لعبة حافة الهاوية

ضياء حميو
diahamio@hotmail.com

2015 / 8 / 17


سأنقل أدناه ماكتبه پول بريمر الحاكم الأمريكي للعراق بعد احتلاله عام 2003، في كتابه"سَنتي في العراق"، يقول بريمر:
"قادة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق معروفون بصعوبة التعامل معهم في أوساط الأحزاب العراقية. فهم يتقنون لعبة حافّة الهاوية، ويبقون عادة على تهديداتهم حتى اللحظة الأخيرة. وسنشهد هذا الأسلوب كثيرا في الأشهر التالية".
ما أسماه بريمر "لعبة حافّة الهاوية"، هي سياسة برعتْ بها السياسات الخارجية للبلدان ذات التاريخ الإستعماري المباشر، بريطانيا على سبيل المثال، والتاريخ الاستعماري غير المباشر، أمريكا نموذجا، وهذه الأخيرة إن تأخر الخصم من الوصول إلى حافّة الهاوية، تُذلّل كلّ الصعوبات من أجل التسريع بوصوله إليها وباستخدام كل الأساليب، التي هي في الغالب غير أخلاقية وغير إنسانية، وورقتها الأخيرة هي التدخل العسكري المباشر، أكثر من 25 تدخل أمريكي عسكري. (يُنظر: الهامش).
الإيرانيون وفي الغالب لا يمتلكون هذه القوة العسكرية للتدخل المباشر، ولذا طوّروا هذه اللعبة "حافة الهاوية"، لتغدو لعبة عناد وصبر طويل، يساعدهم في هذا - غير الصبر في حياكة السجّاد-؛ مبدأ "التقية"، الذي يحتاج صبرا هائلا.
ولغاية هذا الوقت أثبت الإيرانيون
أَنْ لا أحد يُجيد هذه اللعبة مثلهم. - نتائج مفاوضاتهم بملفهم النووي نموذجا-.
درّب الإيرانيون أفرادا وجماعات ليست إيرانية، ولكن موالاتها لا شكّ فيها لخامنئي وولاية الفقيه، وهذه اللعبة السلاح؛ يشبه تعامل إيران بها تعامل أمريكا مع أسلحتها المتطورة جدا، فهي تخص بها حصرا مَنْ موالاته لا غبار عليها وبقاءه مرهونا بها "إسرائيل".
خصّت إيران بهذا السر حليفين اثنين؛ الأول: حزب الله في لبنان، ولاحظنا إجادته لبراعة لعبه، وكذلك نَفَسَه الطويل وصبره، مستغلا الغطرسة الإسرائيلية وتهديدها الدائم بشن الحرب واحتلال الجنوب اللبناني، وقد فعلتها أكثر من مرّة، وفي هذا مفارقة، إذ كلما ازداد عنف إسرائيل ازداد الالتفاف الشيعي حول حزب الله، أما الثاني فهو المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وخصوصا جناحه العسكري "بدر".
واجه الحليف الثاني لإيران في العراق صعوبه كبيرة تمثلت بمرجعية السيستاني، الذي لا يقبل بولاية الفقيه!!
وأيضا تناقص شعبيتهم في الدورة الثانية من الانتخابات على مستوى المجالس البلدية، وكذا البرلمان خصوصا في خزان النفط والجار لإيران "البصرة".
هنا لم يكن أمام إيران سوى الدفع إلى الهاوية، وتم على مرحلتين: تضخيم ومساندة المالكي للبقاء في منصبه، والخطوة الثانية دفعه إلى الانسحاب من الموصل تحت وهم أنّه سيسترجعها مباشرة، صدّق المالكي المشورة الإيرانية، التي أدّت إلى وصول داعش إلى مشارف بغداد، واقترابها من جهة "النخيب" قريبا من "كربلاء"، كان الهدف من هذا إجبار السيستاني بإطلاق فتوى "الجهادالكفائي"، لتنطلق قوات بدر بسرعة أذهلت الجميع بكفاءتها وقوتها، وكأنها طيلة أحد عشر عاما ظلت تتدرب وبجاهزية عالية بانتظار هذه اللحظة، وانتصاراتها جعلت منها مقبولة في الوسط الشيعي، ناهيك عن خلقها بطلا شعبيا هو زعيمها "هادي العامري"، بالإضافة إلى قبول قوات إيرانية علنية وليست مستشارين عسكريين.
الإيرانيون دفعوا المالكي والعراق إلى حافة الهاوية، من أجل قبول تواجدهم المباشر، وكذلك من أجل الدفع إلى الأمام بحليف قوي موثوق بولائه لولاية الفقيه، لكي يكون المنقذ والبطل الشعبي - منقذ الشيعة أولا-.
نجح الإيرانيون في لبنان حين صار الشيعي بين خيارين؛ حزب الله أو إسرائيل، وأراد الإيرانيون تطبيقها في العراق، بوضع الشيعي أمام خيارين؛ داعش أو المجلس الأعلى مُمَثلا بقوات "بدر"،
بطولة "بدر" هي المعوّل عليها بالتبشير والتهييء لولاية الفقيه؛ حتى قبل القضاء على داعش.
السيستاني وممثلوه يدركون هذا، ويدركون خطره عليهم وتقويضهم مستقبلا، ولكن أمام حالة الفوضى واحتلال ثلث البلد من داعش، لم يكن لديهم خيارات سوى الصمت، رغم أنهم حاولوا الحد من المليشات بدعوتها للمحاربة تحت مظلة الجيش.
في هذا الشهر واتتهم فرصة للبروز المناهض لولاية الفقيه، وهي فرصة الغضب الشعبي والمظاهرات التي فاجأتهم جميعا، فتبنوها ودعموها، لاستعادة المبادرة.
الأمر الذي أغضب إيران كثيرا، فها هو السيستاني تلميذ وخليفة مدرسة "الخوئي" النجفية العريقة - لم ينسوا موقفه الذي يعتبرونه مُخذلٍ لهم بحرب الثمان سنوات- يتصدى لهم، ناهيك عن غضب المجلس الأعلى وقوات "بدر".
زخم المظاهرات يقوّي السيستاني ضد خامنئي، أمّا المالكي، فهو ورقة استنفذها الإيرانيون حتى احترقت تماما، منذ الدفع به إلى حافة الهاوية.

الهامش:
بدءً من غزو نيكاراغوا عام 1823، مرورا بالزحف على المكسيك عام 1846، وإرغامها التخلي عن نصف أراضيها، وانتهاءً بغزو العراق عام 2003.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن