اغتصاب الطفولة في -جراح الروح والجسد- لمليكة مستظرف

عدنان حسين أحمد
adnanahmed9@hotmail.com

2015 / 5 / 27

تُعتبر رواية "جراح الروح والجسد" للكاتبة المغربية مليكة مستظرف عملاً استثنائياً لأسباب متعددة من بينها الجرأة في كشف المستور، وتعرية المسكوت عنه، وفضح الموضوعات المحجوبة وانتهاكها من دون لفّ أو دوران. إنَّ مَنْ يقرأ هذه الرواية بعناية فائقة سيكتشف من دون لأي أن موضوعها بسيط جداً، وأن تقنياتها تخلو من التعقيدات السردية المتعارف عليها، خصوصاً وأن الساردة تعتمد كثيراً على ضمير المتكلم ولا تجد ضيراً في خرق القيم الثابتة، وانتهاك الموضوعات السريّة المطمورة في أعماق الكائن البشري الذي قد لا يميل بالضرورة إلى البوح والمكاشفة.
وعلى الرغم من تنوّع الثيمات التي عالجتها الكاتبة في هذه الرواية وعلى رأسها الحُب والفقد والسفر واكتشاف الذات لكن "البيدوفيليا" تظل هي الثيمة المهيمنة على مدار النص الروائي حيث تكررت هذه الجريمة ثلاث مرات، الأولى مع الساردة نفسها، والثانية مع أولاد قدّور، والثالثة مع إلهام التي تصف نفسها بأنها "ابنة حرام". والبيدوفايل هو شخص مريض نفسياً وذهنياً يجد اللذة في اغتصاب الأطفال ومصادرة أرواحهم إلى الأبد. وربما تتضاعف خطورة الشخصية البيدوفيلية حينما يكون الضحايا أطفاله العُزّل أو ذويه الذين لا حول لهم ولا قوة تماماً كما حصل مع أولاد قدّور الثلاثة الذين استباحهم جميعاً من دون أن ترتعد له فريصة وحينما انكشفت جريمته لم يجد بُداً من الانتحار شنقاً.
لا يقتصر وجود الشخصيات البيدوفيلية على قاع المجتمع الفقير جداً وإنما يمتد إلى مجمل طبقاته الاجتماعية المتوسطة منها والثرية ثراءً فاحشاً على حدٍ سواء لكن تظل الأوساط الموبوءة في قاع المجتمع وحضيضه هي الملعب الأساسي الذي تتجلى فيه هذه الشخصيات المريضة.
تثير الساردة في مفتتح النص سؤالاً شديد الخطورة مفاده: "لماذا أنبش الماضي وأنكأ الجراح؟" ولاغرابة في أن يكون الجواب سريعاً وحاسماً "لكي أرتاح"، فالبوح يخفِّف من غلواء الألم الممض الذي تعاني منه الضحية المُنتهكة التي طُعِنت في الصميم.
تتعرض الساردة إلى ثلاث عمليات اغتصاب على أيدي الرجل الطويل الأسود، والبقّال، وقدّور "القذر"، أحد أقرباء والدها الحاج محمد. وبدلاً من تُعالَج الضحية في مصحّ نفسي تُعاقب بالكيّ على فخذها من قِبل الوالدة وتتحول إلى طفلة منبوذة ومُدنّسة تعاقبها الأم وتعنّفها الأخت الكبرى، كما يحتقرها المحيط الاجتماعي ويحاول تجريدها من شخصيتها الإنسانية.
لم تكن الساردة هي الضحية الوحيدة في منزل أبيها وإنما سوف نكتشف تباعاً بأن الأخت الكبرى خديجة قد تحولت إلى مومس تعيل الأسرة برمتها. وأن والدها الحاج محمد لا يتورع عن خيانة زوجته وقد شاهدته ذات مرة في المبغى الذي ترتاده. وحينما سألت عنه الحاج إبراهيم أخبرها بأنه رجل غني يصرف في الليلة الواحدة راتب موظف محترم.
وعلى الرغم من المِحن المتواصلة التي تعيشها الساردة إلاّ أنّ الحُب يلامس قلبها غير مرة حيث أحبت من طرف واحد شاباً يسكن في العمارة المجاورة، وكتبت له رسالة غرامية لكن صديقتها دستّ الرسالة خطأً في الطابق الرابع بينما هو يسكن في الطابق الخامس الأمر الذي دفع الأهل إلى معاقبتها ومنعها من الخروج من المنزل إلاّ بحراسة قدّور المشددة.
ينعطف السياق السردي باتجاه آخر حينما نعرف أن قدّور قد سافر إلى فرنسا واقترن بجوزيان التي أنجبت له ثلاثة أطفال وهم زهرة وفاطمة ويوسف لكنه سوف يغتصبهم جميعاً وحينما تنكشف جريمته ينتحر في مرآب المنزل الأمر الذي يدفع زوجته للمجيء إلى المغرب لتصفية أمورها المالية التي ورثتها عن زوجها المنتحر. وحينما تلتقيها الساردة لمعرفة السبب الذي دفعه للانتحار تدعو الأم طفلتها زهرة التي تسرد قصتها ببراءة شديدة ثم نعرف أن فاطمة ويوسف أيضاً كانا من ضحايا السلوك البيدوفيلي للوالد وهم يُعالَجون ثلاثتهم في مصحة نفسية. وعنذاك لا تتردد الساردة في البوح بأنها كانت ضحية قدّور وأنها عانت مثلما عانى أطفالها الثلاثة لكن الفرق الوحيد أنهم في الغرب شجعان لذلك أخبروا الشرطة بما حدث لهم أما هي فكانت تخاف من الفضيحة لأنها كانت ترضع الخوف والقمع من ثدي أمها فلاغرابة أن تلوذ بالصمت وتتحمل كل أشكال المعاناة اللاإنسانية.
تقترح جوزيان على الساردة أن تذهب معها إلى باريس كي تساعدها في تأسيس جمعية تُعنى بضحايا الاعتداء الجنسي، وإذا نجحت التجربة فيمكن أن تعود وتفتح فرعاً في المغرب وتصبح مسؤولة عنه. وعلى الرغم من يأس الساردة التي تشعر بأنها تدفن رأسها بالرمال إلا أنّ جوزيان قد زرعت في داخلها بذور التحدي والاحتجاج وذكّرتها بأن بنازير بوتو قد غيّرت بلداً بكامله لأنها كانت تمتلك الإرادة والعزيمة لذلك قررت الساردة أن تكون سيدة مصيرها وسوف تتخذ القرار الذي سوف يقلب حياتها رأساً على عقب.
لم يكن الجار الوسيم هو الشخص الوحيد في حياتها فلقد ارتبطت بنجيب، الشاب الجزائري التقليدي لكنها لم تستطع أن تحبّه ليس لأنه لا يعرف الغزل أو الكلام المنمّق حسب، وإنما لأنها كرهت جنس الرجال عموماً ولما يزل وجه قدّور يتماوج أمام عينيها مُذكراً إياها بالمواقف البشعة التي ارتكبها بحق طفولتها المعفرة بالألم. لذلك قررت وضع حدٍ لهذه العلاقة المرتبكة.
لابد من الإشارة إلى أن الساردة قد تعرفت في الحافلة على امرأة شابة تُدعى إلهام وسوف ترتبط معها بعلاقة صداقة حميمة وسوف يتحول منزل هذه الأخير إلى ملاذ لها في أويقات الشدة والاسترخاء. ثم نعرف من إلهام التي تعمل في حانة أنها كانت أيضاً ضحية للاغتصاب الذي تعرضت له من قِبل خالها وشقيقها الوحيد. وبما أنها شخصياً لا تعرف والدها البيولوجي فقد أطلقت على نفسها صفة "بنت الحرام" فلاغرابة ألا تعرف ابنتها دعاء والدها الحقيقي أيضاً.
تتوسع دائرة الأحداث من خلال إلهام حيث تدعو الساردة إلى الحانة لتلتقي ببشرى التي تتحدث دونما حرج عن تمردها، هي وشقيقتها، على أوامر الوالد الذي قرر العودة بهما من باريس إلى الدار البيضاء لكنها تهرب إلى هذه الحانة بينما تستقر أختها في أغادير لتعاشر السوّاح العرب والأجانب وتجني أموالاً طائلة.
تكتشف الساردة قبل سفرها إلى باريس أن أخواتها وشقيقها الوحيد عبدالله يعرفون جميعاً أن خديجة قد دفعت مهرها، وأثثت شقّتها، واشترت عريساً. وأن رصيدها الكبير من المال كان مصدره البغاء الذي تمارسه علناً وبمعرفة الأسرة باستثناء أمها التي توفيت في الخمسين من عمرها، وأبيها المنغمس في أسفاره الكثيرة وعلاقاته المحرمة خارج إطار المؤسسة الزوجية.
تصرّ الساردة على الرحيل رغم معارضة الأب الذي يرضخ في خاتمة المطاف حيث يحتضن ابنته في المطار ويطوِّق عُنقها بسلسلة ذهبية تتدلى منها "آية الكرسي" ويخبرها بأنه سوق يطلّق زوجته التي كانت تخونه كلما سنحت لها الفرصة!
قد لا نستغرب من الحادثة المروِّعة التي تعرضت لها إلهام حينما خرجت مع محمد، صاحب المارسيدس البيضاء، الذي تناوب على اغتصابها مع أربعة أشخاص آخرين في فيلا غير مكتملة خارج المدينة لكننا نستغرب حقاً من موافقة الوالد على سفر ابنته إلى باريس بينما كان يرفض بشدة سفرها إلى الرباط الأمر الذي أخلّ باشتراطات البنية السردية لهذا النص الروائي الجريء.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن