الصفر العربي

محمد ابداح
Mohamadibdah1970@yahoo.com

2015 / 10 / 16

الصفر العربي
يعد الصفر رقما عجيباً ، فهو لاقيمة له بذاته ، غير ان أهميته تكمن في تأثيره على كافة العمليات الحسابية في أي حقل من حقول المعرفة ، ويتمثل دور الصفر تماماً كما تحدث عنه الخوارزمي قائلاً (( في عمليات الجمع والطرح إن لم يكن هناك باق تضع (صفرا) ولا تترك المكان خاليا حتى لا يحدث لبس بين خانة الآحاد وخانة العشرات )) ، ويوضح الخوارزمي أيضا قيمة الصفر وأهميته في تغيير الرقم من خلال قوله (( يجب أن يكون الصفر عن يمين الرقم لا عن يساره ،لأنه في حاله وجوده إلى اليسار لا يغير من قيمته)).
وكأني بحال العرب قديماً وحديثاً ( باستثناء العصر الأموي والعباسي) ، يُمثلون هذا الرقم العجيب ( أي الصفر ) ، ففي كافة العمليات الحسابية السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية ، للدول العظمى على مر التاريخ ، منذ زمن الامبراطورية الرومانية والفارسية ، وصولاً إلى عصرنا الحالي ، فإنه إذا لم يكن ثمة باقٍ من ناتج العمليات الحسابية سابقة الذكر فيجب ان يوضع ( العرب ) ، فلايُترك المكان خالياً ، كيلا يحدث أي لبس ، بين خانات الدول العظمى وصاحبة النفوذ.
غير أن الخوارزمي قد أوضح جلياً أهمية وقيمة الصفر ( العرب ) حين يتم وضعه على يمين المعادلة ، فعلى سبيل المثال حين أطيح بالرئيس المصري السابق ( حسني مبارك ) ، أصبح المكان خالياً من الأصفار ، فحدث لبس ، باعتبار أن خليفته ( محمد مرسي ) ، لا يُعد صفراً ، وإنما رقماً صحيحاً يُرجّحُ كفة أيّ جهة يميلُ إليها ، بخلاف الصفر، فهو يرجح كفة جهة واحدة فقط ، فكان لابد من أن يأتي ( السيسي )، وهكذا عاد الصفر العربي لمكانه الطبيعي ، وفي ذات السياق يأتي التدخل الروسي العسكري في سوريا ، بهدف حماية الصفر العربي ( بشار الأسد ) ، وإبقاءها في يمين المعادلة السياسية ، كيلا يحدث لبس في حسابات الآحاد والعشرات الدولية .
غير أن الأعجب من ذلك كله ، هو صفر المثقفين العرب ، فهو رقم لا يُستهان به على الإطلاق ، حيث يُمْكِنُ اعتباره أكبر صفر في تاريخ الإنسانية، فإذا كانت الثقافة العربية تعاني من أزمة إخفاق حضاري ، فإن المثقفين العرب هم أدواتها.
وبالعودة لتاريخ الإنسانية ، فإن إي مشروع فكري ونهضوي وحضاري يخلو من القيم الانسانية الحقيقية وليست الصورية ، كالعدالة والمساواة وقائمة الحقوق الطويلة ، يتخذ من حقوق الإنسان محوراً وليس جسراً ، فهو بلا ريب مشروع محكوم عليه بالفشل .
إن مانراه من تسيّد للثقافة الغربية المعاصرة للمشهد الدولي ، ليس إلاّ نتيجة لما أفرزته من قيمٍ شكلت انتصارات لحقوق الإنسان وخصوصا فيما يتعلق بحق الحياة الكريمة والتنقل والعمل والتعليم والصحة وحرية الرأي ، والتداول السلمي للسلطة ، وفي مواجهة الاستبداد والقمع .
إن من أهم أسباب الإخفاق الثقافي العربي هو ارتباط المثقف العربي برؤيةٍ باطنها سياسي وظاهرها ديني مزيّف ، بهدف تمرير مشاريع سلطوية وليست نهضوية، والنتيجة هي تحول المثقف العربي إلى أداة من أدوات السلطة.
وعليه فحتى لايبقى العرب مجرد صفراً يملأ فراغات المعادلات السياسية الدولية فعلى المثقف العربي أن يعلم بأنه وعلى الرغم من أهمية المصلحة القومية عنده ، إلا أن دوره في الدفاع عن القيم الإنسانية التي تعتبر في فكر المثقف الحقيقي مقدسات ثابتة ، أهم من تمجيد زعيم الدولة ، حينها فقط سيخرج العرب من مجرد كونهم صفراً في كافة المعادلات الدولية.
محمد ابداح



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن