عن العنصرية وواجب الساعة

خليل اندراوس
aljabha.org@gmail.com

2015 / 2 / 7

بالنسبة لنا هنا في إسرائيل النضال ضد الايديولوجية الصهيونية، والمشاركة في الانتخابات التي ستجري في آذار المقبل هو شكل من أشكال النضال من اجل فرض وجودنا السياسي والحضاري والإنساني ضد الفاشية التي تطرق أبواب المجتمع الإسرائيلي. من اجل بناء مجتمع لا مكان فيه لأي مظهر للعنصرية.



العنصرية – سيكولوجيا وايديولوجيا وممارسات اجتماعية مستندة إلى تصورات وأفكار منافية للعلم وحاقدة على البشر بشأن التفاوت البدني والسيكولوجي للأجناس البشرية وجواز بل وضرورة سيطرة الأجناس "الأرقى" على الأجناس "الاوطأ".
إن ايديولوجيي العنصرية إذ يعتبرون الفوارق العرقية أبدية "يعللون" الآراء المنافية للعلم بشأن تأثيرها الحاسم، كما يزعمون، على تطور المجتمع وثقافته وبشأن "شرعية" القهر القومي والعنصري والتوسع الامبريالي واستعمار بلدان بكاملها حتى ولو بثمن الإبادة الجماعية لشعوبها، ومثال على ذلك إبادة سكان أمريكا الأصليين – الهنود. أو ممارسة التطهير العرقي كما حدث للشعب الفلسطيني على أيدي الحركة الصهيونية العالمية.
إن العنصرية تحصر جوهر الإنسان بالبيولوجيا وتحدد مزايا وعيوب الناس والشعوب حسب أصولهم البيولوجية وحسب سمات ظاهرية مثل شكل الوجه والرأس والأنف والشفتين ولون البشرة والشعر والعينين. وفي معرض فضح هذا الأسلوب كتب ماركس يقول: "إن جوهر "الشخصية المتفردة" لا تحدده لحيتها ولا دمها ولا طبيعتها البدنية المجردة بل خاصيتها الاجتماعية" (ماركس، انجلز، المؤلفات المجلد الأول، ص.242).
والعنصرية التي ظهرت في مجتمع العبودية قد استُخدمت لتبرير السيطرة "الطبيعية" لأصحاب العبيد على العبيد، وفي العصور الوسطى لتبرير سيطرة "الوجهاء ذوو الدم الصافي" اصحاب الطبقة الإقطاعية على "الرعاع" أي على الجماهير الشعبية المستغلة، واعتبارًا من عهد التراكم الأولي للرأسمال استخدمت العنصرية لتبرير غزو المستعمرات واستغلالها بلا رحمة والممارسات المستمرة حتى الآن لإبادة الهنود الحمر في أمريكا والزنوج في إفريقيا الجنوبية خلال فترة نظام الابرتهايد، والتطهير العرقي في فلسطين، اليوم المحافظون الجدد كهنة الحرب الذين يدعون لحرب استباقية ضد إيران، وكانوا وراء جريمة احتلال العراق، هؤلاء العنصريون ومن منطلقات عنصرية شوفينية متيقنون من انهم يعرفون كيف يغيرون المجتمعات العربية مع ان معظمهم لم يزوروا أو يتواجدوا في منطقة الشرق العربي أبدًا! هؤلاء هم عنصريون ايديولوجيون حلفاء اليمين العنصري الشوفيني في إسرائيل بزعامة نتنياهو، لا يكترثون لتاريخ وثقافة المجتمعات العربية وغير العربية التي يريدون تغييرها لأنهم مقتنعون بان لديهم حلًا يناسب الجميع ويصلح لكل الشعوب. اجلبُ القيم الأمريكية إلى العراقيين أو السوريين ولو بقوة السلاح، والمؤامرات كما يحدث في سوريا. وهم أي الشعوب العربية سيتبنونها بشغف ويتحولون إلى ديمقراطيين (الديمقراطية الغربية الزائفة)، ومحبين لإسرائيل ومؤمنين باقتصاد السوق الحرة.
ولذلك قدم لنا هؤلاء المحافظون الجدد في الولايات المتحدة (العديد من المحافظين الجدد صهاينة ولهم روابط قوية مع حزب الليكود ورئيسه نتنياهو في إسرائيل. من قادة المحافظين الجدد والذين وضعوا لاحقًا وثيقة "مشروع من اجل قرن أمريكي جديد"، هم بول وولفوبيتز، دوغلاس فيت، ريتشارد بيرل واليوت أبرامز، المستشار الأول للرئيس بوش لشؤون الشرق الأوسط) كلهم كانوا ضمن الماكينة والحركة الانتخابية للسيناتور الديمقراطي هنري سكووب جاكسون في السبعينيات عندما كانت غايته الأساسية في الحياة آنذاك هي إرغام الاتحاد السوفييتي على السماح بهجرة يهودية حرة إلى إسرائيل من خلال التلاعب بقوانين التجارة الأمريكية. فاز جاكسون في نهاية المطاف، لكن مساعديه الذين ذكرت أسماؤهم أعلاه انتقلوا في نهاية السبعينيات – لخيبة أملهم من السياسات التوفيقية – إلى مكان يلائمهم أكثر ضمن الحزب الجمهوري (ولهذا السبب سُمّوا بالمحافظين الجدد).




*الهة النار بالبيت الأبيض!*


قبل عام واحد من إصدار وثيقة "مشروع من اجل قرن أمريكي جديد"، كانت كوندوليزا رايس قد منحتهم فرصتهم ليختاروا عددًا منهم للعمل في لجنة المستشارين السياسيين – لُقبوا بـ "Vulcans" (الهة النار عند الرومان) والتي كانت مهمتها مساعدة جورج دبليو بوش عندما كان ينافس للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة. ثم كان الحظ حليفهم عندما اختار بوش أبرزهم، ديك تشيني كمرشح لمنصب نائب الرئيس. وهم كانوا وراء الحرب واحتلال العراق.
وكتب جيمس كوك وزير الخارجية البريطاني 1997 – 2001 (استقال من منصبه احتجاجًا على مشاركة بريطانيا في غزو العراق): "بالنسبة للمحافظين الجدد، كان الدافع الرئيس وراء غزو العراق هو تأمين قاعدة جديدة للنفوذ الأمريكي في المنطقة. ولهذا السبب، لم يضيع دونالد رامسفيلد وبول وولفويتز وقتًا في وضع استراتيجية للخروج لأنهما كانا يتصوران بأنهم سيذهبون إلى العراق كي يبقوا".
إنهم وأمثالهم وأصدقاءهم هم صليبيون ايديولوجيون ولكن صليبهم هو الصليب المعكوف صليب النازية والفاشية في عصرنا. وفي عصرنا عصر الامبريالية تستخدم آراء الداروينيين الذين يطبقون باسم "الديمقراطية الرأسمالية" تعاليم داروين بشأن الانتقاء الطبيعي والصراع من اجل البقاء على المجتمع البشري من خلال مفاهيم السوق الحرة التي تعمق الفجوات بين الأغنياء والفقراء، وزيادة نسبة الفقر والموت من الجوع والأمراض في شتى أنحاء العالم لأكبر دليل على ذلك.
وكذلك تنتشر في الفترة الأخيرة في المجتمع الرأسمالي مفاهيم المالتوسية الجديدة، وأحكام الوراثة الصحية (علم الصحة الوراثي للإنسان وطرق تحسين خواصه الوراثية)، لأجل تبرير تفوق الخواص الوراثية للطبقات المسيطرة – طبقة رأسمال – بالمقارنة مع الشغيلة. وتفوق بعض الشعوب والأجناس على بعضها الآخر. واكبر مثال على ذلك الأصولية اليهودية التي تدعي بان الشعب اليهودي هو "الشعب المختار".
وقد تجلى التفاعل بين العنصرية وهذه النظريات بأخطر شكل في الفاشية والنازية والصهيونية، وكذلك في الابارتهايد مما ولده من تقييمات وإفرازات ولدها الرأسمالي الاحتكاري الامبريالي.
إن أنواع العنصرية هذه وغيرها تستخدم لتبرير مختلف النظريات القومية والمتعصبة ولتأجيج العدوان والصراعات القومية والدينية، لتحييد مفاهيم الصراع الطبقي وإشعال حروب الإبادة.
فالفاشية الألمانية، مثلا استخدمت موضوعة تفوق العرق الجرماني بوصفه عرقًا "أرقى" بمثابة واحدة من الحجج الأساسية لتبرير عدوانيتها وهمجيتها وجرائمها ضد الإنسانية جمعاء وليس فقط ضد اليهود، مع اعترافنا وتضامننا مع ضحايا النازية من يهود وغير يهود ففي الاتحاد السوفييتي وحده قتل أكثر من 26 مليون إنسان.
وبعد ان شنت النازية والفاشية الحرب العالمية الثانية حاولت ان تحقق فكرتها الهذيانية بشأن إقامة نظام عالمي "لأمة الأسياد".
أما الصهيونية فهي عندما تبرر النظرية الرجعية الزائفة بشأن "الأمة اليهودية العالمية" تنطلق من ان يهود العالم كله يشكلون امة موحدة خاصة اختارها الله وتتمتع بالحصانة ولها حقوق خاصة "بأرض الميعاد" ومن القربى بين الصهيونية والفاشية نفس الايديولوجية الحاقدة على البشر والسياسة العنصرية والنزعة العسكرية والعدوانية والتطهير العرقي. ومما له دلالته ان الفاشية والصهيونية كليهما تستخدمان، بمثابة تربة مغذية لايديولوجيتيهما وسياستيهما الرجعيتين، نوعًا آخر من العنصرية هو اللاسامية، وان لأهداف متعارضة: الفاشية لأجل رص صفوف جميع الألمان أو الفرنسيين أو أي شعب آخر مثلا ضد اليهود كما ضد القوميات الأخرى وخاصة ضد الأقليات العربية والإسلامية في أوروبا، والصهيونية لأجل رص صفوف جميع اليهود في "الأمة اليهودية العالمية" الخرافية التي تعارض بها الجميع غير اليهود.




*الرأسمالية كنقيض لمصالح للبشرية*


العنصرية الرجعية منافية للعلم في كل مظاهرها، فقد اثبت علم الانثروبولوجيا الحديث بشكل حاسم ان جميع الأجناس البشرية هي عبارة عن فئات لنوع بشري واحد هو الإنسان، وهذا الاستنتاج لا يتعارض لا مع الفرضية الأحادية ولا مع الفرضية التعددية لأصل الأجناس.
وإذا تأكدت الفرضية الأخيرة على أساس الدراسات الانثروبولوجية والاكتشافات الأثرية الجديدة فان المقصود مع ذلك هو ظهور الإنسان الذي يختلف من حيث المبدأ عن الحيوان في أوقات مختلفة وأماكن مختلفة. بغض النظر عن الفارق في زمان ظهورهم وأماكن وجودهم، كانوا يمتلكون أيدي بشرية ووعيًا بشريًا قادرين على التحسن إلى ما لا نهاية. ومن الخطأ القول بعدم جواز الفرضية التعددية في أصل الأجناس والقول بوجود خط مستقل مطلق لنشوء كل عرق وذلك لأنه لا وجود للخطوط الصافية لنشوء الأجناس. فالأمر الرئيسي في أصل الأجناس هو طابعه التكيفي. وإذا تحدثنا عن الجذوع العنصرية الأولية للبشرية ينبغي القول، أولا. ان من اللازم البحث عنها ليس في الأنواع المختلفة للإنسان القديم بل في المناطق الطبيعية المختلفة. ثانيًا – يجب عدم النسيان ان الخطوط المنطلقة من هذه الجذوع تسير ليس بصورة مستقيمة ولا متوازية، بل يحدث تكون مختلط متواصل للأجناس.
إن العسكرة للمجتمع الرأسمالي الأمريكي بدعم كهنة الحرب المحافظين الجدد واليمين الأمريكي، صديق اليمين الإسرائيلي هي أعظم عامل لعرقلة تطور القوى المنتجة ولتدميرها المباشر. وان تحويل النزعة العسكرية إلى عنصر عضوي من عناصر الاقتصاد والسياسة في أمريكا وإسرائيل لهو دليل بالغ الاهمية على ان استمرار وجود الرأسمالية دخل في تناقض جدي مع المصالح الحيوية للبشرية جمعاء ومع أمنها وسلامتها. فالامبريالية العالمية والصهيونية العالمية زادت في الفترة الأخيرة من صبغتهما القرصنية العنصرية العدوانية.
وأغلبية العنصريين المعاصرين تلجأ أكثر فأكثر إلى العنصرية النفسانية، بسبب عدم العثور على سند في البيولوجيا ومعالجة التركيب البدني لأبناء الأجناس المختلفة من اجل تبرير الاختلافات العنصرية. ويحاولون العثور على ما يحط من كرامة العرق الممقوت أو الأمة الممقوتة في "أخلاقهما الخاصة" و"طبعهما النفساني الخاص". وهذا ما يفعله اليمين الأمريكي تجاه الأمة العربية ككل واليمين الصهيوني في إسرائيل تجاه الأقلية القومية الفلسطينية في إسرائيل.
وهذه التوجهات والتصريحات والممارسات تزداد يومًا بعد يوم في إسرائيل، حيث أصبحنا على أبواب مجتمع ابرتهايد إسرائيلي من نوع جديد، ولذلك أرى بوحدة الأحزاب في الوسط العربي مع القوى الديمقراطية غير الصهيونية اليهودية، خطوة في الاتجاه الصحيح ضد الهجمة العنصرية تجاه الأقلية العربية لذلك على كل ديمقراطي غير صهيوني يهودي وكل عربي ان يُعطي دعمه وصوته – سلاحه الحضاري لهذه القائمة، لكي تصل إلى اكبر عدد ممكن من أعضاء داخل الكنيست الإسرائيلي، ومن لا يريد ان يرى عربا في الكنيست أمثال العنصري ليبرمان، فليذهب الى حيث أتى. فالوطن وطننا وسنبقى هنا في حلوق من لا يرغب بذلك. نحن نبحث عن التعايش والمساواة والحقوق القومية العادلة، ومن لا يرغب بذلك فله بئس المستقبل والمصير.
فبالنسبة لنا نحن الامميين والقوميين فلا تناقض بيننا في ذلك، فالاممي الحقيقي هو القومي الصادق، والقومي الحقيقي هو الاممي الصادق. فالبشرية تشكل تشابكًا معقدًا جدًا من الأجناس وتشعباتها وجماعاتها وشعوبها العرقية المختلطة. وتظهر على الدوام تشكيلات مختلطة جديدة من السمات الانثروبولوجية.
ويدل تقدم البشرية على ان مستوى التطور الثقافي واللغة والحالة النفسانية والانتماء القومي للناس لا تتوقف على انتمائهم العرقي. والتقدم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للشعوب منوط بنظامها الاقتصادي والاجتماعي وليس بقوامها العرقي.
ولذلك على كل إنسان تقدمي النضال ضد كل الايديولوجيات والممارسات الاجتماعية العنصرية الشوفينية بكل أشكالها. وبالنسبة لنا هنا في إسرائيل النضال ضد الايديولوجية الصهيونية، والمشاركة في الانتخابات التي ستجري في آذار المقبل هو شكل من أشكال النضال من اجل فرض وجودنا السياسي والحضاري والإنساني ضد الفاشية التي تطرق أبواب المجتمع الإسرائيلي. من اجل بناء مجتمع لا مكان فيه لأي مظهر للعنصرية.




//المراجع:


- الشيوعية العلمية – معجم – ترجم إلى اللغة العربية دار التقدم – موسكو 1985.
- الفوضى التي نظَّموها – الشرق الأوسط بعد العراق – جوين دايار – ترجمة بسام شيحا، الدار العربية للعلوم ناشرون – لبنان.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن