حروب الدمار الشامل

خليل كلفت
khalilkalfat41@gmail.com

2015 / 4 / 14


يعيش العالم العربى، منذ عقود، سلسلة من الحروب التى تخوضها نفس القوى الداخلية والخارجية على نفس الأرض. وقد تأتى فى أعقابها، عندما تضع أوزاها، حروب جديدة.
وفى حروبنا السابقة كان يسود جوٌّ من الأمل والتفاؤل، وهذا الجو غائب تماما الآن.
وكانت ثورات ما يسمَّى بالربيع العربى مُفْعَمة بالأمل فى حياة جديدة، غير أن النتائج التى نعيشها الآن جاءت متناقضة مع التوقعات الوردية. وكان هناك أمل حتى فى قلب جحيم الحرب العالمية التى قادت الفاشية الألمانية إليها العالم، لانتزاع "حقوق استعمارية" لها فى المستعمرات البريطانية والفرنسية. واستبدت بها وأغرتها بالهجوم حماقة القوة التى تستبدّ بالإسلام السياسى الآن. غير أن النتائج جاءت متناقضة مع التوقعات، فانتقلت الفاشية من أمل نجاح الهجوم إلى الدفاع والهزيمة، وانتقل الحلفاء من أمل نجاح الدفاع إلى الهجوم والانتصار، وغرقت البلدان المتحاربة فى الدم والدموع والدمار الشامل للغالب والمغلوب. وفى أثناء الحرب الڤ-;-ييتنامية كانت القلوب مفعمة بالأمل فى انتصارٍ تحقق بالفعل، أما الآن فقد صارت الحروب الدفاعية ذاتها كابوسًا بحكم هزائمها التى صارت يقينية.
وكانت الحركات والحروب الوطنية تُحْيِى الأمل فى استقلال وشيك: الخلاص من الاحتلال والإدارة الاستعمارية، من جهة، والتحرُّر من التبعية وبناء اقتصاد متقدم، من جهة أخرى.
ولكننا خسرنا حروبنا مع إسرائيل، ورضينا من الغنيمة بالإياب فى حرب أكتوبر، وظلت نتائج هزيمة 67 مستمرة. وفى 48، حاربنا إسرائيل بعد أن تركناها تبنى اقتصادها ودولتها وقوتها العسكرية طوال نصف قرن. وانكسر أملنا فى كل نضالات وحروب التحرر الوطنى التى خضناها، فانتهت إلى تسويات بشروط وقيود أو إلى حروب أهلية، وخسرنا فى حرب الولايات المتحدة على العراق. ومنذ ذلك الحين نشهد الحرب تلو الحرب، والخسارة تلو الخسارة، بلا نهاية.
والتفسير بسيط، فقد سلَّمَنا الاستعمار القديم لسيطرة الاستعمار الجديد، لنزداد ضعفا على ضعف فيما ازدادت الإمپريالية وإسرائيل قوة على قوة. وكانت هزيمة 67 أمّ الهزائم المتواصلة إلى يومنا هذا، وبفضلها توسعت إسرائيل بضمّ جزء من مرتفعات الجولان، ثم الضفة الغربية وقطاع غزة اللتين تم ضمهما نهائيًّا إلى إسرائيل مع إبقاء قرار الضم سرًّا مُعْلَنا مع ذلك نغمض أعيننا عنه، وندخل بحماس فى مفاوضات عبثية متواصلة.
وفتحت الحرب الأمريكية المستمرة على العراق منذ رُبْع قرن إلى الآن الباب واسعا أمام وضع جديد تماما. وتلتها الحرب على أفغانستان التى سيطرت عليها طالبان والقاعدة، ليمتدّ إرهاب الإسلام السياسى إلى كل مكان فى العالم العربى وجواره الآسيوى والأفريقى.
وكانت الولايات المتحدة العامل الخارجى الرئيسى وراء نموّ جماعات الإسلام السياسى التى كانت امتدادات مباشرة وغير مباشرة لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية حيث تحولت بفضلها الثورات العربية إلى حروب أهلية أبادت وشرَّدت شعوب بلدان هذه الثورات ودمرت عمرانها وآثار وكنوز حضاراتها.
وفى غياب المحاسبة ينجو من العقاب كل المسئولين عن أسباب الحروب: الطبقات الرأسمالية الحاكمة والرؤساء وعصاباتهم، وإمپريالية الولايات المتحدة، والرجعية العربية الخليجية والإقليمية ومنها إيران وتركيا اللتين تعيشان حلم صعودهما رغم مشكلاتهما الداخلية: حلم الإسلام السياسى الشيعى بإحياء الإمپراطورية الفارسية، وحلم الإسلام السياسى السنى بإحياء الخلافة العثمانية. وتبقى المنطقة مهددة بحروب مذهبية واسعة سيكون العراق أهمَّ ساحاتها الرئيسية. وقد يكون اتفاق نووى مع الغرب بداية جديدة للعدوانية الإيرانية رغم قيود قد تُرتِّبها التفاهمات السياسية المصاحبة للاتفاق النووى. ولم يحاسب أحدٌ رؤساء مصر السابقين والأسبقين أو غيرهم فى غياب العدالة الانتقالية، الأمر الذى يضعهم ويضع الإسلام السياسى الإرهابى فى حالة الاستعداد للانقضاض.
وفى غياب المحاسبة تظهر منظمة الدولة الإسلامية فى العراق والشام (داعش) الإرهابية، وجماعة الحوثيين، وجماعة الإخوان المسلمين، وعشرات أخرى من جماعات الإسلام السياسى السنى والشيعى، التى تشن حروب الإبادة الجماعية والأرض المحروقة، وتمضى بعد أن تدمر حياة ومستقبل شعوب بكاملها، دون محاسبة للفاعلين الأصليين أو وكلائهم. وصارت داعش، ومعها جماعات الإسلام السياسى الأخرى، خطرا على المنطقة والعالم، بعد أن احتلت مناطق واسعة فى العراق وسوريا لتكون نواة أراضى الخلافة الإسلامية السنية الجديدة.
وفى اليمن يسعى الرئيس الذى أطاحت به الثورة إلى ترئيس نجله، الذى تتردد أنباء عن مقتله، معتمدا على ولاءٍ فى الجيش ودعمٍ قَبَلىّ، وبالتحالف مع الحوثيين الذين يتلقون الدعم والتشجيع والسلاح والتدريب من إيران فى إطار حلمها التوسعى فى المنطقة.
وبعد أن تضع هذه الحروب أوزارها، ويتم حصار خطر الإسلام السياسى، سيقفز فى وجوهنا، بين تحديات أخرى، خطر حروب أهلية جديدة بقيادة نفس القوى التى أفلتت من العقاب.
ولا سبيل إلى التخلص من الإسلام السياسى السنى والشيعى إلا بجهود جبارة متعددة الجوانب العسكرية والاجتماعية والفكرية الشاملة. وتتمثل العقبة الكبرى فى واقع أن طبقاتنا الرأسمالية الحاكمة لا تريد ولا تستطيع تحقيق العدالة الاجتماعية بحكم أساسها الاقتصادى الرأسمالى، المتأخر والتابع، والذى لا يُنتج ثروة حقيقية يمكن توزيعها، بالإضافة إلى عقليتها التى تمنعها حتى من الاهتمام بمستقبلها.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن