نبض الجذور

صبحي مبارك مال الله
subhimubarak@yahoo.com

2015 / 3 / 3

نبض الجذور
لكل شعب من شعوب العالم له جذور تمتد عميقاً في تربة وطن ذلك الشعب ، وهذه الجذور تحكي قصة نشأة ذلك الشعب عن تكوينه ومكوناته وحضارته حروبه وسلامه ومعاناته آماله وأحلامه ، تحكي ايضاً عن محتليه ومستعمريه عن نضاله وكفاحه و عن تحرره .
الجذور تتحدث عن مكونات ذلك الشعب بكل التداخلات الحضارية وعن دياناته وأرثه الثقافي القومي عن نسيجه الأجتماعي وأمتزاج دماء مكوناته في الدفاع عن وطنه .
وكل شعب له تأريخ قد يكون ذلك التأريخ يمتد آلاف السنين أو بضعة مئات من السنين ولكن تأريخ الحضارات القديمة معروف وتسمية هذه الحضارات وحسب التسلسل التأريخي مثبت علمياً، كما أن هذه الحضارات وطرق أكتشافها ودراستها علمياً كان نتاج جهد أممي شارك فيه الجميع وبالتالي أصبح ملك البشرية جمعاء فضلاً عن أنها ملك ذلك الشعب العريق الذي نشأت وسطه تلك الحضارات ، ومنها شعبنا العراقي ، شعب بلاد ما بين النهرين كما كان يطلق عليه ، صحيح الحضارة تنبت وتنمو وتترعرع في قياسات زمنية وتتهدم في قياسات زمنية معينة ألا أن جذورها تبقى حيّة مع الشعب الممتد منها وتبقى تنبض في جسم ذلك الشعب من خلال هذا التأريخ المشترك .
فبلاد ما بين النهرين(دجلة والفرات) أو وادي الرافدين تعتبر مهد الحضارات في العالم وفيها أُكتشف نشوء العصر الحجري(القديم ، الوسيط ، الحديث ) من إثنا عشر ألف سنة ق.م إلى ستة آلاف سنة قبل الميلاد ، بعد ذلك العصر البرونزي والحديدي ثم ظهرت الأمبراطوريات الأصلية (السومرية ، الأكدية ، البابلية ، الآشورية ) والأجنبية (السلوقية ، البارثيين ، الساسانيين ) ثم مسلمي عصر خلافة الراشدين في القرن السابع الميلادي ، الخلافة الأموية ، العباسية ، والعصور الوسطى، فتوحات المغول والأتراك وسقوط العراق تحت الحكم العثماني في القرن السادس عشر ، السيطرة الأيرانية والمملوكية ، الأمبراطورية البريطانية ، قيام المملكة العراقية 1921 والجمهورية العراقية 1958 .
الذي يهمنا تلك العصور القديمة التي تبلور فيه شعبنا من خلال تلك الحضارات بالرغم من أختفائها ولكن تبقى في ذاكرة الشعب ، فالمخترعات مثل أختراع العجلة التي تعتبرقفزة حضارية وأختراع الكتابة ، وسن القوانين (مسلة حامورابي ) ، زراعة محاصيل الحبوب الأولى ، ظهور بدايات علم الرياضيات والهندسة ، وعلم الفلك وغيرها من معالم التقدم الحضاري .
أن ماحصل في الموصل بعد سقوطها بيد داعش ، تذكرنا بتلك العصور التي تمّ فيها أحتلال العراق من قبل المغول والأتراك وسقوط بغداد سنة 1258 م على يد هولاكو وما تبعها بعد ذلك من أحتلالات وتدمير ، لقد جاءت داعش بواجهة دينية وبأسانيد مختلف عليها وليس لها مسوغ شرعي أو حقيقي للقيام بعملية ممنهجة ومنها قطع أو قتل الجذور العراقية الممتدة إلى آلاف السنين ، مسح الذاكرة التأريخية والثقافية والتراثية عند أبناء الشعب العراقي ، إنحطاط السلوك الأخلاقي عند تدمير آثار العراق ذات القيمة الحضارية التي تعتبر المنبع الأصيل إلى ما وصل ألية الإنسان في التقدم التكنلوجي والزراعي والصناعي .
لقد كان من مظاهر هذا السلوك هو محاربة الحجر ، والذي يعتبر أمتداد لما قاموا به من حرق الكتب وتدمير مكتبة الموصل ،وتدمير ونهب المقامات والمزارات الدينية ذات الأهمية التأريخية ، وتحطيم كل مايمت للثقافة والتأريخ من صلة ومنها المعالم الثقافية مثل تمثال أبي تمام فضلاً عن البشر الذين قاموا بحرقهم وذبحهم ونهب أموالهم وممتلكاتهم وسبي وقتل النساء والأطفال والشيوخ، ومنذ حزيران عام 2014 والدم العراقي ينزف وتحت نظر العالم وكما شاهدنا كيف تمّ تدمير الآثار في متحف الموصل ، هذا المنظر أبكى العراقيون الذي دلّ على الحقد والكراهية والأمعان في تعذيب الشعب العراقي الأصيل .
وكما تذكر الميثلوجيا أو الأساطير السومرية والبابلية والآشورية ، هناك عالم يسمى العالم السفلي أو عالم الظلام الذي تخرج منه الأرواح الشريرة والتي تعيث في الأرض فساداً وتنتقم من كل شيئ حي ومنير ، فهل المتلفعين بسواد الظلام والذين يكرهون كل شيئ هم أنفسهم من يقوم بهذا العمل ويحيلون الحياة إلى موت ؟
وكما قامت حركة طالبان الأفغانية عام 2001 بتدمير تمثالين عملاقين لبوذا في منطقة باميان أو في مناطق أخرى من العالم تقوم به داعش الآن وبقايا القاعدة التي تعتمد المذهب الوهابي التكفيري لكل شيئ، أن مايحصل الآن وما سيحصل بعد تدمير الأثار في متحف الموصل أراه سيكون أكثر بشاعة وهو الأستمرار بتحطيم وتدمير معالم الحضارة الآشورية وربما الجولة القادمة ستكون على مدينة نمرود الأثرية التأريخية.
والسؤال هل هناك مخططات خفية ؟ الجواب نعم هناك وكما نشاهد مخطط لتمزيق خارطة العراق السياسية والجغرافية ومحو كل المؤشرات والمعالم الحضارية وهذا مرتبط بالمخططات التي تستهدف كل المنطقة وستكون هذه المجاميع المدربة أعلى درجات التدريب ومسلحة أحسن تسليح والتي تسمى بالمجاهدين هي أيادي التنفيذ ويتحركون عبر مافيات عالمية توفر كل شيئ المال والسلاح والنساء والطعام وبعد الأستيلاء على ثلث أراضي العراق وأحتلال مدنه ، قاموا بتنفيذ شريعتهم الغارقة في الظلام الدامس والجهل المطبق والتي تنفي كل معنى من معاني الثقافة وتقيم حكم أوتوقراطي دكتاتوري بشع والذي يشبة حكومات القرون الوسطى والقرن السابع والثامن بعد الميلاد .
من المسؤول ؟! المسؤولية عالمية تتحملها كل الدول عن مايجري في العراق أوفي بلدان أخرى سوريا واليمن وليبيا ولايمكن الأكتفاء ببيانات الأستنكار وأنما تطبيق مواثيق الأمم المتحدة ويبقى الشعب هو صاحب الرد الحقيقي وهذا يترجم إلى تصفية كل الخلافات ، نبذ الطائفية ، والوقوف صفاً واحداً بوجه الهجمة الإرهابية وأعداد العُدة لغرض تحرير الموصل وأنهاء هذه المهزلة .
لايوجد شبيه بهذه الهجمة سوى النازية ويمكن القول أن الإرهابين ينعتون الآن بالنازيين الجدد وهوصحيح لما خلفّته بشاعة الحرب العالمية الثانية من قتل أكثر من خمسين مليون أنسان.
ونقولها مرة ثانية ، شعبنا العراقي الموحد هو صاحب الرد الحقيقي ، ومن ورائه شعوب ودول العالم التي تمثل الموقف العالمي ، فعليها أن تقف بجديّة بجانب الشعب العراقي وليس الأكتفاء بالأستنكار ولابدّ من التنسيق والتدريب وتوفير السلاح المتفوق وتكثيف هجمات قوى التحالف وزيادة فعالياتها كما على الدول العربية أن تتحرك بجديّة لمساندة الشعب العراقي ، وما تمثله حضارته هي نفس ماتمثله حضارات المنطقة ومنها الفرعونية واليونانية والرومانية والفينيقية.
فالأمم المتحدة مسؤولة عن حماية آثار الحضارات الأنسانية وأن تقوم منظمة اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم ) بالتحرك السريع نحو الأسراع بأتخاذ الأجراءات الللازمة نحو توحيد الجهد العالمي لغرض حماية الآثار .
وكما نلاحظ أنّ التحرك والهجمات الإرهابية تزداد وتنفذ أحكام القتل والذبح كلما حدثت خلافات بين القوى السياسية الوطنية ، بل تُهيأ الأجواء لغرص تمرير الإنفجارات والأغتيالات وتحريك الخلايا النائمة من أجل البطش والأنتقام وأشاعة الطائفية وتصعيد وتيرة الخلافات لغرض إشعال حرب أهلية وهذا ما لاحظناه عند مقاطعة القوى العراقية والقائمة الوطنية لجلسات مجلس النواب أو عدم مباشرة الوزراء ذوي الصلة بهاتين القائمتين في مجلس الوزراء .
فعلى كافة القوى الوطنية الداخلة في العملية السياسية أن تجسد الوحدة الوطنية وتعمل على مكافحة الإرهاب وعدم السماح بتفريق صفوف الشعب .
أنّ ما حدث يدعو للغضب والأستنكار ، فهذه الهجمة تحمل ضمن ماتحمل مخطط التصحر الثقافي وتحويل العراق إلى عصور الظلام وجعله مقطوع الجذور ليكون مأوى للخارجين عن القانون ونزلاء السجون محترفي الجريمة المنظمة ومتعاطي المخدرات والرذيلة .
أن الأنتباه إلى ما يحصل يجعل الجميع أمام المسؤولية ،فالهدم سريع ولكن البناء بطيئ ، وأن تأخير تحرير الموصل سيكون عامل في الأستمرار بالتطاول على حضارة العراق وتأريخه .
أن ماجرى لمتاحف العراق ومنها المتحف العراقي والمواقع الأثرية من تدمير ونهب وسلب بعد الأحتلال كانت حالة مأساوية وتثير الحزن العميق وبالكاد عملوا العراقيين على أسترجاع البعض من آثار العراق التي تم بيعها في الخارج .
واليوم يحصل ماكنا نخشاه بعد تسليم الموصل لأعداء الشعب العراقي .
أن الجذور تستصرخنا لأجل أن نشعر بالنبض المدمي حيث تُدق أجراس الخطر الآتي .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن