تفاصيل العودة إلى التدبير، طلقات نحو جسد الماهية

مزوار محمد سعيد
msmezouar@live.com

2015 / 8 / 17

هناك قوائم تسيّر العرف القائم على التعقل لدى بعض الأفراد المنتسبين إلى الإنسانية، حيث يكون على عاتقهم الأخذ بإعجاب الذات والانصراف نحو زحمة التداول بعيدا عن كثرة التصوّر التي تعيق الاستحقاقات العامة لما لها من تركيب خاص، وهي تعيد ترقية المنافع القائمة على إعادة تكديس المعرفة كقضاء يمكنه أن يعيد نصفية الأمور إلى تمامها، وهي عملية معقدة جدا، تكسب المجموعات الحلقية لدى أيّ فرد ثوبا جليلا لما يمكّنه من إرسال حقوقه عبر تراكمات التوليد الطوعي لما يسمى بالأذكار الروحية لكل إنسان.
من الصفات التي تعجّل بهروب الروح باتجاه غربتها هي تلك التي تقوم على المراوغة والخداع إضافة إلى تثبيت المكر، فيكون من المهمّ أن يصبح الفرد الإنساني قائما على تأسيس حركته نحو الأخذ بمجاله الحيوي، وهي عملية تتطلب الصبر والجَلَد، هذا فيما يخص الإطار العام للفرد البشري، فإنّه يقدّر مسالكه الوجودية بالاعتماد على ما يمكّنه من تأسيس ذاته وفق التصوّر الذي يستعين به، وهذا نفسه يمكّن الانتشار من التنوع وفق ما يعرفه البرهان النهائي على الحجج المخصصة أمام المسرد الخاص لكل عالم وجودي.
ليس هناك أمر قابل للتجاور مع حوارات المعرفة التعددية إن ما تمت بخصوص المخرج الذي يصل إليه الفرد الإنساني من بعد المرور عبر ألمه، يصبح بذلك أمرا يسيرا للغاية وهو يكلّم لوحة مفاتيح حاسوبه الخاص، تلك اللوحة التي لا تحكم عليه، فلا تضرّه وإنما منافعها تجعله عالميا بكبسة زر.
هي ترانيم العقليات التي من حدّتها تعود لكل مبدأ من سفر الروح عن طريق هجرتها الذاتية إلى عالم لا تسكنه بقدر ما هي تحدده وتسير عليه، وهي بالفعل تجعل من القرب بجوار الحقيقة أو ما تدعيه هي بأنه حقيقة أو ما هو متجسد لها على أنه حقيقتها الخاصة، هو ما يرفع الروح إلى مكانة لا يمكن لأيّ كان أن يصبح مألوفا في علاقة دائرية مع التعاليم الممكنة أمام سريان العالم بخصوص الملعقة الفكرية بجانب الضمير الفلسفي.
الإعراب الفلسفي، وهي فكرة لم يسبقني إليها أحد من المتفلسفين الجزائريين المستعربين، حيث أكون أنـا (مزوار محمد سعيد) أوّل القائلين بها، مدمجا بذلك أحد أهم منظومات اللسان العربي في الضبط، بالفلسفة كمادة خام، يتم الاشتغال بها وعليها عبر ترويض مفاهيمها بالأدوات اللسانية الخاصة، من بيان واستبيان، والتي لها الدور الكبير في تأصيل العامل المنهجي والنفسي عبر تعديل مسار التفكير؛ لا يكون الاعراب الفلسفي مفهوما مغروسا بين المشرق والمغرب، كما هي مدينة اسطنبول في غرسها بين أوربا وآسيا، لكنه يعطي إمكانية وعظ جديدة بعيدا عن الدارج من حيث الانتقاء حسب ما يجود به الميّال من أي لقاء؛ من هذه النقطة تحديدا أنطلق من الفيلسوف الجزائري الذي رأى ضرورة العودة إلى مراعاة المكونات الزمنية والمكانية كما النفسية والثقافية أثناء ابداع أي فكرة في الوسط الاجتماعي للعالم الثالث، حيث أنه يقول:

"... ففي حقل البلدان الغربية اليوم، نجد أنّ الأميركيين هم الذين سيطروا عموما على الاتجاهات الثقافية... " (مالك بن نبي، مشكلة الثقافة، ترجمة: عبد الصبور شاهين، 2001م، دار الفكر دمشق-سورية، ص: 30).

وهنا إشارة واضحة إلى أنّه من العبث أن نعبث مع أقوام تعيش عمرا اجتماعيا وثقافيا متقدما، حيث يكون من الجيّد أن نحترم نتائجهم أوّلا لنبني عليها ثقافتنا عبر استضافت ما وصلوا إليه دون الأخذ بما هم عليه كليا وبطريقة شمولية، هذا المقصد بالذات، دفعني إلى العودة إلى تراث الوجدان الجزائري الخاص، وطريقة تناغمه مع اللسان العربي، حيث جعلت كلمة "إعراب" وهي الجانب الصارم لدى رموز تواصل العرب كجزء من مشروع فلسفي ليكون حائزا على الصورة الروحية العقلية التي هي غائبة عن الجزائر المستقلة حتى بداية الألفية الثالثة للميلاد، وهذا كله يقوم على مقولة وردت على شكل فكرة مبطنة لدى الفيلسوف الجزائري أيضا في المرجع الذي سبق ذكره حين قال:

"... إننا إذا ما عرفنا التاريخ مجتمع معيّن، فسنجد أنّه كما أنّ لديه مقبرة يستودعها موتاه، فإنّ لديه مقبرة يستودعها أفكاره الميتة، الأفكار التي لم يعد لها دور اجتماعي... " (المرجع نفسه، ص: 46).

من هذه الأسطر أرغب بالقول بأنّ الإعراب الفلسفي هو الحاجة الملحة لكلّ فكرة تقبع في مقبرة الثقافة الجزائرية، حيث من الممكن أن تغدوا أرغنون جزائري إن ما أوجد دور لها على الساحة الفكرية قبل الشعبية، ففي ظل ما يعيشه الجزائري المستقل فإنّ من الضروري أن يحدد ماذا يريد من الحياة! وكيف يحقق ارادته، تلك التي لا تعدوا كونها قرانا شرعيا بين ما هو فيه وما الذي يصبوا إليه.

msmezouar@live.com




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن