اشراقة الحقيقة في سوريا

سليم عبد الله الحاج
correspandance@gmail.com

2015 / 5 / 8

لقد اطلقت الكثير من التوصيفات على الثورة السورية منذ اندلاعها قبل اكثر من اربع سنوات، لكن ابلغها على الاطلاق هو تسميتها بالوضاحة الفضاحة نتيجة لحجم الحقائق المفزعة التي اماطت اللثام عنها ، كشف الزيف الشعارات و فضح الهشاشة التي يقوم عليها عدد لابأس به من المعاني السياسية و الايديولوجية المنتشرة على الصعيدين الاقليمي والدولي و تعرية سياسات ومواقف دول ومنظمات وتنظيمات امام الرأي العام . آخر الحقائق الصاعدة -وربما من اهمها على الاطلاق- بان مؤخرا مع تحقيق الثوار لتقدم كبير على الارض ضد قوات الاسد في الاشهر الماضية . اتكلم عن حقيقة ان الحسم الذي لطالما تبجح به الاسد وحلفائه عبارة عن وهم اسطوري لم ولن يتحقق ، ويقتضي الاقرار بذلك تغيير وجهة المعركة واعادتها الى الخط الصحيح كصراع موضوعه اسقاط الاسد من الحكم لتحقيق مطالب الثورة السورية في التغيير وليس تكتل بازارات اقليمية ودولية لمحاربة خصم مشترك يدعى التطرف او الانحراف نحو خلق ساحة مفتوحة للمناوشة بالوكالة بين الدول لتصفية حسابات متراكمة . لقد كان هذا المشهد الكئيب هو المهيمن على الصورة في العامين الماضيين مع تصاعد قوة تنظيم "الدولة" وسيطرته على مساحات واسعة من الاراضي فتغير الخطاب من ضرورة التخلص من الاسد الى اولوية محاربة" الدولة" لان الجميع الفاعلين قد ساهموا في نمو هذه الظاهرة و اشتراكهم في غسل الخطيئة الثانوية يبقي الامور في مستوى المراوحة ، هكذا اصبح التفكير للهروب من المسؤولية اتجاه الشعب السوري و المحنة الانسانية التي يعيشها .
قبل عام من الان استطاع الاسد ومن معه احكام السيطرة على حمص بعد حصار وحشي لعدة اشهر ، ليعلنوا عبر الاعلام عن انتهاء الثورة السورية زاعمين ان الامور ستحسم كليا في نهاية عام 2014 وسيعاد تأهيل بشار الاسد كحاكم شرعي لسوريا يعترف به الجميع سرا ووعلنا ،وعطفا على ذلك بدأ النظام السوري حملة علاقات عامة مكثفة في الغرب لتصوير نفسه كافضل اداة لمواجة الارهاب ،حيث صار بشار وجهة الصحافة و التلفزيونات العالمية ففي كل اسبوع لديه زائر يحاول من خلاله الايحاء انه منتصر لا محالة ، أملا في ان يتحول التخاذل الدولي الى اقرار نهائي بنتيجة المعركة مثلما يروج النظام وحلفائه وهم يرون انفسهم باغترار قد اصبحوا اسطورة الشرق الاوسط في وجه‘‘ المؤامرة الكونية‘‘ التي استهدفتهم . غير ان هذه النشوة المستندة الى وهم ما كان لها ان تستمر طويلا فالاسد وهو في غمرة الاحتفال لم يكن يسيطر فعليا سوى على ثلث الاراضي السورية ومع بداية العالم الحالي جاءته الصدمة بانقلاب الكفة لصالح الثوار ضد قواته في اكثر من جبهة وكأن الثورة نهضت الى الحياة مجددا من القبر الذي اعتقدوا انها قد دفنت به من غير رجعة ، وبذلك قد تغيرت فجاة لهجة الخطاب الاعلامي العالمي في الاسابيع الاخيرة وعاد التساؤل حول مصير الاسد ليتربع على جل الاهتمام وكأنه سينهار قريبا بعدما استبعد هذا الاحتمال كثيرا في الماضي .
لا نستطيع الجزم بان الاسد سيسقط قريبا رغم ان هناك مؤشرات ظرفية على ذلك ورغم اعتقادنا بانه سيرحل حتما ، ما يهمنا اكثر ابراز الحقيقة الثابتة و المستديمة مستقبلا عن التهافت الكلي لاطروحات محور الممانعة المدافع عن الاسد في سرديته عن الوضع السوري ,لقد سقطت اخر اوراق التوت عن عوراته واصبح منطقه صالحا لذاته ولن ينطلي على احد بعد اليوم وهذا انجاز كبير في حد ذاته لانه يضع شعوب المنطقة في الطريق للتحرر من هيمنة الاستبداد و المشاريع الخاطفة للوعي قبل الانتقال الى مسؤوليات البناء والتحرير
لقد حاول الاسد وحلفائه ترسيم صورة المعركة على انها مواجهة يتصدون لها لصالح الامة و روجوا لفكرة الحسم حتى يتوج منطقهم بالنصر الذي لديه تاثير عميق في نفسية الشعوب الباحثة عن شيئ يلهيها من مرارة الهزائم و الانكسارات سياسيا وحضاريا ثم ليغتالوا معنويا خصومهم في نعتهم بالانهزاميين و العملاء و الخونة تمهيدا لتصفيتهم للاستمرار في السلطة و الهيمنة على المشهد . الواقع شيء اخر مختلف حيث ان حلفاء الاسد لم يسهموا سوى في تدمير سوريا ولم تكن سياستهم الا بيدقا من بيادق النظام الدولي الذي يدعون محاربته ويرمون الاخرين بالعمالة له , أّذ ظهر ان حسمهم اكذوبة وابقاء الاسد يعني اطالة المآساة و المعاناة في حق الشعب السوري ومن اجل استعراض عضلات المشروع الايراني لينال الاعتماد غربيا ا اتاحوا الفرصة للمجتمع الدولي ان يتحلل باقصى حد ممكن من التزاماته حتى يتماشى التغيير في سوريا بنهاية المطاف مع القواعد المرسومة لا مع طموحات الثورة .
لا شك انهم لن يدركوا هذه الحقيقة الا عند فوات الاوان وسيحاول الاسد حشد الدعم الايراني لاعادة الكرة من جديد مثلما فعل قبل عامين غير ان الاكيد بانه لن يجد الكثيرين ليصدقوه حتى لو اشهرت ايران ورقة الجولان واشعال حرب مع اسرائيل في جنوب لبنان فالكل صار يدرك ان السلاح يصنع هالة لصاحبه لكنه لا يصنع تحريرا ان لم تكن الخلفية صحيحة ,ما يغفله هؤلاء ايضا ان تكرار حلقات الاستنزاف ستربط مصير الاسد كليا بايران التي ستضعف مكانتها لدى اميركا و الغرب مع تفاقم التحديات و الفشل في تجاوزها وبذلك قد تتصاعد مكانة قوى محلية و اقليمية اخرى مثل الاسلاميين في سوريا المعارضين للاسد وغير المعتمدين على الغرب ليصبحوا هم القوة الوازنة الجديدة التي تتفاوض اميركا معها ومع من سيدعمها لاحلال الاستقرار اي ان زوال حكم الاسد حينها سيكون حتميا
لعبة الرهان التي يخوضها علي خامنئي وحسن نصر الله و بشار الاسد محفوفة باحتمالات الخسارة و استمرار سياسة الغرور ستجعل من الهزيمة فادحة ,عليهم بالتواضع و الاستسلام لاستحقاقات الحقيقة المشرقة بمبادرة تقتضي باعتذار الاولين للشعب السوري ورحيل الثالث عن السلطة في اسرع وقت ,بقاء المكابرة سيلقي بهم في مزبلة التاريخ وسنن الحياة تشهد على ذلك



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن