أثر الحروب و النزاعات في التمكين الاقتصادي للمرأة العراقية

نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
nabilj_2006@yahoo.com

2015 / 4 / 3

أثر الحروب و النزاعات في التمكين الاقتصادي للمرأة العراقية
أولا: أثر الحروب والنزاعات في مشاركة النساء ضمن القوى العاملة :-
تؤثر الحروب والنزاعات المسلحة بصورة عكسية في النمو الاقتصادي، إذ أن أثرها المباشر في الأنشطة الإنتاجية قد يصل إلى درجة إيقافها نهائيا والتراجع إلى مراحل التنمية الأولية، نتيجة لتدمير المؤسسات الحكومية والمنشآت الصناعية. فضلا عن أن العمليات العسكرية تؤدي إلى تدمير مساحة كبيرة من الأراضي الزراعية، ومن ثم فهي تلحق ضررا هائلا في الظروف البيئية، والموارد الطبيعية. وكذلك تؤثر الحروب والنزاعات في النمو الاقتصادي بصورة غير مباشرة من خلال تأثيرها في رأس المال البشري، بسبب الزيادة في النفقات العسكرية على حساب الإنفاق الاستثماري وبالذات الإنفاق على الصحة والتعليم
وفي العراق أسهمت الحروب والنزاعات في تزايد اعتماد الاقتصاد على العوائد النفطية. مما يعني انخفاض تأثير النمو الفعلي في فرص العمل وتفاقم ظاهرة ((النمو غير المنتج لفرص العمل))، أي أن الزيادات في الناتج المحلي الإجمالي لكل عامل لا ترتبط بزيادة في إنتاجية الأيدي العاملة في القطاعات غير النفطية، بل ترتبط بالزيادات في عوائد النفط ومساهمة قطاع النفط في الناتج المحلي الإجمالي. وانعكس ذلك بعدم التقدم في توفير العمالة المنتجة والعمل اللائق للجميع، ومن ثم سوء توزيع الدخل وانتشار الفقرإذ ظلت معدلات مشاركة القوى العاملة راكدة بلا نمو خلال المدة (1970- 2004)

أن العراق كان أكثر دول الجوار العربية تقدما في سبعينات القرن الماضي من حيث مشاركة القوى العاملة إذ بلغت 42% عام 1970 مقابل 23% للأردن و27% للكويت 22% لسوريا للعام نفسه. إلا أن هذه المشاركة في العراق قد انخفضت إلى 39% عام 1987، في حين ارتفعت بشكل كبير في الدول المجاورة نتيجة للاستقرار الأمني فيها واستمرار خطط التنمية وعدم تلاشي الإنجازات المتحققة، فقد بلغت نسبة مشاركة القوى العاملة في الأردن 44% والكويت 61% وسوريا 52% عام 1987. واستمرت نسب مشاركة القوى العاملة بالارتفاع في دول الجوار للعراق حتى وصلت إلى 48% في الأردن و82% في الكويت و60% في سوريا عام 2004 مقابل ارتفاع بسيط في نسبة المشاركة للقوى العاملة في العراق 41% للعام نفسه مقارنة بعام 1987. ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى التطور القليل الذي حصل في نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة العراقية من 15% عام 1980 إلى 20% عام 2005 مقارنة مع الكويت التي ارتفعت فيها نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة بأكثر من ضعفها من 18.7% عام 1980 إلى 49% عام 2005، وفي سوريا من 23.8% عام 1980 إلى 38.5% عام 2005 و الأردن من 16% عام 1980 إلى 27.5% عام 2005
يستدل مما سبق أن آثار الحروب والنزاعات تقع على الجنسين بنسب متفاوتة. وهذا التفاوت هو دليل على الفوارق بين الذكور والإناث من حيث القدرة على الحصول على الموارد والإمكانات والفرص، التي كانت موجودة قبل حدوث الحروب والنزاعات، ومن ثم تفاعلت هذه العوامل وتداخلت مع أثر الاضطرابات الأمنية لتقحم بعض الفئات تلقائيا في حالة حرمان. إذ أن للحروب والنزاعات تأثيراً بالغاً في حياة النساء يمكن أن يغير تماما دورهن في الأسرة والمجتمع المحلي والحياة العامة، وعادة ما يحدث هذا التغيير دون تخطيط مسبق. فانهيار أو تفكك الأسرة وشبكات المجتمع المحلي يجبر النساء على الاضطلاع بأدوار جديدة. فيصبحن المسؤولات عن أسرهن ومعيلاتها، نتيجة غياب الرجل في جبهة القتال خلال الحرب أو أن يصبح رب الأسرة شهيدا أو أسيرا أو مفقودا، لذلك تتولى المرأة مسؤولية كسب العيش، والاعتناء بالأرض والحيوانات أو تعمل بالتجارة وتنشط خارج المنزل، أي تضطلع بأنشطة غالبا ما يتولاها الرجال بحكم التقاليد.
وقد بينت د.لاهاي عبد الحسين أن هناك رأيين فيما يتعلق بأثر الحروب والنزاعات في ظاهرة ارتفاع نسبة النساء العاملات خارج المنزل، يرى الرأي الأول إنها ظاهرة مؤقتة فبعد انتهاء الحرب سوف يعود الكثير من النساء المشتغلات في المؤسسات والمنشآت الصناعية إلى أعمالهن التقليدية، وذلك بسبب عودة الرجال وإحلالهم محل النساء في المصانع والمؤسسات التي كن يعملن فيها من ناحيةومن ناحية أخرى ينظر إلى المرأة التي فقدت معيل الأسرة، على أنها سوف تتحمل دورا جديدا لا يؤدي إلى تمكنها الاقتصادي و إنما فقط سوف يرهقها بالمزيد من المسؤوليات. ومن ثم من واجب أحد أفراد الأسرة من الذكور إعالتها أو يعد ذلك من مسؤوليات الدولة من خلال اعتمادها سياسة تضع المرأة المعيلة لأسرتها في خانة المستفيدة من الأعمال الخيرية ومن برامج التنمية والخدمات الاجتماعية المصاحبة لها في مجالات التغذية والصحة العامة والتعليم، ونتيجة لذلك تكون مهيأة دائما لما يعزز عودتها إلى المنزل. ومن ثم انخفاض نسبة النساء العاملات بأجر مما يعني الابتعاد عن تحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة.
أما الرأي الثاني فعلى العكس من ذلك، إذ يصف تأثير الحروب والنزاعات في مدى اشتغال النساء خارج المنزل لقاء أجر، بأنه ظاهرة جوهرية تسهم بزيادة مشاركة النساء في قوة العمل الوطنية. وأن لذلك أثره في تغيير نظرة المرأة لنفسها والمجتمع ككل بأن النساء قادرات على الاضطلاع بادوار جديدة لا تقتصر على العمل بدون أجر داخل المنزل. مما ينعكس بشكل ايجابي على المدى الطويل من خلال زيادة نسبة النساء المشاركات في القوة العاملة، ووصولهن إلى وظائف ذات أجر مرتفع وتمكنهن اقتصاديا. ويتعزز ذلك من خلال السياسات وخطط التنمية الوطنية كتحسين إمكانية وصول مؤسسات التمويل الأصغر إلى الأرامل اللواتي يرأسن أسرهن نظرا لكونها وسيلة مهمة لكسب العيش بالنسبة لهذه الفئة من المجتمع. يلاحظ أن للحروب والنزاعات المسلحة أثرين، أثر ايجابي متمثل بتمكين المرأة اقتصاديا في المدى الطويل، وأثر سلبي متمثل بانخراطها المؤقت بالعمل وعودتها إلى المنزل عند انتفاء الحاجة لذلك. وتحكم هذين الأثرين البرامج والسياسات وخطط التنمية التي تتبعها الدولة .

وقد مر العراق بثلاثة حروب وحصار اقتصادي خلال المدة (1980 – 2003) وحالات نزاع مسلح مدني بعد عام 2003 وكان لذلك آثار متباينة في التمكين الاقتصادي للمرأة العراقية يمكن توضيحه بما يلي:-
1- الحرب العراقية – الإيرانية 1980 -1988 :-
بدأت الحرب المدمرة مع إيران عام 1980 و استمرت ثماني سنوات حتى عام 1988. وأدت إلى تجنيد الرجال وإحلال النساء محلهم في المصانع والمؤسسات والمزارع التي كانوا يعملون فيها. إذ كانت أهم نتائج ذلك ظاهرة تأنيث سوق العمل، والتي تعني دخول النساء بأعداد كبيرة وفي وقت قصير إلى مختلف ميادين العمل فقد كان عدد النساء النشيطات اقتصاديا في العراق عام 1977 هو 461 ألف ارتفع إلى 798 ألف عام 1983 أي بمعدل نمو مركب 8.4% خلال المدة (1977 – 1983
وكذلك أدت الحرب إلى إيجاد أعداد كبيرة من الأسر التي تعولها نساء بعد تجنيد الرجال و أسرهم أو نزوحهم أو استشهادهم أو عجزهم الكامل عن العمل بسبب الإصابة في الحرب. وفي غياب رجال الأسرة، يتعين على النساء دائما أن يتحملن مسؤولية أكبر عن أبنائهن وأقاربهن المسنين، بل في كثير من الأحيان عن مجتمعهن المحلي الأوسع نطاقا. ونتيجة لذلك شرعت العديد من القوانين مثل قانون العمل الموحد، الذي يهدف إلى مساواة المرأة والرجل في الحصول على فرص عمل وتضييق الفجوة بين الجنسين في الاقتصاد العراقي إلا إنه من جانب آخر اتبعت برامج وسياسات خاصة تشجع على الإنجاب، مع ملاحظة إنه خلال الحرب العراقية الإيرانية قامت الحكومة بجلب عمالة متخصصة وماهرة من الخارج لتحل محل المواطنين الذين تركوا وظائفهم للالتحاق بالخدمة العسكرية، فضلا عن السياسات التي تقلل من التحاق الإناث بكليات الهندسة والطب لصالح الذكور، مما عزز من الفجوة النوعية بين الوظائف ذات الدخل المرتفع التي يحتلها الذكور والوظائف ذات الدخل المنخفض التي تزداد فيها نسبة الإناث وذلك جعل من السياسات الهادفة لتقليص التفاوت بين الجنسين في سوق العمل خلال الثمانينات غير كافية بسبب وجود سياسات مضادة لها، ومن ثم فهي غير قادرة على تحقيق نتائجها المطلوبة على المدى الطويل.

2- حرب الخليج الثانية والعقوبات الاقتصادية 1990- 2003 :-
أصبح العراق منذ حرب الخليج الثانية 1990 – 1991 من البلدان الأقل نموا في العالم بمعيار معدل الناتج المحلي الإجمالي للفرد الذي تعتمده الأمم المتحدة إذ لم يتجاوز معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للفرد في العراق 0.5% للمدة ( 1990 – 2000)، فقد تأثر الاقتصاد العراقي خلال هذه المدة بالعقوبات التي فرضت عليه و لأكثر من عقد من الزمن، والذي كان من نتائجه تدهور القطاع الحقيقي، وارتفاع الأسعار وتدهور القوة الشرائية للمواطنين وانخفاض مستواهم المعاشي، فقد ارتفعت معدلات التضخم وتدهورت قيمة العملة على نحو لم يشهده العراق منذ تأسيس دولته. ونتج عن ذلك استمرار انتشار الفقر والبطالة، إذ انقطع أهم مصدر من مصادر تمويل التنمية خلال هذه المدة نتيجة لتراجع المعدل اليومي لصادرات النفط الخام من 1.694 مليون برميل/يوم عام 1990 إلى 60 ألف برميل/يوم عام 1994، إلا إنه بعد توقيع مذكرة التفاهم (النفط مقابل الغذاء والدواء) عام 1996، ارتفع المعدل اليومي لتصدير النفط الخام إلى 2.080 مليون برميل/يوم عام 1999. وعلى الرغم من تطبيق برنامج النفط مقابل الغذاء، إلا أن الأعباء الاقتصادية على العراقيين المتمثلة بالانخفاض الكبير في مستويات الدخول ونقص فرص العمل ظلت عند مستويات مرتفعة. وفي الأزمات الاقتصادية غالبا ما ينعكس التأثير الأشد والأكثر حده على المرأة، ويكون ذلك نتيجة لما يترتب عليه من تمييز ضد المرأة داخل المجتمعات والمؤسسات الحكومية قبل حدوث الأزمة. وأن أكثر من يعاني من الأزمة المرأة التي تنتمي إلى الفئات الفقيرة، والمهاجرة وفي العراق انخفضت نسبة الإناث من إجمالي القوى العاملة من 17.3% عام 1980 إلى 15% عام 2000 بعد أن كانت 16.0% عام 1970، أي التراجع عن المستويات المتقدمة التي حصلت في مشاركة المرأة الاقتصادية في الثمانينات ويرجع ذلك إلى عدد من الأسباب هي:-
أ‌- انخفاض مستويات الدخل بشكل كبير خلال الحصار الاقتصادي على العراق، مما جعل في بعض الأحيان تكلفة الذهاب والعودة من العمل أكبر من الدخل الذي يحصل عليه العامل. فعلى سبيل المثال عند المقارنة بين معدل تكاليف المعيشة الأساسية للعائلة العراقية المتكونة من خمسة أفراد والتي تقدر بحوالي 150 دولاراً شهريا، وبين معدل الراتب الحكومي الشهري لخريج الجامعة وله من الخدمة عدة سنوات والذي كان لا يزيد على 3 ثلاثة دولارات فقط بينت منظمة العمل الدولية أن النساء لا يدخلن سوق العمل إلا إذا كانت الأجور مرتفعة للتعويض عن خسارة قيمة العمل في المنزل. وهذا يفسر بشكل أو بأخر تنامي مشاركة الإناث في القوى العاملة في الدول المتقدمة بعد الحرب العالمية الثانية، بسبب ارتفاع الأجور وازدياد جاذبية العمل. أي أن الأجور المرتفعة تشكل حافزا إيجابيا لدخول النساء إلى سوق العمل فقد انخفض عدد الباحثات عن العمل المسجلات في مكاتب التوظيف في العراق منذ عام 1990 إلى 3.5% من العدد الإجمالي للباحثين عن العمل في عام 1998.
ب‌- تضاؤل الفرص المتاحة للمرأة في سوق العمل، نتيجة للخسائر والأضرار التي لحقت بالمنشآت الصناعية والأبنية الحكومية التي كانت توفر فرص عمل للمرأة العراقية، فضلا عن عودة الرجال إلى وظائفهم بعد انتهاء الحرب. فقد أصبحت قدرة سوق العمل على استيعاب القوى العاملة المتزايدة متعثرة من جراء الضغط الاقتصادي الذي نتج عن الحروب المتلاحقة و العقوبات الاقتصادية، وسيادة ظاهرة عبثية القرارات والإجراءات الاقتصادية والمالية الحكومية العديدة والمتناقضة.
ت‌- قابل استمرار عدد الولادات المرتفع إذ بلغ متوسط حجم الأسرة العراقية عام 1997 (7.7) فرد، خسارة المرأة الكثير من المنافع العامة التي كانت تقدمها الدولة. فمع تدهور الأوضاع في العراق في التسعينات نتيجة الحصار، تم رفع الدعم الحكومي عن مرافق رعاية الأطفال( ). ويفسر ذلك انخفاض عدد هذه الدور، من 580 إلى 566 داراً بين عامي 1991 و 2001، وانخفض عدد الأطفال الموجودين في دور الحضانة للمدة المذكورة من 79006 إلى 68377 طفلاً، إذ لم تتجاوز نسبة الالتحاق الإجمالية للتعليم ما قبل الابتدائي 7% خلال المدة (1991 – 2001). فلم تعد المرأة تجد مكانا آمنا لطفلها بسبب نقص أو سوء الخدمات، ولا تتناسب تكاليف دور الحضانة الخاصة مع الأجور أو الرواتب التي تحصل عليها، نظرا لأن غالبية الأطفال الموجودين في دور الحضانة يعودون لأمهات عاملات وبتفاعل تقسيم الأدوار التقليدي بين الرجل والمرأة في المجتمع العراقي، وزيادة عدد الأطفال في الأسرة الواحدة وعدم توافر دار لرعاية الأطفال في موقع العمل وانخفاض أجور العمل، دفع ذلك نسبة كبيرة من النساء العراقيات إلى الانسحاب من سوق العمل في التسعينات من القرن الماضي والاستفادة من قانون التقاعد المبكر. فقد استخدمت الحكومة نظام التقاعد المبكر (يستحق الموظف الراتب التقاعدي إذا كانت مدة خدمته التقاعدية لا تقل عن خمسة عشرة سنة) كحافز للحد من تكدس العمالة في القطاع العام ولمعالجة العمالة الزائدة، أي سهل نظام التقاعد المبكر إخراج المرأة من سوق العمل على الرغم من أن العمر المتوقع للولادة للإناث هو أعلى منه للذكور، أي أن المرأة تكون فاعلة وقادرة على العمل مدة أطول من الرجل.
ولذلك التجأت النساء إلى العمل في القطاع غير النظامي، وبشكل خاص النساء المعيلات لأسرهن، إذ ارتفعت نسبة العاملات في القطاع المذكور في العراق من 44.3% عام 1990 إلى 48% عام 1998. وإن العمل في القطاع غير النظامي أقل أمنا وأجرا من العمل في القطاع النظامي، وغالبا ما يكون تأثير الدولة ومؤسسات سوق العمل النظامية ضعيفا. فلا يستفيد العمال في القطاع غير النظامي من خطط الحماية الاجتماعية التقليدية أو من الأطر القانونية والتنظيمية. ويسبب الوصول المحدود إلى الموارد والمعلومات والمنتجات والأسواق و الاعتمادات والبنية التحتية ومنشآت التدريب والخبرة الفنية والتكنولوجيا المتطورة، مشكلة خطيرة لتحسين إنتاجية العمل غير النظامي وعائداته
واتخذ قسم من النساء في تسعينات القرن الماضي المشاريع الصغيرة المدرة للدخل، وسيلة لكسب العيش وخصوصا في الحضر. ففي عام 1997 بلغت نسبة النساء اللواتي يعملن لحسابهن الخاص في العراق 15% من مجموع النساء العاملات
ووجد في دراسة أجراها صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة (UNIFEM) لعينة تمثل 150 أسرة تعيلها نساء في العراق عام 1998، أن 89.6% من تلك الأسر يعيشون تحت خط الفقر، وأن نسبة 16.6% من هذه الأسر تعيش على دخل شهري أقل من 1000 دينار عراقي (حوالي نصف دولار) لكل أسرة. وأن معظم هذه العائلات ذات مستويات تعليمية منخفضة، ومن ثم فهي غير قادرة على المنافسة الكاملة في سوق العمل، كونها لا تمتلك متطلبات السوق المتمثلة بالعمالة الماهرة. كذلك وجدت الدراسة أن 57.4% من النساء يكسبن دخل تقاعد الأزواج. نظرا لأن قانون التقاعد العراقي لا يلزم المرأة الراشدة التي فقدت معيلها بالعمل بأجر كما هو الحال عند الرجل. ومع ذلك، بينت نسبة 96% من النساء المشمولات بالدراسة أن الرواتب كانت كافية بالكاد. وقد اتبع النظام السابق سياسة تتمثل بتقديم رواتب شهرية لأسر شهداء الحرب، وفي بعض الأحيان تقديم قطع أراضٍ. إلا أن هذه السياسات لم تحقق هدف التمكين الاقتصادي للمرأة الذي يتمثل بتنمية قدرتها في الاعتماد على الذات، مما جعلها تواجه العديد من المصاعب الاقتصادية بعد توقف الدعم المادي الحكومي بعد عام 2003. فضلا عن أن مثل هذه السياسات لا تؤدي إلى تقليص الفجوة بين الجنسين في المشاركة الاقتصادية، بل بالعكس ربما يكون تأثيرها سلبياً من خلال جعل المرأة المسؤولة عن أسرتها تعتمد على المساعدات المادية التي تقدمها الدولة. إذ بينت دراسة (UNIFEM) أن نسبة 72% من النساء المعيلات لأسرهن اللواتي شملتهن الدراسة كن ربات بيوت
وبسبب زيادة المشاكل وتعقيد عبء الفقر على النساء، أطلقت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية والاتحاد العام لنساء العراق برامج القروض الصغيرة عام 1996. وبلغ عدد النساء المستفيدات من تلك البرامج لغاية 2002 (5700) امرأة. وكذلك تم إنشاء مركزين تدريبيين في كل من البصرة وديالى، إذ بدأ نشاطهما عام 1998، وقد تدربت فيهما 150 امرأة إلا أن هذه البرامج لم ينعكس أثرها بشكل ملحوظ في مؤشرات المشاركة الاقتصادية للمرأة العراقية. نظرا لأن جهود هذه البرامج غالبا ما كانت تنتهي بعمل النساء في سوق العمل غير النظامي وليس الرسمي (باستثناء قطاع الخدمات). فضلا عن عدم وصول برامج التدريب والقروض الصغيرة لمختلف مناطق و محافظات العراق، ومن ثم لم تشمل نسبة كبيرة من النساء في سن العمل.

3- حرب الخليج الثالثة والنزاعات بعد عام 2003 :-
استمر عدد الأسر التي ترأسها النساء بالتزايد بعد عام 2003 بسبب النزاعات المسلحة. إذ أن 11% من الأسر العراقية تعيلها النساء، وأن 73% من تلك الأسر تعيلها أرامل عام 2004. وفي ذروة الصراع الداخلي في عام 2006، أشارت التقديرات إلى أن عدد من يترملن يوميا يصل إلى 90 – 100 امرأة عراقية ، فقد ارتفعت نسبة النساء المعيلات لأسرهن إلى 11.5% عام 2006، إلا إنها عادت وانخفضت إلى 7.7% عام على الرغم من استمرار عدد من يترملن من النساء بالتزايد. وبينت دائرة شؤون المرأة في البصرة أن عدد الأرامل المسجل لديها ازداد من 17833 إلى 21941 أرملة خلال المدة 2010 – لغاية 1/4/201، وبشكل عام يمكن توضيح خصائص الأسر التي تعيلها النساء بما يلي :-
أ‌- انخفاض المستوى التعليمي للمرأة التي تعيل أسرتها. إذ بينت نتائج دراسة الاستطلاع التي قامت بها الباحثة في محافظة البصرة أن نسبة 55% من الموظفات المعيلات لأسرهن أكملن المرحلة الأساسية للتعليم فقط أو أميات. أما نتائج دراسة (UNIFEM) فبينت أن نسبة 86% من هؤلاء النساء هن أميات أو أكملن المرحلة الابتدائية عام 1998 .
ب‌- نسبة الإعالة المرتفعة للأسر التي تعيلها المرأة. إذ وجدت دراسة (UNIFEM) المذكورة أنفاً، أن 34% من الأسر التي ترأسها النساء تعيل أكثر من سبعة أفراد
ت‌- انخفاض خبرة وقدرة المرأة المعيلة لأسرتها على كسب العيش والعمل بأجر خارج المنزل. إذ أن 40% من الأسر التي تعيلها نساء، ليس باستطاعتها الاحتفاظ ب100 ألف دينار خلال أسبوع من المدخرات أو عن طريق المساعدات، مقارنة ب26% من الأسر التي يعيلها رجال
نتيجة لما سبق تكون المرأة المعيلة للأسرة التي لا تحصل على تحويلات مالية من الذكور أكثر فقرا من الرجل الذي يعيل أسرته، وأكثر عرضة للبطالة والتخفيضات في الإنفاق الاجتماعي والرعاية الاجتماعية، وأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي بسبب انخفاض مستويات الدخل الكلي. إذ أن متوسط دخل الأسرة التي تعيلها المرأة أقل من متوسط دخل الأسرة التي يعيلها الرجل بنسبة تتراوح ما بين 15 – 25% ويعكس ذلك التفاوت بين الذكور والإناث في التعليم واكتساب المهارات المثمرة والعمل بأجر داخل الأسرة الواحدة. فضلا عن أن التأثير الأكبر للبرامج والسياسات الخاصة بالمرأة التي فقدت معيلها هو بعدّها فردا ضعيفا عاجزا عن العمل خارج المنزل. فعلى سبيل المثال يكفل قانون الرعاية الاجتماعية رقم 126 لسنة 1980 في المادة (13) راتب لرعاية الأسرة التي يرأسها شخص عاجز عن العمل كليا بسبب المرض أو العوق أو أرملة أو مطلقة ولها ولد قاصر. ولهذا تأثير بالغ بعدم ثقة المرأة بنفسها بأنها مواطنة راشدة وقادرة على العمل بأجر وإعالة أسرتها، إذ أن أكثرية الأسر التي تعيلها نساء تستمر طوال حياتها تحت رحمة الدخل القليل المقدر ب100 ألف دينار شهريا عام 2012( )، دون اكتساب أي قدرات أو مهارات تستطيع الاستثمار بها في المستقبل، تمكنها من تحسين وضعها ووضع أسرتها المادي. فمقابل ذلك لا يلاحظ أثر كبير لمبادرات التمكين الاقتصادي المتمثلة بالتدريب المهني والتمويل الأصغر الذي ابتدأ عمله في العراق في عام 2003 لمساعدة ضحايا الحرب والعنف. إذ على الرغم من أن نسبة النساء المستفيدات من التمويل الأصغر قد زادت من 13% في آذار 2007 إلى 21% في حزيران 2012، إلا إنها لم تؤثر بشكل متوازٍ مع الإعانات التي تقدمها الدولة للنساء المعيلات لأسرهن. نظرا لأن مؤسسات التمويل الأصغر بإمكانها الوصول فقط إلى نسبة ضئيلة من النساء المحتاجات مقارنة بقدرة الإعانات والمساعدات بالوصول الكافي لهذه الفئة من النساء. ويلاحظ أن حتى تلك الإعانات لا تستطيع بعضهن الحصول عليها، بسبب بعد المسافة بين محل السكن ومراكز الإعانات. وهذا يعني الحاجة إلى وسيلة نقل، أي زيادة في التكاليف التي من الصعب عليهن تحملها. وينعكس ذلك سلبا على المكاسب المتحصلة من تلك الإعانة وأن التدريب المهني المخصص للمرأة غالبا ما يتصل بتدبير المنزل أو عمل الرعاية. وهذه الأعمال قليلة المهارات ومنخفضة الأجر ولا تؤدي إلى التطور في السلم الوظيفي في معظم الأحيان. وبهذا تعد الأسر التي تعيلها نساء مثالاً واضحاً على التمييز ضد المرأة داخل الأسرة نفسها وداخل المجتمع ككل.
لقد تفاقمت المشكلات الاقتصادية بعد عام 2003 نتيجة للأضرار المادية الواسعة النطاق وصعوبة الحصول على المواد والنقص في الآلات والمعدات من جراء الآثار الناشئة عن أعمال النهب والعنف وضعف القطاع الخاص، فضلا عن أن الوضع الأمني غير المستقر أجبر عدداً من الشركات والمؤسسات على الانكماش مما انعكس على قدرة القطاع الصناعي على خلق فرص عمل واستيعاب القوى العاملة المتزايدة نتيجة لتسريح مئات الآلاف من الجنود والعاملين في الأجهزة للنظام السابق وعدد من موظفي الدولة المرتبطين بذلك النظام إذ اقتصر النشاط الاقتصادي على القطاعات التوزيعية والاستهلاكية دون الإنتاجية، فقد كان قطاع الصناعة يستخدم 24.6% من إجمالي القوى العاملة في العراق عام 1995، إلا أن هذه النسبة انخفضت إلى 14.8% من القوى العاملة عام 2008 وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية انخفضت فرص العمل القليلة التي كانت متاحة للمرأة في قطاع الصناعة، مما أدى إلى تركز عمل الإناث في قطاع الخدمات. فعلى سبيل المثال أن نسبة الإناث العاملات في قطاع التعدين والمقالع والصناعات التحويلية انخفضت من 10.76% عام 1983 إلى 3.1% عام 2011 وعلى الرغم من أن الحكومة في عام 2003 استهلت برنامجاً رئيساً لتنشيط سوق العمل. فبحلول عام 2005 سجل 600 ألف من الباحثين عن العمل في مراكز الاستخدام، وارتفع هذا الرقم ليبلغ 940 ألف في آذار عام 2007. وتلقى العديد من المسجلين تدريبا، والمساعدة على البحث عن العمل وتقديم المشورة المهنية وتوفير المعلومات عن سوق العمل. إلا أن نسبة الباحثات عن العمل المسجلات في مراكز الاستخدام لم تتجاوز 17% للمدة (2003 – 2004)، نظرا لأن التدريب الذي توفره هذه المراكز يتضمن مجالات ميكانيك السيارات والسباكة ومد التوصيلات السلكية وتجهيز الأغذية، وهي مجالات لا تتطلب شهادة علمية مرتفعة، فضلا عن أن معظم مجالات التدريب هي عبارة عن مهن يحتكرها الرجل في المجتمع العراقي. في حين بلغت أعلى نسبة للباحثات عن العمل هي للحاصلات على شهادة بكالوريوس فأعلى 47% مقابل أعلى نسبة للباحثين عن العمل هي للحاصلين على شهادة ثانوي فأدنى إذ بلغت 48% من إجمالي الباحثين عن عمل
كذلك أدت النزاعات المسلحة إلى زيادة موجات النزوح التي عانى منها الشعب العراقي على مدى العقود الماضية. وفي عام 2012 قدر عدد النازحين بحوالي 2,4 مليون عراقي أما نازحين داخليا أو لاجئين في البلدان المجاورة، مشكلين بذلك أحد أكبر تجمعات للنازحين في العالم. وان 82% من مجموع العراقيين النازحين هم من النساء والأطفال دون سن الثانية عشرة إذ أجبرت العديد من الأسر على مغادرة منازلهم بالقوة أو هربا من القصف و القتال، مما ترك آثارا شديدة على النساء نتيجة فقدان الممتلكات وفي بعض الأحيان فقدان الوظائف التي كنّ يعملن بها. ومن ثم واجهت المرأة المعيلة لأسرتها الافتقار إلى السكن، وقلة فرص كسب العيش، وصعوبة الاستفادة من الخدمات الاجتماعية وفي بعض الأماكن تواجه مشكلات أمنية. وعند استمرار نزوح المرأة، فإن حاجتها للمساعدة الإنسانية والاقتصادية تتزايد أي في مثل هذه الحالة يكون تأثير الحروب والنزاعات عكسي في التمكين الاقتصادي للمرأة، ولكن يمكن أن يحول ذلك إلى ظرف مؤقت في حال توافر سياسات خاصة بالأشخاص المتضررين من الحروب والنزاعات. وفي العراق تمثلت السياسة المتبعة للحد من الضرر الذي لحق بالأسر المهجرة في الداخل، هو بتخصيص مبلغ قدره 150 ألف دينار شهريا حتى استعادة وضعهم الطبيعي وعودتهم إلى مناطق سكناهم

ثانيا: أثر الحروب والنزاعات في تعليم الإناث :-
تمثل أثر الحروب والنزاعات في تبديد المكاسب التي حققها العراق في مجال التعليم حتى مطلع الثمانينات من القرن الماضي. فقد بلغ معدل الالتحاق بالمرحلة الابتدائية في بداية الثمانينات 100% ولكن الحروب التي شهدتها البلاد وأعمال العنف أدت إلى تقليص الموارد الحكومية من ناحية، وإعطاء الأولوية للإنفاق العسكري من ناحية أخرى. إذ وصلت نسبة الإنفاق الحكومي على التعليم إلى 4.8% للمدة 1997 – 2001، مما ألحق ضررا كبير في قطاع التعليم. فقد تسبب ذلك بأزمة بنيوية حادة تجسدت بوقف نمو وتوسع أعداد المدارس والجامعات بالتوازي مع النمو الديموغرافي المتواصل. وتعرضت معظم المدارس إلى الضرر أو التدمير من جراء الحرب، الأمر الذي دفع بالكثير من المعلمين إلى ترك التعليم أو مغادرة البلاد. وقد قدرت سنوات التعليم المدرسي الضائعة في العراق زهاء 1.4 سنة للمدة (1990 – 1996) وعلى وفق مسح أجري في عام 2003، فإن ما يقارب من 80% من المباني المدرسية متضررة بحاجة إلى إعادة تأهيل أو إصلاح، كما تضررت 12 جامعة بشكل كبير
إن التأخر الهائل في تنمية رأس المال والصيانة وفي السياسات العامة، والنظم وتنمية الموارد البشرية الذي تراكم عبر عقد التسعينات لا يزال يشكل تحديا كبيرا أمام إعادة بناء النظام التعليمي. وعلى الرغم من التدهور في المرافق التعليمية نتيجة الحروب والعقوبات، فإن النظام التعليمي واصل العمل بشكل منتظم منذ عام 2003. فقد ارتفعت نسبة الإنفاق الحكومي على التعليم من 4.9% للمدة (2002 – 2006) إلى 9.7% عام 2011( ). وتم تفعيل العديد من برامج محو الأمية التي استهدفت الإناث اللواتي لم يلتحقن بالتعليم أبدا أو اللواتي انسحبن من المدارس على وجه الخصوص، نظرا لأن الحروب والنزاعات العنيفة كثيرا ما تؤدي إلى تفاقم أوجه التفاوت بين الجنسين في التعليم.
يلاحظ من الجدول (13) إن نسبة الطلاب الذكور الملتحقين بالمرحلة الابتدائية بشكل عام، هي أعلى من الإناث للسنوات الدراسية المذكورة وبفجوة نوعية تقدر ب21% لصالح الذكور، في حين أن نسبة الطالبات غير الملتحقات بالمرحلة الابتدائية هي أعلى من نسبة الطلاب للمدة نفسها، بفجوة نوعية تتراوح ما بين 26% - 64% لصالح الإناث. وهذا يعني أن نسبة الإناث اللواتي لم يحصلن على أي شهادة علمية هي أعلى من الذكور، إذ بلغت 46.2% للإناث مقابل 30.7% للذكور عام 2011

بداية ينخفض عدد المدارس بشكل عام في العراق وخاصة في المناطق الريفية ومناطق السكن العشوائية، أي المناطق التي يزداد فيها عدد النساء المعيلات لأسرهن ويزداد فيها الفقر. إذ ترتفع نسبة الحرمان من التعليم في الأسر التي ترأسها النساء، فقد بلغت 35% مقارنة بنسبة 27% للأسر التي يرأسها الرجال عام 2007. وكذلك ينخفض عدد مدارس البنات مقارنة بعدد مدارس الذكور، مما يسهم بزيادة الفجوة بين الجنسين في معدلات الالتحاق المدرسي، إذ بلغ عدد مدارس البنات للمرحلة الابتدائية 3148 مدرسة مقابل 3712 مدرسة للذكور للسنة الدراسية 2010 / 2011. وبسبب الحروب دمر عدد كبير من المدارس،ا ن انخفاض عدد المدارس من 8917 للسنة الدراسية 1990 / 1991 إلى 7980 مدرسة للسنة الدراسية التي تليها. أي أكثر من 900 مدرسة ابتدائية قد دمرت خلال الحرب. ويضاف إلى ذلك فقدان الحافز الذي يشجع الأسر على إلحاق الفتيات بالمدارس ( نتيجة لبعد المدرسة وتكاليف الدراسة مقابل عدم توافر مستقبل يضمن الاستثمار بالمهارات المكتسبة من تعليم الإناث)، وعدم وجود ما يجذب الفتيات للذهاب إلى المدرسة نتيجة لتدني مستوى التعليم. إذ على الرغم من ارتفاع الأنفاق على التعليم بعد عام 2003، إلا إن التمويل الحكومي والمستوى التنفيذي لم يصل إلى الحد اللازم لتصحيح الاختلالات الحاصلة لسد العجز في الأبنية المدرسية أو المستلزمات التعليمية ... إلخ، و بلغت نسبة الأبنية المدرسية ذات الدوام الثنائي 53% ونسبة 6% لذات الدوام الثلاثي للسنة الدراسية 2010 / 2011، أما بالنسبة للمباني المدرسية التي تحتاج إلى ترميم فقد بلغت نسبتها 60% والمدارس غير الصالحة 18% ومدارس الطين 5% للسنة الدراسية نفسها( ). وبهذا ارتفع عدد غير الملتحقات في التعليم، ويبين الجدول أن عدد الإناث غير الملتحقات بالمرحلة الابتدائية ارتفع خلال التسعينات من القرن الماضي وذلك يوضح أثر انخفاض المستوى المعاشي للفرد العراقي كعامل رئيس في تعليم الإناث، إذ بلغ 486637 طالبة للسنة الدراسية 1995 / 1996 مقارنة ب(200389) طالبة للسنة الدراسية 1988 / 1989. وبسبب التحسن الذي طرأ بمستوى معيشة الأفراد بعد عام 2003 عاد وانخفض عدد الطالبات غير الملتحقات بالتعليم الابتدائي إلى 369532 طالبة للسنة الدراسية 2006 / 2007.
فضلا عن ما ذكر سابقا فإن تصاعد العنف، قد يعطي للأسرة تبريرات كي تمنع بناتها من الدراسة، وهو منع ترجع جذوره إلى الثقافة التقليدية التي تعطي أهمية لتعليم الذكور أكثر مما هو عليه للإناث، والذي وجد في الفوضى الاجتماعية دعما له

ثالثا: أثر الحروب والنزاعات في صحة المرأة :-
في حالة الحروب والنزاعات لا تعطى الأولوية في الإنفاق الحكومي على الصحة بشكل عام، إذ انخفضت نسبة الإنفاق الحكومي على الصحة من 13.4% للمدة 1981 – 1985 إلى 4.2% للمدة 1991 – 1995، ثم عادت وارتفعت بنسبة قليلة بعد عام 2003 لتبلغ 5.7% للمدة 2007 – 2011( ). وبهذا أهملت احتياجات المرأة في مجال الصحة الإنجابية وخاصة بعد حرب الخليج الثانية عام 1991 وفرض العقوبات الاقتصادية، وما ترتب عليها من نقص حاد في مستلزمات تنظيم الأسرة المستوردة من الخارج، ونتيجة لذلك يلاحظ عدم تغير معدل الولادات المرتفع خلال المدة (1980 – 2002) بشكل ملحوظ، فقد بلغ 40 مولوداً لكل 1000 نسمة عام 1980 انخفض إلى 38 مولوداً لكل 1000 نسمة عام 2002. وبمقارنة حالة العراق مع إيران لكونهما سجلا معدلات وفيات مرتفعة بين الشباب طوال الثمانينات، يلاحظ أن الهيكل العمري في إيران يعاني من اختلال التوازن بقدر أقل بكثير، والفرق الرئيس بين البلدين الذي يفسر هذه الظاهرة هو الفرق في معدل المواليد، إذ انخفض معدل الولادات في إيران من 44 مولوداً لكل 1000 نسمة عام 1980 إلى 18 مولوداً لكل1000 نسمة عام 2002. فضلا عن أن معدل الوفيات في إيران كان أعلى مما هو عليه في العراق في مدة الحرب العراقية الإيرانية، إذ بلغ متوسط معدل الوفيات في إيران 16 وفاة لكل 1000 نسمة للمدة (1980 – 1988) مقابل 12 وفاة لكل 1000 نسمة في العراق للمدة نفسها، إلا أن معدل الولادات في إيران استمر بالانخفاض بشكل سريع مقارنة بالعراق. ولكن بسبب التحسن النسبي في الصحة الإنجابية بعد عام 2003 انخفض معدل الولادات حتى وصل إلى 35 مولوداً لكل 1000 نسمة عام 2011 مقابل 17 مولوداً لكل 1000 نسمة في إيران للعام نفسه.

أدى ارتفاع معدل الولادات إلى تحميل المرأة العراقية بشكل عام والمرأة المعيلة لأسرتها بشكل خاص (نظرا لارتفاع حجم السكان في سن العمل من الإناث نتيجة لزيادة عدد وفيات الذكور وانخفاض العمر المتوقع لهم) أعباء كبيرة في زمن الحرب والتدهور الاقتصادي. مما كان له أثر كبير في تمكين المرأة بما يتعلق باحتياجاتها وحقوقها الإنجابية. فالبلدان التي ينصب فيها التركيز على زيادة معدلات النمو السكاني ومعدلات الخصوبة، تتدهور فيها مكانة المرأة وتهمل احتياجاتها الصحية، فضلا عن أثر ذلك في معدلات مشاركة المرأة في الاقتصاد. فقد بلغت نسبة النساء من مجموع القوى العاملة (15 سنة فأكثر) في العراق 15.8% عام 2005 مقابل نسبة 33.8 % في إيران للعام نفسه.
صاحب سياسات تشجيع الإنجاب أضرار كبيرة لحقت بالمستشفيات والمراكز الصحية. فقد تفاقم الوضع في المستشفيات في ظل انقطاع التيار الكهربائي المستمر، الذي أثر سلبا في عمل التجهيزات الطبية. ونقص الغذاء اللازم للأم وطفلها إذ تعرضت المرأة بشكل متزايد إلى مخاطر رافقتها في أثناء مدة الحمل وبعدها بسبب سوء التغذية و ارتفاع معدلات فقر الدم وتجدر الإشارة إلى أن الحصة التموينية لا تلبي أكثر من 35% من احتياجات الأسر وإنها لا تتضمن عناصر مغذية مثل اللحوم الحمراء ومنتجات الألبان والخضراوات وغيرها من المواد الغذائية التي تعد ضرورية للمحافظة على صحة الأم وطفلها( ). فضلا عن أثر قلة توافر المياه الصالحة للشرب، فإن العراق هو البلد الوحيد في المنطقة المحيطة به (البلدان الأعضاء في الإسكوا-;- وإيران وتركيا) الذي أظهر انخفاض في إمكان الحصول على مصدر آمن لمياه الشرب في المدة الممتدة من 1990 إلى 2010 من 83%( ) إلى 78.7%( ). ومن المعروف أن هذه الظروف المتردية تؤدي إلى انتشار أمراض الإسهال والكوليرا والتيفوئيد والعدوى بالطفيليات والتهابات المجاري التنفسية، وهذا يعني ارتفاع المخاطر الصحية التي تتعرض لها المرأة. كما تقلص عدد الكوادر المدربة والمتخصصة بالصحة الإنجابية. وانعكس ذلك على ارتفاع نسبة الولادات من دون مساعدة صحية محترفة إلى 30% في المناطق الحضرية و 40% في المناطق الريفية خلال التسعينات.
وفي ظل شحة الغذاء والموارد والاضطرابات الاقتصادية والسياسية التي تحدث في أثناء مدة الحرب والنزاع، تواجه المرأة المعيلة لأسرتها مسؤوليات جسيمة تكون غير مستعدة لها في أغلب الأحيان، إذ يتطلب منها توفير الإعالة والحماية لعائلتها في ظروف استثنائية، مما يجعل من المرأة المعيلة لأسرتها مرهقة نفسيا وجسديا. إذ إنها من ناحية سوف تعاني من القلق والأرق والخوف الناتج عن الضغط النفسي الذي يسببه الواقع المفاجئ المتمثل بكونها المسؤول الوحيد عن الحفاظ على سلامتها وسلامة من تبقى لديها من أفراد الأسرة، خصوصا في أثناء مدة الحرب والنزاع المسلح. لذا فإن النساء اللواتي يترأسن أسرهن لسن في حاجة فقط إلى الدعم المالي بل أيضا إلى المساعدة النفسية. ومن ناحية أخرى وبسبب عدم توافر برامج تدريبية لمهن أو مشاريع مثمرة خاصة بالمرأة المعيلة لأسرتها، فقد يضطرها ذلك إلى العمل في مهن هشة ومضنية وغير مربحة فتتأثر صحتها سلباولا تؤثر سلامة المرأة الجسدية والنفسية في صحتها ومشاركتها الاقتصادية فقط، بل أيضا في قابليتها على العمل بوظائف منتجة وذات أجر مرتفع أي على نوعية هذه المشاركة، ومن ثم عدم قدرتها على الخروج من ظروف الفقر.
بينت الإسكوا أن إهمال أو تجاهل الواقع والتحديات التي تواجهها المرأة في مرحلة ما بعد الحرب والنزاعات، هو نتيجة لعدم التمثيل الكافي الذي تحظى به المرأة في المؤسسات السياسية والعسكرية التي تتخذ قرارات الحرب والسلم



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن