خمسون وهماً للإيمان بالله [15]: الأفضل أن أعبد الله على أن أعبد الشيطان

إبراهيم جركس

2015 / 4 / 26

((أي دين لم يعد يحتمل أن يحقّر شيطانه نفس درجة احتماله لتحقير إلهه)) [هافلوك إليس]

أكثر من مرّة التقيت بمؤمنين يعتقدون ويؤمنون كل الإيمان بأنّ جميع الملحدين هم أتباع مخلصون للشيطان أو متعاطفون مع مهمّته على الأقل. فقط لأنّ المرء لا يؤمن أنّ نانابوزو، أو هيرموند، أو أياً من الآلهة الأخرى موجودة بالفعل، فإنّ بعض المؤمنون يقفزون إلى نتائج غريبة فعلاً بأنّه هو أو هي من جنود الشيطان وأتباعه. وهذا مردّه إلى الفكرة الخاطئة العالقة في أذهان بعض المؤمنين بأنّه من المستحيل أن يكون المرء لامؤمناً حقيقياً. هؤلاء الأشخاص ينكرون حرفياً حقيقة وجود اللامؤمنين. بالنسبة لهم، إنّ اللامؤمنين ليسوا أكثر من مجرّد مؤمنين عاديين بدّلوا ولاءهم وأخذوا يخدمون الشيطان. على ما يبدو إنّهم لا يستطيعون تصوّر كيف يمكن لأي شخص وبكامل قدراته العقلية ألا يؤمن بإله واحد على الأقل. وفي محاولتهم لتفسير ظاهرة الملحد سيصرّ المؤمنون بأنّ اللامؤمنين هم أعداء الله. إنهم لا ينكرون وجود الله. بل إنهم يعلمون أنّ الله موجود وحقيقي وهم يحاربون ضدّه. كل هذا الحديث عن عدم الإيمان عبارة عن وهم وضباب الغرض منه تغطية أجندتهم الحقيقية.
نعم، بالنسبة لهؤلاء الذين يشكّون في ذلك، هناك أشخاص يعتقدون ذلك. وقد التقيت بالعديد منهم. ويستغرب الناس لماذا هناك الكثير من الملحدين الذين يكتمون عدم إيمانهم. فمن الصعب وجداً ومنتهى الغرابة _على أقل تقدير_ أن يصلّي الإنسان للشيطان. كيف يمكن للمرء أن يبدأ بالرد على هكذا تهمة؟ مثل هذا النمط اللامبالي من التفكير لا يمكننا التسامح معه طبعاً، لكني أفهم كيف أنّ المؤمن لا يستطيع العيش وبجواره شخص ملحد عندما ينطلق من هذه المقدّمة. من المحزن التفكير في أنّ هناك العديد من المؤمنين سيقومون بإقصاء أخيهم الإنسان واستبعاده لهكذا سبب. إنّها مشكلة أكثر شيوعاً بكثير ممّا يتصوّره الناس. أنا أشجّع أي ملحد يشكّ بلامي هذا أن يذهب إلى سوريا ويجري عدّة محادثات في السوق حول الإلحاد وروعته وليبراليته. تجوّل ضمن أنحاء "حزام الإنجيل" بأمريكا وشاهد بأمّ عينك مدى الحفاوة التي يستقبل بها إلحادك هناك. قم بزيارة ريف تانزانيا وحاول إجراء بعض الخطابات العامة حول منافع العلمانية... حظاً موفقاً.
إنّ أسوأ شيء في رهاب الشيطان هو أنّ هناك العديد من المؤمنين الذين لا يريدون إعادة التفكير في مسألة أنّ إلههم أو آلهتهم قد تكون خيالية بسببه. إنّهم ينظرون إلى أي خطوة يبتعد فيها المرء عن إلههم على أنها خطوة نحو الشيطان. إنّ التشكيك بالمعتقدات الدينية ومسائلتها ينظر إليه كعقوق وعدم وفاء لإلههم ومداعبة خطرة للشر المطلق. والنتيجة هي أنّ العديد من المؤمنين لا يحلّلون عقائدهم إطلاقاً أو يشكّكون فيها. بل إنّهم قد يقضون حياتهم كلها متمسّكين بمعتقدات لا أساس لها بسبب هذا الرهاب أو الخوف غير العقلاني.
الإيمان يجلب الراحة والاطمئنان طبعاً. الملحدون ليسوا عبدة شياطين وهم لا يعملون في سبيل تحقيق أجندة شيطانية شريرة. الملحدون لا يؤمنون بالكائنات الغيبية الشريرة والشياطين ذوي المعزقات أكثر من إيمانهم بالكائنات الغيبية الخيّرة ذوات الهالات. فالشيطان ما هو إلا إله آخر بالنسبة للملحدين. ويمكن صرفه على أساس أنّه مجرّد وهم كغيره من الآلهة الأخرى، لأنّه ليس هناك ولو جزء صغير من الدليل أو حجّة مقنعة تثبت وجوده. تذكّروا معشر المؤمنين:يمكن للإنسان أن يكون شكّاكاً بالآلهة _وحتى عدم الإيمان بهم كلياً_ ويظلّ قادراً على المراوغة والإفلات من قبضة بعلزبوب.
عبدة الشيطان يشبهون إلى حدٍ كبير المسيحيين، المسلمين، الهندوس، اليهود، وغيرهم من المؤمنين وليس هناك أيّة علاقة تربطهم بالملحدين. الشيطانيون هم مؤمنون في النهاية، لذا بالنسبة لمن يقلق بشأن وضع يده بيد عابد من عبدة الشيطان للمصافحة عليه أن ينظر إلى نبلائهم الروحانيين. فهناك استثناء غريب لذلك بأي حال. أنطون لافي، مؤسّس ما يسمى بـ"كنيسة الشيطان Church of Satan"، روّج لنسخة من المذهب الشيطاني الذي لا يعترف بالشيطان كإله أو أي من الآلهة الأخرى. يبدو أنّ لافي كان ملحداً عمل على تأسيس منظمة مكرّسة للشيطان، مع أنّه لم يكن يعتقد بوجود الشيطان. بغضّ النظر عمّا كان يعتقده، لم يكن لافي ملحداً نمطياً عادياً. فكل ملحد عملياً يعتقد أنّ الصلاة للشيطان وللتضرّع له هو عمل عير مجدي تماماً كما الإيمان بالله أو أي من الآلهة الشعبي الأخرى والصلاة لها.
حتى إذا كان الشيطان حقيقياً وموجوداً بالفعل، فالمذهب الشيطاني الشائع يبدو أنّه الفريق الخطأ للانضمام إليه إذا فكّرت في ذلك بعمق. إذا كان المرء مقتنعاً بأنّ الشيطان موجودٌ بالفعل، عندها عليه أن يعترف بأنّ الكتاب المقدّس صحيح ودقيق لأنّه المصدر الأساسي والرئيس لوجود هذه الشخصية. لكن، وحسب الكتاب المقدّس نفسه، فالشيطان سيخسر في النهاية. إذن ما الذي يدفع الناس للانضمام إليه إذا كانت خسارته أمراً محتّماً؟ من هنا نستنتج أنّ المذهب الشيطاني _سواءً كان حقيقاً أو فنتازيا_ ليس منطقياً على الإطلاق.
من المهم جداً أن أضيف أيضاً أنّه بالرغم من الانشغال الدائم بالشيطان الذي يغرق فيه بعض المؤمنين، فليس هناك أي دليل أو إثبات على ظهور حركة اجتماعية معاصرة من عبدة الشيطان. قصص وروايات كثيرة عن الشيطانيين وطقوسهم وأضاحيهم من البشر لا تستحق أن تكون أكثر من مجرّد قصص تروى خلال سهرات مخيّمات النار وتقارير أخبار الإثارة لكنّ الحقيقة هي أنّ الشيطان لم يسبق له أن استأثر بعقول وقلوب المؤمنين بنفس الطريقة التي استحوذت بها الآلهة عليها. هو لا يزيد عن كونه حبكة تضاف على أفلام الرعب ووسيلة تخويف مضمونة يستخدمها الزعماء الدينيون الذين يريدون الحفاظ على سيطرتهم على القطيع وخضوع أفراده لإرادتهم.
في إحدى المرات دخلت في مواجهة غريبة مع إحدى المؤمنات التي اعتقدت بأنني كنت من حزب الشيطان. لقد قالت لي بأنني إذا لم أكن في طرف إلهها فإنّني بذلك أكون في طرف الشيطان. حسب رأيها، كنت أنا مشاركاً في حرب روحية عظيمة تدور رحاها بينما كنا نتكلّم. ششرحت لها بأدب بأنّني لم أكن ولم يسبق لي أن كنت عضواً في حزب الشيطان. وقد طمأنتها مراراً وتكراراً بأنني لم أكن أرتدي قلادة عليها نجمة خماسية معكوسة، ولم يسبق لي أن وضعت جمجمة ثور على رأسي، أو حتى أدخلت خنجراً في معدة فتاة عذراء كتضحية إرضاءً لسيد العالم السفلي. لكني أسكتتني على الفور عندما قالت بأنني يمكن أن أكون عميل "غير واعِ، ومن دون دراية مني" للشيطان. كان من الصعب الرد على هذه الحجّة. في الحقيقة لم أستطِع الرد. كيف تطمئن أحدهم بأنك لست خادماً للشيطان بدون أن تدري؟ فإذا كنت كذلك، فإنك لن تعرف ذلك لأنك لن تكون دارياً. طبعاً أنت ستنكر بأنّ الشيطان يسيطر عليك دون معرفتك. لكن أحيانا لاتستطيع الفوز في جميع نقاشاتك.
لاشكّ أنّ بعض المؤمنين سيجدون هذا الكتاب كأداة من أدوات الشيطان، مليء بأكاذيبه لخداع المؤمنين. لكن هدفي هنا ليس خداع الناس وتضليلهم لترك إيمانهم بحجج ذكية وداهية. جل ما أريد هو أن أشجّع القرّاء على التفكير بأنفسهم وإعادة النظر في تبريراتهم بالإيمان بالله أو الآلهة. أنا أروّج للقليل من الشك، ولست أعلن هنا حقيقة مطلقة وقاطعة. على الناس أن يبتعدوا عن الإيمان بالآلهة بأنفسهم. وأنا لا أستطيع فعل ذلك بدلاً عنهم ولا أريد ذلك. إذا كان بعض المؤمنين يحتاجون إلى التأكيد بأنّ هذا الكتاب ليس مصمّماً لإبعاد الناس عن إلههم وإلقائهم بين يدي الشيطان، إذن دعةني أقول لكم وبصراحة بأنني أريد من الناس أن يفكروا بطريقة نقدية حول موضوع وجود الشيطان نفسه أيضاً.
لماذا يؤمن العديد من الناس بوجود الشيطان بأية حال؟ أعتقد أنّ الأمر نفسه في جميع الديانات عبارة عن هدية مجانية، أطلب إلهاً والعرض شيطان معه. إنّ حجّة وجود الشيطان هي ضعيفة وبنفس ضعف وهوان حجّة وجود الله أو أياً من الآلهة. أغلب المؤمنين سيخالفونني الرأي بالطبع. بالنسبة لهم، إنّ وجود الشيطان حقيقي تماماً. إنّهم يرون إشارات وأدلّة على وجوده في كل مكان. ومن المذهل كيف أنّ بعض المؤمنين يرون يد الشيطان في كل شيء يبدو سيئاً. الإدمان على المخدرات، الجريمة، سرقات البنوك، المرض، وهلمّ جرّا جميعها من أعمال الشيطان، حسب قولهم. أنا أعلم أنّ ذلك قد يبدو كلاماً منطقياً بالنسبة للمؤمنين الذين ظلوا يسمعون ذلك طوال حياتهم، لكنني أشجّعهم على أن يأخذوا باعتبارهم وجهة نظر أخرى. الأمور السيئة تحدث طوال الوقت ولايوجد أي دليل يثبت أنّ سير هذه العملية مرتبط بكائن خيالي اسمه الشيطان. نعم، البشر يسيئون التصرّف. لكن هناك تفسيرات متوفّرة لتلك الأحداث هي الأكثر احتمالاً بأن تكون صحيحة. الإدمان على المخدرات هي مشكلة يعانيها أغلب الناس بسبب الطريقة التي تستجيب فيها عقولهم لبعض المواد الكيماوية وتخلق لديهم توقاً شديداً للمزيد منها. بعض الناس يرتكبون أعمال عنف لأنّ العدوائية والعنف هما إحدى السمات الأساسية للدماغ البشري. الناس يسطون على البنوك لأنّها الأمنكة التي يتواجد فيها المال بكثرة. هل هذه التفسيرات للسلوك العنيف والسيء تبدو أكثر معقوليةً من الزعم أنّنا وقعنا ضحية تلاعب وإغواء من قبل قوى شريرة لكائن خارق يعيش في مكان محترق مليء بالنيران في مكان ما؟
لماذا هناك العديد من المؤمنون قلقين بشأنّ هذه الشخصية الشيطانية بأيّة حال؟ فكامل القصة حوله وهو يحاول السيطرة على العالم تبدو غريبة وشاذّة. لماذا مازال يلاحق حلمه الطموح في فرض سيطرته على العالم بأيّة حال؟ إذا كان الشيطان "ملاكاً ساقطاً" ويعرف إله الكتاب المقدس حق المعرفة، معرفة شخصية وعن قرب، عندما كان في الجنة، ألم يكن ليعرف كيف كانت ستنتهي هذه القصة؟ لماذا استمرّ في لعبته بحق الجحيم؟ حسب الكتاب المقدس، إنّه يخسر اللعبة في النهاية. ألا يستطيع الشيطان القراءة؟
أريد أن أطمئن المؤمنين أنّ اعتناق الشكّ والريبية والعقل لا يعني أنّ الإنسان ينحاز إلى جانب الشيطان. الشك والعقلانية لايميلان فقط إلى وضع الآلهة جانباً. بل تنفيان فكرة الشيطان أيضاً.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن