نحن وأميركا : الكراهية السهلة - الصعبة

حازم صاغيّة

2001 / 12 / 15


الموضوع ظاهرياً سهل: نكره الأميركان لأنهم ضدنا. منحازون الي اسرائيل. يحاصرون العراق. الكثير من المآخذ صحيح. لكن الكراهية أعقد مما يبدو. بعضها خاص بنا. بعضها نتشارك فيه مع عديد شعوب الأرض. في الحالتين تشتغل ديناميات الإنكار والمواربة بسخاء.
مثلاً: لا أحد منا يذكّر بدعم أميركا للاستقلالات العربية في الأربعينات. لاستقلال الجزائر. لمصر في 1956: إنذار بولغانين يُستعاد أكثر بكثير مما تُستعاد ضغوط أيزنهاور التي كادت تطيح الجنيه الاسترليني.
مثلاً: يكاد لا أحد يشير الي التدخل لدعم البوسنة وكوسوفو، والذي لولاه لبقيت المواقف الاوروبية مجرد تبشير. لا أحد اطلاقاً يشير الي الرغبات الأصلية التي دفعت الي التدخل لوقف حرب الصومال.
ثمة من يأخذ علي أميركا تأييدها أنظمة تعادي الديموقراطية. حجة وجيهة. لكنها تفقد وجاهتها حين لا يدافع أصحابها عن مؤتمرات ديموقراطية للأقليات والمرأة، لأن أميركا علي صلة ما بها. حين لا يدافعون عن مثقفين اعتُقلوا واضطُهدوا لأنهم متهمون بالأمركة. حرصهم المزعوم علي الديموقراطية لم يمنعهم من وضع القضم الصدّامي للكويت بين هلالين والتركيز علي حرب أميركا علي العراق . النسويات فيهم لم يبدين حماسة لاعطاء المرأة الأفغانية حق نزع البرقع، لمجرد ان الاميركان تسببوا بهذه الحرية.
يأخذون علي بوش انعزاليته. مُحقّـون. لكنهم كانوا يأخذون علي كلينتون تدخليته. المحافظون والرجعيون عندنا معجبون بالتديّن في اميركا، وربما بحكم الموت، لكنهم لا يقولون ذلك. التقدميون يكرهون هذه الممارسات الأميركية ويقولونها، لكنها لم يعلنوا كراهيتهم للممارسات الأبشع للأنظمة التوتاليتارية التي كانت توصف بـ التقدمية .
الذين يصفون أميركا بالعدوانية، ربما وجدوا حججاً مقنعة: ايران. غواتيمالا. تشيلي. الهند الصينية. حججهم لا تعود مقنعة حين يتجاهلون ما حصل في 73-74: ارتفعت أسعار النفط 4 أضعاف وحصل ركود في الغرب لم يُعرف منذ عقود، ولم يحصل تدخل عسكري.
الذين كانوا ينتقدونها لأنها تتدخل، صاروا ينتقدونها لأنها لا تتدخل في فضّ النزاعات. الذين كانوا يقولون إن التخلف نتاج وفادة الرساميل الغربية، لا سيما الأميركية، الي العالم الثالث، صاروا يعيبون علي أميركا أنها لا تستثمر كفاية في العالم الثالث.
لهذا فأغلب الظن أن الكراهية التي تملك أسباباً في السياسة، لا تقتصر أسبابها علي السياسة:
فأولاً، نحن كمجتمعات ودول فشلٌ اقتصادي يتلو فشلاً. حتي بعض بلداننا النفطية الغنية (الجزائر، ايران، ليبيا، العراق) انهارت أو تكاد. هم، في المقابل، أغنياء وناجحون. في زمن العولمة والتقدم التقني صرنا أقدر علي رؤية هذين الغني والنجاح.
ثانياً، نحن التاريخ. هم بلا تاريخ. وفي نظرتنا الماضوية الي الكون لا نملك المراجع المشتركة مع بلد بلا تاريخ. أوروبا التي غلبتْـنا وصارت ما صارته، تشاركنا هذه المراجع. أما أميركا، البلا تاريخ، فلا تستحق أن تكون عظيمة. عظمتها تتويج للاتاريخ. انها، بالتالي، موضوع لا سبيل الي عقْـله وتأويله.
ثالثاً، نماذجنا عن القوة أوروبية: فرنسية وألمانية وإيطالية. الأمة هي محورها المركزي المعلن أو المضمر. أميركا الفيدرالية ليست أمة. انها نموذج غريب. انها أخلاط .
ينجم عن هذا ان جميع التيارات السياسية التي فعلت في الحياة العربية ضد أميركا. والوعي الفلسطيني هو الاكثر حضوراً فيها كلها. اما الذين يوافقون أميركا في السياسة، فلا يدافعون عنها في النموذج. هكذا: العداء لها إيديولوجيا شعبية سهلة تتقاطع عندها تيارات كثيرة. انه يشبه، من حيث المشاعر لا القدرات، اللاسامية في أوروبا.
مثلاً، لبنان: المسلمون لا يحبونها لأنها مع اسرائيل. المسيحيون لا يحبونها لأنها كانت مع سورية ضد ميشال عون. الوطنيون الذين بنوا بعض دعاوتهم علي المطالبة بإنهاء السرية المصرفية، صاروا مدافعين عن هذه السرية حين طالبت أميركا بالتخلص منها.
نحن، إذاً، الضد لأميركا ظالمةً كانت أم مظلومة. وهي مرةً ظالمة. مرةً مظلومة



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن