على هامش الإعتداءات التركية على الأقليم

امين يونس

2015 / 7 / 29

عشرات القُرى الجبلية العائدة لقضاء العُمادية ، تحتَ نار الطائرات التركية المُغيرة ، منذ ليلة أمس وحتى الآن . إستمراراً للهجوم الشَرِس للطائرات التركية والمدفعية الثقيلة ، التي إستهدفتْ منذ عدة أيام ، الكثير من مناطق قضاء العمادية وزاخو وجبال قنديل وغيرها .
القُرى التي تضرَرتْ بصورةٍ كبيرة ، هي قُرىً فيها أراضيٍ مزروعة بمختلف أنواع الغِلال وفيها الكثير من المواشي . إضطرَ العديد من أهالي تلك المناطق ، لترك منازلهم ومزارعهم وحقولهم وكُل أشياءهم ، واللجوء الى أماكن أكثر أمناً .
بعض المُلاحظات عن ما يجري :
* أن التدخُل التركي العسكري ، هو إعتداءٌ سافِر بِكُل معنى الكلمة ، على أراضي وسيادة الأقليم والعراق .
* انهُ إثباتٌ آخَر ، على الفشل الذريع لإدارة الأقليم . إذ ان ( العلاقات المُتميزة ) مع تُركيا ، التي طالما ، كان رئيس الأقليم ورئيس الحكومة ، يتفاخران بها . وكذلك الكلام ، عن دورهما ، في " عملية السلام " بين الحكومة التركية وحزب العُمال . كُل ذلك ، لم يمنع أردوغان وأوغلو ، من شَنِ هجومٍ واسع ، على الأقليم ، بحجة ضرب مواقع حزب العمال .
* رغم ان الطائرات والمدفعية التركية ، لم تضرب لِحَد الآن ، الآبار النفطية في الأقليم ( رُبما بِسبب ، ان تُركيا من أهم المُستفيدين من تجارة نفط الأقليم ) .. فأن الشركات الأجنبية العاملة ، لن تستطيع الإستمرار ، إذا تواصلتْ الغارات الجوية التركية " أو حتى إذا قّررَ مُقاتلو حزب العمال ، التحرُش بالمواقع النفطية " .. فهي أي الشركات الأجنبية ، غير مُستعدة للبقاء ، وسط أجواء مُضطرِبة . وإذا بدأتْ هذه الشركات ، بالمُغادَرة ، فأن الأقليم سيفقد ( الورقة الوحيدة ) التي كان يلعبُ بها ، ضد بغداد ، ويصبح موقفه في غاية الضُعف .
* إيران ، التي يُلعلع صوتها الهادر ، ضد أي إقترابٍ لقوات داعش ، من العاصمة بغداد . وإيران التي تتدخل بصورةٍ شُبه علنية ، لمُساندة الحشد الشعبي ، في عمليات تحرير تكريت والرمادي وغيرها . وإيران التي أعلنتْ مِراراً ، انهُ لولاها ، لكان أبو بكر البغدادي ، يتجول الآن في أربيل ودهوك .. نراها اليوم صامتة بشكل مُريب ، أزاء الضربات الجوية والمدفعية التركية ، التي تضرب عُمق الأقليم منذ أيام .
هنالك كما يبدو " تنسيقٌ وتفاهُمٌ " غير مُعلَن بين تُركيا والولايات المتحدة و الحلف الأطلسي وإيران ، حول الخطوط العريضة ، للمرحلة المُقبِلة . وذلك من تداعيات الإتفاق النووي الغربي الإيراني ... وكذلك خضوع تُركيا " بعد تمنُعها في السنوات الماضية " للإنخراط ، في المشروع الأمريكي الغربي ، للشرق الأوسط الجديد .
* إضافتْ الولايات المتحدة الأمريكية ، مزيداً من الشكوك ، حول سياستها المُراوغة والخبيثة في المنطقة .. بتواطئها المُخجِل مع تركيا ، في السماح لها بضرب مواقع حزب العمال في كُل من الأقليم وكردستان سوريا ، بحجة " مُحاربة الإرهاب " . وأثبتتْ الولايات المتحدة ، ومنذ زمن طويل ، أنها غير جّادة بالمّرة في مُحاربة الإرهاب ( الذي هو بالأساس من صنيعتها ) بدءاً من القاعدة وصولاً الى داعش وما بينهما . ان سفالة ونفاق حلف الأطلسي ، تظهرُ بوضوح ، حين يُساوي بين الفاشية الداعشية وحزبٍ تقدُمي ثوري مثل حزب العمال الكردستاني .
..........................
هنالكَ حقائق مسكوتٌ عنها :
- ان كلمة ( ضيوف ) غير دقيقة ، لوصف تواجُد مُقاتلي حزب العمال في الأقليم . فعادةً " الضيوف " يبقون بِرضا أهل البيت . لكن مقاتلي حزب العمال ، ومنذ بداية التسعينيات ومع تشكيل حكومة الأقليم الأولى ، دخلوا الى المنطقة ولم يأخذوا إذناً من أحد . فسُرعان ما شبَ القتال بينهم وبين بيشمركة الحزب الديمقراطي ، ومن ثم مع بيشمركة الإتحاد الوطني ، وخسرَ فيها الجميع ولا سيما حزب العُمال والحزب الديمقراطي ، آلاف من أشجع الشباب والشابات ، قُرباناً لهذه الحرب السخيفة اللامُجدية . ومن تداعيات تلك الحرب ، الإستعانة بالإستخبارات والجيش التركي .. حيث ما زالتْ مقراتهم الرمزية ، متواجدة في العمادية وبامرني وكاني ماسي وغيرها .
أما مُقاتلي حزب العُمال ، فأنهم منتشرون في مناطق جبلية واسعة ، وليسَ في قنديل فقط . وهذه المعلومات معروفة للقاصي والداني .. ولا اُذيع سِراً ، حين أقول ، ان مُقاتلي حزب العمال ، ومنذ إنتهاء الإقتتال ضد الديمقراطي والإتحاد نهاية التسعينيات . فأنهم لايستطيعون العيش والصمود في تلك المناطق ، إمتداداً من برواري بالا وجبال متين وكَارا ومنطقة الزاب وصولاً الى قنديل ، من غير إمدادات مُستمرة ، للمواد الغذائية والوقود والإحتياجات الحياتية والأدوية وحتى السلاح والعتاد . فمن أين يحصلون عليها طيلة الخمسة عشر سنة الماضية ؟ .. بالمنطق وببساطة .. ان السُلطات في الأقليم ( لو أرادتْ ) ، فأنها تستطيع شد الخناق وقطع الطُرُق ، على تلك الإمدادات لمقاتلي حزب العمال ... لكن حينها ، لايبقى أمام حزب العُمال غير طريق القتال من أجل الحصول على الإمدادات .. وحينها يخسر الجميع . وبديلاً عن ذلك ، فأن السُلطة في الأقليم تتغاضى أو تسكُت أو حتى تُنسِق بشكلٍ من الأشكال ، وتسمح بوصول الإمدادات الى حزب العُمال ، رُبما مُقابِل أسعار جيدة ! . بل رُبما بالتنسيق مع وحدات الإستخبارات التركية المتواجدة أيضاً . فهي في النهاية ، خليطٌ من سياسةٍ وتجارة ! .
- الكثير من القُرى في منطقة العُمادية ، هجرها أهلها منذ منتصف التسعينيات ولحد الآن ، بسبب تواجُد مُقاتلي حزب العمال على مقربة منها .. وخوفهم من حصول مشاكِل أو قصف الطائرات او المدفعية التركية .. أو أحياناً قيام مفارز الإستخبارات التركية بعمليات قرب هذه القُرى .
......................
أنا شخصياً .. من المُؤيدين بِشدة ، لنضال حزب العمال الكردستاني ، من أجل نَيل حقوق الشعب الكردي كاملةً في تركيا وسوريا ... ومن المعجبين ، بشجاعة مُقاتلي حزب العمال وتفانيهم ، وقُدرة الحزب على إستقطاب النساء والفتيات ودورهُنَ البارز في كافة نشاطات الحزب . وأحبُ الوهج الثوري لحزب العمال ، والنزاهة النسبية لقادته ومسؤوليهِ ، مُقارنةً بالفساد الكبير عند قادتنا ومسؤولينا .
لكن .. ولكن كبيرة .. كنتُ أتمنى أن لايُوّفِر حزب العمال ، أي ذريعة لأردوغان وحليفه اليمين المتطرف والعسكريتاريا التركية .. لنسف " عملية السلام " ، ولا لِشن حربٍ قذرة ، لاتُفيد الكُرد . حبذا لو كان أعلن قبلَ اشهُر وبرعايةٍ وشهادةٍ دولية ، نزع سلاحهِ ، والإنخراط في العملية السياسية الديمقراطية في تركيا .. لكان قطع الطريق ، على حماقات أردوغان .
كنتُ أتمنى ، أن لا يُوفِر حزب العمال ، حجة وذريعة ، للأحزاب الحاكمة عندنا في الأقليم ، لتأجيل أي إصلاحات حقيقية .. كما عند أي أزمةٍ كبيرة .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن