تحرر النساء في الثورة الروسية – ال”جينوتديل” مثالاً

أشرف عمر
ashraf.omar86@gmail.com

2017 / 2 / 23

ترجمة أشرف عمر الناشر وحدة الترجمة – مركز الدراسات الاشتراكية


* بقلم: جوديث أور

حينما أضربت العاملات عن العمل في اليوم العالمي للمرأة في بتروجراد في روسيا، عام 1917، تجاهلن نصيحة قيادات الحزب البلشفي بـ”التهدئة”.

لكن بمجرد أن نزلن إلى الشارع، هرع البلاشفة على الفور للانخراط معهن في النضال. وصف ليون تروتسكي ما جرى لاحقاً، فكتب: “مضى يوم المرأة بنجاح، وبحماس شديد، بدون ضحايا. لم يكن أحدٌ يتخيل ما خبأه لنا مع حلول الليل”، إذ دشّنت تحركات ذلك اليوم الثورة الروسية التي غيّرت حياة الملايين.

كانت روسيا قد شهدت ثورة من قبل في العام 1905. كانت النساء الروسيات على رأس النضالات، انتزعن مكاسب كثيرة، لكن هُزمن في النهاية. الكثير منهم انضممن إلى البلاشفة لينخرطن في الأعمال السرية الخطرة خلال سنوات القمع التي تلت الهزيمة.

حينما اندلعت ثورة فبراير 1917 لتنهي قروناً من الحكم القيصري في روسيا، قادت النساء الطريق، هؤلاء النسوة اللاتي عانين العبودية الوحشية من قبل. عملن في المصانع منذ الصغر، الكثير منهن بدأن العمل في سن الـ 12. في الكثير من العائلات الفلاحية، كانت العائلة، في احتفالات الزواج، تهدي الزوج سوطاً يعلّقه على سرير الزوجية ليضمن إطاعة الزوجة له.

في ظل التخلف الاقتصادي والسياسي الشديد للمجتمع الروسي، استولى العمال على السلطة في أكتوبر 1917، وفعّلوا قرارات لتشريع حقوق المرأة لا تضاهيها قرارات أية حكومة اليوم. كانت الحكومة الثورية الجديدة هي الأولى في تشريع حق الإجهاض، كما أصدرت القرارات التي تؤسس لحق المرأة في التصويت، وإجازات الوضع مدفوعة الأجر، ومسئولية الحكومة عن رعاية الأطفال. أما الأعباء التقليدية لعمل المرأة، فقد تحملتها الحضانات العامة والمطاعم المفتوحة والمغاسل العامة. الحياة الجنسية صار يُنظر إليها باعتبارها أمر خاص وشخصي تماماً، كما أُلغيت القوانين التي تُجرِّم المثلية الجنسية.

لكن لينين والقيادات البلشفيات أدركوا أن إعلان حقوق رسمية وشرعية جديدة ليس كافياً على الإطلاق. كان هناك احتياج ملح لجهود خاصة لضمان تحرر المرأة من التراث المروّع لأجيال من الاضطهاد.

في 1918، حضرت حوالي ألف امرأة، أغلبهن عاملات، مؤتمر النساء العاملات لعامة روسية. أحد المؤلفين وصف المشهد كما يلي: “صفوفٌ متنوعة من النساء المتشحات بالأحمر.. مرتدين ملابساً محلية ملوّنة، أو معاطف عسكرية ثقيلة”. كانت أليكساندرا كولونتاي من بين المتحدثين على المنصة، وقد تحدثت عن العائلة والدولة الشيوعية. إلى جانبها كان لينين، الذي استُقبِلَ باحتفاء شديد اضطره للنظر إلى ساعته للإشارة إلى المندوبات الحاضرات كي يكفن عن التصفيق لإتاحة الوقت ليقول كلمته.

ومن أجل الوصول لملايين النساء عبر روسيا، أنشأ البلاشفة إدارة خاصة بالعمل بين النساء عُرفت بأوائل حروف كلماتها (Zhenotdel – جينوتديل، وتعني بالروسية: الإدارة النسائية)، بجريدة شهرية حملت اسم (Kummunistka). تولت إينيسا أرماند قيادة هذه الإدارة الجديدة حتى وفاتها بالكوليرا عام 1920، لتحل كولونتاي محلها.

كان هذا مشروعاً جامح الطموح للدولة العمالية الوليدة التي كادت في ذلك الوقت تنسحق بين مطرقة الحرب الأهلية المدمرة وسندان الانهيار الاقتصادي، اللذين هددا حياة الثورة. لكن البلاشفة لم يعتبروا النضال ضد اضطهاد المرأة أمراً يمكن تأجيله إلى أوقات أكثر استقراراً. لقد آمنوا بأن نجاح الثورة يعتمد بالأساس على اضطلاع المرأة بدورٍ مساو.

كانت المتطوعات في الإدارة النسائية – جينوتديل يسافرن من مواطنهن أميالاً طويلة إلى المصانع والقرى لكسب غيرهن من النساء إلى الثورة. استخدمن القطارات والمراكب في السفر والتحريض، مثل مركب النجم الأحمر الي ظل يبحر ذهاباً وإياباً عبر نهر الفولجا ليصل إلى المناطق النائية التي كن يقصدنها. تحركن بالملصقات الفنية والأغاني وفرق الرقص، عقدن الاجتماعات وعرضن الأفلام، كما أنشأن “حجرات القراءة” من أجل محو الأمية. أُنشأ ما يزيد عن 125 ألف مدرسة محو أمية عبر روسيا. نشرت جينووتديل إصداراتٍ عن كل شيء، من الرعاية المجتمعية للأطفال حتى التصاميم المعمارية للمساكن الجديدة ضمن خطط توفير الخدمات العامة.

كانت دورة المندوبات تستمر لشهرين أو ثلاثة؛ تُنتخب النساء في الأحياء، ويُطلب منهن المشاركة في اللجان المحلية وتنظيم المؤسسات المجتمعية والمحاكم الشعبية، والعمل الحزبي والعمل الحربي، ثم يُقدمن تقريراً عن كل ذلك للأحياء اللاتي انتُخبن منها. بالنسبة للكثير من النساء، كانت تلك المرة الأولى التي يتركن فيها مجتمعاتهن المغلقة والمعزولة.

سافرت متطوعات الجينوتديل أيضاً إلى المسلمين في الشرق، مرتديات الحجاب أحياناً للانغماس مع النساء المحجبات هناك والعمل معهن. أحياناً ما كانت الجينوتديل تتسبب في بعض المشاحنات في العلاقات والمجتمعات الصغيرة، إذ كانت الخبرات الجديدة للنساء تفتح آفاقاً واسعة وتجعل من غير الممكن العودة مرة أخرى إلى العيش بالطرق والأنماط القديمة.

التزام الحكومة الثورية وشجاعة وإخلاص العاملات بالجينوتديل كانا ملهمين بحق؛ فالنساء اللاتي كن يعتبرن أنفسهن على الهامش من العملية السياسية، بدأن يشاركن في بناء المجتمع الاشتراكي.

لكن حين فشلت الثورة في الانتشار بنجاح في بقية أوروبا، عُزِلَت بشكل قاتل. تجاوز محنة الحرب الأهلية وأهوال المجاعة كان له ثمناً باهظاً، فخلال العشرينات من القرن الماضي تحلل وضع الطبقة العاملة وتداعت خطط التوسع في مؤسسات دولتها. ولم يكن صعود ستالين بعد وفاة لينين يعني فقط تراجع المكتسبات الاقتصادية والمادية، بل بالتوازي مع ذلك فرض أيديولوجيا جديدة.

صارت الحكومة السوفييتية تحتفي بالعفة والطهارة والأمومة، كما كان يتم توجيه وتحفيز العاملات في الجينوتديل لخلع حجاب المسلمات بالقوة من أجل “تحريرهن”. وفي النهاية صارت الإدارة التي لم يكن لها سوى هدف وحيد هو التحريض وسط النساء غير متوافقة مع الستالينية، ليتم إغلاقها في 1930.
قال ليون تروتسكي ذات مرة أن “من أجل تغيير ظروف الحياة، عليك أن تتعلم النظر إليها في عيني امرأة”. لقد استشعر تحطُّم الثورة في أدق تفاصيل الحياة اليومية للنساء. حينما صارت المغاسل العامة أماكن “لتمزيق وسرقة الحرير أكثر من غسله”، أدرك تروتسكي أن هذا يشير إلى “عودة زوجات العمال إلى قُدور ومقالي الطهي، أي إلى العبودية القديمة”.

لكن الهزيمة لم تكن حتمية، وقد أنجزت سنون الثورة انتصاراً قي قمة الأهمية، وأبرزت ما يمكن تحقيقه فعلياً، وأوضحت أيضاً أن مصير النساء لا ينفصم عن مصير الطبقة العاملة.

* المقال باللغة الإنجليزية منشور في سبتمبر 2009 على موقع العامل الاشتراكي البريطاني



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن