بين عسل الله وعسل اللحس

سيلوس العراقي
saggio2007@hotmail.com

2015 / 7 / 15

إن التقليد الثقافي والديني اليهودي لاسرائيل، منذ حقبٍ قديمة قبل الميلاد، والمرتبط بالثقافة والتقاليد الكتابية للتنخ والتقاليد الشفوية والشعبية ، له علاقة يمكن للمطلعين على التنخ أن يجدونها في الأطعمة وأنواع الأطباق، ومنها ما يُعرف بالحلويات .
ويعتبر العسل ( ד-;- ב-;- ש-;- د ب ش ) الحلو النموذجي في التقليد اليهودي .
والذي يتكرر في التنخ ويشير الى منتوج النحل، وكذلك يشير إلى عصير ثمار حلوة أخرى أو الى معجنات حلوة ، من التمر والعنب والتين وغيرها.
والعسل هو أحد العناصر والملامح المحدّدة في صفات الأرض الموعودة، كنعان، الأرض التي يسيل فيها الحليب والعسل في رواية الخروج الكتابية (خروج 3: 8 و عدد 14: 8) مصوِّرة الوحي بشكلٍ حلو في وعده.
ولكن الله لم يَعِد اسرائيل فقط بالأرض الحلوة كالعسل ، بل باشر فورًا منذ مسيرة اسرائيل في الصحراء بكشف الحلاوة التي يحبها ويهبها لاسرائيل ابنه ، فأنزل عليهم الطعام الحلو " المنّ " لمدة أربعين سنة (خروج 16: 23)، ويمكن اعتبار المنّ كأول صورة لرقائق العسل التي ذكرت في التقليد اليهودي.
في حقب تاريخية لاحقة، الرابينيون (المعلمون ـ الحاخاميم ) سيعتبرون فقط الـ (د ب ش) ما يشير مباشرة لعسل النحل. وبحسب تفسيرات معلمي اسرائيل للتنخ في استخراج تعليمات الشريعة بخصوص الأطعمة الطاهرة وغير الطاهرة ، فأن منتوج عسل النحل هو الطعام الوحيد الذي ينتجه كائن حي (حشرة) غير طاهر، بينما تمّ اعتبار منتوجه ،العسل، طعاما طاهرًا ـ كوشير.
ومن الجدير ذكره ما يتمتع به العسل من صفة مهمة في التنخ.
فهو عنصر رمزي يشير الى الانارة والتنوّر العقلي الانساني، فيشير من باب المجاز الى التعليم الالهي ـ التوراة بشكل خاص، والى الحكمة الانسانية ومثلا لذلك في (أمثال 24: 13 ـ 14 و مزامير 19: 8 ـ 11 ، 119: 103). مثلما في 1صموئل 14: 27 حينما أكل يوناثان ابن الملك شاؤل من العسل البري في الغابة فأضاءت عيناه.
والنبي حزقييل ـ ذي الكفل ـ يروي رؤية رآها (حزقييل 3: 3 )، حيث تمّ أمره أمرًا أن يأكل لفافة مخطوطة بكلام لاله اسرائيل فيقول : "فأكلتها ، وصارت في فمي حلوة كالعسل":
ابتلاع النبي حزقييل في رؤياه للفافة مكتوب عليها كلام الله كانت أساسًا في قيام اليهود في أوربا في العصور الوسطى بجعلها تقليدًا تمّت ممارسته مع الفتيان، أولادهم، اليهود حين يبدأون مرحلة التنشئة في دراسة التوراة. ففي اليوم الأول لبدء الدراسة (وكان يصادف غالبًا في فترة أيام عيد الأسابيع ، عيد ذكرى استلام شعب اسرائيل للتوراة في سيناء) يقوم الأهالي باعداد لوحٍ يتمّ وضع حروف الأبجد هوز (الأبجدية) العبرية عليها ويتم تغطية كل الحروف بالعسل، ويدعون الولد الذي سيبدأ بدراسة التوراة ليتقدم ، ويبدأ بلحس العسل بلسانه ، رمزًا (وضمانة تبقى معه طيلة فترة دراسته وحياته) بأن تبقى كلمات التوراة حلوة على شفتيه وفي فمه ، وبعد ذلك يتم تقديم الفواكه، والبيض المسلوق تمامًا (البيض رمز للتجدد)، مع كعك معمول بالعسل مكتوب عليه أية من التوراة أو معمول على شكل حرف من الحروف العبرية.
في لغة الييديش (لغة يهود ألمانيا وأوربا) يسمى كعك العسل هذا (ليكاح) وهي اللفظة اليديشية للعبارة الألمانية lecken وهي قريبة جدًا من الكلمة الانكليزية to lick وتعني بالعربية " لحس " ، وفيها لعبٌ لغوي ذكيّ مع الكلمة العبرية
ל-;-ֶ-;-ק-;-ַ-;-ח-;- leckah لِقَح التي تعني تعليم
وربطها مع التوراة حتمًا كما في سفر الأمثال 4: 2 :
تعليمًا (لقح)صالحًا أعطيه لكم،
فلا تهملوا (توراتي)".
في مقال لاحق سيكون تتممة حول العسل ، الدبش، الدبس كمفردات لغوية في القواميس العبرية الكتابية والعربية وفي التراث العربي والعبري ، ومفردة الدبش في اللهجات العامية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن