بذورٌ فاسدة

فاطمة ناعوت
f.naoot@hotmail.com

2015 / 5 / 27

بذورٌ فاسدة
--
قبلَ أن يحملوا فؤوسَهم
ويرحلوا
إلى دُورِهم النائيةْ
يتأكَّدُ الفلاحون
أنَّ بذورَهم
التي نثروها في الأراضي البعيدة
منزوعةُ النواةْ
فاسدةٌ
لن تأتي بالثمرْ
...
يخافون أن يأتيَ الغرباءُ
ويحصدوا ما زرعوا.

جاءوا من أقاصى الأرضْ
إلى حيث القريةِ البائسةْ
وراحوا
يجوبون الدروبَ الآمنة:
يثقبونَ عيونَ العذراواتْ
بأسِنَّةِ الإبرْ
يُشَرِِّطون نهودَهنَّ بالمناجلْ
يمزِّقون الأوصالَ
ليُفرِّغوا الأجسادَ الغِضّةَ
من السُّقيا
ثم يحصدون أرواحَهن
بقلبٍ باردْ
ويمضونْ
قبل أن يسمعوا الصرخةَ الأخيرةْ
ودونَ أن يُلقوا السلامَ
على فقراءِ الحَيِّ.

جاءوا
يحملونَ أحلامَهم
فوق ظهورِهم
حلِموا
أن يصعدوا مع الغَيمِ الطالعِ
مِن أغصانِ الشجرْ
لتُكتَبَ أسماؤهم في دفاترِ الشعراءْ
حتى
إذا ما كلَّلَتْ هاماتِهمْ
صلواتُ الصَّبايا
يرفعون فؤوسَهم فوق أعناقِ البناتْ
ويغرسونَ النِّصالَ القاسياتْ
بين عظامِ النحْورْ
حتى يموتَ الصوتُ الواهنُ
في الحناجرِ
و...
يختفونْ.

لا شيءَ يُطعِمُ العصافيرَ
سوى حباتِّ الشِّعيرْ
التي تتدفأُ
داخلَ مخلاتٍ
تحملُها ظهورُ الفلاحينْ
لكنّهم قساةٌ
وبُخلاءْ
كلّما امتلأتْ مخلاةٌ
أفرغوها في النهرْ
وصبّوا البنزينَ
على أجنحةِ العصافيرِ النحيلةْ
ثم أشعلوا النارْ.

أثناء سفرِ الفلاحين
تنتهزُ الزوجاتُ الفرصةَ
لينقلنَ الأسِرَّةَ الباردةَ
إلى الغُرفِ المهجورةْ
حتى إذا ما عادَ فحولُ الفلاحينَ
من أسفارِهم
تتهيأ النساءُ لموسمِ التزاوجْ
والإثمارْ
فلا يجِدُ الفلاحون بُدًّا
من بذرِ البذورِ السليمةْ
في الأراضي البورْ
ثم يجلسونَ على عتباتِ الدُّورْ
ينتظرونَ الثمرَ
ويفكّرون في بذورِهم الفاسدةِ
التي زرعوها في بُطُون الأرضِ البعيدةْ
بعدما أفرغوها من النَّوى
ليتأكدوا من عدمِ إثمارِها
في حقولِ الغرباءْ.

الفلاحون
غيرُ مَلومينَ
حين شقّوا بُطُونَ الصَّبايا
ليُخرجوا حبَّاتِ اللؤلؤْ
والتمرَ الأحمرَ
...
وحدَهُن العذراواتْ
يحمِلْن الاثمَ الذي
لا غفرانَ يَمحوه
حين سمَحْنَ للعابثينْ
أن يُدَنِّسوا أجسادَهنَّ البِكْرَ
برذاذِ المطرِ الأسودْ
الذي دسَّتْه الشياطينُ
بين طيّاتِ السماءْ
وحين أنفقنَ أعمارَهُنَّ
في ضبطِ
مواقيتِ الصلاةْ
حسبَ توقيتِ المُدنِ النائية.

الفلاحونَ
يحصدونَ الحقولْ
...
والصبايا
تحملُهنَّ التوابيتْ.

--



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن