لماذا لا يعرف إله القرآن فلسطين إلا أرضاً لبني اسرائيل ؟

سيلوس العراقي
saggio2007@hotmail.com

2015 / 5 / 27

طالما سمعنا في مدارسنا من معلمينا ومن مدرسينا ومدرساتنا في القرن الماضي بأن فلسطين دولة عربية، وأن اليهود هم مغتصبون لها، وليس لليهود أي حقّ فيها. وأنه ليس هناك من أرض اسمها أرض اسرائيل في فلسطيننا العربية. وهذا بالضبط ما يعتقده الفلسطينيون العرب شعبا ونوابا وقادة وحركات وغيرهم.
وحين تسنح الفرصة لمن يريد أن يدرس ويبحث عن الحقائق فيقرأ ويطلع على القصة من طرفها الآخر أيضاً ويسمعها على لسان يهودي سيسمع قصة أخرى. وحين يطلع على مصادر ومراجع في دراسات تاريخية لهذه المسألة من أطراف محايدة ، سيجد الكثير من الأمور والحقائق، التي تختلف جذريا عن كتب التاريخ التي تعلمنا فيها ولا زالت أجيال التلاميذ العرب تتعلم تاريخاً مؤدلجاً ، إن لم نصفه بالمزور والمليء بالأكاذيب ، فانه غير دقيق بشكل كبير (للأسف!).
إن هناك سوء فهم عام لدى العرب والمسلمين عامة بسبب قصص وكتب (روايات) التاريخ العربي والاسلامي، حيث لديهم فكرة راسخة : أن اليهود العبرانيين تم ترحيلهم (جميعا) قسرياً بعد دمار هيكل اورشليم من قبل الرومان سنة 70 ميلادية، وبعد 1800 سنة عادوا فجأة الى فلسطين مدّعين بأنها بلدهم وأرضهم . أليست هذه الرواية العربية والاسلامية للمسألة التاريخية باختصار التي يؤمن بها كافة العرب والمسلمين؟
لكن تاريخياً ، هناك حقيقة أن الشعب العبراني استمرت علاقته التاريخية مع أرضه لأكثر من 3750 سنة، خلالها تمكن من خلق لغة قومية وحضارة وثقافة خاصة به، اضافة لقيامه بحكم نفسه على هذه الارض في فترات وحقب متعددة في تاريخه .
والشعب العبراني يؤسس ادعاءه بأرض اسرائيل حول أمور عديدة منها: أن الأرض هي وعد لابراهيم أبي الشعب ولنسله ولذلك يعتبرها الاسلام الحقيقي أرضا لبني اسرائيل (مع ان البعض لا يعترفون بهذه الرواية كونها في كتاب ديني مقدس ، لكن لا يُمكن القول بأن كتب الدين لا تحوي على تقاليد تاريخية معروفة في حينها ، هذا عدا على احتوائها على الكثير من المعلومات التاريخية لحقب بعيدة قبل الميلاد)، واضافة الى هذا ففي قرون عديدة قبل الميلاد سكنها هذا الشعب وحقق تطورا فيها ولم يكن قد وطئ ارضها العرب بعد، كما أن بعض الآثار إضافة لمؤرخي أمم عديدة أخرى غير شرق أوسطية وغير عربية (ومنهم من كان يكنّ كراهية لليهود) يؤكدون سيادة هذا الشعب على (فلسطين) سياسيا وثقافيا ودينيا، وتم الاستيلاء من قبل أكثر من قوة غازية على هذه الأرض بعد ذلك في حروب متعددة.
وبعد دمار الهيكل الثاني سنة 70 م وبدء الشتات ، لم تتوقف حياة العبرانيين في فلسطين وازدهرت في بعض الفترات التي توقف فيها اضطهاد اليهود بشكل مؤقت .
فقد أعادت الجماعة العبرانية مثلا بناء بعض المدن، في اورشليم وطبريا في القرن 9 م وفي القرن 11 م نمت في الرفح وغزة واشقلون ويافا والقيصرية.
وفي القرن 12م قام الصليبيون بمجازر قتل فيها عدد كبير من اليهود ، ولكن بعد قرنين قام العبرانيون باعادة احياء وجودهم بأعداد كبيرة من الرابيين والحجاج الذين عادوا ليعيشوا في اورشليم والجليل. فأسس الرابيون تجمعات جديدة في الصفد واورشليم وغيرهما في ال 300 سنة اللاحقة.
في بدايات القرن التاسع عشر، وقبل ولادة الحركة الصهيونية ، بقي أكثر من 10000 عبراني يعيش في أرض اسرائيل ، التي أثمرت بعد عشرات السنين، وبعد سبعين سنة من عام 1870 م ، إعادة تأسيس الدولة الاسرائيلية. مع استمرارية تواجد الشعب في أرض فلسطين.
وفي الجانب الآخر، في جانبنا العربي، نسمع صوتاً مختلفاً ! يقول : إن فلسطين كانت دائماً بلاداً عربية ، مثلما علّمونا في مدارسنا العربية !
والسؤال الذي يطرح نفسه : من هم الفلسطينيون وأصلهم وأصل تسمية فلسطين ؟
لا أعتقد بأننا سنخترع جديداً بالقول بأن كلمة فلسطين في أصلها ليست عربية ، هي من كلمة ـ فلستي ـ لشعب أتى من ايجيا استقر في القرن الثاني عشر قبل الميلاد على (سواحل) اسرائيل وعلى (ساحل) غزة.
وفي النصف الأول من القرن الثاني الميلادي بعد اندحار الثورة اليهودية الثانية ضد الرومان ، وتشتت اليهود لاضطهاد وقتل الرومان لهم، أطلق الرومان تسمية فلسطين (بلستينا) على الجزء الذي كان فعلياً يسمى باليهودية (يهودا) ـ الجزء الجنوبي لما يسمى اليوم بالضفة الغربية، في محاولة من الرومان للحدّ من الهوية اليهودية لأرض اليهود والقيام بـرَوْمَنة أرض اسرائيل. ومن الكلمة التي أطلقها الرومان ، بلستيا أصبحت في العربية تسمى فلسطين.
واذا رجعنا الى 1000 سنة قبل الميلاد ، الى زمن الملك داؤد ، ثاني ملوك اسرائيل ، حيث كانت الدولة والشعب ( عشائر اسرائيل الاثني عشر) موحدة في عهده وداؤد الملك هذا هو الذي اتخذ من اورشليم عاصمة لمملكة اسرائيل الموحدة ، ومن بعده في أواخر القرن العاشر قبل الميلاد بعد وفاة ابنه الملك سليمان انقسمت المملكة الى قسمين : مملكة الشمال التي أخذت اسم مملكة اسرائيل وأصبحت فيمابعد السامرة عاصمتها ، ومملكة الجنوب ، مملكة يهودا وعاصمتها اورشليم . واستمرت مملكة اسرائيل (الشمالية) لغاية سقوطها على يد الآشوريين في القرن الثامن قبل الميلاد. بينما بقيت مملكة الجنوب (مملكة يهودا ) مستمرة ومستقلة لغاية سقوطها في أواخر القرن السادس قبل الميلاد على يد البابليين الذين احتلوها وأسروا اعدادا كبيرة من ابنائها الى بابل، ومع هذا بقيت اعداد كبيرة منهم في ارض اسرائيل. اذن يمكن القول بأن المملكة استمرت لفترة 500 سنة تقريبا.
والآن لو نتقدم في الزمن الى القرن التاسع عشر الميلادي، حين بدأ ابناء الشعب اليهودي المشتت بالهجرة المعاكسة (العودة) الى أرضهم، أرض اسرائيل (بلستينا) في أعداد كبيرة منذ عام 1882 م ، كان فيها عدد من السكان العرب كانوا من الوافدين، في عهد قريب، الى بلستينا، حيث لجأوا اليها خلال القرن التاسع عشر أو كان بعضهم من احفاد عرب لجأوا للاستقرار فيها.
المرجع: Carl Voss, The Palestine Problem Today, Israel and Its Neighbors, (MA: Beacon Press, 1953), p. 13.
كما أن الصوت العربي القائل الادعاء بأن فلسطين دولة عربية تاريخياً، ففي هذا الشأن يمكن القول بأنه لم يوجد في أي مرحلة من مراحل التاريخ المعروف والموثق دولة أو ولاية باسم فلسطين، وإن كان فيها سكان عرب يتحدثون العربية فان هذا حدث نتيجة الغزو (الاحتلال) العربي الاسلامي لأرض اسرائيل في القرن السابع الميلادي.
فالمؤرخ والبروفيسورالعربي الشهير والذائع الصيت كمرجع تاريخي محترم على مستوى المؤرخين العرب والأجانب، فيليب حتي، قال أمام لجنة التقسيم الانكليزية ـ الاميريكية في عام 1946 : "لم يوجد في كل التاريخ أي شيء باسم فلسطين" . المرجع : Jerusalem Post, (November 2, 1991)..

القرآن يعترف بحق بني اسرائيل في ارضهم :
واذا عدنا الى مصدر مهم ومقدس اسلاميا، وهو القرآن الكريم، وبحثنا فيه عن كلمة فلسطين، فلن يتم العثور عليها، فماذا يسميها القرآن ؟
انه يسميها بالأرض المقدسة ، ويسمي شعبها ببني اسرائيل.
وفي عام 1919 ، وقبل وجود فكرة قرار التقسيم حتى، فلم يكن أي علمٍ أو فكرة للعرب الفلسطينيين بهويتهم المستقلة، ففي شباط من العام المذكور تم انعقاد مؤتمر (كونغرس) اسلامي مسيحي في اورشليم لاختيار ممثلين عن فلسطين للذهاب الى مؤتمر السلام الذي سيعقد في باريس، خرج المجتمعون من مؤتمر اورشليم (شباط 1919 م) بما يلي :
" نحن نعتبر فلسطين جزءا من سوريا العربية ، وبما أنها لم تكن مستقلة أو منفصلة عنها بتاتا. نحن مرتبطون بسوريا برباط متين، شعبي، ديني، طبيعي، اقتصادي، لغوي، جغرافي.." المرجع :
Yehoshua Porath, Palestinian Arab National Movement: From Riots to Rebellion: 1929-1939, vol. 2, (London: Frank Cass and Co., Ltd., 1977), pp.81-82.

في عام 1937 في وقت لجنة البيل PEEL commission (يمكن البحث عن معلومات حول هذه اللجنة في محرك غوغول لعدم إطالة المقال) التي ذهبت الى الأراضي المقدسة سمعت من أحد الفلسطينيين العرب، عوني بيه عبدالهادي :" لا يوجد بلد يسمى فلسطين، وانه اسم تمّ اختلاقه من قبل الصهاينة ، ولا يوجد في الكتب المقدسة بلد بهذا الاسم ، وان البلد الذي نعيش فيه هو مدن تابعة لسوريا".
المرجع : Jerusalem Post, (November 2, 1991).
كما أنه في عام 1947 قام ممثل الدول العربية في اللجنة العربية في الأمم المتحدة بالقول في الجمعية العمومية في آذار من عام 1947 مؤكداً بأن "فلسطين هي جزء من سوريا" و "سياسيا ، عرب فلسطين لم يكونوا مستقلين بالمعنى الذي يعطيهم كيانا سياسيا قائما بذاته".
وبعد سنوات من هذا سيقول أحمد شقيري (الذي سيصبح فيما بعد رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية) أمام مجلس الأمن الدولي :
" الجميع يعلم بأن فلسطين ليست إلا سوريا الجنوبية".
المرجع : Avner Yaniv, PLO, (Jerusalem: Israel Universities Study Group of Middle Eastern Affairs, August 1974), p. 5.
يبدو من هذا أن وجود فكرة أو كيان لقومية فلسطينية عربية قبل الحرب العالمية الأولى لم تكن ظاهرة تاريخياً، انما هذه الظاهرة فجديدة جدا ًحيث بدأت في أعقاب الحرب العالمية الأولى.
في عام 1917 أصدرت بريطانيا العظمى وعد بلفور الذي وعد باعادة تاسيس الوطن القومي للشعب اليهودي المشتت. وبحسب لجنة بيل المشكلة للبحث في قضية الثورة العربية في عام 1936 :
" إن ماكان مقصودا في وقت وعد بلفور، هو أن يتم انشاء الوطن القومي لليهود في كل الأراضي التاريخية ومن ضمنها عبر الاردن". المرجع
Ben Halpern, The Idea of a Jewish State, (MA: Harvard University Press, 1969), p. 201. 15
وان هدف البعثة المرسلة هو تطبيق وعد بلفور الذي يشير الى العلاقة الوثيقة للشعب اليهودي تاريخيا بأرض فلسطين، والموقف الأخلاقي لاعادة بناء وطنهم القومي"، وعبارة اعادة بناء تشير بشكل واضح الى أن فلسطين كانت موطن اقامة الشعب اليهودي.
مؤتمر باريس:
كان أحد أهم وأبرز الشخصيات العربية المشتركة فيه هو الأمير فيصل ابن الشريف حسين، قائد الثورة العربية ضد العثمانيين الأتراك، الذي قام بالتوقيع على اتفاق مع حاييم وايزمن ومع شخصيات يهودية أخرى في مؤتمر باريس عم 1919 م يعترفون فيه بعراقة الصلة التاريخية بين الشعبين العربي والعبراني، وضرورة تشجيع اليهود على الرجوع والاستقرار في أرضهم، وتعاون الجميع لازدهار هذه البلاد.
أليس من الضروري اعادة رؤيتنا لتاريخنا بشكل هاديء ورصين ، لتصحيح كتب التاريخ التي يتم اعتمادها منهجا تعليميا ، وتضمينها حقائق تاريخية أصبحت معلومة لدى كافة شعوب الارض ماعدا ابناء العرب وأبناء خير أمة ؟
ألا يكفينا قراءة كتب تاريخ (عربية واسلامية ) زائف مزيف لا قيمة علمية وتاريخية لها ؟ وقيمتها الوحيدة هي في خراب الدول العربية وضياع مستقبلها الى أمد طويل .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن