-31- آذار.. نبض -الآخر- الجميل

عبدالكريم العبيدي
alubaidi.abdalkareem@yahoo.com

2015 / 3 / 30

مع حلول "31" آذار، تكتظ ذاكرتي بأولى بواكير وعي الذات، بذلك الشيء الفريد من نوعه، في مواجهة دهشة الخارج، واشراقته، كموضوع مثير، أو كيقين بالذات والوطن والشعب، تتجلى له ماهية غريبة، باعتباره "آخر" مثير، انوجد على حياة الفرد، كحدث غير عابر، أو كتماس ساخن غير طارئ، بل تسلل كمؤثر فاعل وجميل في ذواتنا، نحن الجيل السبعيني الأكثر حراكا في فصول ما قبل نكسة الحروب والخراب.
هذا "الأخر" لم يكن وعيا حسب، بل هو قيمة من القيم المتعالية التي غرست في ذاتي سيلا من المؤثرات المعرفية والثقافية والحياتية، وانتقلت بي بخفة مدروسة الى طور مهم من أطوار حياتي، لمسته في ذات الأطوار الملفتة التي انتقلت بأصدقائي في مطلع سبعينيات القرن الماضي الى خانة التفاعل المبدع في مسيرة حياتهم.
في الحادي والثمانين لإطلالة هذا "الآخر"، هذا "الشيوعي" الجميل، تبزغ "أحداث الفكر السرية" بذات الحذر والتحوط والتحدي، فيعيش الواحد منّا دهشة القراءة "الممنوعة" للمجلدات الحمراء، والصحف والمجلات التي كنّا نتداولها سرا، والحوارات الخطيرة التي كنّا نجريها في لقاءات ساخنة تمثل فواصل تغيير في حياتنا، وفي حياة الفكر والثقافة والوطن.
يستذكر الواحد منّا احدى أهم الساعات المتحوِّلة في حياته، لحظة دعوة الكسب "للشيوعي" في احدى أهم فترة مر بها، وسط هجمة الشمولية والدكتاتورية وما كانت تضمره من غدر وخسة لكل القوى الوطنية ورموز الثقافة والأدب والفن.
في ذكرى هذا "الشيوعي" الخالد يشرق وجه "امتاني"، أول رجل أطلق عليه رجال ونساء محلتنا القديمة "الومبي" كنية "شيوعي"، ويبزغ وجه أمه المناضلة، بائعة الباقلاء التي كانت تزوره من حين لآخر في معتقل نقرة السلمان، ومعهما يشرق وجه سامي، بائع الثلج الذي غيبته أجهزة النظام البائد في معتقلاتها وفي مقابرها الجماعية.
اليوم، أتذكر العم "أبو حزامين"، العامل في مصفى المفتيّة القديم، الذي كان يشد على خصره حزامين، ويردد جهارا دون خشية من أحد:" هذا حزام لظهري، وحزام للشيوعية"!
أذكر اليوم باقة جميلة من أهم وألمع أبناء محلتنا، معلمنا الأول "خليل"، وشقيقه "جليل"، أولاد "بيت النداف"، ذلك البيت الذي حمل أوزارنا، وعبّد لنا طريق الوعي والثقافة وحب الشعب والوطن، ومع ذلك البيت يظهر :"رعد، وأديب، ومزهر، وقيس، ومحمود، وهاشم، ونوري، والقائمة تطول.
أستذكر اليوم، من وهب حياته ثمنا للوطن، قائد ومؤسس الحزب "فهد" ورفيقيه حازم وصارم، الذين اعتلوا أعواد المشانق مرددين في مواقع اعدامهم:"الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق، هي الحياة فكيف يمكنها ان تموت؟، لن يموت شعب يقدم التضحيات، نحن أجسام وأفكار، فإن أفنيتم أجسامنا فلن تقضوا على أفكارنا".



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن