ما وراء الارهاب العبادي يكافح لمحاربة الفساد

رنين الهندي
raneen.disaster@gmail.com

2015 / 8 / 24

لوفداي موريس – واشنطن بوست
بغداد – بعد خمس سنوات من المحاولات المستمرة في الحصول على وظيفة كمعلم في مدرسة حكومية، دفع صالح علي رشوة بمقدار 4.300-$- دولار لمسؤول في وزارة التربية لكي يحصل على هذه الوظيفة. حيث يقول أنها الوسيلة الوحيدة لحصول ذلك.
أن تجربة هذا الشخص البالغ من العمر 29 عاماً هي طريقة شائعة في العراق، حيث يستشري الفساد في كل وجه من وجوه المجتمع. لكن رئيس الوزراء العراقي تعهد بتغيير ذلك، خلال أكبر تعديل وزاري حصل في النظام السياسي العراقي منذ الغزو الاميركي عام 2003.
أعلن العبادي مؤخراً عن حزمة من الاصلاحات تبشر بوجود نقطة تحول محتملة للبلد، ولكن هذا ايضاً يضعه في موقع محفوف بالمخاطر. من المرجح ان المسؤولين الاقوياء في البلد المستفيدين من الوضع الراهن أو الذين سيواجهون مراقبة محتملة سيعرقلون هذه المساعي، في حين ان مخاطر الفشل سوف تؤجج الغضب الشعبي في وقت تواجه الحكومة أزمة أمنية وموجة من الاحتجاجات الشعبية. ويقدر المسؤولون ان ما يقارب 300-$- الى 350-$- مليار دولار قد فُقدت من خزينة الحكومة العراقية منذ عام 2003 بسبب الفساد. في حين صنف العراق من الدول الاكثر فساداً في العالم العام الماضي، حيث احرز 170 نقطة من مجموع 175 في مؤشر الشفافية الدولية للفساد.
وقال احمد عبد الحسين، وهو كاتب صحفي وناشط وقد نظم احتجاجات في العاصمة، "لقد انتشر الفساد في الدولة كالسرطان، من كبار المسؤولين في الدولة الى أدنى الموظفين، أصبح هذا الامر ثقافة مستشرية".
أضافة الى تشحيم الايادي للحصول على الوظائف الحكومية، يرى المواطنين ان من الضروري دفع الرشوى لأجتياز البيروقراطية المتضخمة في البلد. حيث يدفع طلاب المدارس الثانوية ثمن اوراق الامتحان المسربة ويأخذ شرطي المرور الرشاوي لعدم اصدار غرامات على السائق وتعطى عمولات ضخمة لتأمين العقود الحكومية أو تراخيص البناء.
وقال علي خضيري، الذين كان مساعد خاص لخمسة من سفراء الولايات المتحدة في العراق، "ان مدى المشكلة يجعل إمكانية العبادي غير محتملة في ان يحقق تغيير حقيقي".
وأضاف "تقريباً كل سياسي على المستوى الوطني وكل الاحزاب السياسية متواطئة".
لكن معالجة هذه المسألة اتخذ منحى جديداً. لم يعد يمتلك العراق مليارات الدولارات لتختفي من ميزانيته وهو وسط محاولات لقتال تنظيم الدولة الاسلامية في ظل الضغوط المالية بسبب انخفاض اسعار النفط.
وقال هوشيار زيباري وزير المالية "لقد هزنا وجعلنا ننفتح على ما أمور يجب القيام بها لإصلاح الاقتصاد".
وقال زيباري بالاضافة الى الفساد فأن هناك اسراف مزمن في الانفاق. وان رواتب ومخصصات التقاعد كلفت الحكومة التي يقودها الشيعة أكثر من 3-$- مليار في الشهر. حيث ياخذ أعضاء البرلمان ما يقارب 11.000-$- شهرياً – أكثر من ضعف 20 مرة متوسط الراتب في البلاد.
بعض المسؤولين قد جند ما يقدر بالجيوش الصغيرة لحمايتهم الشخصية، وتُدفع جميع رواتبهم من قبل الدولة. وكشف العبادي في حوار مع نشطاء شباب الاسبوع الماضي ان أحد المسؤولين لديه 900 حارس. وقال العبادي بأن لديه 38 حارس.
وقد استجاب العبادي، الذي يسعى منذ فترة طويلة لخفض الميزانية لكنه واجه معارضة من الكتل السياسية، بسرعة الى الاحتجاجات الاخيرة ضد الفساد. وقد أقرت التظاهرات من اية الله العظمى علي السيستاني، رجل الدين الشيعي الاعلى في العراق، لإعطاء رئيس الوزراء المزيد من الدافع للعمل. وفي خطوة أولى نحو اصلاحاته الموعودة، قلص العبادي اعضاء حكومته الى الثلث هذا الاسبوع واقال اربع وزارات. وقال الخميس بأن حمايات الاشخاص للسياسيين سوف تقلص الى ما يقارب الـ 90% حيث سيحول 20.000 عنصر أمني الى مهام أخرى كمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية.
لكن المطالب في إنهاء نظام تقاسم السلطة المبني على أساس طائفي وجلب السياسيين الفاسدين الى القضاء سوف يثبت الكثير من التحدي.
وقال طلال الزوبعي رئيس لجنة النزاهة البرلمانية من ان الهيئة قد احالت 500 قضية الى التحقيق العام الماضي. ولكنه قال أن عدد قليل من القضايا قد تم متابعته من قبل المحاكم وما تسمى بهيئة النزاهة المستقلة، التي انيطت بها مهمة التحقيق في مثل هذه الحالات.
وأضاف "نحن بحاجة الى قضاة مستقلين وبعيدين عن الضغوط السياسية. وبصراحة، إذا لم يكن هناك إصلاح في النظام القضائي أو في هيئة النزاهة فلن يكون هناك شيء يمكن اصلاحه".
وقال سعد الحديثي، المتحدث باسم رئيس الوزراء، مع ذلك، فأن العبادي ليس لديه القدرة على إصلاح القضاء.
حيث أعترف رئيس الفريق، في مكاتب هيئة النزاهة في المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد، من أن هناك مشكلة عندما تولى منصبه في وقت سابق من هذا العام.
وقال حسن الياسري "أنا أسعى لتغيير هذه الصورة، وتغيير هذا الوضع واثبات استقلالية الهيئة وجعلها بعيدة عن الضغوط السياسية".
واضاف ان ثقافة الفساد تتجذر بعمق. حيث انها تفاقمت في السنوات الاخيرة من حكم صدام حسين عندما عانت البلاد بسبب العقوبات. والامور لم تتحسن بعد الغزو الاميركي مع الرقابة القليلة التي تمارس على عقود ضخمة وزعت في عهد نوري المالكي، سلف العبادي.
وقال الياسري "هذا ما جعل الشعب جشع".
وقال خضيري من ان الاختبار الحقيقي للعبادي سيكون في إحالة أي من السياسيين البارزين للمساءلة. وقال "هناك شخص مسؤول، وهناك شخص يجب أن يُحاكم. إذا لم يكن كذلك، فسينتهي كل شيء".
واشار الياسري من ان المئات من الملفات تم فتحها ضد مسؤولين عراقيين في الاسابيع الماضية. مع ذلك، فأن المالكي، الذي من المحتمل أن يحاكم بسبب دوره في سقوط الموصل بيد تنظيم الدولة الاسلامية العام الماضي بعد ثبوت أسمه في تحقيق برلماني، لم يكن من بين الاسماء التي تم التحقيق معها بسبب الفساد وكذلك لم تسجل ضده أي شكوى رسمية.
كان هناك بعض الأمل في أن كبار المسؤولين سوف يخضعوا للمساءلة بعد التحقيق في الادعاءات الموجهة ضد نائب رئيس الوزارء السابق بهاء الاعرجي والتي تم الاعلان عنها هذا الشهر.
من بين الادعاءات منزله الذي يحتوي على أعمدة من الطراز الروماني على طول الواجهة والمطل على نهر دجلة في حي الكاظمية الشيعي واحتلاله لمعظم العقارات الرئيسية في العاصمة بغداد.
وفي مقابلة تلفازية في وقت سابق من هذا العام تم سؤال الاعرجي عن دخله، حيث ظهر حينها غير متأكداً حول عدد العقارات التي يمتلكها.
وقال الاعرجي لتلفزيون البابلية في شهر كانون الثاني المنصرم "لدي منزل و بناية بجانب الضريح الشريف و فندق و سبعة .. الى اربعة منازل اضافة الى ذلك". وعندما سئل من أين جئت بهذا المال، فأجاب "الله اعطاني أكثر مما استحق، أنا أعتبر أن هذه نعمة من الله".
هناك ثمانية قضايا موجهة اليه من ضمنها ابتزاز العقارات والفساد المالي. لم يستجب الاعرجي لنداءات الحصول على تعليق، في حين ان حراسه –اعضاء حشية قوامها 300 عضو مدفوعة رواتبهم من قبل الحكومة وفقاً لوثائق مقدمة من قبل لجنة النزاهة- يقولون من انه ليس في المنزل.
وقال ابو علي، وهو بائع بالقرب من منزل الاعرجي ويستخدم اسماً مستعاراً لأسباب امنية، "انه اللص الاكبر. نحن لا نراه أبداً. أنه يدخل الى هنا بسياراته المدرعة. أنه يعيش في عالمه الخاص".
رحب المتظاهرون بالتحقيق، ولكن الياسري نوه من ان الاعرجي قد طلب ذلك بنفسه في محاولة لمحاربة مزاعم طويلة الامد ضده - مما يؤكد الشكوك حول قدرة المؤسسات العراقية الضعيفة على القيام بتحقيقات على النخبة السياسية بمفردها.
وقال طه الدفاعي، عضو لجنة النزاهة، "نحن جميعاً نشعر بالتهديد. أي ملف يستهدف مسؤول قوي يخلق مخاطرة كبيرة".
وقال العبادي في بيان له يوم الثلاثاء من انه لن يتردد في إحالة المتورطين في الفساد الى القضاء "بغض النظر عن وضعهم أومنصبهم".
لكن صبر العراقيين بدأ ينفذ. في مدينة البصرة جنوبي العراق، أحرق محتجون هذا الاسبوع لوحات للسياسيين المتهمين الفاسدين. وفي يوم الثلاثاء الماضي، أقتحم المحتجون مبنى الحكومة المحلية وسحبوا المحافظ خارج مكتبه.
وقال عبد الحسين، ناشط ومنظم في الاحتجاجات، "نحن لن نلتزم الصمت بعد الان. فتح العبادي الابواب الصغيرة لنا، ولكن نحن بحاجة الى فتح الباب الكبير".

ترجمة: رنين الهــندي



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن