دور الدولة في التنمية الاقتصادية

فهمي الكتوت
katutf@gmail.com

2015 / 8 / 22

دعونا نقرأ بموضوعية قصة قناة السويس، بعيدا عن الخلافات السياسية. حاول البعض تقزيم الإنجاز الاقتصادي الذي حققه الشعب المصري لدوافع سياسية تتعلق بالموقف من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كما حاول الآخر أن يصنع من الإنجاز أسطورة لا يضاهيها إلا حفر القناة الأم، الذي أنشئ أيضا بسواعد العمال المصريين، حين سخر المستعمر الفرنسي جهدهم وعرقهم لصالح الاحتكارات الرأسمالية، ونهب المال العام المصري، قبل أن يؤمم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قناة السويس ويعيدها لأصحابها الحقيقيين.
فكرة المشروع ليست جديدة وطرحت في سبعينيات القرن الماضي أثناء حكم السادات، وأعيد طرحها في عهد مبارك، ولم تتخذ أي خطوات ملموسة، وفي عام 2013 أعلنت حكومة قنديل في عهد مرسي أنه سيتم تنفيذ المشروع. فالقيادات المصرية تداولت المشروع خلال العقود الخمسة الماضية، وتم إنجازه أخيرا، والغريب أن يُقحم المشروع التنموي الاستثماري في القضايا الخلافية في هذه المرحلة!.
أقدمت مصر على مشروعها الجديد بحفر قناة بطول 35 كيلومتر، وعمقت المجرى الملاحي للقناة القديمة بطول 37 كيلو متر، لتمكن قافلتا الشمال والجنوب من المرور في القناة بشكل متزامن ودون توقف بما فيها السفن الضخمة الكبيرة الغاطس. وتتيح هذه القناة لمصر إمكانية زيادة حصة قناة السويس من التجارة العالمية وربما مضاعفتها تدريجيًا عن مستواها الراهن البالغ عُشر التجارة السلعية العالمية. ويقول الخبير الاقتصادي المصري أحمد السيد النجار جاء مشروع القناة الجديدة كمحرك للاقتصاد المصري للخروج من مأزق البطء، والركود. فالبنية الأساسية للمشروع والمتمثلة في حفر القناة الجديدة والأنفاق الستة التي ستربط شرق القناة بغربها وضمنها نفقان للسكك الحديدية خلقت أكثر من 40 ألف فرصة عمل مباشرة، فضلًا عن فرص العمل غير المباشرة المرتبطة بالمشروع. أما المشروعات الصناعية والخدمية التي سيتم تأسيسها في إطار تنمية المنطقة فسوف تخلق أضعاف هذه الفرص تبعًا لحجم تلك المشروعات واحتياجاتها من العمالة. وقد ارتبط هذا المشروع بمسألتين هامتين ينبغي التوقف عندهما.
أولا: التمويل، مول الشعب المصري المشروع من خلال شهادات استثمار باسم قناة السويس، طرحتها الحكومة المصرية لجمع 60 مليار جنيه مصري بفائدة سنوية 12% تصرف كل ثلاثة أشهر، على أن يسترد أصل المبلغ بعد خمس سنوات، وقد جاء أسلوب التمويل كمساهمة شعبية ونموذج جديد لإنجاز مشروع تنموي، واستثمار مدخرات وطنية، ليحقق هدفين في آن؛ توظيف المدخرات الشعبية لتسهم بتوفير عائدات إضافية للمواطنين، وتأمين المال الكافي لإنجاز مشروع كهذا، وعدم الخضوع لابتزاز الدائنين والمؤسسات الدولية من صندوق النقد والبنك الدوليين، فقد جمع المصريون الأموال الضرورية للمشروع خلال ثمانية أيام فقط. فالأسلوب الجديد في التمويل باستثمار الادخار المحلي، يفتح الطريق أمام التوسع في نهج مالي واقتصادي سليم. وهو يختلف اختلافًا جوهرياً عن الأسلوب المتبع بإصدار سندات خزينة لتمويل عجز موازنات الحكومات وتغطية النفقات الجارية.
كما ان الاقتراض من المؤسسات الدولية، أو جذب الاستثمارات الأجنبية لمشاريع وطنية كهذه ستخضع البلاد للأجندات الخارجية وأقلها الخضوع لشروط ومبادئ العولمة الليبرالية، ومع تقديرنا للاختلاف الجوهري بين مرحلتين في التاريخ المصري، حين رفض الرئيس الراحل جمال عبد الناصر شروط التبعية، وإملاءات البنك الدولي لتمويل القرض المشترك من أمريكا وبريطانيا والبنك الدولي لبناء السد العالي، سحبت أمريكا موافقتها المبدئية لتمويل السد وألغي القرض، فاتجهت مصر نحو الاتحاد السوفيتي الذي مول المشروع دون شروط. وما التجربة اليونانية من ابتزاز وفرض شروط التبعية بإرغام الحكومة اليونانية على بيع مؤسسات الدولة، وسياسات التقشف المجحفة بحق المواطنين الا دليل ساطع على سياسات التمويل الخارجية ونهج الليبرالية الجديدة.
ثانيا: فضلا عن الأهمية الاقتصادية للمشروع الذي يسهم بزيادة الإيرادات المباشرة للخزينة المصرية، ويوفر فرص للقيام بمشاريع استثمارية وسياحية متعددة، فإنّ المشروع أعاد الاعتبار لدور الدولة في التنمية الاقتصادية، بعد الحملة الواسعة التي شنتها الليبرالية الجديدة ومؤسساتها من صندوق النقد والبنك الدوليين، ضد دور الدولة في التنمية الاقتصادية، وفرض سياسة التخاصية لتحقيق التوسع الرأسمالي، تاركة اقتصادات الدول النامية وفي عدادها الدول العربية لرأس المال الأجنبي كون البرجوازية المحلية ضعيفة عاجزة، تابعة للاحتكارات الأجنبية، وغالباً ما تتجه نحو القطاعات التجارية والخدمية والبحث عن الوكالات لتسويق المنتجات الأجنبية وجمع العمولات، وتحويل الدولة إلى التبعية المباشرة للمراكز الرأسمالية، التي تستجيب لمطالب بورجوازيات المركز. لقد كشفت التجربة المريرة خلال العقود الماضية فشل السياسات الليبرالية التي تنطوي على إضعاف دور الدولة، واستقواء البرجوازية الطفيلية والكمبرادورية على مؤسسات الدولة، مستفيدة من الفساد السياسي والإداري والمالي المستشري في شريان الدولة.
إن الإنجاز الذي حققته مصر ينبغي تعزيزه بإنجازات سياسية وطنية ديمقراطية، بعيدة عن العنف والانتقام وردود الأفعال، وتحقيق مصالحة وطنية توفر للشعب المصري الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والتوجه نحو بناء القاعدة الإنتاجية لدولة عصرية، تحقق الازدهار لمصر، والرخاء لشعبها.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن