حوار حول تحديات المرأة العاملة والنقابات في لبنان والعالم العربي

فرح قبيسي

2015 / 5 / 10

فرح قبيسي ناشطة نسوية وعضوة في المنتدى الاشتراكي- لبنان


وليد ضو: كيف ترين مشاركة المرأة في العمل النقابي بين الواقع والتحديات، خاصة لناحية حراك هيئة التنسيق النقابية وإدارات الدولة التي تحتوي على نسبة كبيرة من النساء؟
فرح قبيسي: مشاركة المرأة في التظاهرات فاعلة ومؤثرة، لكن المرأة غير ممثَلة في القيادات النقابية. فالقطاع العام يجذب النساء لأنه يؤمن وظيفة ثابتة ودوام مريح يناسب المرأة المتزوجة. كما أن مهنة التعليم تجذب النساء. كما أن النقابيات تشارك بفعالية في الجمعيات العامة والتحريض على الإضراب. وهنا، أشير إلى أن إحدى النقابيات دعت إلى جمعية عامة داخل مدرستها، التي لم تكن تشارك في الإضرابات السابقة، أقر في هذه الجمعية الإضراب، واستضافت في المدرسة التي تدرس فيها نقابيين ساهموا في التشجيع على الإضراب.

ولكن لماذا المرأة غير ممثلة في القيادات النقابية، هل ثمة عوائق للترشح؟
ليست المشكلة محصورة في هيئة التنسيق النقابية، إنما هي مشكلة عامة تطال مجمل العمل النقابي في البلد.
من جهة النساء يتّكلن على أصوات تتكلم عنهن بحجة ارتباطهن بعمل ثان هو العمل المنزلي، ومن جهة أخرى يرتبط بالهيكلية النقابية التي تتحكم فيها عقلية ذكورية. بالإضافة إلى أنهم لا يفسحون في المجال لهنّ للعب دور.

بأي حال من الأحوال، حاليا المشاركة قاعدية، والعمل النقابي يستلزم اجتماعات وأعباء إضافية للمرأة، فتوكل القيادة النقابية إلى الذكور.

نقابة العاملين في شركتي ألفا وتوتش وقعت عقدا جماعيا مع إدارة الشركتين، وترأسها امرأة، وهي متزوجة وعندها ثلاثة أولاد، وهي تشكل استثناء في الوسط النقابي اللبناني.

العاملات لا يثابرن للوصول إلى القيادة النقابية، فالالتزامات العائلية هي حجة للتملص من المشاركة.

في حين تتحدث بعض الأدبيات أن عدم مشاركة المرأة في العمل النقابي يعود إلى أنها مستسلمة ومنكفئة، ولكن الانكفاء ليس هو السبب الرئيسي في عدم المشاركة.

من المعروف أن الوظيفة في القطاع العام مريحة خاصة أن دوام العمل قصير، وأنتِ تحدثتِ عن ذلك قليل عن الأعباء المنزلية المفروضة على المرأة، من هنا هل الزواج يحد من فعالية المرأة في العمل السياسي والنقابي؟
هناك التزامات عائلية مفروضة على المرأة، فدوام العمل الثاني في البيت بعد عملها لا يشجعها على القيام بأدوار عامة في المجال السياسي والنقابي.

المجتمع يرى أن القاعدة تكمن بأن تبقى المرأة في منزلها، والاستثناء أن تشارك في المجال العام.

بحسب خبرتي، أغلب الناشطات النقابيات، المتزوجات منهن، تكون مشاركتهن فاعلة بتشجيع من الزوج، وهو يقوم بذلك بهدف تحسين الوضع العائلي وليس لتحسين وضع المرأة.

الانطلاقة أو الدافع للمشاركة في العمل النقابي والعمالي يكمن في الحاجة المادية، والوعي يتطور من خلال الإضرابات والاعتصامات عندها تتغير وجهة نظر الزوج أو الرجل.

المرأة تلعب دورا أساسيا في المجتمع فهي بمشاركتها هذه ترفع وعيها ووعي المجتمع. من هنا أهمية مشاركة المرأة في المجال السياسي والنقابي.

هل هناك حلقة مفرغة في الحديث الذي تتفضلين به، تقوم على أن حركة الإضرابات والاعتصامات ستتوقف وهذا التوقف يساهم في إعادة إنتاج ديناميكيات القوة من حيث الحفاظ على سيطرة الرجل؟
كل فترة هناك موجة احتجاجات وهي مؤقتة ومحدودة. من هنا أعتقد أن الاحتجاجات المتفرقة لا تخلق وعيا جذريا في المجتمع ومن المحتمل عودة الوعي الذكوري السائد إلى السيطرة من جديد.

الأهمية القصوى في المعارك المستمرة في أنها تنتج تنظيمات نقابية قاعدية جديدة منفتحة على المرأة العاملة وتثمر الوعي الذي ينتج من التجارب النضالية ويساهم ذلك في الدفع إلى الأمام في مشاركة المرأة وتحديد معها استراتيجيات وطرق عمل.

كيف تنعكس مشاركة المرأة في العمل النقابي على إمكانية تحقيق التحرر الاجتماعي؟
شهدت مصر ولادة نقابات مستقلة قبل الثورة وحاليا أيضا، فقد تأسس حوالي 1000 نقابة مستقلة في مصر.
تحاول هذه النقابات تقديم نموذج بديل عن النقابات الرسمية الصفراء، فضمت إلى صفوفها العديد من النساء، فقد تمكنت من الوصول إلى القيادة في نقابة موظفي وموظفات الضرائب العقارية التي تأسست عام 2009 بدأت نقابية في تأسيسها حيث نسّبت العديد من الموظفين والموظفات إلى النقابة.

ما زالت المرأة تواجه تحديات حتى داخل النقابات المستقلة خاصة لجهة لعب دور قيادي فيها، فعليها لعب مجهود مضاعف، وهذا الأمر غير سهل على الإطلاق، فهي تقوم بالعمل المنزلي وتحاول إثبات وجودها وذاتها، أما الرجل فلا يقوم بهذا الإثبات.

في حال عدم وصول المرأة إلى القيادة النقابية لا يمكن طرح القضايا المتعلقة بالمرأة، من هنا أهمية وعي لدور المرأة في العمل النقابي، وأهمية عدم وجود ضيق أفق لدى القيادات النقابية، لأن المرأة تمثل 50 بالمئة من اليد العاملة والرأسمال يضطهد الجميع، والمجتمع الذكوري يساهم في اضطهاد المرأة. فاستبعاد المرأة هو استبعاد لنصف الطبقة العاملة التي تشكل دفعا للحركة النقابية.

النساء والعاملات هن من بدأ في العمل الثوري في مصر، فعام 2006 وفي معامل النسيج في مدينة المحلة توقفت 3000 عاملة عن العمل للمطالبة بحوافز وهي عبارة عن زيادة سنوية كان رئيس الحكومة قد وعد بها، فخرجن إلى الساحة وهتفن "الرجالة فين، الستات أهي" وعيّرن الرجال للانضمام إلى الإضراب، وبعد ذلك انتقلت العدوى إلى بقية المناطق.

النساء العاملات لهن الدور الأساسي وينبغي بالتالي عدم وضع حد لهن وعلى القيادات الذكورية أن تدرك أن القوة الثورة الكامنة عند المرأة. ويجب القضاء على الفكر الذي يرى في العمل النقابي عبارة عن حصول على امتيازات وتقديمات وسفر وسياحة ووجاهة. ومن هنا يجب الاهتمام بكل العمال والعاملات والاهتمام بقضاياهم/ن.

وتعتبر نقابية مصرية تحتل مركزا قياديا أن أي نقابة تتخلى عن عامل واحد هي نقابة فاشلة، فكيف هي الحال إن تخلت عن فئة كاملة (العاملات).

في ليبيا، قضى القذافي على كل النقابات. حاليا، أثبتت النقابية نرمين شريف في نقابة عمال المرافئ داخل النقابة وفي الاتحاد العام لعمال ليبيا. وفي ليبيا، كما في غيرها من الدول، ينظر إلى المرأة النقابية بأنها منحلّة أخلاقيا، نرمين تحدّت كل ذلك، ووصلت إلى القيادة وفرضت تشكيل لجان عمالية قاعدية في كل مصنع، وهذه اللجان تضم عاملات، فترفع كل لجنة مطالبها من تحت إلى فوق أي إلى الاتحاد العام لعمال ليبيا.

كما تشهد ليبيا حراكا نقابيا في مصانع النسيج تشارك فيه المرأة بفعالية، بحيث تطالب المرأة بحقها بإعطاء الجنسية لأولادها لأنها محرومة من التقديمات الاجتماعية، وهذا المطلب يساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة لهنّ.

في كل المنطقة، تشكل النساء قاعدة أساسية من القوى العاملة، وتشارك بشكل أساسي في القيادات النقابية الوسطية، ونسبة قليلة منهن يتمكن من الوصول إلى القيادات العليا وهذا الأمر يتطلب منها جهدا كبيرا واستثنائيا.
في تونس، كان للاتحاد العام التونسي للشغل الدور الأساسي في نجاح الثورة، وعلى الرغم من تراثه النضالي خلال المراحل التي مرت بها تونس، كما أنه شكل مساحة التقاء للمناضلين من أجل الديمقراطية ونسق مع الحركة النسوية، على الرغم من كل ذلك، لم تصل المرأة إلى المجلس القيادي إلا مرة واحدة خلال الخمسينيات.

اليوم، نشهد حالة ثورية تعم المنطقة، خاصة مع خروج النساء للمشاركة بفعالية في الثورة، يتم في الوقت عينه الانقضاض على حقوق النساء من خلال الدساتير والقوانين، وفي الشارع من خلال حملات التحرش والاغتصاب المنظمة، ويطالب البعض ببقاء النساء في بيوتهنّ.

هناك ضرورة لأن تعي النقابات الجديدة لواقع الوضع في المنطقة وتدفع إلى الأمام قضايا النساء والعاملات منهن إذا كانت فعلا تدّعي أنها مستقلة وحرة وديمقراطية.

النسويات في لبنان أين هنّ من القضية العمالية من خلال نضالهنّ؟
نادرا (دون التعميم بالطبع) ما اتخذت المنظمات النسائية والنسوية موقفا من القضايا الاقتصادية والاجتماعية والمرأة العاملة. فهناك أهمية لأن تشبك المنظمات النسائية والنسوية مع الحركة النقابية الموجودة والعكس صحيح، فالمصلحة متبادلة، بحيث تضم الحركة النقابية إلى صفوفها نقابيات يساهمن في زيادة الضغط وتساهم بذلك النسويات في تحقيق العدالة الاجتماعية.

حاليا، هناك محاولة لتشبيك المعارك والعمل المشترك بين "نسوية" والاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين من ناحية تأسيس نقابة العاملات الأجنبيات في المنازل وهي مبادرة لا تزال في بدايتها.

بشكل عام هناك تحوّل في الحركة النسائية فجزء منها يرتبط حراكها بالتمويل ويجب مواجهة هذا الأمر، لأن أولويات المموّل ليست هي نفسها للحراك القائم على الأرض.

تاريخيا، بدأت نضالات المرأة بمبادرة منها، ولم تنتظر تمويلا لتتحرك، من هنا على الحركة النسائية والنسوية العودة إلى هذا التراث.

داخل الحركة النسوية في لبنان، هل ثمة نقص في التضامن مع الثورات التي تعمّ المنطقة؟
الحركة المستقلة وأي حراك فعلي هو ليس عمل "جمعياتي" وتكون بطبيعة الحال متحررة من أعباء التمويل وشروطه ومن البيروقراطية، غيابها أو ضعفها يغيب طرح المواقف التي تستشعر حجم التغيرات في المنطقة.

من أحد شروط الممول للجمعيات هو غياب الموقف السياسي من أي قضية، في بعض الأحوال ينكسر هذا الجمودـ فعدة مرات ساهمت صفحة انتفاضة المرأة في العالم العربي على الفايسبوك بخلق تضامن نسائي عابر للحدود وتترجم ذلك من خلال وقفة تضامنية مع النساء في مصر وبقية الدول العربية، التضامن مع النساء المصريات أخذ حيزا أكبر لأن مجريات الثورة في مصر تؤثر على كل العالم العربي. لمصر رمزية ثورية كبيرة فهي تعبّر عن كل المنطقة، ولكن الأمر يتطلب أيضا تضامن فعلي مع النساء في سوريا والبحرين والسعودية، وقد يكون مرد ذلك إلى علاقات مع ناشطين وناشطات في مصر بحيث بقية الدول تخضع لرقابة شديدة.

بما خص الثورة السورية، وخاصة مسألة اللاجئين إلى لبنان جرى خلق صلات مع المناضلين والمناضلات. العلاقات التاريخية بين البلدين لم تكن سليمة، بسبب ممارسات النظام السوري في لبنان، ولكن هذا الأمر لا يبرر لبعض اللبنانيين ممارساتهم العنصرية وهي تزيد في تأزم العلاقات، فهذا "البعض" يدّعي تفوقه على شعوب المنطقة ومنهم الشعب السوري، واللافت أن هذه الشعوب انتفضت على حكامها، وأثبتت لهذا "البعض" قدرتها الهائلة على تحدّي الظلم والقتل، وعلى الرغم من ذلك تستمر العنصرية.

كيف يمكن الخروج من الوضع الحالي، خاصة في ظل وصول الإسلام السياسي والبدء في تطبيق برنامجهم؟
لقد جربنا حكم العسكر والحكم المدني الذي يدّعي العلمانية، ولم يقدموا نموذجا تغييريا ولم يلبوا طموحات الشعوب. خلال المواجهة مع هذه الأنظمة كان من الضروري الوقوف إلى جانب الإسلاميين والدفاع عنهم لما تعرضوا له من قمع واعتقال.

لا مهرب اليوم من مواجهتهم من خلال مواجهة سياساتهم الاقتصادية ومشروعهم الذي يهدف إلى أسلمة المجتمع. واليسار يتهرب من المواجهة مع مشروع أسلمة المجتمع، ويخاف من مواجهة الأيديولوجيا لأنه يرى أن المجتمع يحمل هذه الأيديولوجيا في حياته الشخصية، ولكن اليوم يتم فرضها على صعيد المجتمع والنظام.

المشروع الإسلامي لم يقدم بديلا ويجب مواجهته دون أن تتحول هذه المواجهة إلى تعميم ثقافة رهاب الإسلام. لأنه يطبق سياسة اقتصادية تقشفية بإرشاد من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وينتهج سياسة ضرب الحريات النقابية والتعرض المباشر والمفضوح والعلني لحقوق المرأة. الأنظمة التي سقطت قدّمت مشروعها الذي منح "حقوقا" للمرأة المصرية ليس لأنه نظاما تقدميا إنما لتخويف الناس من الإسلاميين.

من هنا، على اليسار التخلي عن انتهازيته وخوض معركته ضد مشروع الإسلام السياسي في الدولة والمجتمع. هم وصلوا إلى السلطة في مصر وتونس وتفكك سلطتهم وسقوطها سيؤدي إلى تضعضع قوتهم في كل المنطقة.

إنهم يحفرون قبرهم بيدهم، حين انفردوا في الحكم وصولا إلى ممارسة التصفيات الجسدية بحق المناضلين والمناضلات. وهم، وبحسب تركيبتهم الطبقية، ولأن قيادة الإخوان المسلمين هي قيادة برجوازية لا يمكنهم تطبيق الشعار الأساسي للثورة المصرية "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، وبالتالي لا يمكنهم تلبية مطالب الشعب.

مواجهة مشروع الإسلام السياسي تبدأ الآن، لأن وصولهم إلى السلطة ساهم في كشفهم على حقيقتهم، وعلى المواجهة أن تكون أيديولوجية وسياسية وشعبية في مصر وفي تونس، وهذا الأمر هو اختبار للثورة، لأن الثورة ليست مسارا محددا نعرف مجرياته مسبقا، إنما هي أيضا سيرورة ثورية تخاض فيها كل المعارك نحو تحقيق كل الأهداف.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن