تحولات المثقفين وتنازلاتهم

طلعت رضوان
talatradwan@yahoo.com

2015 / 5 / 15

تحولات المثقفين وتنازلاتهم
طلعت رضوان
تشهد الثقافة السائدة (سواء فى مصر أو فى الدول العربية) ظاهرة تحول (المثقف) الذى يبدأ حياته مع (العقل الحر الناقد) ثمّ ينتهى إلى مرحلة تقليد آخرين ، وتكون الكارثة أشد عندما يكون التقليد لصالح الأصولية الإسلامية ، وهذا ما فعله أدونيس ، ومع مراعاة أنّ الشاعر السورى الكبير (على أحمد سعيد) الذى اختار لنفسه اسم أدونيس والمولود فى 1 يناير1930، يُعتبر من كبار الشعراء الذين كتبوا باللغة العربية. كما أنه ساهم فى تجديد الشعر العربى وتحديثه ، عندما تخلى عن كل معوقات الشعر العربى القديم ، وبذلك كان أحد المؤسسين الكبار لشعر الحداثة. ولعلّ اختياره لاسم (أدونيس) ذات دلالة مهمة، فذاك الاسم ارتبط باسم أحد الآلهة الكنعانية/ الفينيقية، لأنّ كلمة (أدون) تعنى (سيد) وتعنى (إله) مُــضافـًا إليها (سين التنوين) فى اللغة اليونانية القديمة. وقد تأكــّـد ذلك الاختيار للاسم عندما كتب كتابه المهم (الثابت والمُــتحول- بحث فى الاتباع والإبداع) بأجزائه الثلاثة ، لأنه فى معظم فصول هذا الكتاب اختلف مع الثقافة العربية السائدة، حيث تبنى مفهومًا عصريًا لحرية الإنسان، يختلف عن المفهوم السائد فى التراث العربى/ الإسلامى، وعن المفهوم العصرى لحرية الفكر كتب ((فكر الإنسان لا يولد إلاّ فى تعارض مع فكر إنسان آخر، فإذا لم يكن تعارضـًا لا يكون فكر، بل يكون تقليد ، وفى أحسن الأحوال شرح وتفسير)) (الثابت والمتحول- ج1)
ومن أقواله المهمة عن الإنسان الرافض للاختلاف والذى كوّنَ صورة لمن تصوّر أنه غريمه كتب أدونيس موجّهًا خطابه لهذا الإنسان ((أنتَ لا تكرهنى . أنتّ تكره الصورة التى كوّنتها عنى ، وهذه الصورة ليست أنا إنما هى أنت)) وفى موضع آخر كتب عن حالة الاستسلام التى يعيشها (الإنسان العربى) فعبّر أدونيس عن هذا الوضع البائس بكلمات قليلة ولكنها ثرية ببلاغتها فكتب ((ما هذه القدرة عند العربى على تحمل وجود هو أكثر من موت، وأقل من حياة)) وعن الأصوليين الإسلاميين ومعهم العروبيين الذين يتمتــّـعون بالمُــنجز التكنولوجى الذى أبدعه العلماء الأوروبيون والهنود والصينيون واليابانيون والروس، ومع ذلك يُعلنون معارضتهم لثقافة تلك الشعوب، فكتب أدونيس ((إننا اليوم نــُمارس الحداثة الغربية على مستوى تحسين الحياة اليومية ، لكننا نرفضها على مستوى تحسين الفكر والعقل ، أى أننا نأخذ المُــنجزات ونرفض المبادىء، أى نرفض عقلية من ابتكر هذه المُــنجزات (لذلك) يبدو أننا إزاء انهيار الشخصية العربية)) (الثابت والمتحول- ج3) وكما كتب المفكر السعودى الكبير عبد الله القصيمى فى كتابه المهم (العرب ظاهرة صوتية) وأدان فيه التراث العربى/ الإسلامى الذى يعتمد على (الكلام) دون أى إنجاز حضارى ، كذلك فعل أدونيس فى جملة شديدة الكثافة فكتب ((سابقــًا كانت شهرزاد تحيا بقوة الكلام ، واليوم هو نفسه الذى يقتـلها)) وشرح وجهة نظره فى موضع آخر فكتب ((بما أنّ الثقافة العربية بشكلها الموروث السائد ، ذات مبنى دينى، فهى ثقافة اتباعية ، لا تؤكد الاتباع وحسب ، وإنما ترفض الإبداع وتــُدينه. ودون أى تقدم حقيقى لا يمكن أنْ تنهض الحياة العربية ويُبدع الإنسان العربى ، إذا لم تنهدم البنية التقليدية السائدة للفكر العربى)) (الثابت والمتحول- ج1) وعمّق فكرته فى الجزء الثالث حيث كتب ((من يُعيد تقييم الثقافة العربية اليوم- وبخاصة ماضيها- هو كمن يسير فى أرض ملغومة، ويجد نفسه مُحاصرًا بالمُسلــّمات ، بالقناعات التى لا تتزحزح ، بالانحيازات ، بالأحكام المُسبقة ، وهذه كلها تتناسل فى الممارسة شكوكــًا واتهامات وأنواعًا قاتلة من التعصب ، فليس الماضى هو من يسود الحاضر، بقدر ما تسوده صورة مُظلمة تتكوّن باسم الماضى)) ومن أقواله المهمة (( لا تــٌُقاطع صديقــًا وإنْ كفر. ولا تركن إلى عدو وإنْ شكر))
وعندما حضر معرض القاهرة الدولى للكتاب (منذ عدة سنوات) قال إنه لا يوجد مفكر واحد (عربى) يمكن أنْ تضعه إلى جانب مفكرى الغرب ، وإنما يوجد فقهاء ليستْ لديهم ابتكارات ، ويُـقلــّـدون القدماء ، وبالتالى فإنّ هذه القضية يجب أنْ تكون الشغل الشاغل لكل عربى ومسلم. وأدان المُـتطرفين الإسلاميين. وأنّ الدولة الإسلامية قامت على العنف وعلى اقصاء المُـختلف. وعلى (موقع الجزيرة نت) دعا بشار الأسد إلى الاستقالة ، والمعارضة إلى الابتعاد عن الدين. وأشار إلى عدم وجود قوة ليبرالية أو يسارية فى سوريا تستطيع التأثير لخلق نظام جديد . وأنّ النظام السورى سوف يسقط ، والقوة التى ستحل محله إما الإخوان المسلمين أو أى فصيل دينى. وقال فى رسالة مفتوحة نشرها فى صحيفة السفير اللبنانية أنّ حزب البعث العربى الاشتراكى لم ينجح فى البقاء مُهيمنـًا على سوريا بقوة أيديولوجية ، وإنما بقوة قبضة حديدية أمنية.
وكل ماسبق شىء طيب يُحسب له، ولكنه كان يلجأ إلى استخدام لغة الأصوليين الإسلاميين عندما طالب (فى ندوة معرض الكتاب) بضرورة ((تجديد وتأويل الدين)) وهى قضية خاسرة ولن تــُحقق أى تطور فكرى أو تنموى ، لسبب بسيط حيث أنّ كل العاملين بمؤسسات شئون التقديس – وفق تعبير المرحوم خليل عبد الكريم – يستشهدون بالقرآن وأحاديث محمد وسيرته، وبالتالى – كما حدث طوال السنوات الماضية- كان الحوار بين الأصوليين المُــتشدّدين وبين من أطلقوا على أنفسهم (يسار الإسلام) أو (الإسلام اليسارى) أشبه بحوار الطرشان ، لأنّ كل فريق مُــتمسك بالنصوص التى يعتقد بصحتها وأنها هى التفسير الصحيح للإسلام ، ولذلك لم أندهش عندما قال أدونيس ((الله ليس بحاجة لمن يُدافع عنه ، بل إلى من يُـضيىء الدروب إليه ، بالفكر المُـنفتح المُحب والعمل الصالح)) فهذا كلام ردّده كثيرون من الشيوخ ولا جديد فيه. وقال أيضًا ((المسلمون يُـقلصون الهوية الإسلامية برفض الآخر ونبذه مما يتعارض مع طبيعة الوحى الإسلامى المُنفتح كليا على الآخر، الإسلام ائتلاف وإيلاف وهو المُختلف المؤتلف)) وهذا النص عليه ملاحظات : 1- قوله (الهوية الإسلامية) فهذا خطأ علمى، لأنّ (الهوية) تكون للوطن وليس للدين ، والدليل على ذلك وجود أديان عديدة داخل (وطن واحد) ووجود (دين واحد) فى العديد (من الأوطان) 2- زعمه أنّ (الوحى الإسلامى مُـنفتح على الآخر) وهذا غير صحيح بدليل الآيات العديدة المُـنتشرة فى معظم سور القرآن التى تؤكد على نفى الآخر المُـختلف وأطلق عليهم : (كفار، مشركين ، أهل كتاب إلخ) والتحريض على كراهيتهم بل وقتالهم . وتأكــّدتْ مرجعية أدونيس الدينية عندما كتب ((المفكرون يُدمرون باسم النص الدينى ما أعطاه الخالق للإنسان تمييزا له عن سائر المخلوقات مثل العقل والحرية.. الخ. وفى محاولة منه للدفاع عن حرية العقيدة قال إنّ الإسلام ليس فيه إجبار، لأنّ الهداية من عند الله. ثمّ استشهد بآية ((إنكَ لا تهدى من أحببتَ ولكن الله يهدى من يشاء)) (القصص/56) فكلام أدونيس عليه ملاحظات 1- أنّ الخالق ميّز الإنسان هو الكلام السائد لدى الإسلاميين (معتدلين ومُـتشدّن) ولا فى جديد فيه. 2- القول بأنّ الإسلام منح الإنسان (الحرية والعقل) غير صحيح لأنّ القرآن صريح فى التفرقة بين البشر على أساس إنسان (حر) وإنسان (عبد) وهو ما عبّر عنه فى العقوبات قائلا ((الحر بالحر والعبد بالعبد)) (البقرة/178) بل إنّ عقوبة الأنثى تختلف عن عقوبة الذكر، حيث أضاف فى نفس الآية ((والأنثى بالأنثى)) هذا بخلاف الآيات العديدة التى كرّستْ ونظــّمتْ منظومة (ما ملكتْ أيمانكم) لحق الجمع بن أربع زوجات وبين أى عدد من الإماء (= السيدة أو الفتاة العبدة) 3- الاستشهاد بالقرآن وسيلة أى داعية إسلامى ، فما الفرق بين الداعية الإسلامى والشاعر؟
وظهرتْ أعراض الداعية الإسلامى على أدونيس أكثر عندما أيّـد الفاشية الدينية التى قادها الخمينى فى إيران. واعتبر أنّ ما حدث ((عودة الإسلام إلى تأكيد ذاته وقوته)) (نقلا عن المفكر السورى صادق جلال العظم فى كتابه (ذهنية التحريم) الصادر عن دار رياض الريس للنشر- نوفمبر92- ص67) وكان تعليق صادق العظم ((لا يجد أدونيس أى حرج فى مناقشة (الثورة) الإيرانية وإسداء النصح لها بلغة إسلام القرون الماضية والبعيدة)) وبناءً على ذلك صنـّـفه على أنه ((داعية من دعاة الاستشراق الإسلامى (كتبها الإسلامانى) المعكوس)) ونقل عن أدونيس قوله ((بديهى أنّ سياسة النبوة كانت تأسيسًا لحياة جديدة ونظام جديد ، وأنّ سياسة الإمامة أو الولاية اهتداءً بسياسة النبوة أو هى إياها – استلهامًا لا مطابقة - ذلك أنّ لكل إمامة أو ولاية عصرًا خاصًا ، وأنّ لكل عصر مشكلاته الخاصة. هكذا تكمن أهمية سياسة الإمامة ، بل مشروعيتها فى مدى طاقتها على الاجتهاد لاستيعاب تغير الأحوال وتجدد الوقائع بهدى سياسة النبوة)) (مجلة مواقف – العدد 34- شتاء 79- ص158) وعقد صادق العظم مقارنة بين هذا النص الأدونيسى فى عام 79، وبين موقف (أدونيس) فى عام 69 حيث كتب ((ما نطمح إليه ونعمل له كثوريين هو تأسيس عصر عربى جديد . نعرف أنّ تأسيس عصر جديد يفترض بادىء ذى بدء الانفصال كليًا عن الماضى . ونعرف كذلك أنّ نقطة البداية فى هذا الانفصال – التأسيس - هو النقد : نقد الموروث ونقد ما هو سائد شائع . لا يقتصر دور النقد هنا على كشف أو تعرية ما يحول دون تأسيس االعصر الجديد وإنما يتجاوزه إلى إزالته تمامًا. إنّ ماضينا عالم من الضياع فى مختلف الأشكال الدينية والسياسية والثقافية والاقتصادية. إنه مملكة من الوهم والغيب تتطاول وتستمر، وهى مملكة لا تمنع الإنسان العربى من أنْ يجد نفسه وحسب ، وإنما تمنعه كذلك من أنْ يصنعها. ولما كانت بنية الثقافة والحياة العربيتيْن السائدتيْن تقوم فى جوهرها على الدين ، فإننا نفهم أبعاد ما يقوله ماركس من أنّ (نقد الدين شرط لكل نقد) وبالتالى نستطيع القول أنّ النقد الثورى للموروثات العربية شرط لكل عمل ثورى عربى)) (مجلة مواقف - العدد6- نوفمبر- ديسمبر69)
لذلك لم تكن مفاجأة – وفق هذا التحول من شاعر إلى داعية إسلامى أنْ يكتب ((فى مجتمع كالمجتمع العربى – بُـنى بشكل كامل على الدين - ولم تتطور فيه أشكال الانتاج وأدواته بحيث تؤدى إلى نشوء الوعى الطبقى ، يظل هذا العامل مُـحركــًا أول ، لذلك لا يمكن تفسير حركته بمقولة الطبقة أو الوعى الطبقى ، أو بمقولة الاقتصاد ، مما يعنى أنّ هذا الصراع فى المجتمع العربى ، كان فى طابعه الغالب أيديولوجيًا دينيًا)) (مجلة مواقف – العدد34- شتاء79) وكان تعليق صادق العظم ((لا يختلف هذا الطرح فى شىء عن الحكمة الاستشراقية التى نجدها عند هاملتون جيب وماكدونالد وماسينيون وغيرهم حول طبيعة الشرق ومحرّكات تاريخه، مما يؤدى بأدونيس إلى مزيد من التشبه بهؤلاء المستشرقين بإطلاق صرخته ((سحقــًا للصراع الطبقى والنفط والاقتصاد)) (مجلة مواقف- المصدر السابق) وكان تعليق صادق العظم أنّ أدونيس لم يكتف بتبعيته لميتافيزيقا الاستشراق وإنما – أيضًا- برفضه للقومية والعلمانية والاشتراكية والماركسية والشيوعية والرأسمالية لسبب مصدرها الغربى ، خاصة عندما كتب أدونيس أنّ ((خصوصية الغرب هى التقنية لا الإبداع)) كما أنّ أدونيس تعصّب ل (شرقه) كما تعصّب كثيرون من المستشرقين ل (غربهم) لذلك كتب أدونيس أنّ ((الفكر الغربى يُرسى الواقع فى أفق المادة ، فى حين يُرسيه الفكر الشرقى فى أفق الوحى)) (مجلة مواقف - المصدر السابق) ومع ملاحظة ما كتبه صادق العظم من أنّ أدونيس ((قومى سابق ، وعلمانى سابق ، واشتراكى ناصرى سابق ، ويسارى مُــتطرف سابق أيضًا))
ونظرًا لهذا التأرجح (بين عام69وعام79) وقع أدونيس فى اتناقض عندما كتب ((أمام الفكر الغربى يأخذكَ النظام ، النسق ، المنهج . وأمام الفكر الشرقى تشعر- على العكس - أنكَ فى حضرة الهاوية ، حضرة السديم . والخلاق المشرقى هو نفسه سديم ، لذلك تشعر إزاءه كأنكَ مأخوذ بالرعب)) (مواقف العدد 36)
وفى مجلة مواقف العدد 43 خريف 81 كتب أدونيس مقالا ردّ فيه على النقد الذى وجّهه صادق العظم لبعض كتابات أدونيس . فاتهم صادق العظم بأنه قال إنّ إدواد سعيد ((عميل للمخابرات الأمريكية وللسياسة الأمريكية إجمالا)) فى حين أنّ ما كتبه العظم أنّ إدوارد يسعى لتحسين شروط التبعية العربية للسياسة الأمريكية والتخلص من جوانبها السيئة. واستند فى ذلك إلى ما كتبه سعيد فى كتابه الاستشراق ((يُشكــّـل العالم العربى اليوم تابعًا فكريًا وسياسيًا للولايات المتحدة . وهذه العلاقة لا تبعث على الأسى بحد ذاتها ، لكن الشكل المُحدّد الذى تتخذه علاقة التبعية هذه (هو) الذى يبعث على الأسى)) فهل أخطأ صادق العظم عندما كتب أنّ إدوارد يسعى لتحسين شروط التبعة لأميركا ؟ خاصة وقد ذكر أنّ إدوارد – نفسه لا يخفى عضويته فى مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية ، أى بالهيئة المسئولة عن إصدار مجلة (فورين أفيرز) وغيرها من الكتب والنشرات المتعلقة بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية. فلماذا وشى أدونيس بالعظم وحرّف كلامه ؟ اكتفى العظم بأنْ ذكر الواقعة ولم يدخل فى منطقة الهوى والضمير، فكتب ((يبدو لى أنّ تهمة الايحاء بأنّ إدواد سعيد عميل للمخابرت الأمريكية ، أتتْ نتيجة فهمى وتفسيرى لوجهات نظر مؤلف كتاب (الاستشراق) وحرص إدوارد سعيد على سلامة الاستثمارات والتوظيفات الأمريكية الهائلة فى الشرق الأوسط ، وحرصه الأشد على (تفهم) صانعى السياسة الأمريكية ومستشاريهم من الخبراء فى شئون المنطقة ، بأنّ توظيفات امبرطوريتهم سوف تبقى مبنية على أسس من الرمال ما لم يقلعوا عن معالجة مشكلات الشرق الأوسط .. إلخ) (ذهنية التحريم- ص91)
وأشار صادق العظم إلى أنّ أدونيس استند فى رده فى القسم المعنون (العقل المُـعتقل) إلى أفكار المفكر البولونى (شيسلاف ميلوش) المُعادى للشيوعية فى كتابه المعنون (العقل المُعتقل) الصادر فى أوائل الخمسينات عن مرحلة الحرب الباردة (ص97) وقد توضّح رأى أدونيس عندما كتب عن ((المذاهب الأيديولوجية المادية والعقلانية التى تــُفسّر الدين على أنه انعكاس لواقع مادى)) أى أنه ضد التفسير المادى لحركة التاريخ ، وأنّ أى دين هو انعكاس لواقعه البيئى والاجتماعى ولزمنه ، مثلما فعل طه حسين فى كتابه (مرآة الإسلام) كما أنّ أدونيس تذمّر من نقد العظم له وأنه أصبح : مفكر إسلامى (كتبها إسلامانى) مُـتعصّب للعودة إلى الإسلام ، مُـتعصّب لروحانية الشرق ، يُعيد انتاج أسطورة الخصائص مقلوبة لصالح تفوق الشرق بروحانياته على الغرب)) وتساءل العظم : ((هل فى هذه الاتهامات التى وجّهتها لأدونيس والأحكام التى تنطوى عليها (استهانة بكرامة الشخص البشرى) كما كتب أدونيس؟ وما معنى إعلان أدونيس ((إفلاس جميع الأفكار والنظريات لكونها تمّتْ خارج المناخ الدينى عندنا)) (مواقف- العدد36- شتاء80) وفى بيان الحداثة فإنّ أدونيس لا يترك مجالا لذرة من الشك فى أنّ الإبداع مُـتحقق أولا وأساسًا فى الشرق وليس فى الغرب فكتب بالحرف ((إبداعيًا ، أعنى على مستوى الحضارة بمعناها الأكثر عمقــًا وإنسانية، ليس فى الغرب شىء لم يأخذه من الشرق : الدين ، الفلسفة ، الشعر (الفن بعامة) شرقية كلها ويمكنكم أنْ تستأنسوا بأسماء المُبدعين فى هذه الحقول ، بدءًا من دانتى حتى اليوم . فخصوصية الفن هى التقنية لا الإبداع ، لذلك يمكن القول أنّ الغرب (حضاريًا) هو ابن للشرق لكنه تقنيًا لقيط ، انحراف ، استغلال ، هيمنة، استعمار، امبريالية. إنه فى دلالة أخرى تمرّد على الأب)) ونقل العظم عن أدونيس أنه كتب ((لا نقدر أنْ نؤسس فكرًا عربيًا جديدًا إلاّ بدءًا من معرفة الفكر العربى القديم معرفة نقدية تــُمثـــّـله وتفتح آفاقــًا أخرى ، بحيث يبدو كأنه موجة ، وكأنّ الفكر الجديد انشطار منه وانفصال عنه فى آن . والإسلام هو مادة الفكر القديم ومداره ، وهو إلى ذلك نواته الحية الفاعلة المُستمرة)) ثم أضاف (أدونيس) قائلا ((ومع ذلك يقول لكَ بعضهم هامسًا : ليس الدين إلاّ وهمًا. أجيب على هؤلاء جهرًا : الدين هو الذى يُحرّك الإنسان العربى/ المسلم ، وهو مصدر فكره وقيمه وسلوكه. وهو إلى ذلك يقينه المُـطلق ورجاؤه الكامل)) (ذهنية التحريم ص 133) وهكذا فقد أدونيس مقعده بين الشعراء ليجلس على مقعد الأصوليين الإسلاميين. وبصيغة أخرى فإنّ نكبة الشعوب (العربية) تتمثــّـل فى الكثيرين من مثقفيها الذين يتنازلون عن قيمة العقل الحر الناقد للتراث ، الرافض للثوابت ، وينضمون إلى صفوف الأصوليين الإسلاميين ويُردّدون كلامهم إلى حد التطابق.
***



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن