ألوجبة الأخيرة ..

قاسم حسن محاجنة
kassem-enosh@hotmail.com

2015 / 8 / 22

ألوجبة الأخيرة ..
(مُهداة لروح أُمي وأختي الكُبرى ).
تستلقي على السرير الذي وُضع خصيصا لها ، في احدى زوايا غرفة الضيوف ، وحولها على الفراش في ارضية الغُرفة جلست بعض القريبات والجارات ، يتهامسن ويبكين بصمت ، لئلا يقلقن "راحة" المريضة ، والتي بدورها تغفو لدقائق ثم تستفيق ، لتجول في الوجوه ، تتفحصها وتقرأُ تعابير وجوههن .
وقف باسم على عتبة الغُرفة ، صامتا حزينا ، ينظرُ الى أُخته والتي كانت أمه بالتبني ايضا وسرح بخياله بعيدا في الزمان ، وتخايلت أمامه حياة طفولته التي لعبت فيها أُخته الكبرى دورا بالغ الأهمية .
تذكر كيف كانت تستقبله بالأحضان والقبلات وبعض الدموع ، لكنها وخلال لحظات تستعيد "رباطة جأشها" ، وتبدأُ بطقوسها المعتادة ، كلما قدم لزيارتها .
تضع على النار تنكة ماء لتسخين الماء ، وما هي إلّا دقائق ، حتى يسخن الماء ، فتحمله الى الحمام ، وتُناديه : -هيا إخلع ملابسك !! تأمره بصوت حنون
-لكنني إستحممتُ قبل أيام قليلة فقط !! يقول لها متذمرا مُتمَنِعا.
- يلا بلا دلع ..!! فينصاع لاوامرها بسرور .
تكون قد حضّرت المنشفة ، الصابون ، وبعض الملابس .. وكل مَرّة ومن جديد ، كانت قضية الملابس الملائمة ، تُشغلها .. فلا أولاد ذكور لها ..!!ومع ذلك كانت تتدبر الأمر ، فمن ملابس بنتها البكر تختار بنطلونا وقميصا غير أنثويين كثيرا .
-لقد انجبتُ ابنتي الكبرى ، بعد اسبوع من مولدك ..!! كُنتُ وأمي نحبل ونلد في نفس الوقت تقريبا !!
تنشغلُ كثيرا في عملية الإستحمام ، تفرك كل بقعة من جسد أخيها" باسم" بليفة خشنة ، ترغي كثيرا من الصابون وخاصة على رأسه ، حتى يبدأ بالصراخ من لسعة الصابون في عينيه ، تُنشفه بعناية ،وتأمره بارتداء الملابس النظيفة ..
تغسل ملابسه المتسخة ، وتنشرها لتنشف ..!! والى حينه ، تحضر له طعاما ، وجبة دسمة ..
-كُل ..كُل .. فلعلك لم تتناول شيئا منذ الصباح ..!! تشجعهُ بصوت حنون . وبعدها تُحضر بعض الفواكه ، والحلويات ليأكلها ..
يقضي النهار كُله في بيتها في لهو مع ابنتها والعابها ،وبين قبلة ودمعة منها ، حتى تنشف ملابسه المنشورة على حبل الغسيل ، فيرتديها ويَهِم بالمغادرة .
تناديه ، - إنتظرْ !! وتضع في يده بضعة قروش حتى يصرف على نفسه ،إلى أن يزورها مرة أُخرى ، بعد أيام ..
أيقظه من "سَرَحانه " صوت واحدة من الجالسات ، التفت نحو أخته على السرير ، فإذا بها تُشير بيدها إليه ليقترب ..
دنا منها ، متخطيا "كومة " النساء الجالسات ، أمسك بيدها ، فضغطت عليها بنعومة ، ونظرت في وجهه مليا .. طلبت منه الدنو أكثر ، فأدنى رأسه من رأسها لتطبع قبلة على خده .. وسَحّت الدموع من عينيه ..
-هل ترغبين في شيء ما ؟ سألها
- لا ، أردتُ رؤيتك عن قرب فقط ..!!
- ولكنك لم تأكلي منذ فترة ..!! هل أُحضر لك الغداء ؟؟
لقد تحسنت قليلا ، قال مُخاطبا نفسه ، فهي ومنذ يومين في غيبوبة ، لا تفيقُ منها إلا للحظات ، ثم "تغفو " .
-لقد تناولتُ الغذاء قبل قليل .. أجابتهُ .
- وأينَ تناولتِ الغداء ؟؟ وماذا أكلتِ ؟؟ سألها مستغربا مندهشا .
- لقد كُنتُ في زيارة أمي ، قبل قليل ، وتناولتُ معها الغداء المفضل عليّ ، لقد طبخت أمي رز وفاصولياء..!!
ولم تمضِ ساعات ، حتى فارقت الحياة ... بنفس المرض الذي تُوفيت من جراءه ، والدتُها ، قبل ثلاثين عاما بالضبط ..!!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن