كيف . . ولماذا . . ولمصلحة من . . !؟ أشرار في القرن الحادي والعشرين يدمرون آثار آلاف السنين. . !

علاء مهدي
ala2mahdi@gmail.com

2015 / 3 / 4

من النادر أن يبعث لي أولادي برسائل إلكترونية تتضمن أخباراً أو مواضيع عامة وإن حدث فإن رسائلهم تتضمن أموراً عائلية أو شخصية وأغلبها تتضمن طلبهم رعاية أولادهم – أحفادنا – لفترة زمنية بسبب من إرتباطات وزيارات لاتسمح لهم بإصطحاب الأطفال، أو لأنهم يودون التمتع بإجازة قصيرة هادئة لعدة ساعات يقضونها مع زوجاتهم أو أزواجهم خارج منازلهم وبعيدا عن الأطفال وصراخهم وعبثهم.
بالأمس لفتت نظري رسالة من ولدي الأكبر وجهها لي ولأخوته تضمنت رابطاً لتغطية إعلامية من مؤسسة إسترالية حكومية بعنوان " عناصر الدولة الإسلامية يدمرون القطع الأثرية القديمة في متحف الموصل وخبراء الآثار يقارنون الخسارة بمثل خسارة تدمير صرح المدرج الكبير في روما الذي بدأ ببنائه فيسباسيان حوالي سنة 75 ميلادية".
ولدي الأصغر علق على الخبر بــ : انكسر گلبي.
أبنتي قالت : لم أقو على مشاهدة الفيلم ، ولا افهم لماذا يفعلون ذلك ولن أفهمه.
أما أنا فلم أعلق خجلاً ليس منهم فقط بل من نفسي. !
لنعد إلى عنوان التغطية الإعلامية التي أشرت لها ونحلل بعض الكلمات والتعابير التي وردت فيها حيث تضمنت مقارنة بين الآثار والقطع الأثرية التي تم تدميرها من ناحية قيمتها التأريخية بقيمة المدرج الروماني الكبير الذي بدأ البناء به في سنة 75 ميلادية وهي مقارنة غير متوازنة وغير عادلة حيث أن أغلب التماثيل والقطع الأثرية التي تعرضت للتدمير في متحف الموصل يعود تأريخها لآلاف السنين قبل الميلاد. من ناحية ثانية أن القيمة الحقيقية للآثار تتأتى من نوع الآثر والمردود الحضاري منه وقدمه التأريخي لذا فالأثار العراقية التي قامت المجموعة بتدميرها والعبث بها تملك قيمة تأريخية وثقافية وحضارية وفنية كبيرة خاصة وأنها تماثيل بأحجام مختلفة ومن حقب تأريخية مختلفة ومن حضارات قومية متعددة.
وأنا أشاهد منظر تلك "المخلوقات " في الفيلم الإعلامي المرافق للتغطية وهي تدمر التماثيل والقطع الأثرية الثمينة بمعاولها ومطارقها ، تذكرت مشاهد "الفرهود" الذي حل بآثار العراق خلال أيام الإحتلال الأولى للعراق في العام 2003 ، حيث نهبت آلاف القطع الأثرية العراقية من المتحف العراقي ببغداد تحت نظر قوات الإحتلال والقوات الأجنبية وبظل فترة هيجان عاث فيها السراق والمجرمون وقطاع الطرق وتجار الحروب وجنود الإحتلال وغيرهم فساداً وإجراما بكل شئ ثمين له قيمة وماأكثر ذلك في العراق.
تذكرت أيضاً أنني لم أتمكن من زيارة المتحف الألماني خلال زيارتي الأخيرة لبرلين في تشرين الثاني من العام الماضي 2014 التي حضرت فيها " اللقاء التشاوري لمنظمات وجمعيات ونشطاء حقوق الإنسان العراقية" بسبب من ضيق الوقت وكون المتحف يغلق أبوابه أيام الأثنين وهو اليوم الذي غادرت فيه برلين عائداً إلى أستراليا. قيل لي أن قاعات المتحف تتضمن أثارا عراقية ذات أهمية كبيرة قاموا بإستعارتها من العراق لكي يحافظوا عليها منا ! أعلم كذلك أن قاعات متاحف العالم المتحضر والمتمدن (أكرر ، المتحضر والمتمدن ) تتضمن آلاف القطع الأثرية العراقية ، مثل متاحف بريطانيا ، فرنسا ، إيطاليا وغيرها من الدول ، أخذوها منا على سبيل الإستعارة لكي يحافظوا عليها منا ! ، ولو لم يفعلوا لكانت تلك الآثار هدفاً لمعاول ومطارق (جنود أو رجال أو عناصر أو نشطاء الدولة الإسلامية). ألا ترون أن إستعارة الدول (المتحضرة) لآثارنا وآثار أجدادنا وان تم ذلك دون موافقتنا أو حتى علمنا كان يصب في مصلحتنا؟
ولإسرائيل أيضا حصة في آثارنا ، فقد تناولت وكالات أنباء عديدة ونشرت مواقع أخبارية وصحفية عديدة رد مركز " نارا " الأمريكي والذي كلف بصيانة وترميم "الأرشيف العبري العراقي" على اتهامات وزارة السياحة والآثار العراقية بقيامهم ببيع "مخطوطة التوراة العراقية " لصالح اسرائيل " بأنها اتهامات باطلة" ، مؤكدين أنهم كانوا مكلفين بترميم مخطوطة الأرشيف اليهودي العراقي بموجب تكليف رسمي من الحكومة العراقية أبان فترة حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وأكد المركز المذكور أن الحكومة العراقية قد باعت المخطوطة الثمينة بمبلغ كبير من المال وحصل رجل أعمال يهودي على حق ملكيتها رسمياً وعبر أوراق رسمية مصدقة من قبل السفارة العراقية في واشنطن. ربما من حق وزارة السياحة والآثار العراقية أن تعمل على إستعادة المخطوطة بإعتبارها ثروة تأريخية عراقية على الرغم من أن الحكومة العراقية في حينه قد أضطهدت يهود العراق وقامت بتهجيرهم ومصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة وكلنا يتذكر الدائرة الرسمية التي كانت تدير" الأموال المجمدة " العائدة لليهود العراقيين المسفرين والمهجرين. وعلى ضوء عجز السلطات العراقية عن حماية مواطنيها وأراضيها وآثارها فمن الأفضل السماح لإسرائيل بالإحتفاظ بالمخطوطة من باب" الإعارة" أيضاً خاصة وأن موضوعها خاص بهم. تصوروا لو حدث وأن كانت المخطوطة العبرية من بين الأثار الموجودة في متحف الموصل؟ !
كما أنني تذكرت ، عمليات تهريب الآثار العراقية التي أضطلع بها أحد رموز العهد السابق الذي أثرى على حساب الموروث الحضاري العراقي عن طريق تهريب آلآف القطع الأثرية العراقية إلى خارج العراق مقابل أموال طائلة وبتزكية وحماية أعلى سلطة في البلاد بذلك الوقت.
مما يذكر أن الآثار والقطع الأثرية والتماثيل التي تعرضت للتدمير والتشويه في متحف الموصل، بعضها قطع أصلية يعود تأريخها لآلاف السنين وعلى الإغلب إلى ماقبل المسيحية وأخرى أعيد بناؤها من قبل متخصصين فنيين من مجموعة قطع مبعثرة وجدت متفرقة ، وقسم آخر قطع منسوخة من الأصل الموجود في متاحف عالمية. هذا و تعود أغلب الآثار التي تم تدميرها لمدينة " الحضر" القريبة من مدينة الموصل كما يعود القسم الآخر إلى الحقبتين الآشورية والبارثية.
إن إرتكاب هذه الجريمة على مرأى ومسمع من العالم أجمع يستدعي التحرك السريع لمنظمات الأمم المتحدة المعنية بالآثار والأرث الثقافي العالمي وتلك التي تهتم بالتأريخ وأحداثه والحضارات القديمة ومنجزاتها ، من أجل الحفاظ على هذه الكنوز كونها ثروة قومية ليس فقط لبلد المنشأ بل للمجتمع العالمي بأكمله خاصة وأن العراق عاجز عن القيام بمهمة الحفاظ على ثرواته بكل أشكالها. أن الموروث الحضاري والثقافي والتأريخي يعتبر من أهم مصادر المعلومات والعلوم والفنون التي نستقي منها الأفكار والإلهام في بناء حضارات وثقافات متنوعة ومتطورة حديثة بعيداً عن السفاسف والأفكار المتخلفة. التحرك المطلوب يستدعي أيضا من السلطات العراقية بجيشها وقواها الأمنية واية طاقات عسكرية أخرى لديها أن تبدأ فوراً بحركة للتخلص والقضاء على تلك المنظمة الإرهابية حفاظاً على البشر والمال والثروة والموروث الحضاري والثقافي وحفاظاً على كرامة العراق والعراقيين.
لايخفى أيضاً الجانب الطائفي والعنصري لهذه الجريمة خاصة وأن أغلب الآثار والتماثيل تعود لفترة الإمبراطورية الآشورية أو قبلها والتي حكمت المنطقة قبل آلآف السنين وكان عصرها ذهبياً مليئاً بالمنجزات العلمية والثقافية والفنية ويبرز ذلك من خلال التماثيل وقطع الآثار المتميزة التي تدل بوضوح على حجم ونوع التطور الذي كان الإنسان الآشوري قد وصله في تلك الحقبة من الزمن الماضي. ان جريمة تدمير الآثار في متحف الموصل تعتبر إستمرارا واستكمالا لسلسلة الجرائم التي بدأت بجريمة تهجير بنات وأبناء المكون المسيحي العراقي وبقية المكونات الأخرى التي يتكون منها المجتمع العراقي التي كان من نتائجها ذبح وقتل وسبي وتهجير الآف النازحين العراقيين الأصلاء من مناطق سكناهم الأصلية التي عاشوا فيها منذ آلاف السنين.
أن عمليات القتل والذبح والسبي والتدمير التي ترتكب من قبل المجموعات الإرهابية مستمرة ضد البشر والحجر وتحدث في وضح النهار وتحت نظر وعلم العالم كله. وإن كان هنالك خيار لدى البشر للنزوح من مناطق سكناهم واللجوء إلى مناطق آمنة ، وأن كان هنالك خيار لدى السلطات لنقل الآثار وإخفائها في أماكن آمنة مثلاً ، فما هو الخيار المتوفر لمنع الإرهابيين من تفجير المساجد والمقابر التأريخية ومراقد الأنبياء والجسور والمدارس والمطارات مثلاً؟ .
-;--;--;-



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن