
وقد ربيت في هذه النعمة، ونجحت بهذه البركة، وجرت في أعضائي وفي جسمي مع الدم دماً، وفي عظامي مع المخ مخاً، ونشأت في هذا النجاح والرحمة، ونبت لحمي وشعري عليها. فحاشا أن يقسو قلبي حتى أصير في صورة إبليس العدو القاتل، فأضرب وأقتل أبناء جنسي، وذرية آدم المجبول بيد اللـه، وعلى صورته تعالى. واللـه جلَّت قدرته هو القائل: "لستُ أحب موت الخاطئ، لأنه اليوم في خطاياه وغـداً يتوب، فأقبله كالأب الرحوم". سيما وقد شرَّف الله سبحانه النوع الإنساني بأن كلمته الخالقة تجسَّدت منه واتّحدت به، وأعطته ما لها من الـربوبية والألوهية والسلطان والقدرة، فصارت الملائكة تسجد له وتقدّس اسمه وتسبّح ذكره، كما يسبّح اسم الله وذكره، ولا تفرِّق في ذلك بينهما. ثم زيد نعمة إلى النعمة المتقدمة بأن أعطي الجلوس عن يمين ذي العزة، تشريفاً لذلك الجسد المأخوذ منا الذي هو من ذرية أبينا آدم، فهو مثلنا وأخونا في الطبيعة، وخالقنا وإلهنا باتحاد الكلمة الخالقة به بالحقيقة. ثم دفع إليه جميع السلطان في السماوات والأرض، وخوَّله تدبير الخلائق وصيَّر البعث والنشور والدين إليه، وأن يحكم حكماً نافذاً جائزاً على الملائكة والإنس والشياطين.
.
أفتريد أن أضاد أمر الله وأضربهم بالسيف وأسلبهم وأسبيهم؟ إن هذا لجور على الله عز وجل، وعناد لأمره، وظلم لنعمته، وكفران لإحسانه. وأعوذ بالله من خذلان الله وغضبه.
.
فإن قلت إننا قد نراه يميتهم ويبليهم بالأسقام والأوجاع، فما يمنعك من التشبُّه به؟ فأجيبك أن الله يبتلي ويُميت عباده، لا لأنه يريد الإضرار بهم، أو عن بغضٍ منه لهم، ولو كان الأمر كذلك لما خلقهم، لكن لينقلهم من هذه الدنيا التي هي زائلة غير باقية، وفانية غير دائمة، وناقصة غير تامة، إلى دار الخلود الباقية الدائمة الكاملة. فلا يُقال لمن نقل صاحبه من مدينة وضيعة إلى مدينة رفيعة، أنه أراد بصاحبه سوءاً، بل هو مُحسنٌ متفضِّل أولاً وآخراً. وأما قولك أنه أبلاهم بالأسقام المؤلمة والأوجاع المؤذية، فجوابنا أنه متفضِّلٌ عليهم في الحالتين جميعاً. كالطبيب الماهر المشفق الذي يشفي المريض بالأدوية المرَّة الطعم البشعة الرائحة، وربما كوى بعضهم بالنار وقطع بعض الأعضاء من أجسادهم بالحديد، ويمنعهم عما يشتهون من طعام إشفاقاً عليهم، يريد بذلك صلاحهم وصحة أبدانهم. فإن قلت: كان يمكنه أن يتفضَّل عليهم ويأجرهم من غير أن يعذبهم بالأسقام والأوجاع، قلنا لك: وقد كان أيضاً يمكنه ألا يخلق الدنيا، وكان يخلق الآخرة والجنة، ويُدخل الناس النعيم من غير محنة ولا استحقاق.
.
فهذا كان ممكناً في قدرته لكنه خطا في التدبير، لأن المُتَعَقِّبَ كان يَتَعَقَّبُ فيقول: لم يكن يمكنه أن يخلق إلا خلقاً واحداً، فخلق، عز وجل، هذه الدنيا وجعلها فانية، دار محنة ومتجر. وجعل الناس فيها مسافرين، ينزلونها كما ينزل بنو السبيل الخانات، نزول مبيت، لا نزول إقامة. فينقلون منها إلى دار الإقامة، التي هي الغاية القصوى، ليكون لهم فيها تقرة الخلود. هذا هو الصواب في التدبير. فخلقهم تبارك وتعالى جوداً منه، وأبلاهم بالأسقام والأوجاع، خيرة لهم، في زمان منقطع زائل وحياة مفارقة، ليجزيهم ويأجرهم، تفضلاً منه عليهم، واستحقاقاً من ثوابهم، وإتماما للنعمة عندهم، في تلك الدار التي لا زوال فيها لحياتهم، ولا فناءً لنعيمهم، ولا انقطاع لفرحهم وسرورهم.
.
فإن كان صاحبك هذا، الذي دعوتنا إلى اتِّباعه، يقتلهم بسيفه ويضربهم بسوطه ويسبي زراريهم ويجليهم عن ديارهم، يريد بذلك لهم الخير، لينقلهم مما هم عليه إلى ما هو خير منه. فقد تفضَّل وأحسن وتشبَّه بفعل الله تبارك وتعالى اسمه، ولكنه ما فعل الذي فعله لهذا، ولا خطر بباله ولا فكر فيه، وما أراد إلا نفع نفسه وأصحابه ، وإقامة دولته في العاجل. والدليل على ذلك قوله: "حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون"(التوبة 29). أفلا ترى أنه أراد بلوغ أربه وإنفاذ مرامه وتوطيد سلطته، وهو يقول في كتابه: "قل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم ؟ فإن أسلموا فقد اهتدوا، وإن تولوا فإنما عليك البلاغ، واللـه بصير بالعباد" (آل عمران 20). ألا ترى أنه أُمر أن يقول ويبلغ بلسانه، ونُهي عن القتل والسبي ، فأمعن في هذا الأمر؟
.
انتهى النص
في المقال القادم سوف انقل لكم ما جاء في رد الكندي حول الحج.
.
د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية للقرآن مجانا من هنا http://goo.gl/a6t77b أو ورقيا من موقع امازون http://goo.gl/dEgPU8
كتبي المجانية http://goo.gl/m0lNIK أو http://goo.gl/ZnybpS
حلقاتي في برنامج البط الأسود https://goo.gl/AZoTfn
حلقتي حول ترجمة القرآن الآليات والمشاكل https://goo.gl/2B6DvM



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن