رأي في الموقف الروسي من المأساة السورية

نصر اليوسف
nalyusef@gmail.com

2015 / 9 / 24

شهدت الأيام الأخيرة تغـيّراً ملوحظاً في الموقف الروسي مما يجري في سورية. ذلك أن روسيا ظلت ـ طيلة السنوات الأربع والنصف الماضية ـ تفضل أن تقود عن بُعد "الحلفَ" المكون من إيران والنظام السوري وحزب الله، فتمدّه بما يحتاجه من أسلحة، وتزوده بمعلومات استخباراتية، وتؤمن له الحماية "القانونية" عبر استخدامها الـ"فيتو". لكنها ـ في الآونة الأخيرة ـ وجدت أن هذا الحلف في تقهقر مستمر، فقررت التدخل المباشر قبل أن تدخل أمورُ حلفائها في منعطف لا رجعة منه.
اجتهد المحللون والمراقبون في تفسير الموقف الروسي، وذكروا في تحليلاتهم وتفسيراتهم: العلاقات التاريخية بين روسيا وسورية، والقاعدة البحرية في طرطوس، والتنافس التقليدي بين روسيا والغرب، وذهب البعض إلى الحديث عن حب متبادل بين بوتين وبشار، وما إلى ذلك.
وأود في ما يلي أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع مستنداً إلى معايشة طويلة مع الروس.
قـلّما تجد روسيّاً لا يمتلك في أعماقه نزعة امبراطورية. وهذا أمر طبيعي وغير مستغرب إذا عرفنا أن عشرات الأجيال من الروس ولِدوا وترعرعوا في "امبراطورية" مترامية الأطراف، تتحكم بمئات الأعراق والقوميات والشعوب.
في بداية تسعينيات القرن الماضي، شعر الروس بالمرارة عندما وجدوا أنفسهم مضطرين للانسحاب من أوروبا الشرقية، ولِمنْحِ الكثير من "محمياتهم" الاستقلالَ التام. وكانت خيبة أملهم كبيرة جداً عندما لم يحصلوا على شيء من الغرب مقابل هذه "المكرمات". والأدهى من ذلك ـ بالنسبة للروس ـ أن النزعة الانفصالية وصلت إلى "أقاليم" يعتبرونها جزءاً لا يتجزأ من بلدهم.
مشاعر المرارة وخيبة الآمال هذه أدت إلى استقالة عراب الانفتاح على الغرب ـ بوريس يلتسين، وصعود نجم المتشدد ـ فلاديمير بوتين.
منذ بداية تسلمه مقاليد السلطة في روسيا، تعامل بوتين بقسوة مع الانفصاليين الشيشان، فقمع حركتهم، وعمل على احتواء ما أمكن من الجمهوريات السوفيتية، التي ابتعدت عن روسيا خلال فترة حكم يلتسين، فنجح في أماكن وفشل في أخرى. واشتغل على إنعاش العلاقات مع الدول التي كانت حليفة للاتحاد السوفييتي.
تجدر الإشارة إلى أن الحظ لعب دورا كبيراً في إنجاح مساعي بوتين. ذلك أن أسعار النفط والغاز حققت قفزات متتالية منذ صعود بوتين إلى سدة الحكم في مطلع الألفية الميلادية الثالثة. وهذا ما وفـّر له الأموال اللازمة لتحديث القوات المسلحة، وللتحرك بثقة وثبات على الساحة السوفييتية السابقة، وللمناورة في الساحة الدولية. فقد تمكن من إفشال ما يسمى بـ "الثورات الملونة" في قرغيزستان وأوكرانيا وجورجيا، ومن احتواء أوزبيكستان وكازاخستان وطاجيكستان وبيلوروس وأرمينيا. كما تمكن من إقامة تحالفات عابرة للقارات مع الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وإيران وفنزويلا.
أثبتت تجارب السنوات التي أعقبت تفكك الاتحاد السوفييتي أنّ كل تغـيـّر يطرأ على نظام الحكم في أية دولة كانت محسوبة على الاتحاد السوفييتي، يؤدي بالضرورة إلى فتور علاقتها مع روسيا. وهذا ما يعرقل تنفيذ مشروع بوتين؛ الهادف إلى استعادة روسيا لدورها الفعال على الساحة الدولية.
على صعيد موازٍ، يختزن الإدراك الجمعي الروسي فكرة مفادها أن الإسلام السني يمثل خطراً على روسياً. حيث أن الامبراطورية الروسية ـ السوفيتية دفعت ثمنا باهظاً في مواجهة المسلمين السنة الأفغان، ثم تكبدت روسيا الجديدة خسائر فادحة في مواجهة المسلمين السنة في الشيشان، وتكتشف المخابرات الروسية الكثير من الخلايا التابعة لتنظيمات إسلامية سنية، تنشط في أراضيها أو على أراضي محميّاتها في آسيا الوسطى.
ولاحظ الروس كيف تغول تنظيم القاعدة السني في العراق بعد سقوط نظام حليفهم صدام حسين، وكيف ازدهرت التنظيمات الإسلامية السنية المتطرفة في ليبيا بعد سقوط نظام حليفهم معمر القذافي. ولهذا تجدهم يخافون من صعود تنظيم سني إلى سدة الحكم في سورية. وهو أمر قاله بصريح العبارة وزير الخارجية الروسي سرغي لافروف.
وبعد هذا العرض، نستطيع أن نلخص تفسير الموقف الروسي المناهض للشعب السوري بما يلي:
أولاً ـ هناك رغبة حقيقية لدى الرئيس فلاديمير بوتين وفريقه في استعادة دور روسيا كدولة عظمى. ولقد منحتهم الأقدار فرصة مواتية، متمثلة في عاملين اثنين:
آـ الثورة السورية، التي كان الجميع يدرك أنها ستكون دامية وطويلة الأمد، لأنها اندلعت ضد عصابة عائلية ـ طائفية لا نظير لها في الهمجية والإجرام.
ب ـ وجود رئيس "مُسالم" "مهادن" في الولايات المتحدة، التي تقود العالم الغربي.
ثانيا ـ حذر الروس، أو خوفهم، أو حتى ـ عداؤهم للاسلام السني، الذي لهم معه صولات وجولات مضمخة بذكريات غير سارة البتة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن