بين منظومتنا التربوية ومنظومتنا الدينية

الطيب طهوري
ttayeb19@gmail.com

2015 / 6 / 15

1-إذا كانت المنظومات التربوية - كما هو مفترض - تهدف أساسا إلى تكوين الفرد المواطن الذي يثق بنفسه ويعتز بشخصيته ويتعايش مع الآخر المختلف عنه جنسا أو لغة أومعتقدا أو فكرا أو مذهبا بدل عقلية الإقصاء وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة ..الفرد المواطن الذي ينفتح على العالم بمختلف ثقافاته وتجارب الناس فيه ويجعل ذلك الانفتاح رافدا يوسع من مداركه العقلية ويجعله اكثر قدرة على فهم واقعه و مجريات ما يقع في العالم من أحداث ، ومن ثمة أكثر قدرة على اتخاذ المواقف الصائبة والتخطيط لحياته بوعي وعقلانية أكثر، والذي يتحمل مسؤوليته الاجتماعية ويساهم من ثمة مع الآخرين من أبناء وطنه في بناء حاضر ومستقبل بلاده في إطار ما يسمى بالمجتمع المدني..فإن المنظومة الدينية على النقيض من ذلك تماما،لا تعمل إلا على ترسيخ مجتمع القطيع من خلال مختلف الممارسات التي تفرض على المنخرطين فيها الالتزام بها ، كما تعمل أكثر على شحن عواطفهم الدينية ، وجعلهم من ثمة أكثر ميلا إلى الاتكالية التي تبرز في كثرة أدعيتهم ورفع أيديهم إلى السماء بدل توجيهها إلى الآرض للقيام بمختلف الأعمال التي تفيد مجتمعهم ..تعمل هذه المنظومة وبكل السبل على نشر أفكار رجالها الدينيين في كل مكان يُسمح لها بالتواجد فيه، وتركز أكثر على بناء أماكن العبادة – كما هو حال المنظومة الدينية الإسلامية- في كل حي وقرية، وتحرص على جمع التبرعات من المؤمنين بها لتبني الكثير الكثير من تلك الأماكن ، بدل المساهمة مثلا في بناء المراكز الصحية لتكون قريبة من المواطنين او الثقافية لتكون أماكن يلتقي فيها صبيان وشباب تلك الأحياء والقرى للمطالعة مثلا والترفيه عن أنفسهم وإبراز قدراتهم الإبداعية المختلفة..لا يخطر لها ذلك على بال..بل و تجعل أتباعها ( المنظومة الدينية ) أكثر رفضا للآخر المختلف..من لا يصلي ينظر إليه بالكثير من الريبة..من لا يصوم يكفر ويهدر دمه حتى..من لا تلبس الحجاب يُنظر إليها وكأنها عاهرة، مهما كانت نزاهة هؤلاء الناس، مهما كان صدقهم في القول والعمل وجدهم في خدمة بلادهم..نقد الدين ( دين تلك المنظومة) وفكره ورجاله يصير محظورا، ومن يمارسه قد يتعرض للتفكير والأذى..وهكذا يُضيَّق على الحرية الفكرية والشخصية، وحرية الإبداع أيضا..
2-في بلادنا العربية الإسلامية أمكن للمنظومة الدينية الإسلامية وبتحالف قواها شخصيات وأحزابا دينية مع أنظمة الاستبداد التي تحكمنا أن تهيمن وبشكل كبير على نفسيات الناس وعقولهم ، وان تجعل منهم أناسا لا يحترمون الوقت إلا في الصلاة وإفطار رمضان وسحوره..لا يشغِّلون عقولهم بالمرة، الأئمة والفقهاء يغنونهم عن تعب تشغيل الأدمغة..يتعاملون مع واقعهم من منطلق الحلال والحرام، من منطلق قال الإمام فلان أوالفقيه فلان، لا قال العقل أو يقول الواقع او يقول العلم..أساتذة جامعيون يسألون الفقيه أو الإمام في أمور بسيطة جدا ويأخذون برأيه بدل آراء عقولهم..المعاهد الجامعية صارت شبه زوايا..حضرت ندوة أقيمت في سطيف منذ أكثر من سنتين حول أدب الطاهر وطار..أحضرت إلى الندوة طالبات معهد الآداب..كلهن كن متحجبات..لم أر ولا واحدة غير متحجبة..حضرت منذ مدة قصيرة ندوة في معهد الفلسفة في جامعة سطيف2 مع المفكر اللبناني علي حرب..كل الحاضرات كن متحجبات أيضا..في مؤسسات التعليم الثانوي والمتوسط والابتدائي كل الأستاذات متحجبات.. السافرات نادرات الوجود..إلخ..إلخ..
3-أثناء مشاركتي في حراسة امتحانات شهادة البكالوريا في إحدى متوسطات سطيف فوجئت بما لم أكن أتوقعه بالمرة..القسم الأول الذي حرست فيه علقت على جدرانه الكثير من الأوراق الدينية: فداك يا رسول الله- أثر سماع القرآن على المخ ( تزداد قواك العقلية وتصبح مبدعا في تفكيرك) - حملة نصرة النبي ممثلة في صورة شخص غاضب يمزق قميصه ، مكتوب على صدره: إلا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم..- لوحة ( الله جل جلاله، رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم – كتب الأستاذ الحارس معي على السبورة الآية: رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي ..وختمها بالدعاء: اللهم لاسهل إلا ما سهلته.. في قسم آخر: شجرة الأنبياء ، الإسمان عيسى وموسى وسط شمسين صغيرتين، الإسم محمد وسط شمس كبيرة – حسبنا الله ونعم الوكيل، كلنا مع محمد صلى الله عليه وسلم –صورة لمسجد الأقصى – صورة للكعبة والحجاج يحفون بها – أبيات من قصيدة البردة للإمام البوصيري..إلخ..بقية الأقسام كلها على هذه الشاكلة..تعمدت الدخول إلى كل أقسام المتوسطة بعد نهاية الامتحان لأرى..كلها على نفس الشاكلة..هكذا تشحن عواطف أبنائنا الصغار..هكذا يؤدلجون منذ نعومة أظافرهم..ونسأل بعد ذلك: من أين جاءت داعش؟..
4-هكذا صارت منظومتنا التربوية مكانا خصبا لنمو وانتشار الفكر الديني المؤدلج..لم يعد هناك فرق بين ما تقدمه المساجد وما تعلمه مؤسساتنا التعليمة، خاصة في مواد العلوم الإنسانية..من الصعب إيجاد أستاذ علماني او أستاذة علمانية..الكل يتبنون الفكر الديني ويدعون إليه، أساتذة وأستاذات..بعض زملائي من أساتذة الرياضيات والعلوم يقدمون لتلامذتهم كتيبات الفكر الديني القادمة من السعودية مثلا، بدل تلقينهم التفكير العقلي..أساتذة الفلسفة في معظمهم لا علاقة لهم بالفلسفة..أساتذة الأدب العربي والاجتماعيات حدث ولا حرج..إلخ ..إلخ ..
5-ترى كيف ننقذ منظومتنا التربوية مما صارت عليه؟..كيف ننقذ أبناءنا ؟..كيف نجعلهم عقلانيين ؟..كيف نزرع في عقولهم ومشاعرهم الوعي وروح الشعور بالمسؤولية؟..كيف نهيئهم ليكونوا مواطنين حقيقيين؟..الأمر صعب بالتأكيد..لكنه ليس مستحيلا..



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن