صدق من قال: الكونغرس الأمريكي أرض إسرائيلية

وليد الحلبي
halabi.walid@gmail.com

2015 / 3 / 4

لا شك أن يوم الثلاثاء 3/3/2015 قد حفر عميقاً في التاريخ الأمريكي ، وقبل ذلك وأهم منه فإنه قد حفر في الوجدان الأمريكي، وإلى الأبد، وذلك عندما أتى رئيس دولة أجنبية (نتنياهو) إلى الولايات المتحدة لكي يغير نظامها السياسي، ولو ليوم واحد فقط، من نظام رئاسي يتقاسم فيه الرئيس السلطة مع نواب الشعب، إلى دولة ذات نظام جمهوري كالنظام السياسي في إسرائيل، أو نظام الملكية الدستورية في بريطانيا وهولندا، حيث لا يملك رأس الدولة أية صلاحيات سوى حضور المناسبات الرسمية واستقبال السفراء. ففي الاستقبال الحار الذي لقيه نتنياهو في الكونغرس الأمريكي - ومع أنني لا أذكر عدد مرات التصفيق الحاد والقيام وقوفاً احتراماً وتأييداً له، لكنني واثق من أنه ليس من رئيس إسرائيلي قد لقي مثله أو سيلاقيه داخل مبنى الكنيست في القدس - في هذا الاستقبال ما فيه من تجاهل لرئيس أكبر دولة في العالم، والذي أظن أنه أثناء إلقاء نتنياهو خطابه، كان الرئيس أوباما – كأي مواطن أمريكي غلبان قليل الحيلة – جالساً مع السيدة الأولى وابنتيه وكلبه أمام شاشة CNN يشاهد نتنياهو يصول ويجول أمام نواب الشعب الأمريكي. أما نص خطاب نتنياهو، فكان يوحي بأنه هوالرئيس الفعلي للولايات المتحدة، فبعد أن أرضى الرئيس أوباما ببعض المديح على مواقفه المؤيدة لإسرائيل، أكد كثيراً ومراراً على شكره الكونغرس لدعمه إسرائيل، خاصة ما يتعلق بالقبة الحديدية (التي حمت الشعب الإسرائيلي من آلاف الصواريخ التي أطلقتها حماس عليهم!)، ثم شخَّص الوضع القائم في المفاضات 5+1 مع إيران بدقة متناهية، واستدعى الذاكرة التاريخية للشعب الأمريكي حول ما أسماها (عمليات إرهابية) ضد مواطنين أمريكيين نسبها إلى إيران وحزب الله، كما كان لا بد أن يذكّر بالهولوكوست الذي عانى منه اليهود، واقترح حلاً لإشكالية المفاوضات تلك، وهو أن ( لا حل، هو أفضل من حل يسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي)، موضحاً أن امتلاكها هذا السلاح سيهدد أي مكان في العالم بما فيه أراضي الولايات المتحدة نفسها، كما لمح إلى إمكان الذهاب منفرداً إلى حل ربما لن يرضي بعض الحمائم في الإدارة الأمريكية. غير أن ما يلفت الانتباه في خطاب نتنياهو أنه دافع بنفاق واضح عن سيادة الدول العربية التي اخترقتها إيران، بأكثر مما دافع عنها رؤساء تلك الدول، ومفهوم وواضح أن ذلك ليس حباً في الشعوب العربية، بل تلبية لمصلحة إسرائيل، لكنها ملاحظة يجب التوقف عندها طويلاً لتوضيح صورة الوضع الهش والمتردي للنظام السياسي العربي المحيط بإسرائيل.
أما تأييد الكونغرس، والذي بدا على أعضائه الحماس الزائد عن الحد أمام رئيس وزراء دولة أجنبية – مهما كانت صداقتها متينة مع الولايات المتحدة -، فينبغي أن يُقرأ في سياقه، فهذا التأييد وهذه المحبة يتماشيان مع المثل القائل (عض قلبي ولا تعض رغيفي)، فالرغيف الذي يأكل منه حتى الأثرياء في أمريكا، معجون ومخبوز في الفرن اليهودي الصهيوني من خلال امتلاك اليهود مراكز المال والإعلام والقضاء، وبالتالي السياسة، فهل نتصور أن مرشحاً للكونغرس يفوز بمقعده إن لم يرض عنه اللوبي الصهيوني، إلا من رحم ربك؟.
أما التساؤل عن نجاح نتنياهو في زيارته هذه، فمما لا شك فيه أنه كان نجاحاً أكثر من باهر، حيث أن الدعوات التي أطلقها منافسوه في الحملة الانتخابية القادمة، والتي كانت تعترض على هذه الزيارة، قد خفتت، كما أن الاستقبال الغير العادي الذي لقيه في الكونغرس، وتراجع بعض أعضائه عن مقاطعة الجلسة التي حضرها نتنياهو، تؤكد جميعها بشكل قاطع نجاح نتنياهو في مسعاه لتقزيم دور الرئيس أوباما وإدارته، واستلام زمام المبادرة فيما يتعلق بالمفاوضات مع إيران، ولم لا، فهو الرئيس الأجنبي الوحيد الذي وقف مخاطباً الكونغرس الأمريكي ثلاث مرات، وبذلك نستطيع أن نتنبأ بفوز نتنياهو في الانتخابات القادمة، علاوة على أنه لا توجد قاعدة شعبية، حتى ولو واهية، لليسار الإسرائيلي.
أما الحكم الحقيقي على نجاح أو فشل هذه الزيارة التاريخية، فيبقى معتمداً على نجاح أو فشل إيران في محادثاتها مع دول 5+1، وخاصة فيما يتعلق برفع العقوبات الاقتصادية عنها، وتجاهلها ضرورة السماح للمفتشين بزيارة مواقعها النووية.
ختاماً: تبدو إسرائيل هي الصانع الوحيد للأحداث، ليس في الشرق الأوسط، بل على مستوى العالم أجمع، وكل زيارة إلى الكونغرس والعرب بخير.

3،3،2015



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن