ما هي مشكلة الاقتصاد؟ .ح1

عباس علي العلي
fail959@hotmail.com

2015 / 3 / 14

السؤأل الأبرز اليوم في عالم الإنسان المعاصر بكل جوانبه من الفكر للأقتصاد للفلسفة للفن لكل ما هو فاعل في الحياة وقادر على النظر فيها هو (ما هي مشكلة الإنسان الأولى؟ ,ما هي مشكلة المجتمع الأولى ؟.) وكيف نستدل على هذه الأولوية كمعيار أو بمعيار حدي وجدي ومجرد ؟,هذا السؤال الأخر الذي لا يقل أهمية عن سابقه ,وتبقى لقوة العقل البشري المدعوم بالتفكر والتجربة القدرة على الإكتشاف والتعيين من خلال سبر تأريخه الوجودي ومقارنة ذلك بما في أزمة اليوم التي نعيشها من تفاصيل وأسباب وعلل ومعطيات ونتائج بمجملها يمكن أن تقدم لنا مقاربة مهمة لمحاولة الإجابة عن التساؤلات الوجودية التي يثيرها وضع الإنسان المأساوي بعد هذا التسارع المخيف والمرعب بوسائل الراحة والأمن والتمتع التي طغت على واقع يخفي تحته الكثير من الألم والمعاناة .
الأزمة العالمية الوجودية اليوم تشير بأصابع التشخيص وكما هو معروف منذ قرون حينما قدم الفلاسفة والمفكرون الماديون مسألة العامل أو الركن المادي في الوجود أعتباره العنصر الفاصل والمحدد لإشكالية الوجود على سائر العوامل والمحركات التي تضغط على الإنسان وترسم له طريق الكشف والتدقيق عن ماهيات الأمة التي واجهها , حتى صرح كارل ماركس بكل جدية أن العامل الأقتصادي كوحدة مركبة هي الإشكالية الأهم في عالم الإنسان , وكل تأثير أو خلل في هذا المنظومة المادية لها تداعيات تمس بشكل مباشر كل الجوانب الحياتية للإنسان ككائن من المفترض أن يقود الأقتصاد لما فيه إسعاده فتحول نتيجة الخطأ في ترتيب تنسيقات العمل الأنتاجي ليكون هو الضحية والحل الذي يقترحه كان في إعادة تصحيح المسار الأقتصادي وفقا لمبدأ تناسب القدرة على الأنتاج مع حق التمتع .
حتى في الجهة المقابلة لفكر ماركس ونظريته الأقتصادية نجد أن الرأسمالية تسير بنفس الخطى في تحديد إشكالية الإنسان وتعتمد نفس المنطق ولكن من زاوية أخرى حين تضع الإنسان في موضع التنافس مع المال ومع الألة ومع الوسائل الأخرى في سباق محموم لتطبيق ذات النظرية والمبدأ (تناسب القدرة على الأنتاج مع حق التمتع ) قد يبدو لبعض القراء أن هذا الكلام في شيء من المغالطة الفكرية والتأريخية حين تتساوى المبادئ الماركسية مع فكر الرأسمالية برغم كل التناقضات بينهما .
والحقيقة أن لا مغالطة في الموضوع إذا نظرنا للقضية من أخر النتائج , الفكر الماركسي يريد أن يتنعم العامل الذي هو المحرك الأساسي للأقتصاد الأنتاجي بما يوازي حقيقة قدرته على الأنتاج من خلال نظرية فائض القيمة وهذا مؤكد ,نجد أن الرأسمالي يرى من حق المال بأعتباره العنصر الأكثر ضروروة ومن وراءه صاحب رأس المال أن يتمتع بأكبر قدر ممكن من التمتع حسب ما يوازي دور المال في العملية الأنتاجية , وهذا ينسحب أيضا على العامل الذي كل ما أنتج أكثر كلما زاد من أجره مما يسمح له بفسحة أكبر من المتعة .
في تجربة جديدة فرضت نفسها في العقود الأربعة الأخيرة التي تمر نجد أن هناك تمازج وإن كان لم يقر به أحد علنا ولكنه سجل حضورا واقعيا عندما مارس الأشتراكيون وبالذات الأوربيون سلطة التوجيه الأقتصادي في بلدانهم وأنسحب ذلك على بعض صور التدخل الإيجابي في ترسيم حركة الكثير من الأقتصاديات الغربية الرأسمالية التي تعد من بعض نظريات الفكر الأشتراكي لتصحيح بعض المسارات الأقتصادية في مجتمعات لا تؤمن إلا بالحل الرأسمالي وتجسده بكل قوة ,سمي هذا الخلط بما يصفه المفكرون الأقتصاديون بنظرية الاقتصاد الكلي (macroeconomic) أو الأقتصاد المساهم ليكون حلا لبعض من إشكاليات الإنسان كفرد والإنسان كمجتمع وعلاقة هذا الإنسان بالمحرك الأقتصادي .
هناك عددا متزايدا من الاقتصاديين زاتلمفكرين لم يعد يثقون في صلاحية النظريات السائدة فيما يخص تحديد أزمة الإنسان وطرق علاجها ولا حتى مع بروز الكثير من المفاهيم التي تقلل من غلواء الفكر المادي وبالترقيعات التي تحصل على أصل النظرية ,فقد أدلى الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل"بول كروغمان" باعترف مدهش حيث قال: «خلال الثلاثين سنة الماضية كان تطور نظرية الاقتصاد الكلي (macroeconomic) عديم الفائدة بشكل عجيب في أحسن الأحوال ،أو أنه كان، في أسوأ الأحوال، ضارا بشكل مباشر» يشكل هذا الحكم رثاء لكل النظريات الاقتصادية التي لم تعر لأصل المشكلة من أهتمام جدي بالجذور العقلية للأزمة.
هل حقيقيا أن المشكلة تنحصر في عدم المساواة في الدخول أو لنقل وضع معيار حقيقي للأجور يتناسب بصورة أو أخرى مع فكرة العمل مقابل الأجر التي تعني تساوي حقيقي في معيار توزيع الأجر نظرا لكونية وطبيعة العمل بحد واحد حيث ينال صاحب العمل الإبداعي مستوى من الأجور يتساوى بالقيمة المحتسبة والمعيار القياسي مع طريقة أحتساب مثلا عمال المناجم الذين يعتمدون على القوة البدنية والمصابرة في بذل الجهد«إن عدم المساواة في الدخل بالولايات المتحدة قد وصل، إلى حد ما، إلى أعلى مستوى له منذ عشرينيات القرن العشرين. قبل عام 2008 تم حجب التفاوت في الدخل بسبب عوامل مثل تسهيل عملية الاقتراض، مما سمح للأسر الفقيرة بالتمتع بأسلوب حياة أكثر ثراء. لكن المشكلة الآن قد عادت إلى الواجهة».
الإقتباس هنا يشير إلى بقاء المشكلة مرتبطة بالتفاوت في الدخل كأساس والحقيقة أن البعض يتجنب الحديث عن أختلال قيمي أجتماعي وجذري هو المسئول الأساس عن الأزمة مما يتمكن معها من عدم التصريح بأس المشكلة ,التخفي وراء الفرعيات والنتائج لا يحمي أبدا من حاجتنا للشجاعة أن نصرح أن نظرية أو مبدأ (تناسب القدرة على الأنتاج مع حق التمتع) تمثل شرخا في أخلاقيات المجتمع الإنساني الوجودي وتستهين أصلا بفكرة الإنسانية لسبب بسيط جدا أن ليبس كل أفراد المجتمع متساوون بالقدرة أو وثانيا أيضا لم يكن هناك من فرصة حقيقية لجعل الناس يتساوون في القدرة على الحصول على فرصة عمل مناسبة.
بالتالي ما ينتج عن هذا الخلل هو التفاوة الرهيب بميزان المساواة القائم على فكرة العدالة في منح الإنسان حق العمل أولا بأعتباره كائن أجتماعي عامل ,وأيضا حرمان المجتمع من حق التضامن لمن لا يتمكن من تحقيق أنتاج بسبب خارجي عنه سواء كان هذا السببمانع منه ممارسة حق العمل أو قاطع له لا يد للفرد في إحداثه أو حدوثه وبالتالي فالمجتمع المتضامن يمكنه أن يبسط العدالة بمنحه حق تمتع مساويا للحد الأدني الذي يمتع به أقراه العاملين ,هذه القراءة ولو أنها مثالية الآن تظهر حقيقة أن الأخلاقيات والقيم الأجتماعية المضطربة والتي تتأرجح بين فعل الأنا المتضخمة مرة والشعور الجمعي بحق الإنسانية الأساسي هي المشكلى الأولى والكبرى للإنسان وعليه أن يواجهها بشجاعة من خلال تعديل قوانين حركة العلاقات البنية وتأثيراهتا ومفاعليها لتعود من جديبد لتقود حركة الأقتصاد كواحدة من قوى المجتمع الصانعة للوجود .
البعض ينظر إلى العولمة الأقتصادية الأن على أنها أنتصار للقيم الأقتصادية المتصفة بالتجرد عن حدود الهوية والترحيب بها باعتبارها ظاهرة جديدة إنسانية وفكرة عالمية توحي للتحرر من ضغط العوامل والعلاقات الأنتاجية المحدودة والإنطلاق بها إلى عالم حر عالم لا يمكنه أن يقبل بالإستغلال النوعي والقيمي للإنسان ,مثلا البيان الشيوعي الذي كتبه الثنائي ماركي _أنجلز توقع منذ فترة طويلة ميل الرأسمالية نحو إنشاء هذه السوق العولمية كوحدة واحدة متمددة ومستحوذه على كل الإمكانيات بما فيها الحلم البرجوازي الذي أسس وأدار النظام الرأسمالي طويلا, نجد الآن إن الهيمنة الساحقة للسوق العالمية بوجهها المتوحش تمثل الحقيقة الأكثر حسما وإيلاما في عصرنا ضد الإنسان وتعميقا لإشكاليته التأريخية فقد جردته حتى من الخصائص الفردية ليتحول إلى مجرد رقم في مصفوفه رهيبة من الأرقام والرموز مثله مثل الدولار أو أطار سيارة منتج أو مخزون في مكان ما ,وقد أثبت هذا التصاعد الهائل للتقسيم النوعي للعمل الأقتصادي الدولي منذ أنتهاء الحرب العالمية الثانية صحة تحليل ماركس بطريقة ملموسة ولكنه أيضا لم يخضع بصورة أو أخرى لمنطق الحل.
التركيز في رأس المال في دائرة أقتصادية ضيقة ومحدودة صاحبة أيضا تركيز في مستوى الفقر في المستويات الدنيا يتدرج بشكل هرمي ليكون في قاعدة الهرم أكثر وضوحا ويكشف عن مستوى الأنتهاك الذي يمارسه الرأسمال المتوحش ضد المجتمع نفسه ,ففي خلال السنوات الثلاثين الماضية اتسعت باطراد الفجوة بين مداخيل الأغنياء ومداخيل الفقراء حتى صارت هوة شاسعة لا يمكن ردمها أو التقليل من أثرها في ترسيم بنية المجتمع وما يفرزه من نتائج تتمرد على النظام الأجتماعي وقد تطيح به أو تصيبه بضرر كبير لا يمكن جبره حتى .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن