العجوز والموظف

عبد الغني سهاد
souhadghani@gmail.com

2015 / 5 / 7


هي عجوز طاعنة في التجارب تلج ادارة عامة على كرسيها المتحرك الاسود القديم تدفع مقوده الداءري تارة الى الخلف و اخرى الى الامام .. ..وتنتصب وراءها صبية في عمري المدرسة والزهور كانت في غاية الحزن و الاسى ..لا تتوقف على تصفح وجوه الناس الذين ينتظرون بصبر في شكل طابور طويل في ذلك المكتب الذي يجمع الرجال مع النساء .. ..صاحت العجوز وهي تنظر الى الموظف (.. اسمحوا لي ياسادة ..انها حفيدتي اريد تسجيلها في كناش الحالة المدنية )..لكن الموظف كان مشغولا بتسطير سجل عريض دفتيه سوداوين ( لماذا السواد يسود الادارة هذا الصباح .. امر لا شك فظيع .. ) ..يتغافل عن الطابور والعجوز معا ...بصدد هذا الموظف الذي يرتدي لدوره بدلة سوداء ويضع نظارات سوداء .. فمن الموءكد انه يعرف جيدا كل سكان المقاطعة بل يجمع الكثير من البيانات عن الناس وعن هذه العجوز بالذات فهي كثيرا ما كانت تتردد على مكتب المقاطعة للحصول على شهاءة الحياة للصبية التي وراءها لكنه يشك في كونها حفيدتها او ابنتها بالتبني ..منذ مدة تصاحبها في الازقة والطرقات يبحتن معا عن صدقة نقذية او عينية من بعض رحماء الناس في المدينة ..يقفان معا على ابواب المساجد الفارغة ايام الجمعة وامام الحانات والمواخير العامرة في ليالي السبت و باقي الايام موزعة في واجهات الابناك والمقاهي ومحلات الاكلات السريعة والخفيفة وهذه الاخيرة الكل يعرف انها انتشرت كالدود في الاحياء الراقية ..بل كذلك في الاحياء الفقيرة .. فلا احد في المدينة سيموت يوما جوعا او عطشا لا قدر الله ...و الفضل ىعود في الاول والاخير الى رعاية صاحب الجلالة للفقراء من الشعب ... هذه العجوز ..تعلم جيدا انها لا بد لها من ادخال الصبية الى المدرسة فبذلك نصحها القايد ( وهو كما تعرفون يمثل الملك ) ذات سبت امام الماخور حين منحها ورقة بنية من فئة 100 درهم وربت بيديه على راس الصبية وهو يترنح سكرا ...عند انتهاء الموظف من رسم اخر سطر في ذلك السجل الاسود تناول من العجوز ورقتين الاولى ترخيص قديم بالولادة من المشفى... والثانية شهادة سكنى بخط يد مقدم الحي ..وبداء في تحرير شهادة الحياة ..بقلم صيني اسود (اسود مرة اخرة ) ..كان الموظف كاللص يسرق النظر للعجور من حين لاخر ..وهي لا تفارقه بعيونها السوداء الضيقتين ..حين اقتربت من وجهه نفخت و همست له : ( هل نسيت احبابك .يا غبي..؟)
لم يجب الموظق فهو لا يريد ان تورطه العجوز في محادثة تكشف بها عن اسراره الدفينة..لكنها استمرت تهمس اليه ..(نسيت رفيقتك الشهياء ..التي كانت تصاحبك الى تلك الحانة الجميلة في اخر المدينة .. عرفت انها اصبحت سكريتيرة للقايد في مكتبه ..و عرفت انها فارقتك لطيشك منذ مدة ..)
وهو لا يزال صامتا مضطربا ويتظاهر بانه هادءى ليعطي الانطباع للطابور الجاثم هناك ان العجوز تخرف فحسب ..)
ناولها السجل وهو يرتجف لتوقعه..فبصمت بسبابتها الرقيقة الطويلة ..ووضعت عليه ورقة نقدية من فئة 20 درهما ..
وقالت بصوت مزعج: (.. عشرة للرسم الاداري ..و عشرة قهوة لك ايها الغبي ...)
حينها صاح الموظف : (احتفظي بنقودك ياسيدة ..فنحن لا نقبل الهدايا من امثالك..! . ( هل كان يقصد الفقراء أمثالها ..... ؟)..)
حدجته العجوز وهي تغادر المكتب وعيون الطابور تتبعها محملقة فيها تنتظر ردة فعلها .. لكنها كانت باردة كالصقيع تدفع كرسيها المتحركة ببطء دفعتين الى الوراء لا جل دفعة الى الامام ..والصبية تلتفت الى الوراء تحف نظراتها كل الاشياء الجامدة والمتحركة في فضاء الادارة العمومية كانها تريد ان تقول شيءا مهما ..لكنها لم تقله ...من المستحيل على المرء ان يدرك ما يدور في خلد الاخرين وخاصة الصفار منهم ..
عندما وصلت العجوز الى باب الادارة ..قذفت الموظف بكلام سوقي قبيح.. قبيح جدا .... لم يفهم منه الا كلمتين خثمت بهما : ( وعااااش الملك ) ....



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن