حروب في الظلام

علي مسلم
welati01@gmail.com

2015 / 2 / 14

وحده الاستقرار يصنع السلام وليس العكس , ولا سلام بدون غطاء شرعي دولي تقبلها الاطراف الاساسية في النظام الدولي , والشرعية والاستقرار لا يتحققان إلا عبر أداتين لا انفصال بينهما هما الدبلوماسية والقوة .
هنري كيسنجر


أصدرت الادارة الامريكية منذ أكثر من اسبوع مجلد استراتيجية الأمن القومي الامريكي , هذه الاستراتيجية التي تشمل ما مضمونه التعهد بتدمير تنظيم داعش , يضاف الى ذلك أن إحدى المصادر المقربة من البيت الابيض أعلنت مؤخراً أنها تمتلك معلومات عسكرية مفادها أن إقدام تنظيم داعش على حرق الطيار الاردني معاذ الكساسبة مؤخراً دفعت واشنطن إلى اتخاذ قرار استراتيجي وسيكون بمثابة النقلة النوعية في سياق العمليات العسكرية ضد التنظيم وستبدأ بتنفيذها مع بداية شهر نيسان المقبل , وهذه العمليات النوعية تنطوي كما هو ظاهر على سحق تنظيم داعش من خلال عمليات عسكرية جوية مكثفة ترافقها عمليات برية لجنود امريكيين موجودين في المنطقة وقوات أخرى من الدول المتحالفة .
تأتي هذه الخطوة الاستراتيجية وسط انسجام وتوافق أمريكي داخلي قل حدوثه , خصوصاً ضمن المجلسين السياديين التنفيذي والتشريعي وكذلك على مستوى الحزبين الرئيسيين الجمهوري والديموقراطي , فقد أشار بعض المحللين إلى أن هذا التفاهم الامريكي الداخلي سوف يضفي المزيد من المصداقية في الحرب على داعش , وسيضع حداً للانتقادات العديدة التي توجه لسياسة أوباما خصوصاً من أوساط الحزب الجمهوري والذي أعلن عنها تباعاً جون ماكين أحد أهم نسور الحزب أكثر من مرة منتقداً استراتيجية اوباما السابقة المقتصرة على محاربة داعش جواً والتي وصفت بغير المجدية .
من جهة أخرى صرح الرئيس الامريكي اوباما أنه بصدد القضاء على تنظيم داعش لكنه ينتظر تفويضاً أمريكياً داخلياً , ويقصد من التفويض الداخلي كما هو معروف تأمين التمويل اللازم للحرب حيث انه تطرق أكثر من مرة وفي مناسبات عديدة إلى أن موازنة الحرب على الارهاب قد نفذت .
تشير الوقائع الميدانية أن مسألة القضاء على داعش في مدة زمنية قياسية ليس بالأمر السهل على الاقل في المنظور القريب سيما وأن روسيا – ايران ما زالا يستمران بالمناورة حول موقفهما من الحرب الامريكية- الدولية على داعش , ولو أن الامر لا يتجاوز في كونه تكتيكاً دبلوماسياً , فثمة ملفات عديدة ما زالت عالقة بينهما , وما زال الفضاءين الامريكي والروسي ينتابهما الكثير من التناقضات والتجاذبات والتي لها شديد العلاقة بالجوانب الاقتصادية بالأخص ما يتعلق بتدني أسعار النفط عالمياً , وكذلك مسألة التموضع العالمي والحرب في سوريا واوكرانيا , ولعل الملف النووي الايراني ما زال يستحوذ على الاستراتيجية التي ينطلق منها الرئيس أوباما في الحرب الدائرة حيث أعتبر أن ذلك يأتي في أولويات اهتماماته , وقد تبقى الامور بحكم المجمدة حتى نهاية آذار المقبل بغية إفساح المجال ما أمكن أمام دول ال 5+1 في التوصل إلى توافق مع الجانب الايراني , وقد يثمر اللقاء المرتقب في اوائل نيسان القادم عن تفاهم أمريكي غربي - ايراني حيث تنتظر ايران من هذا اللقاء ما يقود الى تفاهم من شأنه إلغاء القيود الاقتصادية المفروضة عليها واطلاق سراح أموالها التي ما زالت مجمدة في البنوك الغربية منذ نجاح ثورة الخميني الاسلامية , فنجاح المفاوضات هو الخيار الأوفر حظاً لأن خيار الفشل سيطلق العنان لسباق تسلح نووي إقليمي قد تشمل بالإضافة إلى تركيا دولاً عربية أيضاً .
من جانب آخر لا يمكن التكهن تماماً بنتائج الحرب الدائرة على إرهاب تنظيم داعش دون تقرير مصير الصراع الدامي في سوريا بما فيها مصير النظام والأسد , وهذا بدوره له ما له من تأثير كامل في مسارات جملة من القضايا الاقليمية العالقة ومنها كما أوردنا مستقبل الملف الايراني النووي حيث ليس من الممكن أن تخرج إيران من المولد السوري بدون حمص خصوصاً وانها حققت لنفسها حضوراً وامتداداً اقليمياً في سنوات ما بعد حربها على العراق حتى يومنا هذا , وتحولت بفعل ذلك إلى قوة اقليمية لا يمكن بسهولة تجاوزها أو القفز فوقها , لذلك فقد يكون قطار الحل في سوريا مرغماً على المرور عبر البوابة الايرانية وفوق الثلج الروسي ربما , شريطة عدم الابقاء على الاسد رئيساً , حيث أن ايران لم تعد قادرة على التمسك بالأسد رئيساً أكثر من ذلك , وان ذلك بات يرهق الاقتصاد الايراني , حيث احجمت مؤخراً عن تقديم أي قرض لسوريا وقد طلبت مقابل ذلك ضمانات سيادية مصدقة من مجلس الشعب السوري والذي اعتبرها البعض بمثابة الشرط التعجيزي وغير الممكن .
ومهما يكن من أمر فإن بداية مرحلة جديدة من الحرب على الارهاب بقيادة أمريكا قد بدأت , و سوف لن تكون مقتصرة على داعش فربما ستطال ما هو أبعد من ذلك وقد تشمل فيما تشمله ارهاب النظام السوري وحزب الله اللبناني وأطراف اقليمية أخرى ...؟
علي مسلم – اسطنبول



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن