لَبسُ ٱلدليل

سمير إبراهيم خليل حسن
samirhasan2003@hotmail.com

2005 / 10 / 26

هذا ٱلمقال من كتابى ٱلأول "منهاج ٱلعلوم" وفيه بحث فى مسألة تلغو فيها ٱللُّغة ٱلفصحى وكهنوتها وهى تحشر كلمات يلبس دليل كل منها بٱلأخر. بل تكاد تكون ذات دليل واحد من مثل ٱلكلمات (لبس وجلب وثاب وقمص وخَمَرَ). وكان ٱلذين كفروا منذ ٱلبداية ورآء هذا ٱللبس ٱلذى يجعل لسان ٱلعجمىّ يُلبس لسان ٱلعربىّ ويُعمى عن ٱلحقّ فى كتاب ٱللَّه. ونحن نرى فى ٱلقرءان بيانًا يفرق فيه ٱلّسان ٱلأعجمىّ عن ٱلّسان ٱلعربىّ:
"ولقد نَعلَمُ أَنَّهُم يقولونَ إنَّمَا يُعلِّمُهُ بشر لِّسانُ ٱلَّذِى يُلحِدُونَ إليهِ أَعجَمِىّ وهذا لِسَان عَرَبِىّ مُّبِين" 103 ٱلنحل.
ٱلذى يلحدون إليه هو ٱلقس ورقة بن نوفل أو ٱلكاهن بحيرة أو سلمان ٱلفارسىّ. وٱلثلاثة بشر ولسانهم هو لسان بشر. وفى ٱلبلاغ 103 ٱلنحل تفريق بين لسان ٱلبشر (ٱلذى يأتى بقول عن ٱلحق بحدود ما يعلم فيه وهو يعجم عن بقية ما لا يعلم) وبين لسان ٱلوحى (ٱلذى يحمل بيانًا عن جميع ٱلحق فى كلماته ولا يعجم عن شىء منه).
لسان هذا ٱلوحى حمل ٱلصفة عربىّ. وهى ٱلصفة ٱلتى تدل على ٱلكشف وٱلظهور وٱليسر وٱلفصح. وهو لسانُ وحديثُ ٱلرَّسول محمد أوحَـٰٰه له ربُّهُ وأنزله على قلبه. ولسان ٱلوحى عربىّ مُّبين لِّجميع ٱلحقّ.
أمَّا لسان ٱلبشر فلا يُعرب من ٱلحقّ إلا ما علم به منه. وعندما يزعم ٱلبشرُ ٱلعلمَ بجميع ٱلحقّ يَصعُب لِسانه ويُبهم. وتتداخل وتلبس كلماته ببعضها. ويرجس فيه ٱلحق بٱلباطل.
هذا ما دفعنا هنا للبحث فى ٱلكلمات ٱلتى يرجس فيها دليل كلمة "لَبَسَ" فىۤ أعمال ٱلذين لغو فى ٱلقرءان شرحًا وحديثًا وجمعًا للكلام من هنا ومن هناك.
لقد جرت كلمة "لبس" فى ٱلبلاغ ومنه ما يلى:
"ولا تَلبِسُوا ٱلحَقَّ بٱلبٰطل" 42 ٱلبقرة.
"ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَم يَلبِسُوۤا إِيمَٰٰنَهُم بِظُلمٍ" 82 ٱلأنعام.
وما يبينه لنا ٱلبلاغ أن ٱلباطل يتداخل مع ٱلحق ويغطيه. وأن ٱلظلم يتداخل مع ٱلإيمان ويغطيه. ونفهم أن "لبس" يدل على تداخل بين أمرين متناقضين وأن على ٱلإنسان أن يميز بينهما. كما نرىۤ أنّ "لبس" يقوَى على حجبِ أحد ٱلأمرين تاركًا لنا ٱلبحث عنه. أو ٱلإيمان ٱلظنىّ بأحد طرفى ٱلزوجية:
"أو يَلبِسَكُم شِيَعًا ويُذِيقَ بَعضَكُم بَأسَ بَعضٍ" 65 ٱلأنعام.
فهو يلبسنا ٱلفرقة وٱلظن أن كّلاً مِنَّا هو مالك ٱلعلم بٱلحقّ. وأن ٱلأخر لا حقّ عنده. وهذا ٱلظن يولِّد تحاربنا وتخاصمنا وتقاتلنا. ولا يخرج جريان "لبس" فى ٱلبلاغ عن هذا ٱلدليل ٱلجدلى:
"ولباس ٱلتَّقوىٰ ذٰلك خَير" 26 ٱلأعراف.
ونعلم أن "لباس ٱلتَّقوىٰ" يغلب لباس ٱلكفر وٱلعدوان بسبب ٱلوسع فى حركة ٱختيار ٱلقول وٱلفعل. وهو ما تدل عليه كلمة "خير" من ٱلأصل "خَيَرَ".
أما لباس ٱلكفر وٱلعدوان فهو ضيّق على حركة ٱلقول وٱلفعل بسبب ٱلجهل.
"فأَذَٰقَها ٱللَّهُ لِباسَ ٱلجُوعِ وٱلخَوفِ بِمَا كَانُوا يَصنَعُونَ"112 ٱلنحل.
ٱلغالب هو "لباس ٱلجوع وٱلخوف". وٱلفاعل فيه هو "بما كانوا يصنعون". ولو أن صناعتهم سارت فى طريق ٱلتقوى وٱلخير لغلب لباس ٱلوفرة وٱلأمن.
ونرى فى ٱلبلاغ أن نزع ٱللباس يكشف ٱلحقّ:
"يَنزِعُ عَنهُما لِبَاسَهُما لِيُرِيَهُما سَوءَٰتِهِمَاۤ" 27 ٱٰلأعراف.
ٱلفعل "يرى" يجرى فى ٱلقلب وهو من أفعاله وليس من أفعال ٱلعين. ومعرفة ٱلسُّوء تحدث فى ٱلقلب وليس فى ٱلعين. وهذا حدث فكرىّ ينجم عنه حكم على ٱلأعمال. وفهم ما فى ٱلبلاغ لا يبيِّن أن نزع ٱللباس جرى عن جسم فصار عاريًا كما ظن ٱلمفسرون للبلاغ ومن تبعهم. وإنَّ ٱللباس ٱلمنزوع هنا هو ٱلعمى فى ٱلقلب ٱلذى بدأ يرى ويحكم. كماۤ أن كلمة "سوءٰتهما" هى ٱسم جمع لسوءة ومصدرها ٱلفعل ٱلثلاثى "سآء يسوء". وهى لا تدل على ٱلفروج كما جآء عند ٱلسادة ٱلمفسرين ومن سار على طريق قولهم ٱلأعجمىّ. وكلمة سوءة تصغير لكلمة سوء. لأن أعمال ءادم وزوجه لم تأتِ عن علمٍ وعزم. ولم يبدأ ٱلعزم فعله لديهما حتى نزع عنهما لباسهما وبدأ ٱلقلب يرى ويميز بين ٱلأعمال. وهذا ما يبينه ٱلبلاغ:
"ولقد عَهِدناۤۤ إلىٰۤ ءَادَمَ من قَبلُ فَنَسِىَ ولم نَجِد لَهُ عَزمًا"115 طه.
لقد تعلم ءادم "ٱلأسمآءَ كُلَّها" لكنه ما زال فى طور ما قبل ٱلذكر فنسىَ. وهذا يجعل ٱلطور ٱلجنىّ ٱلوحشىّ (ٱلجنىّ نسبة إلى ٱلجنّ وهى قوى خفية فى ٱلإنسان يظهر فعلها عند فقدان ٱلحلم. وهو ما يعرف فى ٱللغة ٱلفصحى لغوًا بٱسم ٱلغريزة) يلبس ٱلعلم بٱلأسمآء. وءادم لا عزم لديه. لأن أبرز أشراط ٱلعزم هو ٱلذكر. وٱلذى ينسى يفقد ٱلعزم. وءادم تعلم "ٱلأسمآءَ كُلَّها" لكنه لم يبدأ تعلم ٱلنظر فى "كيف بدأ ٱلخلق" لهذه ٱلأسمآء. فهو ما زال عند ٱلبداية وٱلاسم عنده هو كينونة كلية ظاهرة لا تفصيل فيها بعد. ونزع لباسه عنه جعله يرىۤ أن فى بعض أعماله سوءة لكنه لا يملك ٱلخبرة فى صناعة ٱلإصلاح. وهذا ما بينه ٱلبلاغ:
"فَبَدَت لَهُمَـا سَـوءَٰتُهُما وَطَفِقَا يَخصِفَانِ عليهما مِن وَرَقِ ٱلجَنَّة"121 طه.
ٱلفعلان "طفق" و"خصف" لم يجر أىّ منهما فى بلاغات ٱلقرءان خارج ٱلبلاغين 121 طه و22 ٱلأعراف. ونفهم أن هذين ٱلفعلين حصريان بمن هو مثل ءادم وزوجه. وبمتابعة فقه دليل كل من ٱلفعلين توصلناۤ إلى ٱلبيان.
فٱلفعل "طفق" يدل على ٱلانطلاق للقيام بأعمال من دون دراية وخبرة فيها ولا فيما ينجم عنها. وهو فعل كل طفل كان قد قام بفعل ثم توجّه ليزيل أثره بعد أن رأى قلبه فيه سوءة. فيقوم بأفعال يأتى بها نقص ٱلدراية وٱلخبرة فتزيد من سوءة فعله ٱلأول. وهو ما يبينه ٱلفعل "خصف" ٱلذى يدل على ٱلأعمال ٱلتى يقوم بها ٱلطفل على عجلٍ من دون دراية وخبرة بما يعمل.
"بدت لهما سوءٰتهما" ٱلفعل "بدت" يدل على ٱلكشف وٱلعرض وٱلحكم. وهذا ٱلفعل يستند إلى ٱلفعل "رأى". وكل من ءادم وزوجه لم يصل إلى طور ٱلخبرة فى ٱلأعمال. فكانت أعمالهما من دون دراية وخبرة. وجآء ٱلفعل "طفق" ليدلنا على ٱلانطلاق فى ٱلعمل يتبعه ٱلفعل "خصف" ليدلنا على ٱلأعمال ٱلناقصة ٱلخبرة وٱلدراية.
ولقد بين لنا ٱلبلاغ وسآئل هذين ٱلفعلين وهى "من ورق ٱلجَنَّة". وٱلورق من ٱلأصل ٱلثلاثى "وَرَقَ" ٱلذى يدلنا على ٱختلاط لونين كٱلأسود وٱلأبيض وٱللبن بٱلمآء. وٱلورقآء هو مكان حُبس عنه ٱلمآء وهو يابس لا نبت فيه. ونفهم من ٱلبلاغ أن أعمال ءادم وزوجه كانت خليطًا بين فعل لازم للعمل وفعل لا لزوم له. فجآء عملهما رمادى ٱللون.
ونرى فى كلمة "ٱلجَنَّة" زيادة فى ٱلبيان. فٱلكلمة من ٱلأصل ٱلثلاثىّ "جَنَّ" ٱلذى يدل على ٱلستر وٱلخفآء وٱلظلمة وغطآء ٱلقلب. وٱلجَنَّة هى قوى ٱلأفعال ٱلجنية ٱلوحشية ٱلخفية ٱلمستورة فى نفس ءادم وزوجه. وكلاهماۤ أقرب إلى ٱلوحش من ٱلإنسان ٱلمفكر ٱلخبير.
لقد خلق ٱللَّه ٱلجن وسوَّـٰه قبل خلق وتسوية ٱلإنس. وهى ٱلقوى فى نفس ٱلوحش ٱلتى تحكم نفوره وسكنه من دون أن يرىۤ أو يدرى بتلك ٱلقوى. وهو ما يعرف فى ٱللغة ٱلفصحى بٱلغريزة. فٱلإنس طور يلى طور ٱلوحش بنفخ ٱلروح. وبه يكسب ٱلتعلم بٱلأسمآء. وبعد أطوار من ٱلتدريب على ٱكتساب ٱلخبرة يبدأ يقلِّم بينها ويكتسب ٱلدراية وٱلخبرة فى ٱلنظر كيف بدأ خلقها. وهذا ٱلاكتساب يُنقص أفعال ٱلجن ولا يزيلها. فٱلإنسان تلبسه قوى ٱلجن عند زوال ٱلعزم فيبدأ "يطفق ويخصف" وتكون وسآئله "من ورق ٱلجَنَّة" فينجم عنها رماد ويابس وحبس للمآء.
لقد جرى ٱلفعل "لبس" فى ٱلقرءان وتبين لنآ أنه غطآء وستر لأحد طرفى جدلية زوجية وكشف للأخر. فٱلجهل يلبس ٱلعقل وٱلعمى يلبس ٱلبصر وٱلوقر يلبس ٱلسمع وٱلباطل يلبس ٱلحقَّ.
أما لباس ٱلجسم فقد جآء عنه فى ٱلبلاغ:
"ولِبَاسُهُم فيها حَرِير" 23 ٱلحج.
"وعلَّمنٰهُ صَنعَةَ لَبُوسٍ لَّكُم لِتُحصِنَكُم مِّن بَأسِكُم" 80 ٱلأنبيآء.
ونرى فى هذين ٱلبلاغين لباسًا للجسم. وهو إماۤ أن يكون ليِّنًا طريًّا دافئًا كٱلحرير. أو يكون حصنًا لأجسامنا فى ٱلقتال كٱلدريئة ٱلحديدية ٱلتى تعرف فى ٱللغة ٱلفصحى بكلمة درع. ولباس ٱلجسم يلبس جسمنا ويواريه ورآءه. سوآء ءَكان حريرًا أم دريئة حديدية.
لقد قال ٱلمفسرون أنَّ "من ورق ٱلجَنَّة" لباس لجسم ءادم وزوجه. وقد رأينآ أنه من وسآئل ٱلفعل "خصف" وهو بيان لأعمالهما ٱلموجهة لإصلاح ٱلسَّوءَة لا لباس لجسميهما.
لقد رأى ءادم وزوجه أن بعض أعمالهما قبيحة وكريهة ومشينة فٱنطلقا من دون دراية وخبرة فى صناعة ٱلإصلاح. فجآءت أعمالهما بقوى ٱلفعل ٱلجنّىّ "ٱلغريزىّ" ٱلتى تخلو من ٱلعزم ٱلذى يعتمد على ٱلذكر وٱلحلم فيه. ومن يعمل بهذا ٱلفعل يدرك أن عمله لم يصلح ويتوصل إلى حكمٍ يدفعه إلى طلب ٱلزيادة فى ٱلعلم ويتوب. وهذا ما نرـٰه فى ٱلبلاغ:
"فتََلقَّىٰۤ ءَادمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٍ فَتَابَ عليه" 37 ٱلبقرة.
"ثُمَّ ٱجتَبَٰهُ ربَّهُ فَتَابَ عليه وَهَدَىٰ" 122 طه.
ٱلفعل "تاب" يدل على طلب ٱلعذر وٱلعهد بٱلتزام موقف جديد صالح يقوم على ٱلعزم ويبعد عن ٱلطفق وٱلخصف ٱلجنيِّين. ونرىۤ أن ٱلفعل "تاب" تلزمه زيادة فى ٱلكلمات. كما تلزمه هداية. وهذا طور جديد من ٱلعلم وٱلمعرفة يلبس ٱلطور ٱلجنىّ. وهو ما يدلنا عليه ٱلفعل "ٱجتبٰه" ٱلذى يدل على ٱلورود وٱلجمع وٱلاصطفآء. ويبين ٱلاصطفآءَ ٱلبلاغُ ٱلتالى:
"إنَّ ٱللَّهَ ٱصطفىٰۤ ءَادمَ" 33 ءال عمران.
وهذا جرى بفعل "تََلقَّىٰۤ ءَادمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰتٍ فَتَابَ عليه". ويبدأ ٱلفعل ٱلإنسانى يلبس أفعال وأعمال ءادم ٱلتى صار ٱلعزم ٱلفاعل فيها. ويبعد ٱلمصطفى عن ٱلفعلين "طفق" و"خصف" وعن وسآئله "من ورق ٱلجَنَّة".
ونرى أنناۤ أمام أعمال طفل صغير لم يبلغ طور ٱلعزم. وما قاله ٱلمفسرون ومن يتبعهم فى ٱلقول أعجمىّ يلبس ٱلبيان. وهم وجدوۤا أن "من ورق ٱلجَنَّة" لباس للفروج. وفهموۤا أنه ورق أشجار وأنها كانت ٱلبداية للباس ٱلجسم.
وحتى يكون قولنا بيّن فى مسألة ٱللباس نتابع فى فقه ٱلكلمات ٱلمتعلقة بلبس ٱلمسألة. ونأخذ ٱلفعل "حَفَظَ" ٱلذى تدلنا عليه ٱلأفعال "حرس وصان وحصن" كما تبينه ٱلبلاغات ٱلتالية:
"وَيَحفَظُوا فُرُوجَهُم" 30 ٱلنور.
"وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ" 31 ٱلنور.
"وهُم علىٰ صَلاتِهِم يُحَافِظُونَ" 92 ٱلأنعام.
"حَٰفِظُوا عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَوٰةِ ٱلوُسطَىٰ" 238 ٱلبقرة.
"وَحِفظًا مِّن كُلِّ شَيطَٰن مَّارِدٍ" 7 ٱلصافات.
"أَرسِلهُ مَعَنَا غَدًا يَرتَع وَيَلعَب وَإِنَّا لَهُ لَحَٰفِظُونَ" 12 يوسف.
"وماۤ أَناْ عليكُم بِحَفِيظٍ" 104 ٱلأنعام.
"قالَ ٱجعَلنِى عَلَى خَزَاۤئِنِ ٱلأرضِ إنِّى حَفِيظ عَليم" 55 يوسف.
"وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلمُنكَرِ وَٱلحَٰفِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ" 112 ٱلتوبة.
"وَإِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا ٱلذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَٰفِظُونَ" 9 ٱلحجر.
"وٱلَّذِين هُم لِفُرُوجِهِم حَٰفِظُونَ" 5 ٱلمؤمنون.
"وجَعَلنَا ٱلسَّمَآءَ سَقفًا مَّحفُوظًا" 32 ٱلأنبيآء.
"فِى لَوحٍ مَّحفُوظ" 22 ٱلبروج.
ونفهم من ٱلبلاغ أن حفظ ٱلفروج يأتى به فعل إرادة وعزم. فٱلمؤمن يحفظ فرجه ويواصب (يواظب فى ٱللغة ٱلفصحى) على حرسه وصونه وحصنه فلا يستعمله إلاّ لإرادة ٱلتوالد بٱلإشتراك مع زوجه. ولا يضرع (ضَرَعَ يدل على ٱلخضوع من بعد ضعف) لأى عارض. ونحن لا نجد فى هذا ما يشير إلى لباس للجسم. فٱلحفظ فعل إرادة ودراية وعلم ووقاية وعزم. ولباس ٱلجسم ليس فيه عزم من ذاته. وٱلإنسان ٱلمؤمن يحفظ فرجه ولو كان عاريًا. وٱلنظر فى ٱلبلاغ يبيّن ٱلعزم لدى ٱلمؤمن:
"قُل لِّلمُؤمِنِينَ يَغُضُّوا مِن أَبصَٰرِهِم وَيَحفَظُوا فُرُوجَهُم ذٰلِكَ أَزكَى لَهُم إنَّ ٱللَّهَ خَبِير بِمَا يَصنَعُونَ"30 ٱلنور.
ٱلفعل "يَغُضُّوا" يدل عليه ٱجتماع ٱلأفعال (لَانَ وخَفَضَ وكَفَّ وحَطَّ) وهو يتوجه إلى قلب ٱلمؤمنين ليفعل فى بصرهم. وٱلفاعل فى ٱلبصر هو ٱلعزم. فٱلذى لا يغضُّ بصرَه لا عزم لديه. ويبقى بصرُه شاخصًا صارمًا. أما ٱلذى يغضُّ بصره فقد ذلّل أفعاله ٱلجنيّة وألبسها بٱلعلم وٱلاتقان وٱلخبرة وٱلحلم وٱلعزم. ولذلك جآء فى ٱلبلاغ "إنَّ ٱللَّهَ خَبِير بِمَا يَصنَعُونَ". وٱلفعل "صنع" يدلنا على ٱتقان أعمال كان صانعها قد ذللها من قبل بما تعلم وكسب.
ونتابع ٱلنظر فى ٱلكلمات ٱلتى تلبس فى ٱلدليل ومنها ٱلفعل "حَصَنَ":
"وَمَريَمَ ٱبنَتَ عِمرَٰنَ ٱلَّتِىۤ أَحصَنَت فَرجَهَا" 12 ٱلتحريم.
"وَظَنُّوۤا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُم حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ" 2 ٱلحشر.
"وَلا تُكرِهُوا فَتَيَٰتِكُم على ٱلبَغآءِ إن أَرَدنَ تَحَصُّنًا" 33 ٱلنور.
"وعلَّمنَٰهُ صَنعَةَ لَبُوسٍ لَّكُم لِتُحصِنَكُم مِّن بَأسِكُم" 80 ٱلأنبيآء.
"لا يُقَٰتِلُونِكُم جَمِيعًا إلاّ فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أو مِن وَرَآءِ جُدُر" 14 ٱلحشر.
ونرىۤ أن ٱلفعل "حَصَنَ" يضم دليل كل من ٱلأفعال (منع ووقى وعفَّ). فٱلتى أحصنت فرجها فتاة بلغت ٱلنكاح ويكثر طالبوهاۤ إن أرادت ذلك. إلآ أنها جعلت بينها وبينهم حصنًا فٱتخذت من ٱلمحراب (ٱلمحراب هو ٱلمخبر كمخابر ٱلفيزيآء وغيرها) إلى جانب معلمها زكريا مقرًّا لها تكتسب فيه ٱلعلم "بكلمٰت ربها". وقد توصلت إلى طلب ٱلرزق فى ٱلمحراب وسعت إليه حتى تحقَّق طلبها. فٱلذىۤ أحصن فرجها هو ٱنصرافها للنظر وٱلبحث وٱلعلم فى ٱلمحراب.
لقد بين ٱلبلاغ أن ٱلحصن منيع يوقى ساكنيه من أعدآئهم. كذلك هى ٱلدريئة ٱلحديدية (ٱلدرع) حصن للجسم عند ٱلقتال من ٱلطعن. ولقد رأينا أن "حصن" فعل يجرى بإرادة ٱلفاعل للامتناع وٱلوقاية وٱلعفة. وهو فعل كل من كان لديه عزم.
وبعد لبس وحفظ وحصن ننظر فى ٱلبلاغ ٱلتالى:
"وَقُل لِّلمُؤمِنَٰتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَٰٰرهِنَّ ويَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ ولا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاّ لِبُعُولَتِهنَّ أَو ءَابآئِهِنَّ أَو ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَو أَبنآئِهِنَّ أو أَبنآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَو إخوَٰنِهِنَّ أَو بَنِىۤ إِخوَٰنِهِنَّ أو بَنِىۤ أَخَوَٰتِهِنَّ أَو نِسَٰآئِهِنَّ أَو مَا مَلَكَت أَيمَٰٰنُهُنَّ أَوِ ٱلتَّٰبعِينَ غَيرِ أُوْلِى ٱلإِربَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفـلِ ٱلَّذينَ لَم يَظهَرُوا عَلَىٰ عَورَٰتِ ٱلنِّسَآءِ وَلا يَضرِبنَ بِأَرجُلِهِنَّ لِيُعلَمَ مَا يُخفينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوۤا إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّـهَ ٱلمُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ" 31 النور.
ونبدأ بٱلأمر "وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ". فإنّ ٱلفعل ضرب يدل على ٱلإعلان وٱلنشر. ومنه ضرب ٱلمثل.
وٱسم "ٱلخُمُر" جمع "خَمرٍ" من ٱلأصل "خَمَرَ" ٱلذى يدل على ٱلمخالطة فى سرٍّ وخفية وغلق ونشر رآئحة طيبة. وهذا ما يحدث عند تخمير سكَّر ٱلفاكهة وتغييره إلى خمر. وهو ٱلذى يعرف فى ٱللغة ٱلفصحى بٱسم ٱلنبيذ أو ٱلكحول. ولا نجد فى ٱلبلاغ جريانًا للفعل إلى "خمار" كما فى ٱللغة ٱلفصحى. ولم يجر ٱستعمالها فى ٱلبلاغ إلاّ بهذا ٱلدليل:
"وَأَنهَٰر مِّن خَمرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّٰرِبِينَ" 15 محمد.
"قالَ أَحَدُهُمَاۤ إِنِّىۤ أَرـٰنِى أَعصِرُ خَمرًا" 36 يوسف.
"يَٰصَٰحِبَىِ ٱلسِّجنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسقِى رَبَّهُ خَمرًا"41 يوسف.
"يَسئَلُونَكَ عَنِ ٱلخَمرِ وٱلمَيسِرِ" 219 ٱلبقرة.
"إنَّمَا ٱلخَمرُ وٱلمَيسِرُ" 90 ٱلماۤئدة.
"إنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيطَٰن أَن يُوقِعَ بَينَكُمُ ٱلعَدَٰوَةَ وٱلبَغضَآءَ فِى ٱلخَمرِ وٱلمَيسِرِ" 91 ٱلمائدة.
لقد دل ٱلبلاغ 15 محمد 36 وٱلبلاغ 41 يوسف أن ٱلخمر شراب. فكيف صار ٱلخمر لباسًا للجسم عند ٱلمفسرين ؟
كما بيَّن ٱلبلاغ 91 ٱلماۤئدة أن ٱلخمر يجعل فكر شاربه ٱلمكثر يرجس ٱلحقّ فى ٱلظن وتغلب ٱلظنون على فكره وتُوقعه فى ٱلعداوة وٱلبغضآء.
وبعد أن علمناۤ أن ٱلخمر شراب وأن ٱسم ٱلجمع له "خُمُر" نرى فى ٱلأمر وٱلتوجيه "وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ" أنَّه لون من ٱلتعقيم للجيوب. ولا نرى فيه لباسًا يغطيها. وٱلمؤمن ٱلذى يعلم ويفقه دليل كلّ من (لبس وحفظ وحصن) يستطيع أن يحفظ فرجه ولو كان عارىَ ٱلجسم. وهو يعلم أن تعقيم ٱلجيوب بٱلخمر يمنع ٱلفطور وٱلجراثيم من ٱلتكاثر ويمنع ٱلمرض. وبنشر ٱلخمر على جيوب ٱلمؤمنة تمنع ٱلأذى عنها وعن زوجها على ٱلسوآء. كما تمنع ٱلأذى عن موطن ٱلجنين وتحمى ٱلنسل من ٱلفساد.
فى هذا ٱلتوجيه حاجة للعقل وٱلفكر وٱلفقه وٱلعلم وٱلدراية وٱلخبرة وٱلاتقان وٱلعزم.
وما نرـٰه فى ٱلنهى "ولا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إلاَّ مَا ظَهَرَ مِنهَا" يزيد ٱلمسألة كشفًا وبيانًا. فإن ٱلفعل "بَدَىَ" يدل على كشفٍ وعرضٍ وحكمٍ علىۤ أمرٍ كان خفيًّا. وٱلبلاغ يبين لنا ٱلدليل:
"وَإِن تُبدُوا مَا فِىۤ أَنفُسِكُم أَو تُخفُوهُ" 284 ٱلبقرة.
فإن ٱلأمر وٱلتوجيه يخاطب مؤمنة لديها قوَّة إدراك ٱلخطاب. كماۤ أنَّ لديها علم بٱلحاجة إلى تعقيم جيبها وإلى ٱستعمال فرجها. وهو زينة غير ظاهرة.
لقد بدأ ٱلأمر بٱلتوجيه لغضِّ ٱلبصر وحفظ ٱلفرج. وهذا مطلوب إدراكه قبل إدراك ٱلأوامر ٱلأخرى. ومنها ضرب ٱلخُمُر على ٱلجيوب. لأن حفظ ٱلفرج يجرى بإرادة وعلم وعزم بعيدًا عن ٱلفعل "طفق" وٱلفعل "خصف" ٱلجنيِّن.
وفى البلاغ 31 ٱلنور تحديد للذكور ٱلذين يمكن للمؤمنة أن تبدى زينتهاۤ أمامهم. وأكثرهم من ٱلمحارم. وما نرـٰه فى ضرب ٱلخُمُر على ٱلجيوب أن حاجة ٱلتعقيم لا تنتظر غياب أىّ من ٱلمعدودين فى ٱلأية. وهذا يجعلنا نرى فى ٱلنهى "وَلا يَضرِبنَ بِأَرجُلِهِنَّ لِيُعلَمَ مَا يُخفينَ مِن زِينَتِهِنَّ" أنَّه نهىّ عن إظهار ما خفى من ٱلزينة. فضرب ٱلأرجل هو إبعادها عن بعضها ليظهر من ٱلزينة ما سُوِّىَ مخفيًّا وهو ٱلفرج.
ويدلنا على هذا ٱلفهم ٱلفعل "لِيُعلَمَ" ٱلذى يدل على حدود ٱلأشيآء فىۤ أبدانها وألوانها وأجزآئها وتقليمها عن بعضها. فٱلمؤمنة ٱلتى تريد تعقيم جيبهاۤ أمام ٱلمعدودين فى ٱلأية 31 ٱلنور يمكنهاۤ أن تفعل ذلك من دون أن تباعد بين رجليها وتظهر ٱلزينة ٱلمخفية فى ٱلجيب وهى فرجها. وكلاهما زينتها ٱلظاهر منها وٱلمخفى.
وفىۤ أخر ٱلتوجيه ٱلطلب "وَتُوبُوۤا إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّـهَ ٱلمُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ" وهو طلب للاعتذار عن مخالفة ٱلتوجيه وٱلتعهد بٱلتزام ٱلموقف ٱلجديد ٱلموافق له وٱلعزم فيه.
ونتابع مسألة لبس ٱلدليل مع كلمة "ثاب" كما جرى فى ٱلبلاغ:
"وَثِيَابَكَ فَطَهِّر" 4 ٱلمدثر.
"فَٱلَّذِين كَفَرُوا قُطِّعَت لَّهُم ثِيَاب مِّن نَّارٍ" 19 ٱلحج.
"هَل ثُوِّبَ ٱلكُفَارُ ما كَانُوا يَفعَلُونَ" 36 ٱلمطففين.
"وٱللَّهُ عِندَهُ حُسنُ ٱلثَّوَابِ" 195 ءال عمران.
"فَأَثَٰبَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّٰتٍ تَجرِى مِن تَحتِهَا ٱلأَنهَُٰٰر" 85 ٱلماۤئدة.
"وَيَلبَسُونَ ثِيَابًا خُضرًا مِّن سُندُسٍ وَإِستَبرَقٍ" 31 ٱلكهف.
"وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ" 58 ٱلنور.
"فَلَيسَ عَلَيهِنَّ جُنَاح أَن يَضَعنَ ثِيَابَهُنَّ" 60 ٱلنور.
"وَإِذ جَعَلنَا ٱلبَيتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وأَمنًا" 125 ٱلبقرة.
ونرىۤ أنَّ دليل "ثاب" يضم دليل كل من ٱلأفعال (جزى وكسا ولبس). وٱلثوب للجسم من هذا ٱلدليل. وهو ٱلذى جآء فى ٱلبلاغ 58 و60 ٱلنور. وهو ٱلبيت كما فى ٱلبلاغ 125 ٱلبقرة. وهو ٱلجزآء كما فى بقية ٱلبلاغات. فٱلجزآء يطابق ما كسبت ٱلنفس:
"لِيَجزِىَ ٱللَّهُ كلَّ نَفسٍ ما كَسَبَت" 51 إبراهيم.
وجزآء ٱلنفس ثوبها ٱلخالد إمّا "ثِيَابًا خُضرًا مِّن سُندُسٍ وَإِستَبرَقٍ" أو "قُطِّعَت لَّهُم ثِيَاب مِّن نَّارٍ". فٱلثوب غطآء للإنسان كٱلبيت. وهو غطآء لجسمه أو بعض جسمه. وغطآء له خالد فى ٱلحياة ٱلأخرة. ولا يوجد فى ٱلبلاغ أى تحديد لهيئة ٱلثوب ٱلذى يلبسه ٱلإنسان (طويل قصير ضيّق واسع أبيض أسود متعدد ٱلألوان) كل هذا متروك من دون تحديد له أو قيد فيه.
أما ٱلثوب ٱلذى هو ٱلبيت فهو محدد فى ٱلأية 125 ٱلبقرة وفيهاۤ أمر باتخاذه "مُصَلَّى". ونجد أنَّ ٱلمفسرين وٱلمحدثين وٱلتابعين لهم يوجهون ٱلناس لتحديد ثوب ٱلجسم ويتركون ٱلبيت من دون تحديد. بل نجدهم يفاخرون بيت اللّه ببيوت حصون ينجم عن صناعتها فساد فى ٱلأرض.
ومن ٱلأفعال ٱلمتعلقة بمسألة لبس ٱلدليل ٱلمعروض فى هذا ٱلبحث ٱلفعل "كَسَوَ". ٱلذى نستنبط دليله من ٱلبلاغ ٱلعربىّ:
"فَكَسَونَا ٱلعِظَٰمَ لَحمًا" 14 ٱلمؤمنون.
"وَٱرزُقُوهُم فِيهَا وَٱكسُوهُم" 5 ٱلنسآء.
"وَعَلَى ٱلمَولُودِ لَهُ رِزقُهُنَّ وَكِسوَتُهُنَّ بٱلمعروف" 233 ٱلبقرة.
وٱلذى نفهمه من ٱلبلاغ 14 ٱلمؤمنون أن ٱلكسوة لباس للجسم يلتصق به ويشدّ عليه. وٱلكسوة ضد ٱلعرى. وهى ٱلحدّ ٱلأدنى من ٱلثياب ٱلتى تحمى من ٱلحرِّ وٱلبرد. ولا يوجد تحديد لهيئتها غير ٱلمعروف ٱلذى يدل على ما يألفه ٱلناس.
ونتابع ٱلنظر فى مسألة لبس ٱلدليل مع ٱلفعل "قَمَصَ" وفى نور ٱلبلاغ ٱلعربىّ:
"وَجَآءُو عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ" 18 يوسف.
"وَٱستَبَقَا ٱلبَابَ وَقَدَّت قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ" 25 يوسف.
"ٱذهَبُوا بِقَمِيصِى هَذا فَأَلقُوهُ عَلَىٰ وَجهِ أَبِى يَأتِ بَصِيرًا" 93 يوسف.
وأول ما نحتاج معرفته أن كلمة "قميص" جرت فى ٱلقرءان فى سورة يوسف من دون بقية ٱلسُّوَرِ. فٱلقميص هو قميص يوسف. وٱلكلمة من ٱلأصل "قمص" ٱلذى يدل على ٱلحركة وٱلنفور وٱلنشاط. وننظر فى ما جآء فى ٱلمعجم ٱلوسيط عن ٱلقميص:
[غلاف القلب، والمشيمة، ولباس رقيق يرتدى تحت السترة غالباً، وتقمَّص في المآء: تقلَّب وانغمس].
إنَّ غلاف ٱلقلب وٱلمشيمة يسمحان للبصر بٱلعبور إلى ٱلوجهة ٱلمقابلة. وهذا ما يعرف بٱلكلمة ٱلعبرية "شفاف" ٱلتى تستعملها ٱللغة ٱلفصحى فى موضع كلمة عربىّ. وٱلفرق بين دليل ٱلكلمتين يوجب ٱلتفريق بينهما. فٱلشفاف يسمح للبصر بٱلعبور. أما ٱلعربى فيسمح بٱلعبور لكل من ٱلبصر وصاحبه ووسآئله.
ٱلقميص لا يعيق حركة ما فى داخله من بصر أو جسم. وقميص يوسف هو ٱلغلاف ٱلجوىّ للأرض (كتابنا "ٱلاستنساخ" بحث "يوسف وإخوته" و"ٱلنشأة ٱلأولى") ٱلذى يظهر للناظر إليه من ٱلخارج ملونًا. وبيّن ٱلبلاغ 93 يوسف أن قميص يوسف إذاۤ ألقى على وجه ٱلكوكب "يأتِ بصيرًا" (كتابنا "ٱلاستنساخ" بحث "ٱلنشأة ٱلأولى") ونفهم أن ٱلقميص لباس يسمح للبصر بٱلعبور. كما يسمح للجسم بٱلحركة داخله من دون عوق.
ويبقى ٱلفعل "جلب" من ٱلكلمات ٱلتى تلبس فى دليل لبس. وننظر فى دليله كما هو فى ٱلبلاغ ٱلعربى:
"وَٱجلِب عَلَيهِم بِخَيلِكَ وَرَجِلِكَ" 64 ٱلإسرآء.
"يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ" 59 ٱلأحزاب.
يدل ٱلفعل "جلب" على ٱلاجتماع على ٱلشىء وتغطيته. ومنه قشرة ٱلجرح ٱلتى تجتمع فوقه وتغطيه وتبقى حتى حصول ٱلشفآء ثم تزول. وٱسمها جلبة.
وما نفهمه أن ٱلجلباب هو غطآء لبعض ٱلجسم ولا يغطيه جميعه. كمآ أنه غطآء موقت كما هى جلبة ٱلجرح.
لقد جآء ٱلأمر لإبليس فى ٱلأية 64 ٱلإسرآء ليجمع على ٱلإنسان ٱلظنَّ ويغطى له ٱلحقّ. وهذا ٱلأمر متعلق بتفكير ٱلإنسان ٱلذى يحكمه جدل (ٱلظن ٱلحقّ). وهذا ٱلجمع ٱلظنىّ يزول بٱلعلم وٱلعزم فيه.
ونفهم أن ٱلجلباب لباس عارض أمام ٱلذين لم تعددهم ٱلأية 31 ٱلنور وكذلك ٱلأية 55 ٱلأحزاب. ولا يوجد تحديد لهيئة ٱلجلباب فى ٱلبلاغ وهو متروك للإنسان وهو ٱلذى يحدده. كما نفهم من ٱلبلاغ 51 ٱلأحزاب أنه لباس يستعمل فى ٱلبيت.
إلى هنا نوصل إلى ٱلقول أن "لبس" فعل جدلى يغطى أحد طرفى ٱلجدلية. ووسآئله هى ٱلثوب وٱلكسوة وٱلقميص وٱلجلباب. أما ٱلخُمُر فليست لباسًا. بل هى شراب "لَّذَّةٍ لِّلشَّٰرِبِينَ" ووسيلة لتعقيم موكّد.
أما ما يسميه ٱلسادة ٱلمفسرون وٱلمحدّثون وٱلفقهآء من رجال ٱلكهنوت ومن يتبعهم من ٱلمفكرين بٱللباس ٱلشرعى فقد جآء به ٱللغو فى ٱلِّسان ٱلعربى ٱلمبين سندًا لطلب ٱلذين كفروا وكذَّبوا بٱلقرءان وقالوا عنه "إن هذآ إلآ أسٰطير ٱلأولين". وقد سخر هؤلآء ٱلسادة من ٱلأمر ٱلموجّه إلىۤ إنسان ٱصطفاه ٱللَّه وتلقى "من ربه كلمٰت فتاب عليه" وحصروا توجُّه ٱللَّه برسالته للناس فى مسألةٍ لا يمكن حفظها وحصنهاۤ إلاّ بعلم وعزم من ٱلمرسَل إليه. وهؤلآء ٱلسادة لا يرون من حاجة للعلم وٱلعزم عند ٱلناس. بل يطلبون منهم أن يتركوا ذلك لهم. وقد وجدوۤا أنَّ ٱلأكثرية تصغى لطلبهم. وقد صنعوا لها "لباسًا شرعيًّا" وهم يتجرون به فى كل ٱلأوقات ويدعون ٱلناس لشرآئه ولبسه ليضمنوا لهم ٱلنجاة من ٱلنار.
ونحن نذكِّر ٱلناس بٱلأمر ٱلتالى:
"ولا تَقفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلم إِنَّ ٱلسَّمعَ وٱلبَصَرَ وٱلفُؤَادَ كُلُّ أُولٰۤئِكَ كَانَ عَنهُ مَسئُولاً" 36 ٱلإسرآء.
كما نذكرهم بٱلبلاغ ٱلتالى:
"يٰبَنِى ءَادَمَ قد أَنزَلنَا عَلَيكُم لِبَاسًا يُوٰرِى سَوءَٰتِكُم" 26 ٱلأعراف.
وماۤ أنزله ٱللَّه علينا هو ٱلقرءان. وفى فقه دليل كلمته ٱلعربية نوارى سوءاتنا. لا بما قاله هؤلآء ٱلسادة ٱلسلف وٱلخلف من أن ٱللَّه أنزل علينا جلبابًا وكسوةً وقميصًا وخمارًا. ولا بزعمهم أن ٱللَّه كلفهم بصناعتها وتحديد هيئتها وبيعها لنا. ونحن نعلم أن ٱلذى نزل هو كتاب. وفيه بيان وهدى وموعظة للناس. ومن يفهم ٱلبيان ويدرك ٱلهدى وٱلموعظة يوارى سوءاته ويسابق إلى ٱلخيرات وٱلبّر. وهذا ليس ثوبًا ولا جلبابًا ولا قميصًا ولا كسوة ولا خمارًا.
وإذا نظرنا إلى ٱلذين ينفقون أموالاً كثيرة ثمنًا للثياب نجدهم أكثر ٱلناس سُوءًا وفسادًا فى ٱلأرض. كما يكشف لنا عن ذلك دليل ٱلفعل "شَجَرَ" ٱلذىۤ أبقينا مسألة ٱلكشف عنه إلى ٱلأن. ودليله يضم دليل ٱلأفعال (نهض ورفع وضرب ونزع وفرع). وٱلشَّجَر جارٍ مع قوى ٱلشَّدِّ (ٱلجاذبية فى ٱللغة ٱلفصحى). وكل ٱلنَّبات ينهض ويرتفع ويضرب وينزع ويفرع فى مشادَّة وشجار مع قوى ٱلشَّدِّ حتى يبقى ساۤئرًا إلىۤ أعلى. وقوى ٱلشَّدِّ تمسك به وتشدُّه إلىۤ أسفل. وهو يشجر ليعلو. وٱلشَّجرة هى كل نبات بدليل ٱلبلاغ:
"وَأَنبَتنَا عَلَيهِ شَجَرَةً مِّن يَقطِينٍ" 146 ٱلصافات.
فكل ٱلنَّبات شجر. وٱلشجر ألوان متعددة. منه قوة شَجره صغيرة كٱليقطين. ومنه قوة شَجره كبيرة كٱلأشجار ٱلخشبية.
لقد جآء ٱلنهى لأدم وزوجه فى ٱلبلاغ:
"وَلا تَقرَبَا هذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ" 35 ٱلبقرة.
ٱلنَّهى يتعلق بسنّة عامة تحكم شجرة ٱلحياة بكل ألوانها. وهى جدلية (موت/ حياة - حياة/ موت). ومخالفة هذه ٱلسّنّة تنشأ من قوى ٱلظن ٱلشّيطانىّ. وهذا ما نرـٰه فى ٱلبلاغ:
"فَوَسوَسَ إِلَيهِ ٱلشَّيطَٰنُ قالَ يٰۤـءَـادمُ هل أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرةِ ٱلخُلدِ وَمُلكٍ لا يَبلَىٰ" 120 طه.
ويعلل ٱلظن ٱلشّيطانىّ سبب ٱلنهى ٱلإلٰهى:
"وقالَ مَا نَهَٰكُمَا رَبُّكُمَا عَن هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّآ أَن تَكُونَا مَلَكَينِ أَو تَكُونَا مِنَ ٱلخَٰلِدِينَ" 20 ٱلأعراف.
ٱلشجرة هى شجرة ٱلملك وٱلخلود. وهذا يخالف ٱلسّنّة ٱلعامّة ٱلتى تحكم شجرة ٱلحياة. ويوقع ٱلمخالف لها فى منهاج ٱلغرور ٱلشّيطانىّ:
"فَدَلَّٰهُمَا بِغُرُورٍ" 22 ٱلأعراف.
ٱلغرور من ٱلأصل "غرَّ" ودليله يضم دليل ٱلأفعال (غفل ونضب وجهل). وهذا ضد ٱلذكر وٱلعلم وٱلدراية وٱلعزم.
ونرىۤ أنَّ منهاج ٱلغرور يدفع صاحبه فى طريق ٱلإسراف بحثًا عن ٱلملك وٱلخلود. وإنَّ سعيه بغروره يجعله يفسد فى ٱلأرض. فيجوب ٱلصخر طلبًا لحجر ٱلبنآء. ويقيم أبنية عظيمة يلحف فى تعظيمها. ويزداد طمعه فيعتدى على ٱلناس يستعبد منهم ٱلذين لا يدركون ٱلسنّة ٱلعامّة فيعبدونه بقوة جهلهم. وهو يسرقهم ويقتلهم ويسخّر كل ما وقع بين يديه لتحقيق ظنه بٱلملك وٱلخلود متشاجرًا مع جدلية (موت/ حياة - حياة/ موت). وهو يريد أن يلغى طرفها "موت" ليحتفظ بٱلطرف "حياة". وبعـد طول ٱلجرى ورآء هذا ٱلسّراب يدرك أنَّه فى غرور. وهذا ما بينه ٱلبلاغ:
"فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَت لَهُمَا سَوءَٰتُهُمَا" 22 ٱلأعراف.
ٱلفعل "ذاق" يضم دليله دليل ٱلأفعال (خبر وجرح وحسَّ ودرك). وبٱلفعل "ذاق" تنكشف أعمال ءادم وزوجه من أجل ٱلملك وٱلخلود ٱلتى جآءت بٱلسَّوءَٰت بفعل منهاج مسرف مغرور. وهذا ما نجده عن المسرفين فى البلاغ:
"وكَذٰلِكَ نَجزِى مَن أَسرَفَ وَلَم يُؤمِن بِـءَـايٰتِ رَبِّه وَلَعَذَابُ ٱلأَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبقَىٰۤ/127/ أَفَلَم يَهدِ لَهُم كَم أَهلَكنَا قَبلَهُم مِنَ ٱلقُرُونِ يَمشُونَ فِى مَسَٰكِنِهِم إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَأَيَٰتٍ لِّأُوْلِى ٱلنُّهَىٰ/128/" طه.
ٱلغرور هو ٱلذى يسوق إلى ٱلإسراف ٱلذى يظهر فى مساكن بقى منهاۤ أثار وكان بناتها يظنون بتحقق ٱلملك وٱلخلود. ونرى من ٱلناس ٱليوم ينفقون أموالاً كثيرة على تلك ٱلأثار ٱلباقية. ومنهم من ينفق بحثًا وعلمًا عن حياة أصحابها. ومنهم من ينفق سعيًا ورآء فخرٍ يظنُّ بٱلنَّسب إلىۤ أولئك ٱلذين تدل أثارهم علىۤ إسرافهم ومنهاجهم ٱلظنى ٱلغرور. وهو ما نفهمه من دليل كلمة "أثار" من ٱلأصل "أَثَـرَ" ٱلذى يدل على ٱلتفضيل للشىء وٱلانصراف لخدمته. وبقيتها تدلنا على ما كان يفضله ٱلسابقون من سعى ورآء ٱلملك وٱلخلد. وهى فى كل مكان تدل على ذلك ٱلإسراف فى بنآء ٱلحصون وٱلبروج وٱلأقواس وٱلأحواض وٱلتماثيل وٱلزينات ٱلمختلفة.
ونجد فى ٱلبلاغ أن أصحاب هذه ٱلأثار كانوا من ٱلمكذبين وٱلمسرفين وٱلظالمين وٱلطغاة. وأن ما بقى من أثارهم هو عبرة للخلف وليس للفخر بهم. وقد جآء فى ٱلبلاغ بيان أسباب بقآئها:
"وَتَركنَا فِيهَاۤ ءَايَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ ٱلعَذَابَ ٱلأَلِيمِ" 37 ٱلذاريات.
ونجد فى سورة ٱلعنكبوت بلاغًا عن أقوام عظيمة ٱلقوة تركت لنا بقية من أعمالها ٱلمسرفة:
"إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰۤ أَهلِ هَٰذِهِ ٱلقَريَةِ رِجزًا مِّنَ ٱلسَّمآءِ بِمَا كَانُوا يَفسُقُونَ/34/ وَلَقَد تَّرَكنَا مِنهَاۤ ءَايَة بَيِّنَةً لِّقَومٍ يَعقِلُونَ/35/ وإلىٰ مَديَنَ أَخَاهُم شُعَيبًا فَقَالَ يَٰقَومِ ٱعبُدُوا ٱللَّهَ وَٱرجُوا ٱليَومَ ٱلأَخِرَ وَلا تَعثَوا فِى ٱلأَرضِ مُفسِدِينَ/36/ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتهُمُ ٱلرَّجفَةُ فَأَصبَحُوا فِى دَارِهِم جَٰثِمِينَ/37/ وَعَادًا وَثَمُودَا وَقَد تَبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَٰٰكِنشهِم وَزيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيطٰنُ أَعمَٰلَهُم فَصَدَّهُم عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَكَانُوا مُستَبصِرِينَ/38/ وَقَٰرُونَ وَفِرعَونَ وهَٰٰمَٰٰنَ وَلَقد جَآءَهُم مُّوسَىٰ بٱلبَيِّنٰتِ فٱستَكبَرُوا فِى ٱلأرضِ وما كانُوا سَٰبِقِينَ/39/ فَكُلًّا أَخَذنَا بِذَنبِهِ فَمِنهًم مَّن أَرسَلنا عَلَيهِ حَاصِبًا ومِنهُم مَّن أَخَذَتهُ ٱلصَّيحَةُ ومِنهُم مَّن خَسَفنَا بِهِ ٱلأرضَ ومِنهُم مَّن أَغرَقنا وما كانَ ٱللَّهُ لِيَظلِمَهُم ولكن كانوا أنفُسَهُم يَظلِمُونَ/40/ مَثَلُ ٱلَّذين ٱتَّخذوا من دون ٱللَّهِ أَولِيَآءَ كَمَثلِ ٱلعَنكَبُوتِ ٱتَّخذت بيتًا وإنَّ أَوهَنَ ٱلبُيُوتِ لَبَيتُ ٱلعنكبوت لو كانوا يَعلَمُونَ/41/ إنَّ ٱللَّهَ يعلمُ ما يَدعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَىءٍ وهُوَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ/42/ وتلكَ ٱلأَمثَٰلُ نَضرِبُها لِلنَّاسِ وما يَعقِلُهاۤ إلاّ ٱلعَٰلِمُونَ/43/" ٱلعنكبوت.
لقد كان هؤلآء أقويآء "وَكَانُوا مُستَبصِرِينَ" فهم يملكون وسآئل ٱلعلم ٱلتى تجعلهم يستكبرون فى ٱلأرض. كما نرى ٱليوم فى ٱلولايات ٱلمتحدة الأمريكية وبعض دول أوربا وبعض دول أسيا. وقد "زيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيطٰنُ أَعمَٰلَهُم" وجميعهم مستبصرون. وأعمالهم تفسد فى ٱلأرض وهم يعلمون بذلك ٱلفساد. ويعلمون عنه وعن خطره ٱلقادم عليهم وعلى ما بنوه من قوة تدمير وهلاك. وبيوتهم مهما عظمت فهى واهنة كبيت ٱلعنكبوت.
لقد أعلن هؤلآء عن قدودٍ (قدّ يضم دليله ٱلأفعال (شقِّ ومزق وفرق) بدلاً من ثقب ٱلذى يدل على ٱلتوهج وٱلاضآءة) فى قميص ٱلأرض "ثقوب ٱلأوزون" وكان ٱلبلاغ قد بيّن أنَّ ٱلسِّباق على ٱلملك وٱلخلد يفعل ذلك:
"وٱستَبَقَا ٱلبابَ وقَدَّت قَمِيصَهُ مِن دُبُـرٍ" 25 يوسف.
إنَّ قميص يوسف هو قميص ٱلأرض. وقدّه جآء من ٱلسباق على ٱمتلاك ٱلقوة ٱلنووية وأعمال ٱلتفجير وما يتبعه من صناعة ٱلقوة وٱلاستكبار فى ٱلأرض. وقد جآء فى ٱلبلاغ أنَّ ٱلسمآء ٱلدنيا وهى قميص يوسف قد جعلها ٱلرب لتحفظ ٱلأرض من رجم ٱلصخور ٱلتى تسبح فى ٱلفضآء من دون أن يكون لها فلك يقيّد سباحتها:
"وحِفظًا مِّن كُلِّ شَيطَٰنٍ مَّارِدٍ" 7 ٱلصافات.
"وزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنيا بِمَصَٰٰبِيحَ وحِفظًا ذلك تقدير ٱلعزيز ٱلعليم" 12 فصلت.
"وجَعَلنا ٱلسَّمَآءَ سَقفًا مَّحفُوظًا وهُم عَن ءَايَٰتِها مُعرِضُونَ" 32 ٱلأنبيآء.
لقد ٱكتشفوا هذه ٱلقدود فى ٱلسمآء ٱلدنيا. وأعلنوا عن ذلك وعن أسبابها. ومع ذلك هم ماضون فىۤ أعمالهم ٱلمفسدة.
لقد بيّن ٱلبلاغ أن أصحاب ٱلأثار ٱلباقية قد أهلكتهم أعمالهم. فمنهم أهلكته عاصفة شديدة قد يكون مولدها سقوط صخر سماوىّ عبر أحد هذه ٱلقدود. أو تفجير نووىّ كبير يولد ريحًا شديدة تحمل ٱلحصى وٱلتراب بقوة شديدة مدمرة تحطم كل شىء فى طريقها. ومنهم أهلكه ٱلصوت ٱلذى يصدر عن تفجير عظيم. ومنهم من خسفت به ٱلأرض وبلعت ما فوقها. ومنهم هلك غرقًا بٱلمآء. وكل هذه ٱلقوى ٱلمهلكة ولدها فساد ٱلأعمال فى ٱلأرض ٱلـذى جآء به ٱلظَّنُّ ٱلشّيطانىّ وٱلغرور ومخالفة ٱلنَّهى:
"ولا تَقرَبَا هٰذه ٱلشَّجَرَةَ فتََكُونا مِنَ ٱلظَّٰٰلِمِينَ" 35 ٱلبقرة.
إن رجال ٱلسلطة وٱلملإ فى ٱلدول ٱلكبرى يبنون بيوت ٱلصناعة ٱلمفسـدة فى ٱلأرض. وينشـرون فى بلادهم وأماكن ٱختبارهم ٱلفساد فى ٱلحرث وٱلنسل. فتتولد ٱلأوقاذ ٱلخبيثة (وَقَذَ مرض وقارب ٱلموت) وينشأ عنها ٱتقان لصناعة ٱلوقاية وٱلبرء منها. وهذا يزيد من توالد ٱلأوقاذ.
ونجد رجال ٱلسلطة وٱلملإ فى دول ٱلمؤتفكات (ٱلمؤتفكات هى ٱلدول ٱلتى تنفعل من قول وفعل ٱلدول ٱلكبرى وتسيِّغ أفعالها وأقوالها بمنهاج ٱلجهل وٱلضلال وٱلظن وٱلكذب وٱلخرص وٱلفسق. وهذا سببه ٱلسهو وٱلكفر ٱلذى تحيا فيه حياة ضنكا وهى حياة ٱلقردة وٱلخنازير) يساعدون فى صنع ٱلفساد فى ديارهم بنقل نفايات صناعة ٱلفساد إليها وبها يفسدون فى حرثها وفى نسلها.
إن ٱلمذكورين فى سورة ٱلعنكبوت ليسوا بداۤئيين فى ٱلعلم وٱلقوة كما يُظنُّ. وٱلبلاغ يبيِّنُ لنا ذلك:
"أَوَلَم يَسِيرُوا فِى ٱلأرضِ فَيَنظُرُوا كَيفَ كانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذين مِن قَبلِهِم كانوا أَشَدَّ مِنهُم قُوَّةً وأَثَارُوا ٱلأرضَ وعَمَرُوهاۤ أَكثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا" 9 ٱلروم.
"أَوَلَم يَسِيرُوا فِى ٱلأرضِ فَيَنظُرُوا كَيفَ كانَ عَٰقِبةُ ٱلَّذين كانوا مِن قَبلِهِم كانوا هُم أَشَدَّ مِنهم قُوَّةً وءَاثَارًا فِى ٱلأرض فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِم وما كان لَهضم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ" 21 غافر.
كانوا أشدآء أقويآء وأثارهم ٱلباقية تدلنا على قوتهم. وقوة ٱلمستكبرين ٱليوم ليست أعظم من قوتهم. ولا بيوتهم أحصن. وقد بيّن ٱلبلاغ أن بيوتهم مثل بيت ٱلعنكبوت.
ولعل أقويآء ٱليوم يتعظون من ٱلبلاغ:
"ثُمَّ جَعَلنٰكُم خَلَٰۤئِفَ فِى ٱلأرضِ مٍن بعدِهِم لِنَنظُرَ كَيفَ تَعمَلُون" 14 يونس.
لقد ٱقتربنا نحن من هذه ٱلشجرة. فهل من سبيل إلى عودة عن ٱلفساد فى ٱلأرض ؟
"عَسَىٰ رَبُّكُم أَن يَرحَمَكُم وإِن عُدتُّم عُدنَا وجَعَلنا جَهَنَّمَ لِلكٰفِرِينَ حَصِيرًا" 8 ٱلاسرآء.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن